عناصر الخطبة
1/ التذكير ببعض نعم الله 2/ عاقبة كفر النعم 3/ حال بلادنا في الماضي القريب 4/ خطورة الترف على المجتمعاهداف الخطبة
اقتباس
فكان الرجال يقومون بأعمال تليق بهم، وكانت النساء يقمن بأعمال تليق بهم في البيوت وفي المزارع، وكان الشباب يقلدون آباءهم في الخير والأخلاق الحميدة، وينشؤون على مزاولة الأعمال المفيدة، فكان ابن التاجر يزاول مع أبيه التجارة، وكان ابن الفلاح يزاول مع أبيه الفلاحة، وكان ابن الحداد أو النجار يزاول مع أبيه تلك المهن المفيدة، وكان ابن العالم يتلقى عن أبيه العلم، وهكذا ينشأ طبقة على مختلف المهن تخلف طبقة سبقتها لا ترى فيهم العاطل المضيع لوقته ..
الحمد لله على نعمه الظاهرة والباطنة ولا نحصي نعمه ولا نستطيع الوفاء بشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى، واذكروا نعمة الله عليكم وقيدوها بشكرها؛ فإن الله (لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الأنفال:53]
إنكم تعيشون في نعم عظيمة لم تذكر في تاريخ الأمم قبلكم؛ أمن في الأوطان، وصحة في الأبدان، ووفرة في الأموال، وراحة في كل متطلبات الحياة، ومخترعات باهرة، قربت لكم بعيد، ووفرت لكم كل جديد، تأكلون أصناف الملذات، وتلبسون أفخر الثياب، وتركبون المراكب الفخمة المريحة التي تقطع بكم المسافات البعيدة في أسرع وقت، وتسكنون القصور المشيدة التي تتوفر فيها كل وسائل الراحة؛ من تبريد وماء عذب متدفق، وإنارة واضحة، وأثاث فخم، وفرش وثيرة، ووسائل مواصلات تتصلون بواسطتها بمن تريدون في أقصى أرض وأدناها (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [النحل:18] لكن بماذا قابلنا هذه النعم؟ هل أدينا شكرها؟ هل عرفنا حقها؟!
إن نعم الله إذا شكرت قرت وزادت؛ كما قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) [إبراهيم :7] وإن لم تشكر كانت بين أمرين: إما أن تسلب في الحال، وإما أن تبقى للاستدراج؛ ليغتر المجرمون بها، ويزدادوا من الإثم؛ كما قال تعالى: (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ) [المؤمنون 55: 56] وقال تعالى: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً) [آل عمران : 178]
واقرأوا القرآن الكريم وطالعوا في كتب التاريخ وسيروا في الأرض تروا ما حل بالأمم التي كفرت بأنعم الله (فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) [النحل:112] الذين (بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ) [إبراهيم 28: 29]
واقرأوا أخبار عاد وثمود وفرعون وما كان لسبأ في مسكنهم؛ كيف سلبوا ثوب النعمة، ولبسوا ثوب النقمة لما لم يشكروا نعم الله عليهم. مع أن ما عندكم من النعم لم يكن عندهم مثله فيما حدّث التاريخ بل ما عندكم يختلف عما عندهم اختلافاً كثيراً.
عباد الله: كانت هذه البلاد -كما تعلمون- إلى عهد قريب في حالة من الفقر والحاجة، وكان أهلها يتفرقون في البلاد المجاورة؛ طلباً للرزق وهرباً من الفقر والحاجة، لكنها كانت مع ذلك بلاداً محافظة على دينها وعفتها وحيائها، متمسكة بعقيدتها، كان رجالها ونساؤها شيوخها وشبابها على غاية من الدين والأخلاق الفاضلة، كل يؤدي لنفسه ولمجتمعه من العلم ما يليق به؛ فكان الرجال يقومون بأعمال تليق بهم، وكانت النساء يقمن بأعمال تليق بهم في البيوت وفي المزارع، وكان الشباب يقلدون آباءهم في الخير والأخلاق الحميدة، وينشؤون على مزاولة الأعمال المفيدة، فكان ابن التاجر يزاول مع أبيه التجارة، وكان ابن الفلاح يزاول مع أبيه الفلاحة، وكان ابن الحداد أو النجار يزاول مع أبيه تلك المهن المفيدة، وكان ابن العالم يتلقى عن أبيه العلم، وهكذا ينشأ طبقة على مختلف المهن تخلف طبقة سبقتها لا ترى فيهم العاطل المضيع لوقته.
ولما أفاء الله على هذه البلاد كثيراً من المال والرخاء تغيرت الأوضاع وساءت الأحوال واختفى في هذا المجتمع كثير من الصفات الحميدة، وأغرق الناس في الترف وصار مجتمعاً يستهلك ولا ينتج يأخذ ولا يعطي، خف على الناس أمر الدين، واستهانوا بالقيم، واستوردوا كثيراً من عادات الكفار وتقاليدهم؛ فالآباء انشغلوا بجمع المال وألهاهم التكاثر فتركوا تربية أولادهم، والنساء كففن أيديهن عن العمل المفيد في البيوت، فصارت المرأة لا ترضع، ولا تربي ولدها، ولا تغسل ثيابها ولا تعمل حوائج بيتها؛ حتى آل الأمر إلى استجلاب المربيات والخديمات؛ للقيام بهذه الأعمال دون تفكير بعواقب ذلك ونتائجه على الأطفال والبيوت، وانفصل الشباب عن آبائهم وعن مزاولة الأعمال، ووفر لهم آباؤهم كل مطالبهم دون تعب، وتوفرت لهم كل أسباب الضياع؛ من شباب وفراغ وجدة، فصار لا هم لهم إلا متابعة النوادي الرياضية، أو البرامج الملهية في وسائل الإعلام أو الأفلام الخليعة في الفيديو، أو العبث بالسيارات في الشوارع، ومضايقة المسلمين في طرقاتهم، وتحدي رجال المرور، وحتى غالب المتدينين منهم فهموا الدين فهماً خاطئاً فنحوا منحى التطرف والغلو وتتبع المسائل الشاذة؛ كل هذا من سوء التربية، وقرناء السوء، وانشغال الآباء عن أبنائهم وبناتهم.
فاتقوا الله -عباد الله-، وراجعوا حسابكم مع نعم الله عليكم، واعلموا أنكم ستسألون عنها وتحاسبون عليها، واعلموا أنكم بتصرفكم هذا تعرضون نعمة الله للزوال يقول الله تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) [النحل:112] وقال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7] وقال تعالى: (وَكَأَيِّنْ مَنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ) [الحج:48]
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
التعليقات