عناصر الخطبة
1/ قصة الفداء 2/ دعوةٌ للمحبة وصلة الأرحام 3/ الاعتداء على المسلمين في العيد حسَداً لهماقتباس
إننا -أيها الإخوة المؤمنون- نعيش في هذه الأيام المباركات هذه الذكريات، فعلينا أن نعيشها بقلوبنا، علينا أن ننتهز هذه الفرصة، فرصة العيد، بأن نسارع بتنفيذ أوامر الله -تعالى-، لم يأمرنا بذبح أولادنا، لكنه أمرنا بإصلاح ذات بيننا، وإحسان معاملة خلقه.
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.
(إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً) [النحل:120]، كان فردا واحداً، لكن الله -تعالى- شهد له في كتابه العزيز بأنه كان أمة.
لما كان فتىً صغيراً، وقف أمام قومه كلهم، وحطم أصنامهم بيديه، (فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ * قَالُوا مَن فَعَلَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ) [الأنبياء:58-60]، فتى!.
ثم خاطبهم خطاب الواثق، سفّه عقولهم وأحلامهم: (قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَىٰ أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ * قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ * فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ * ثُمَّ نُكِسُوا عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَٰؤُلَاءِ يَنطِقُونَ * قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ) [الأنبياء:61-70].
لقد آثر الفتى أن يحرق في سبيل الله ليؤصل للدين، فقدم جسده قربانا لرب العالمين، فأنجاه الله -تعالى-، (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ). لقد أعزه الله، ففي آية أخرى: (فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ) [الصافات:98]، وهكذا أصبح الفتى في علوٍّ وأهل الشرك أسفل منه!.
ونحن، أمة المسلمين، عددنا كبير، ولكننا غثاء كغثاء السيل! وبدلا من أن نخرج الناس من الظلمات إلى النور، تتجول بيننا حملات التنصير! بل احتلوا أرضنا، فصدقت نبوة رسولنا الكريم: "يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها"، فقال قائل: ومِن قلَّةٍ نحن يومئذ؟ قال: "بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السَّيل، ولينزعنَّ الله مِن صدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوَهَن". فقال قائل: يا رسول الله، وما الوَهْن؟ قال: "حبُّ الدُّنيا، وكراهية الموت". لذا كان ما نحن فيه من ذل! فالذل نتيجة أكيدة للخلود إلى الدعة والراحة وحب الدنيا!.
هاجر الفتى من ذلك المكان الظالم أهله، وظل يعبد الله سنين وسنين، ثم لما كبِرت سنه، رزقه الله بطفلٍ على الكبر، إسماعيل.
ثم أمره الله -تعالى- بأن يترك ابنه إسماعيل ووالدته هاجر في مكة، فذهب بهم إلى هناك، ومكة إذ ذاك صحراء جرداء قاحلة في ظاهرها، والله -تعالى- يعلم أنها ستكون المكان المعمور الذي تجبى إليه ثمرات كل شيء، فسافر بهم إلى هناك، وتركهم في ذلك العراء، وقفل راجعاً، فنادته زوجه هاجر وهو ذاهب عنها وعن ابنها تاركا لهما وحيدين في ذلك المكان القفر الموحش: يا إبراهيم! فلم يلتفت لها، وكررت النداء، فلم يلتفت لها، ثم قالت له: آلله أمرك بهذا؟ وعندما سمع اسم الله -عز وجل- رد وقال: نعم. قالت: إذن؛ فلن يضيعنا!.
ولما نفد ما معها من ماء سعت بين الصفا والمروة سبعة أشواط، حتى جاءها الملاك جبريل، وضرب بجناحيه مكان زمزم فخرج الماء، واجتذب الماء بعدُ الناس للمكان، فصار عامراً، وكان إبراهيم -عليه السلام- يتردد عليهم.
شب الطفل إسماعيل، حتى إذا ما كبر وصار غلاماً، وبلغ السعي مع أبيه، أمره الله -تعالى- بأمْرٍ هو أقسى أمر يمكن أن يتخيله متخيل! أمره بأن يذبحه بيديه، ويقدمه له قرباناً! رأى في رؤيا -ورؤيا الأنبياء حق- أنه يذبح قرة عينه وفلذة كبده الذي رُزقَه على الكِبَر!.
ما قال: هذه أضغاث أحلام! بل سارع بتنفيذ الأمر القاسي: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) [الصافات:102]. تأمل رد الابن، الابن لم يؤمر بأن يُذبح! ما فكر في الهرب! بل طلب من والده المسارعة في تنفيذ الأمر.
وتروي كتب السير أنه أوصى أباه بأن يبعد عنه قليلا وهو يذبحه، حتى لا يأتي دم في ثوبه فتراه أمه فتزداد حزنا على حزن، وأن يحدّ السكين ويمرّها فيه بسرعة حتى لا يعاني من آلام الذبح، (فَلَمَّا أَسْلَمَا).. هذا هو الإسلام.. تنفيذ أوامر الله -تعالى- بغير دمدمة ولا مجادلة ولا توانٍ، (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) [الصافات:103-107].
إننا -أيها الإخوة المؤمنون- نعيش في هذه الأيام المباركات هذه الذكريات، فعلينا أن نعيشها بقلوبنا، علينا أن ننتهز هذه الفرصة، فرصة العيد، بأن نسارع بتنفيذ أوامر الله -تعالى-، لم يأمرنا بذبح أولادنا، لكنه أمرنا بإصلاح ذات بيننا، وإحسان معاملة خلقه.
أمرنا بصلة الأرحام، قال -سبحانه-: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ * أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) [محمد:22-24]، وفي الحديث الصحيح: "لا يدخل الجنة قاطع رحم"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من لا يرحم لا يرحم، ومن لا يغفر لا يغفر له"، علينا أن نعفو عن بعضنا البعض!.
إن ما تعانيه أمتنا اليوم، سببه الرئيس هو عدم انتشار ثقافة الحب بيننا، فقد انتشر التخالف والتناكف في الأفراد والأسر والجماعات والفرق، بدلا من التآلف والتكاتف والتعاطف، فطمع فينا الأعداء، الذين هم يحسدوننا على ما نحن فيه من خير، فلا يأتي عيد الأضحى، إلا وتثور ثائرتهم لذكرى تلك الأسرة المباركة: إبراهيم وهاجر وإسماعيل، يهيج حسدهم لانتزاع النبوة منهم وإعطائها للعرب، أبناء إسماعيل، أبناء ابنه (قيدار) كما في التوراة، الذين خرجوا وأقاموا الدين من المدينة، من سالعٍ.
من سالعٍ وديار *** فيها بنو قيدارا
تكبيرهم ملأ البرّ *** كله والبحارا
لذاك هم حَسَدُونا *** فأشعلوها نارا
ونحن تعدادنا قد *** تجاوز المليارا
لكن غدونا غثاءً *** فأشبعونا صغارا
فمنذ بضعة أعوام وهم يمطرون غزة بالرصاص أيام العيد، وفيه قاموا بإعدام صدام حسين، كإعدام رمز لقائد إسلامي، وفي هذه الأيام يقومون بمحاولات تدنيس المسجد الأقصى! وإثارة الرعب وإرهاب المصلين فيه! ونحن لا نردّ إلا بصواريخ الشجب والاستنكار، ودبابات الخُطَب، ورصاص الأغاني.
فحياتنا صارت بهم سوداءَ *** حتى بِعيدٍ لم نعد سعداءَ
وكآلة خرساء صرنا عندما *** غرقت دموعاً غزةٌ ودماء
إلا قليلا من صياح صاخب *** خطبا مسلحة قوى وغناء
والكل يعلم أن هذا كله *** سيضيع في زخم الفضاء هباء
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الكريم المبعوث رحمة للعالمين.
عباد الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71]... (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90]...
التعليقات