عناصر الخطبة
1/ نعم الله الظاهرة في جسم الإنسان 2/ صدقة هذه النعم 3/ الأمر بشكر هذه النعم 4/ نعمة الصحةاقتباس
ولما كان ذلك يستدعي صدقات كثيرة بعدد العظام، وقد لا يستطيع العبد الوفاء بهذه الصدقات - سهل الله له طرق الخير وفتح له أبواب البر؛ فجعل بكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة، ولك تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة. والعدل بين اثنين صدقة، وإعانة الرجل على دابته أو حمل متاعه عليها صدقة ..
الحمد لله الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين،ثم سواه ونفخ فيه من روحه (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ) [السجدة:9] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خاتم النبيين وإمام الشاكرين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى واذكروا نعمته عليكم.
ابن آدم: إنك لن تستطيع أن تحصي نعم الله عليك؛ كما قال تعالى: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا) [النحل:18] وإن أقرب شيء إليك جسمك لو تأملت فيه وتفكرت في أعضائه وتراكيبه: (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ)؛ فما من عظم فيك ولا عرق ولا عصب إلا وعليه أثر صنع الله عز وجل؛ قال الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ)،[الانفطار 6: 8] وقال تعالى: (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ)[الملك:23] وقال تعالى: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل: 78] وقال تعالى: (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ *وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) [البلد 8: 10]
هذه نعم ظاهرة يبينها الله لك لتشكره عليها؛ وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كُلُّ سُلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس: تعدل بين اثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة". والسُلامى هي العظم.
وفي جسم ابن آدم ثلاثمائة وستون عظماً يظهر منها مائتان وخمسة وستون عظماً والباقية صغار لا تظهر.
والحديث يدل على أن تركيب هذه العظام وسلامتها من أعظم نعم الله على عبده؛ فيحتاج كل عظم منها إلى صدقة يتصدق بها عنه يومياً؛ ليكون ذلك شكراً لهذه النعمة.
ولما كان ذلك يستدعي صدقات كثيرة بعدد العظام، وقد لا يستطيع العبد الوفاء بهذه الصدقات - سهل الله له طرق الخير وفتح له أبواب البر؛ فجعل بكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة، ولك تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة. والعدل بين اثنين صدقة، وإعانة الرجل على دابته أو حمل متاعه عليها صدقة، والكلمة الطيبة صدقة وكل خطوة يمشيها لأداء الصلاة مع الجماعة صدقة، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة، ويجزئ من ذلك كله ركعتان من الضحى يركعهما، وإنما كانت الركعتان مجزئتين عن ذلك كله؛ لأن الصلاة استعمال للأعضاء كلها في الطاعة والعبادة فتكون كافية في الشكر على نعمة الله بهذه الأعضاء؛ لأن الصلاة تحتوي على الحمد والشكر والثناء على الله.
وهذه الأعمال التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث؛ منها ما نفعه متعدد؛ كالإصلاح بين الناس، وإعانة ذي الحاجة، والكلمة الطيبة وإزالة الأذى عن الطريق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومنها ما نفعه قاصر على الفاعل؛ كالتسبيح والتكبير والتحميد والتهليل والمشي إلى الصلاة وركعتي الضحى.
وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم من لا يستطيع شيئاً من هذه العبادات أن يكف شره عن الناس؛ فقد جاء في الصحيحين: قالوا: فإن لم يفعل؟ قال: "فليمسك عن الشر؛ فإنه صدقة". فهذا يدل على أنه يكفيه عن أداء تلك الصدقات اليومية المطلوبة على كل عضو منه أن يمسك عن الشر بمعنى: أن لا يفعل شيئاً من المعاصي، ولا يكون كذلك إلا إذا كان مؤدياً للفرائض ومجتنباً للمحرمات؛ لأن ترك الفرائض أو ارتكاب المحرمات من أعظم أنواع الشر..
عباد الله: ومن نعم الله على العبد في جسمه إلباسه ثوب الصحة؛ قال أبو الدرداء رضي الله عنه: "الصحة غناء الجسم". وعن وهب بن منبه قال: "مكتوب في حكمة آل داود: العافية الملك الخفي"، وفي بعض الآثار: "كم من نعمة في عرق ساكن".
وفي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نعمتان مغبون فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ".
وهذه النعم يسأل الإنسان عن شكرها يوم القيامة ويطالب بها كما قال تعالى: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) [التكاثر:8] وروى الترمذي وابن حبان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم فيقال له: ألم نصح لك جسمك ونروك من الماء البارد".
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "النعيم الأمن والصحة"، وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) قال: "النعيم صحة الأبدان والأسماع والأبصار يسأل الله العباد فيم استعملوها وهو أعلم بذلك منهم، وهو قوله تعالى: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً)" [الإسراء:36]
عباد الله: من أراد أن يعرف نعمة الله بالصحة فلينظر إلى المصابين بالأمراض وفقد الأعضاء أو تعيبها.. ليذهب إلى المستشفيات فيرى كم من مريض يئن، وجريح مثخن، ويرى كم فاقد للسمع والبصر، وكم ممن يتمنى هجعة من نوم، أو هدأة من وجع، حتى يعرف قدر نعمة الله عليه، فبضدها تتميز الأشياء.
روى أبو داود والنسائي من حديث عبد الله بن غنام رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قال حين يصبح: اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر، فقد أدى شكر ذلك اليوم، ومن قالها حين يمسي أدى شكر ليلته"؛ فعليكم بهذا الدعاء في كل صباح وفي كل مساء؛ لأن فيه اعترافاً بنعمة الله، وذلك يحمل العبد على العمل بطاعة الله ليلاً ونهاراً.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) [فاطر: 3]
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
التعليقات