قضايا الشباب (2) الهموم والاتجاهات

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/هموم الشباب بين المأمول والواقع 2/معينات الشباب نحو الاتجاهات الراشدة 3/أسباب انحراف الشباب 4/حماية الشباب من التوجهات المنحرفة.

اقتباس

إِنَّ فِي صُدُورِ الشَّبَابِ مَرَاجِلَ تَفُورُ، وَنَارًا تَشْتَعِلُ، وَحَيْرَةً تَضْطَرِمُ، وَفِي قُلُوبِهِمْ تَطَلُّعَاتٌ وَآمَالٌ وَهُمُومٌ وَأَحْزَانٌ وَآلَامٌ، وَلِعُقُولِهِمْ تَوَجُّهَاتٌ وَتَسَاؤُلَاتٌ وَنَزَعَاتٌ... وَالْوَاجِبُ أَنْ نُحَاوِلَ فِي فَهْمِ ذَلِكَ وَمُوَاكَبَتِهِ ثُمَّ الْعَمَلِ عَلَى إِرْشَادِهِ وَاسْتِثْمَارِهِ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

فَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ فِي صُدُورِ الشَّبَابِ مَرَاجِلَ تَفُورُ، وَنَارًا تَشْتَعِلُ، وَحَيْرَةً تَضْطَرِمُ، وَفِي قُلُوبِهِمْ تَطَلُّعَاتٌ وَآمَالٌ وَهُمُومٌ وَأَحْزَانٌ وَآلَامٌ، وَلِعُقُولِهِمْ تَوَجُّهَاتٌ وَتَسَاؤُلَاتٌ وَنَزَعَاتٌ... وَالْوَاجِبُ أَنْ نُحَاوِلَ فِي فَهْمِ ذَلِكَ وَمُوَاكَبَتِهِ ثُمَّ الْعَمَلِ عَلَى إِرْشَادِهِ وَاسْتِثْمَارِهِ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ النَّاظِرَ إِلَى هُمُومِ أَغْلَبِ شَبَابِ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ وَتَطَلُّعَاتِهِمْ يَتَمَلَّكُهُ الْحُزْنُ وَالْكَمَدُ عَلَى حَالِهِمْ؛ فَهَذَا لَاهٍ بِالْحُبِّ وَالْغَرَامِ، وَهَذَا يَتَتَبَّعُ الْأَزْيَاءَ وَالْمَوْضَاتِ وَالسَّيَّارَاتِ الْفَارِهَاتِ!

 

وَثَالِثٌ مُنْغَمِسٌ فِي عَالَمِهِ الْخَيَالِيِّ الْخَاصِّ بَيْنَ الْأَفْلَامِ وَالْفَضَائِيَّاتِ وَالْقِصَصِ وَالرِّوَايَاتِ، مُنْقَطِعٌ عَنِ الْوَاقِعِ، غَيْرُ مُكْتَرِثٍ بِهِ!

 

وَرَابِعٌ قَدْ جَعَلَ الدُّنْيَا قِبْلَتَهُ وَظَنَّهَا جَنَّتَهُ، يَجْمَعُ الْمَالَ أَوْ يَسْعَى إِلَى الْمَنَاصِبِ، لَا يَلْتَفَتُ إِلَى دِينِهِ، وَلَا يَعْمَلُ لِآخِرَتِهِ.. وَقَدْ صَوَّرَ الشَّاعِرُ حَالَ هَؤُلَاءِ قَائِلًا:

فَهَذَا لَاهٍ بِالْحُبِّ *** يَأْسِرُهُ وَبِكُلِّ جَنَانِ

وَالْآخَرُ شَغِفٌ بِعَرَبَاتٍ *** وَبِحُلَلٍ تَبْدُو كَأَكْفَانِ

وَذَاكَ شَاعِرٌ حَالِمٌ *** قَدْ بُهِرَ بِرَوْضٍ وَجِنَانِ

لَا فَرْقَ لَدَيْهِمْ فِي عِزٍّ *** أَوْ ذُلٍّ عَاشَتْ أَوْطَانِي

 

وَإِنَّ مِنْ شَبَابِ الْيَوْمِ مَنْ إِذَا رَأَتْهُ الْعُيُونُ، اسْتَبْشَرَتِ الْقُلُوبُ وَتَهَلَّلَتِ الْوُجُوهُ، مِنْهُمْ مَنْ هَمُّهُ الْأَعْظَمُ الْعَوْدَةُ بِدِينِ اللَّهِ إِلَى عِزِّهِ وَمَجْدِهِ، مَنْ يَسْعَى جَاهِدًا إِلَى مَرْضَاةِ اللَّهِ -تَعَالَى- وَفَضْلِهِ، مَنْ يَبِيتْ قَائِمًا بَاكِيًا وَيُصْبِحُ صَائِمًا مُجَاهِدًا، مَنْ يَتَعَلَّمُ الْعِلْمَ لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِلَّهِ، مَنْ يَحْمِلُ هَمَّ أُمَّتِهِ وَدَعْوَتِهِ، يَنْطَبِقُ عَلَيْهِمْ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

إِذَا شَهِدُوا الْوَغَى كَانُوا كُمَاةً *** يَدُكُّونَ الْمَعَاقِلَ وَالْحُصُونَا

وَإِنْ جَنَّ الْمَسَاءُ فَلَا تَرَاهُمْ *** مِنَ الْإِشْفَاقِ إِلَّا سَاجِدِينَا

 

وَإِنَّنِي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَنْسَى أُمْنِيَّةَ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَقَدْ أَتَى لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "سَلْ" فَقَالَ رَبِيعَةُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ: "أَوَغَيْرَ ذَلِكَ؟" قَالَ: هُوَ ذَاكَ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، فَهَذَا هَمُّهُ الْأَوْحَدُ، وَتِلْكَ غَايَتُهُ السَّامِيَةُ.

 

وَإِنَّا نَأْمُلُ وَنَتَطَلَّعُ مِنْ شَبَابِ الْيَوْمِ سُمُوًّا إِلَى الْقِمَمِ، وَصُعُودًا إِلَى النُّجُومِ، وَطُمُوحًا فِي الْمَعَالِي لَا مُنْتَهَى لَهُ: وَ"لَوْ كَانَ الْإِيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَلَقَدْ كَانَ الشَّبَابُ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَفِي كُلِّ أُمَّةٍ هُمْ سَبَبَ نَهْضَتِهَا وَسِرَّ تَفَوُّقِهَا.

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ -تَعَالَى- وَفَضْلِهِ أَنْ جَعَلَ لِلشَّبَابِ مَا يُعِينُهُمْ عَلَى سُلُوكِ طَرِيقِهِ وَالتَّرَقِّي فِي دَرَجَاتِهِ، وَمِنْ تِلْكَ الْمُعِينَاتِ:

الصُّحْبَةُ الصَّالِحَةُ: فَهِيَ الَّتِي تَأْخُذُ بِيَدِهِ إِلَى الْخَيْرِ وَتَنْهَاهُ عَنِ الشَّرِّ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ"(حَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

وَخَالِطْ إِذَا خَالَطْتَ كُلَّ مُوَفَّقٍ *** مِنَ الْعُلَمَاءِ أَهْلِ التُّقَى وَالتَّسَدُّدِ

يُفِيدُكَ مِنْ عِلْمٍ وَيَنْهَاكَ عَنْ هَوًى *** فَصَاحِبْهُ تُهْدَ مِنْ هُدَاهُ وَتَرْشُدِ

 

وَمِنْهَا: الِانْشِغَالُ الدَّائِمُ بِمَا يُفِيدُ؛ فَقَدْ قِيلَ: "مِنْ عَلَامَاتِ الْمَقْتِ إِضَاعَةُ الْوَقْتِ"، بَلْ هَذَا الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "إِنِّي لَأَبْغَضُ الرَّجُلَ فَارِغًا؛ لَا فِي عَمَلِ دُنْيَا وَلَا فِي عَمَلِ الْآخِرَةِ"(الْآدَابُ الشَّرْعِيَّةُ، لِابْنِ مُفْلِحٍ)، وَيَقُولُ ابْنُ الْقَيِّمِ: "إِضَاعَةُ الْوَقْتِ أَشَدُّ مِنَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ إِضَاعَةَ الْوَقْتِ تَقْطَعُكَ عَنِ اللَّهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ، وَالْمَوْتُ يَقْطَعُكَ عَنِ الدُّنْيَا وَأَهْلِهَا"(الْفَوَائِدُ، لِابْنِ الْقَيِّمِ).

وَلَا يَذْهَبَنَّ الْعُمْرُ مِنْكَ سَبَهْلَلَا *** وَلَا تُغْبَنَنَّ فِي النِّعْمَتَيْنِ بَلِ اجْهَدْ

 

وَمِنَ الْمُعِينَاتِ: الدَّلَالَةُ عَلَى الْفَضَائِلِ، وَالتَّذْكِيرُ بِالْمَعَالِي؛ فَلَطَالَمَا كَانَ التَّذْكِيرُ نَافِعًا لِلْمُؤْمِنِينَ مُجَنِّبًا لَهُمْ شَرَّ الْهَلَكَاتِ، يَقُولُ اللَّهُ -تَعَالَى-: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ)[الذَّارِيَاتِ: 55]، وَلَقَدْ حَثَّنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى دَلَالَةِ بَعْضِنَا بَعْضًا عَلَى الْخَيْرِ قَائِلًا: "مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ"(صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

 

وَمِنْهَا: مُمَارَسَةُ الرِّيَاضَةِ؛ فَالرِّيَاضَةُ صَخْرَةٌ تَتَحَطَّمُ عَلَيْهَا سَفِينَةُ الشَّهَوَاتِ، وَهِيَ تَقْوِيَةٌ لِلْجَسَدِ وَإِعْدَادٌ لَهُ لِلْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَ"الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وَلَطَالَمَا أَمَرَ نَبِيُّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَائِلًا: "أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وَقَائِلًا: "ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ لِانْحِرَافِ الشَّبَابِ أَسْبَابًا عَدِيدَةً، لَعَلَّ أَهَمَّهَا مَا يَأْتِي:

أَوَّلًا: فِقْدَانُ الرِّعَايَةِ وَالْإِرْشَادِ؛ فَتَجِدُ الْجَمِيعَ عَنْهُ مَشْغُولًا، فَالْأَبُ عَلَى عَمَلِهِ مَكْبُوبًا، وَالْأُمُّ لَا تُعِيرُهُ اهْتِمَامًا، وَفِي مَدْرَسَتِهِ يَسْقُونَهُ بَعْضَ الْقُشُورِ، وَلَا يَعُدُّونَهُ لِلْمُهِمَّاتِ، فَيَشِبُّ الشَّابُّ يَتِيمًا بَيْنَ أَبَوَيْهِ، جَاهِلًا وَسَطَ مُعَلِّمِيهِ!

 

ثَانِيًا: صُحْبَةُ السُّوءِ؛ فَعَنْ أَبِي مُوسَى -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السُّوءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ: إِمَّا أَنْ يَحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

ثَالِثًا: افْتِقَادُ الْقُدْوَةِ الصَّالِحَةِ؛ فَلَا يَجِدُونَ أَمَامَ أَعْيُنِهِمْ إِلَّا فَاسِقًا أَوْ مُرَائِيًا أَوْ لَاهِيًا غَافِلًا، وَكُلَّمَا وَقَعَتْ أَعْيُنُهُمْ عَلَى مَنْ يَظُنُّونَهُ صَالِحًا فَاجَأَهُمُ الْخَلَلُ وَالْعَوَارُ، وَصَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّمَا النَّاسُ كَالْإِبِلِ الْمِائَةِ، لَا تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، أَمَّا الْقُدُوَاتُ الصَّالِحَةُ بِحَقٍّ فَقَلِيلَةٌ، وَهِيَ إِمَّا مَمْنُوعَةٌ مِنَ الظُّهُورِ أَوْ مُضَيَّقٌ عَلَيْهَا!

 

رَابِعًا: الِاغْتِرَارُ بِالْإِعْلَامِ الْفَاسِدِ؛ الَّذِي يُرَوِّجُ لِلْأَفْكَارِ الْمُنْحَرِفَةِ وَالشُّبُهَاتِ الدَّاحِضَةِ وَالشَّهَوَاتِ الْفَاتِكَةِ؛ فَوَيْلٌ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)[النُّورِ: 19].

 

خَامِسًا: تَعَسُّرُ سَبِيلِ الْحَلَالِ، وَتَيَسُّرُ الْحَرَامِ؛ فَفِي طَرِيقِ الزَّوَاجِ يَضَعُونَ الْعَرَاقِيلَ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي الْمُهُورِ إِلَى غَلَاءِ الْبُيُوتِ وَالتَّجْهِيزَاتِ.. بَيْنَمَا طَرِيقُ الْحَرَامِ مَيْسُورٌ مِنْ مُخَادَنَةٍ وَمُوَاعَدَةٍ لَا تُكَلِّفُ إِلَّا الْقَلِيلَ!

 

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، أَمَّا بَعْدُ:     

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ الْعَاقِلَ يَتَسَاءَلُ وَكَيْفَ نَحْمِي شَبَابَنَا مِنَ التَّوَجُّهَاتِ الْمُنْحَرِفَةِ وَالْفَاسِدَةِ؟ وَالْجَوَابِ:

أَوَّلًا: بِتَحْصِينِ الْقَلْبِ وَالْعَقْلِ؛ فَنُحَصِّنُ قُلُوبَ الشَّبَابِ بِحُبِّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَحُبِّ شَرِيعَتِهِ وَتَعَالِيمِ دِينِهِ، وَحُبِّ تَارِيخِ الْإِسْلَامِ وَأَبْطَالِهِ.. وَنُحَصِّنُ عَقْلَهُ بِتَبْصِيرِهِ بِمَا يُرَادُ بِأُمَّتِهِ وَبِخَاصَّةٍ شَبَابُهَا، وَنُجَلِّي أَمَامَهُ الْحَقَائِقَ، وَنُمَيِّزُ لَهُ بَيْنَ طَرِيقِ الْعِزَّةِ وَالْمَجْدِ وَبَيْنَ طَرِيقِ الذِّلَّةِ وَالْبَوَارِ.

 

وَثَانِيًا: تَعْلِيمُهُ مُخَالَفَةَ النَّفْسِ وَالْهَوَى؛ وَالشَّبَابُ أَحْوَجُ النَّاسِ إِلَى مُخَالَفَةِ دَوَاعِي الْهَوَى وَالزَّلَلِ؛ (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)[النَّازِعَاتِ: 40-41].

فَمَنْ هَجَرَ اللّذَّاتِ نَالَ الْمُنَى *** وَمَنْ أَكَبَّ عَلَى اللّذَّاتِ عَضَّ عَلَى الْيَدِ

وَفِي قَمْعِ أَهْوَاءِ النُّفُوسِ اعْتِزَازُهَا *** وَفِي نَيْلِهَا مَا تَشْتَهِي ذُلُّ سَرْمَدِ

 

وَثَالِثًا: تَعْلِيمُهُمُ الْعِلْمَ النَّافِعَ؛ فَإِنَّ الْعِلْمَ الرَّاسِخَ يُنِيرُ لَهُمُ الطَّرِيقَ وَيُوَسِّعُ مَدَارِكَهُمْ وَيُرْشِدُ أَفْهَامَهُمْ وَيُنَمِّي قُدُرَاتِهِمْ وَيُنْقِذُهُمْ مِنَ الْمُدْلَهِمَّاتِ، وَلَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- نَبِيَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَائِلًا: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا)[طه: 114].

 

وَرَابِعًا: نَهْيُهُمْ عَنِ التَّنَعُّمِ الزَّائِدِ؛ وَتِلْكَ وَصِيَّةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِذَلِكَ الشَّابِّ الْفَتِيِّ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ لَهُ: "إِيَّاكَ وَالتَّنَعُّمَ؛ فَإِنَّ عِبَادَ اللَّهِ لَيْسُوا بِالْمُتَنَعِّمِينَ"(صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ)، وَفِي تَرْكِ الْمُبَالَغَةِ فِي التَّنَعُّمِ غَلْقٌ لِمَدَاخِلِ الشَّيْطَانِ، وَقَطْعٌ لِمَطَامِعِ النَّفْسِ وَالْهَوَى.

 

فَيَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ: جَدِّدُوا هُمُومَكُمْ وَاهْتِمَامَاتِكُمْ، وَاسْمُوا فَوْقَ الْجَوْزَاءِ بِطُمُوحَاتِكُمْ، وَتَطَلَّعُوا إِلَى كُلِّ شَرَفٍ وَفَخْرٍ وَفَضِيلَةٍ، وَارْفَعُوا لِوَاءَ الطُّهْرِ وَالنَّقَاءِ، وَانْأَوْا بِأَنْفُسِكُمْ عَنْ مَوَاطِنِ الشُّبُهَاتِ وَمَزَالِقِ الشَّهَوَاتِ، لِتَكُونُوا خَيْرَ خَلَفٍ، لِخَيْرِ سَلَفٍ.

 

فَاللَّهُمَّ أَعِنْ شَبَابَنَا عَلَى سُلُوكِ طَرِيقِكَ، وَثَبِّتْهُمْ عَلَيْهِ، وَجَنِّبْهُمْ طُرُقَ الزَّلَلِ وَالْخُسْرَانِ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المرفقات
WEukRlcQ0xmO7VgvtQIDxbm7vpn7D6HkmvXUg5Z3.pdf
DWbOwxnuc4KaANAY8qONGPS4uDL2QK3fsejVHm3G.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life