عناصر الخطبة
1/قصة الرجل المشلول من أولها إلى آخرها 2/إِيواء المتسللين وتشغليهم مخالفة لولي الأمر تستوجب الإثماقتباس
ما السرُّ يا تُرى! تَرَى رَجُلاً يُصابُ بمصائبَ متواليٍة، فلا تَراهُ إلا حامِدًا لربِهِ ذاكِرًا؟! تَرى مَريضًا يُخبرُه الطبيبُ بأنه مُصابٌ بسرطانٍ أو بِتَلَيُفٍ أو فَشَلٍ كُلويٍ، ويَستقبلُ الخبرَ بكلِ ثباتٍ ويقينٍ! ثم يَطولُ بَلاؤُه! وتُبرِّحُ به آلامُهُ! فلا يَزيدُه ذلكَ إلا...
الخطبة الأولى:
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فلنَتقِ اللهَ -تباركَ وتعالَى-، فتقوَاهُ اتِّقاءٌ وارتقاءٌ.
ما السرُّ يا تُرى! تَرَى رَجُلاً يُصابُ بمصائبَ متواليٍة، فلا تَراهُ إلا حامِدًا لربِهِ ذاكِرًا؟!
تَرى مَريضًا يُخبرُه الطبيبُ بأنه مُصابٌ بسرطانٍ أو بِتَلَيُفٍ أو فَشَلٍ كُلويٍ، ويَستقبلُ الخبرَ بكلِ ثباتٍ ويقينٍ! ثم يَطولُ بَلاؤُه! وتُبرِّحُ به آلامُهُ! فلا يَزيدُه ذلكَ إلا أُنسًا ورَوحًا؟!
ما السرُ يا تُرى أن تَرَى رَجُلاً يُبتلَى بالفقرِ والدُيونِ التي رُبما تُدخلُهُ السجنَ! فلا تَسمعُ منه إلا ثقةً بربهِ أن كُربَتَهُ ستَنفرِجُ، بل ولا تَراه يُغيرُ من برنامجِهِ اليوميِ شيئًا؟!
أتدريْ ما السرُّ؟
إنه قوةُ الإيمانِ.
إنها السكينةُ التي يُنزِلها اللهُ في قلوبِ المُبتلَينَ المؤمِنينَ، فتَطمئنُ قُلوبُهُم، وتسكنُ جوارحُهُم: (وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ)[التوبة: 25-26].
إليكَ قصةً عجيبةً من أولِها إلى آخرِها.
إنها قصةُ عالمٍ عابدٍ صابرٍ ابتُليَ بجسدِهِ، لكن اللهَ أنزلَ سكينَتَه عليهِ.
كانَ يعيشُ في آخرِ حياتِهِ في خيمةٍ، وقد ذهبَتْ يَدَاهُ وَرجلَاهُ، وَثقُلَ سَمعُهُ وبصَرُه، وَمَا لَهُ مِنْ جارحةٍ تَنْفَعهُ إِلَّا لِسَانُهُ، فمرَّ بهِ رجُلٌ فسَمِعَه يُرَدِّدْ: "اللَّهُمَّ أَوْزِعْنِي أَنْ أشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ بِهَا عَلَيَّ، وَفَضَّلْتَنِي على كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْتَ تَفْضِيلاً".
فقالَ لهُ: "وأَيُّ نِعْمَةٍ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْكَ؛ تَحْمَدُهُ عَلَيْهَا؟!" قَالَ: "وَاللَّهِ لَوْ أَرْسَلَ السَّمَاءَ عَلَيَّ نَارًا فَأَحْرَقَتْنِي، وَأَمَرَ الْجِبَالَ فَدَمَّرَتْنِي، وَأَمَرَ الْبِحَارَ فَغَرَّقَتْنِي، وَأَمَرَ الأَرْضَ فَبَلَعَتْنِي، مَا ازْدَدْتُ لِرَبِّي إِلا شُكْرًا؛ لِمَا أَنْعَمَ عَلَيَّ مِنْ لِسَانِي هَذَا، وَلَكِنْ يَا عَبْدَ اللهِ! إِذْ أَتَيْتَنِي؛ لِي إِلَيْكَ حَاجَةٌ، فأَنَا لَسْتُ أَقْدِرُ لِنَفْسِي على ضُرٍّ وَلا نَفْعٍ، وَلَقَدْ كَانَ مَعِيَ بُنَيٌّ لِي يَتَعَاهَدُنِي، فيوَضِّيْنِي ويُطْعِمَنِي، ويَسْقِينِي، وَلَقَدْ فَقَدْتُهُ مُنْذُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ، فَتَحَسَّسْهُ لِي -رَحِمَكَ اللَّهُ-" فَقُلْتُ: "وَاللَّهِ مَا مَشَى خَلْقٌ فِي حَاجَةِ خَلْقٍ كَانَ أَعْظَمَ عِنْدَ اللَّهِ أَجْرًا مِمَّنْ يَمْشِي فِي حَاجَةِ مِثْلِكَ".
قَالَ: "فَمَضَيْتُ فِي طَلَبِ الْغُلامِ، فَمَا مَضَيْتُ غَيْرَ بَعِيدٍ، حَتَّى صِرْتُ بَيْنَ كُثْبَانٍ مِنَ الرَّمْلِ، فَإِذَا أَنَا بِالْغُلامِ، قَدِ افْتَرَسَهُ سَبُعٌ وَأَكَلَ لَحْمَهُ، فَاسْتَرْجَعْتُ وأنا مُتحيِّرٌ، ماذا أقولُ له.
فَبَيْنَمَا أَنَا مُقْبِلٌ نَحْوَهُ إِذْ خَطَرَ على قَلْبِي ذِكْرُ أَيُّوبَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلتُ: أَلَيْسَ قَدِ ابْتَلاهُ بِمَالِهِ وَآهلِهِ وَوَلَدِهِ؟ قَالَ: بَلَى. قُلْتُ: فَكَيْفَ وَجَدَهُ؟ قَالَ: وَجَدَهُ صَابِرًا شَاكِرًا. أَوْجِزْ -رَحِمَكَ اللَّهُ- قُلْتُ لَهُ: إِنَّ الْغُلامَ الَّذِي أَرْسَلْتَنِي فِي طَلَبِهِ، وَجَدْتُهُ بَيْنَ كُثْبَانِ الرَّمْلِ، وَقَدِ افْتَرَسَهُ سَبُعٌ فَأَكَلَ لَحْمَهُ، فَأَعْظَمَ اللَّهُ لَكَ الأَجْرَ، وَأَلْهَمَكَ الصَّبْرَ! فَقَالَ الْمُبْتَلَى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَخْلُقْ مِنْ ذُرِّيَّتِي خَلْقًا، يَعْصِيهِ فَيُعَذِّبَهُ بِالنَّارِ.
ثُمَّ اسْتَرْجَعَ، وَشَهَقَ شَهْقَةً فَمَاتَ، فَقُلْتُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، عَظُمَتْ مُصِيبَتِي! فَسَجَّيْتُهُ، وَقَعَدْتُ عِنْدَ رَأْسِهِ بَاكِيًا، فَبَيْنَمَا أَنَا قَاعِدٌ إِذْ مرَّ عَلَيَّ رِجَالٌ، فأخبرتُهم الخبرَ، فَكَشَفوا عَنْ وَجْهِهِ، فَانْكَبّوا عَلَيْهِ، يُقَبِّلُونَ عَيْنَيْهِ ويَبكونَ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا -يَرْحَمُكُمُ اللَّهُ-؟ فَقَالُوا: هَذَا أَبُو قِلابَةَ الْجرْمِيُ، صَاحبُ ابنِ عَبَّاسٍ. فَغَسَّلْنَاهُ، وَكَفَّنَّاهُ، وَصَلَّيْنَا عَلَيْهِ، وَدَفَنَّاهُ.
فَلَمَّا أَنْ جَنَّ عَلَيَّ اللَّيْلُ وَضَعْتُ رَأْسِي، فَرَأَيْتُهُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ فِي رَوْضَةٍ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَعَلَيْهِ حُلَّتَانِ مِنْ حُلَلِ الْجَنَّةِ، وَهُوَ يَتْلُو قَوْلَ اللهِ -تعَالَى: (سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)[الرعد: 24] فَقُلْتُ: أَلَسْتَ بِصَاحِبِي؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: أَنَّى لَكَ هَذَا؟ قَالَ: إِنَّ للَّهِ دَرَجَاتٍ لَا تُنَالُ إِلا بِالصَّبْرِ عِنْدَ الْبَلاءِ، وَالشُّكْرِ عِنْدَ الرَّخَاءِ"(الثقات، لابن حبان، والمنتظم في تاريخ الملوك والأمم).
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ، وصلاةً وسلامًا على رسولِ اللهِ.
أما بعدُ: ظاهِرةٌ خَطِيرةٌ تَستدْعِي مِنّا جِدًا وتَكَاتُفًا لأجْلِ أمْنِ بِلادِنا، ألا وهيَ: الحذَرُ كُلُ الحَذَرِ مِن إِيواءِ الْمُتَسَلِّلِينَ والْمُخالِفِينَ وَتَشْغِيلِهِمْ، فإنَّ في ذلكَ مُخالَفَةً لِوَلِيِّ الأَمْرِ تَسْتَوجِبُ الإِثْمِ، وَنَشْرًا لِلفَوْضَى.
وَقَدْ يَكُونُ في وُجُودِ هذا الْمُتَسَلِّلِ خَطَرٌ أَمْنِيٌّ أَوْ أَخْلاقِيٌّ أو صِحيٌ عَلى الْمُجْتَمَعِ أَوْ البَلَدِ، فإذا ثَبَتَ ذلكَ صارَ مَنْ يُؤْوِيهِ داخِلاً في الوَعِيدِ الْمَذْكُورِ في صَحيحِ مُسلمٍ في قَولِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَعَنَ اللهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا" أيْ مُفْسِدًا أو جَانيًا، بأنْ حَمَاه ولمْ يمْنَعْهُ.
فلنُحافِظْ على أمْنِ واقتصادِ وصحةِ وطنِنا، ولنُساهِمْ في القضاءِ على هذه العمالةِ السائبةِ أو المتسللةِ، بالتبليغِ عنهمِ.
فاللهم آمِن أوطانَنا، وأيِّدْ بالحقِ إمامَنا، ووليَ عهدِه، وأعزَّ بهمْ دينَك، وارزقهُم بطانةً صالحةً ناصحةً، دالّةً مُذكِّرةً.
اللهم احفظْ مجاهدِينا ومرابطِينا، وجنودَنا على حدودِنا، واكفِنا وإياهم وبلادَنا شرَّ الأشرارِ، وكيدَ الفجارِ، والحاسدِينَ والمتربِصينَ.
اللهم لك الحمدُ على الهدايةِ للإيمانِ، والأمنِ في الأوطانِ، والعافيةِ في الأبدانِ.
اللهم اشفِ مَرضانا، وارحمْ مَوتانا، وارحمْ مَثْوانا.
اللهمَ أعنَّا على أنْ نشكُرَكَ على لُطفِكَ في بلائِكَ، وأن علمتَنا سبيلَ دفعهِ، ورفعهِ، اللَّهُمُّ وَاِرْفَعْ عَنَا البَلاءَ وَالْوَبَاءَ.
اللهمَ باركْ في أوقاتِنا وأقواتِنا، وأصلِح وِلدانَنا، وارحم والدِينا.
اللَّهُمَّ صَلِّ وسلمْ عَلَى مُحَمَّدٍ.
التعليقات