عناصر الخطبة
1/الزلزال تذكير وإنذار لمن يتعظ 2/خالص التعازي والمواساة في شهداء وجرحى الزلزال 3/ابتلاء المسلمين بالزلزال رحمة وعظة من الله تعالى 4/الدعوة لإغاثة المنكوبين من الزلزال 5/الخوف الإيجابي من كارثة الزلزال 6/الوصية بالتوبة والإنابة 7/فوائد وعظات من معجزة الإسراء والمعراجاقتباس
الزلازل شهادة لمن قُتل بها من المسلمين، فكيف يزعم جاهلٌ أنَّها انتقام منهم؟! فالأحاديث الصحيحة تفيد أن من يموت في الهدم وتحت أنقاض الأبنية بسبب الزلزال وغيره هو من شهداء الآخرة الذين يُنزلهم اللهُ في الآخرة منازلَ الشهداء، وأَكْرِمْ بهذه الشهادة منزلًا ومقامًا...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، قادرٌ على إنجائكم من كل كرب، -سبحانه- قادرٌ على تعذيب الناس، بالرجم والصيحة والريح، كما فعَل بعاد وثمود، -سبحانه-، قادرٌ على تعذيب البشر بالخسف والرجفة، كما فعل بقارون وأصحاب مدين.
فيا عبادَ اللهِ: الزلزال الذي شعرتُم به، فلا تكونوا من أصحاب الخوف الكاذب، ولا تؤخروا التوبة؛ فإن الموت يأتي فجأةً، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، قال وهو أصدقُ القائلينَ: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ)[الْأَنْعَامِ: 65]، قال القرطبي في تفسيره عند تفسيره هذه الآية: "وقد لبسنا العدو في ديارنا، واستولى على أنفسنا وأموالنا، مع الفتنة المستولية علينا، نقتل بعضنا بعضًا"، هذا في زمان القرطبي، فكيف لو كان في زماننا؟ تراه ماذا يقول؟ فنعوذ بالله من الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
وأشهد أن سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، لما نزلت هذه الآية: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ)[الْأَنْعَامِ: 65]، قال -عليه السلام-: "أعوذ بوجه الله"، فاللهم إنا نعوذ بوجهك من عذابك، اللهم إنَّا نسألكَ العافيةَ في الدنيا والآخرة، اللهم إنَّا نسألكَ العفوَ والعافيةَ في ديننا ودنيانا، وأهالينا وأموالنا، وفي قُدسِنا وأقصانا، وفي شعبنا وأسرانا، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمائلنا، ومن فوقنا، ونعوذ بك أن نُغتال من تحتنا.
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدكَ ورسولكَ محمد، وعلى آله وصحبه، الغُرّ الميامين، والتابعين، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أمَّا بعدُ، أيها المسلمون: زاد عدد الشهداء في زلزال تركيا وسوريا، عن أربعين ألفًا، وبلغ عدد الجرحى والمفقودين والمشردينَ أمثالَهم ويزيد، ونحن من القدس وأكنافها، ومن المسجد الأقصى ورحابه، نتقدَّم بخالص التعازي في الشهداء الذين قضوا نحبهم بسبب الزلزال، وندعو الله -تعالى- بالشفاء العاجل للجرحى والمصابين، ونسأل الله أن يربط على قلوب أهالي المفقودين، وأن يلهمهم الصبر، وأن يعوضهم خيرًا.
أيها المؤمنون: زلزال تركيا وسوريا ليس انتقامًا من الله -عز وجل-؛ بل هو ابتلاء ورحمة للمؤمنين، وعظة وتذكير لغيرهم من المسلمين، قال الله -سبحانه-: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)[الْبَقَرَةِ: 155]؛ فالزلزال والكوارث من قضاء الله وقدره، ونحن نؤمن بقضاء الله وقدره، ونسلم لله الذي له مقاليد السماوات والأرض، فاللهم بك آمِنًا ولك أسلمنا، وعليك توكلنا وإليك المصير، فاعف عنا، وتولنا برحمتك وعافيتك.
يا مسلمون: والزلازل التي تصيب المسلمين يُكفِّر اللهُ بها عنهم السيئات، ويزيد بهم حسناتهم، ويرفع بها درجاتهم، قال صلى الله عليه وسلم: "مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ بها دَرَجَةً، أَوْ حَطَّ عَنْهُ بها خَطِيئَةً، أَوْ كَتَبَ اللَّهُ بها حَسَنَةً"، والزلازل شهادة لمن قُتل بها من المسلمين، فكيف يزعم جاهل أنَّها انتقام منهم؟! فالأحاديث الصحيحة تفيد أن من يموت في الهدم وتحت أنقاض الأبنية بسبب الزلزال وغيره هو من شهداء الآخرة الذين ينزلهم الله في الآخرة منازل الشهداء، وأكرم بهذه الشهادة منزلًا ومقامًا، والشهادة يا عباد الله اصطفاء، يعطيها الله لمن يشاء من المسلمين، وهي على حالات عديدة؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: الْمَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْغَرِقُ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"، وفي حديث آخر يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الشُّهَدَاءُ سَبْعَةٌ، سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"، وذكر منهم: "وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ"، هذا كلام رسولنا -صلى الله عليه وسلم-.
يا عبادَ اللهِ: لقد أنزَل الله مَنْ يموت بالزلزال من المسلمين منازل الشهداء، لشدة الموت، وعظيم الألم فيه، فجازاهم الله بأن رزَقَهم أجرَ الشهداء، فاللهم ارحم الشهداء، وارفع درجاتهم، ومنازلهم، في الجنة.
أيها المؤمنون: سنصلي صلاة الغائب على مَنْ لَمْ يُصَلَّ عليه من شهداء الزلازل في تركيا وسوريا، وصلاة الجنازة على الغائب صلاة مشروعة، وهي مذهب الشافعية والحنابلة، ومن مقاصد صلاة الغائب على الشهداء أنَّها تعبير عن وحدة المسلمين، وتأكيد لتضامنهم، وأن ما يصيب الفرد المسلم من القتل والموت في سبيل الله له أثره على جميع المسلمين، وهذا امتثال لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ شَيْءٌ، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى".
يا مسلمون: ادفعوا زكاة أموالكم لمن تضرر من الزلزال في تركيا وسوريا، ولا مانع شرعًا أن يعجل أحدكم زكاة السنة والسنتين حسب الضرورة أو الحاجة، لِمَا رُوِيَ أن العباس -رضي الله عنه- سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في تعجيل زكاته، قبل أن يحول الحول، مسارعة إلى الخير، فأذن له في ذلك، فسارعوا إلى إخراج زكاة أموالكم، وصدقاتكم، إلى الجهات الموثوقة، لإغاثة إخوانكم الذين تضرروا بالزلزال في تركيا وسوريا، مع العلم أن الذين تضرروا بالزلزال في سوريا وتركيا زادوا عن المليونين، يقول الله -سبحانه-: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[الْمَائِدَةِ: 2]، ويقول أيضًا: (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ)[الْبَقَرَةِ: 273].
واعلموا يا عباد الله أن الأفضل في الصدقة ما كان نفعُه أكبرَ للمحتاجينَ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُوْمِنٍ كُرْبَةً مِن كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِن كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ".
يا مسلمون: في الركعة الأخيرة من صلاة الجمعة اليوم وبعد القيام من الركوع سوف نقنت وندعو الله -تعالى- أن يكشف عَنَّا وعن المسلمين ما نحن فيه من كربات، والقنوت في نفس النوازل سُنَّة من سُنَن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد اجتمعت علنيا نوازل عديدنا؛ نازلة الزلزال، ونازلة هدم البيوت، وهي تشبه الزلزالَ في آثارها، ونازلةُ الاعتداء اليوميّ على المسجد الأقصى، وانتهاك حرمته وقداسته، ونازلةُ التغوُّل على أسرانا وعلى شعبنا، ولهذا ندعو أئمة المساجد في بيت المقدس وأكنافه أن يُحيُوا هذه السنةَ في الصلوات الخمس حتى يكشف الله عَنَّا هذه النوازل برحمته.
أيها المؤمنون: الزلزال آية من آيات الله، يخوف الله بها عباده؛ لكي يتوبوا إليه، ويقلعوا عن الكفر والشرك، وعن المعاصي والخطايا، قال الله -سبحانه-: (وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا)[الْإِسْرَاءِ: 59].
نعم يا مسلمون، ذكَّرَنا الزلزال الذي حدث في فلسطين لعدة مرات بعبادة الخوف، لكن خوفنا هو خوف الكذابين، فهل ردعنا خوفنا هذا عن الخطايا والذنوب؟ وهل ردنا الخوف من الزلزال إلى طاعة الله والإنابة إليه؟ من منا رد الأموال إلى أصحابها؟ من منا تحلل من المظالم؟ من منا رجع إلى ربه باكيا ونادما؟ من منا تحلل من الدماء والأعراض، والكبائر والموبقات؟ هل تاب الخونة والعملاء؟ هل تابت النساء من التبرج والفسوق والعصيان؟ هل حققنا الأمر بالمعروف؟ هل خوفنا الزلزال حتى انتهينا عن المنكَرات ونهينا عنها؟ ألم يقرع قلوبنا قول الله -عز وجل-: (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ)[الزُّمَرِ: 16]، فاللهمَّ إنا نعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل.
أيها المسلمون: هذا الزلزال تذكيرٌ بيوم القيامة، وبالأهوال التي تكون معه وبعده، فمن منكم تذكر النفخ في الصور؟ من منكم تذكر البعث من القبور؛ (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ * قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ * أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ)[النَّازِعَاتِ: 6-9].
لقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا ذهَب ثلثُ الليل قام فقال: "يا أيها الناس، اذكروا الله، جاءت الراجفةُ، تتبعها الرادفةُ، جاء الموتُ بما فيه".
فاللهم إنَّا نعوذ بك من سوء المقام يوم القيامة، اللهم اجعلنا ممَّن يخافك فيتقيكَ ولا يعصيكَ، وإذا عصاكَ تابَ إليكَ وأنابَ، يا أرحمَ الراحمينَ.
أيها المؤمنون: والزلزال عقوبة للعاصين والكاذبين، قيل لأم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: "حدِّثِينا عن الزلزلة. فقالت: إذا استباحوا الزنا، وشربوا الخمور وضربوا بالمعازف غار الله -عز وجل- في سمائه، فقال للأرض: تزلزلي بهم، فإن تابوا ونزعوا وإلا أهدمها عليهم، قيل: يا أم المؤمنين أعذابًا لهم؟ فقالت: بل موعظة ورحمة للمؤمنين. ونكالًا وعذابًا وسُخطًا على الكافرين".
فيا أهل بيت المقدس وأكنافه: ألم تُشرَب الخمورَ؟ ألم يستباح التبرج والزنا؟ ألم توجد الدياثة في الناس؟ ألم يعزف بالمعازف في أفراحكم وأعراسكم؟ ألم يزلزل الله بكم الأرض عدة مرات في الأيام المعدودة الماضية؟ وفي الليلة الماضية أيضا؟ فهل تبتم إلى ربكم؟ الذي إن شاء زلزل أرضه تحتكم مرة أخرى، ألا تنزعون؟ أم لا تزال سكرة الغفلة تنشيكم وترديكم؟ أفيقوا أيها الناس، واستغفروا، قبل أن تهونوا على الله فلا يبالي بكم؛ فالتوبةَ التوبةَ، والاستغفارَ الاستغفارَ؛ فهما طريق النجاة من العذاب، يقول الله -تعالى-: (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)[الْأَنْفَالِ: 33]، فاللهم تب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واغفر لنا إنك أنت الغفور الحكيم.
يا عبادَ اللهِ: أصلِحوا ما بينَكم وبينَ الله، أصلِحوا ما بينَكم وبينَ إخوانكم المسلمين، أصلِحوا رباطَكم في القدس والأقصى، أصلحوا صلتكم ببيت المقدس وأكنافه، وأمروا بالمعروف، فإنَّه خير ترشدون إليه، وانهوا عن المنكر، فإنَّه شر تتقونه، قال ربنا -عز وجل-: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)[هُودٍ: 117].
يا مسلمون: اصنعوا المعروف مع الخلائق، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "صنائع المعروف تقي مصارع السوء، والصدقة تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر"، فاللهم اجعلنا من أهل المعروف وصلة الأرحام، تضرعوا يا عباد الله إلى ربكم، والجؤوا وافزعوا إليه، قال الله -سبحانه-: (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ)[الْأَعْرَافِ: 97-99].
وجاء في الحديث الشريف: "أمتي هذه مرحومة؛ إنما عذابها في الدنيا، الفتن والزلازل والقتل والبلايا"، فاللهمَّ إنا نعوذ بك أن نكون من الهالكين، اللهمَّ إنا نعوذ بك أن نكون من الخاسرين، اللهمَّ إنا نعوذ بك أن نكون من المعذبين، وأنتم يا عباد الله ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، ولي المؤمنين الصابرين، ونشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، له الملكُ، وله الحمدُ، وهو على كل شيء قدير، ونشهد أن سيدنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، وصَفِيُّه وخليلُه، بلَّغ رسالةَ ربِّه، وأدَّى أمانتَه، ونصَح أُمَّتَه، صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين، وعلى أصحابه الغُرّ الميامين، وعلى التابعين، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أمَّا بعدُ، أيها المسلمون: الزلازل آية من آيات الله، دالَّة على عظمته وقدرته، والإسراء والمعراج آية من آيات الله، دلَّت على عظمته وقدرته، زلزلت قلوب كفار مكة، فازدادوا كفرًا جهلًا واستكبارًا، وزلزلت قلوب الصحابة الكرام، فازدادوا يقينًا وإيمانًا، وآية الإسراء بنبينا -صلى الله عليه وسلم- من مكة إلى القدس ملَّكَتْنا القدس، بأمر رب العالمين، لم نَمتَلِكْها احتلالًا واغتصابًا، وإنَّما تملكناها حقًّا وافيًا، من ربنا ونصابا، حقًّا لا نتنازل عنه، فالقدس ملك للعرب والمسلمين، وبالإسراء تملكنا المسجد الأقصى، ملكنا إيَّاه الله ربنا -تعالى-، ما دامت الدنيا قائمة، فهو وما ضمه سوره مسجد وحق خالص للمسلمين، فلماذا ينشغل العرب والمسلمون عن هذا الحق المبين ولا نسمع منهم جعجعة ولا نرى معهم طحينا؟
أيها المؤمنون: آية الإسراء والمعراج أعطَتْنا الحقَّ في قيادة الأمم، فلماذا نسير في ذيل قافلتها؟ نشحذ منها أوامرنا ونواهينا؟ ومستقبلنا وحاضرنا؟
أيها المسلمون: آية الإسراء والمعراج علمَتْنا الأخذَ بالأسباب حتى ندفع الشرَّ والظلمَ عنَّا، فلماذا ترَكْنا التوكلَ على الله، واكتفينا بالتواكل، آية الإسراء والمعراج علمتنا أن الحزن يتبعه الفرح والسرور، وأن الظلم زائل، وأن الله مع المسلمين، يُرَبِّيهم بالابتلاء، ويكرمهم بالتمكين والاعتلاء.
يا مرابطون: في ذكرى الإسراء والمعراج نتذكر أن القدس تزلزلت بالصليبيين نحو تسعين عامًا، فجاء الناصرُ لدين الله فزلزل الأرضَ تحتَهم وأخرَجَهم منها صاغرينَ؛ (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ)[الدُّخَانِ: 29].
فيا مرابطون، يا أهل الإسراء، ويا أهل المعراج: أيامكم القادمة أيام ابتلاء وفتنة وكرب شديد، فاتقوا الله واصبروا، واعتبِروا ورابِطوا، وخذوا حذركم، ووحِّدوا صفَّكم وكلمتَكم، واثبتوا على ما أنتم عليه من الحق، واعلموا أن النصر مع الصبر، وأنكم أنتم بشارة رسولكم -صلى الله عليه وسلم-، على الحق ظاهرين، ولعدوكم قاهرين، لا تضركم اللأواء والضراء، ولا يضركم ما تجدونه من الأعداء، فرحم الله موتاكم، وحفظ الله الأحياء منكم، للرباط في القدس والأقصى، فشدوا رحالكم إلى الأقصى في صلواتكم كلها، وعلقوا قلوبكم وأرواحكم في قناديله، واجعلوا نشيدكم دائمًا:
لَيْتَ لِي أكثرُ مِنْ قَلْبٍ وَرُوحْ *** كي أظلَّ العمرَ للأقصى أَرُوحْ
اللهم إنَّا نُشهِدُكَ أنَّ الأقصى أقصانا، ونُشهِدُكَ أنَّ المسرى مسرانا، ونُشهِدُكَ أنَّ القدسَ قُدسُنَا فيها بقاؤنا ووجودُنا، وفيها موتُنا ومحيانا، ونُشهِدُكَ أنَّكَ ربُّنا ومولانا، فيا ربَّنا أَعِنَّا ولا تُعِنْ علينا، وانصرنا ولا تُنصُرْ علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، ويسِّر الْهُدَى إلينا وانصرنا على من بغى علنيا، اللهم إنا نستودعك قدسنا وأقصانا، ونستودعك شعبنا وأسرانا، فإنك أنت خير حافظًا وأنت أرحم الراحمين.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولذرارينا، ولزوجاتنا وأهالينا، واغفر اللهم للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات.
عبادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه يزدكم، واستغفروه يغفر لكم، وأنتَ يا مُقيمَ الصلاة أَقِمِ الصلاةَ: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].
التعليقات