عناصر الخطبة
1/ فضل العلماء 2/ مآثرهم 3/ واجبنا تجاههم 4/ السير بسيرتهم 5/ المصيبة بوفاتهم 6/ وفاة ابن باز 7/ أخلاقه 8/ تأثيرهاهداف الخطبة
اقتباس
إذا كانت فضائل أئمة الدين وأعلام الهدى ما ذكرت، ومآثرهم ما وصفت أفلا يجدر بنا أن نقوم بحقهم، ونعترف بفضلهم، أفلا يجدر أن نقدر علماءنا، وأئمة الدين فينا، وأن يحظون عندنا بمكانة؟ أفلا يجدر بنا أن نوقرهم ونجلّهم ونكرمهم، ونظهر المحبة لهم؟ أفلا يجدر بنا أن ..
الحمد لله الموصوف بأكمل الأوصاف والنعوت، الحي الدائم فلا يزول ولا يفوت، كتب الموت على الخليقةِ فكلنا يفنى ويموت، أحمده -سبحانه- على ما قضى وقدر في الحال والموقوت.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو القوة والجبروت، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل الخلق وأكملهم في النعوت، صلى الله عليه وآله وأصحابه مصابيح الدجى ودرر الياقوت، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم تفنى الخليقة وتموت، وسلم تسليماً.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى، واعلموا أن من أكبر نعمه عليكم هذا الدين برجاله المخلصين؛ وهم: العلماء العاملون الذين كانوا أعلاماً يهتدى بهم، وأئمة يقتدى بهم، وأقطاباً تدور عليهم معارف الأمة، وأنواراً تتجلى بهم غياهب الظلمة، لقد كانوا جواهر لا تثمَّن، ودُرَراً لا تُحصَّل، لهم المقام المرفوع، وفيهم الثناء الموضوع يقول -سبحانه-: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ..) [فاطر:28]، وقال: (...يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ...) [المجادلة:11].
وجود أهل العلم والإيمان العاملين المخلصين سياج متين، يحول بين الدين وأعدائه، وهم النور المبين، تستنير به الأمة عند اشتباه الحق وخفائه، وهم ورثة الأنبياء في أُمَمهم، وأمناؤهم على دينهم، فإن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر.
وهم شهداء الله في الأرض، الذين شهدوا بالحق، وأعلنوها على الملأ بأنه لا إله إلا الله، وأنه - سبحانه - هو القائم بالقسط، وأن كل حكم يخالف حكمه فهو ظلم وجور، قال تعالى: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [آل عمران:18].
هم شهداء الله في أرضه، يشهدون أن رسله صادقون مصدقون، وأنهم بلغوا الرسالة، وأدَّوا الأمانة، ونصحوا الأمة، وجاهدوا في الله حق جهاده؛ هم شهداء الله في أرضه، يشهدون بأحكامه على خلقه، فليس كمثلهم في الأمة ناصح مخلص، يعلّمون أحكام الله، ويقودون الأمة لما فيه الخير والصلاح، فهم القادة حقاً، وهم الزعماء المصلحون، والعلماء المهديُّون.
لقد كانت مآثرهم في حياتهم مشاعل يهتدى بها، وقدوة يؤتم بها، وخيراً ونفعاً يستعان بها، ومآثرهم بعد مماتهم دروبٌ يستنار بها، ومسالك ينفذ معها، يقول -سبحانه-: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) [يس:12].
عباد الله: إن مآثر العلماء العاملين والصالحين المخلصين مآثر عظيمة، ومكاسب كبيرة، معالمهم مشهورة، ومناقبهم مذكورة، لقد كانوا للدين حماةً وسياجاً، وللعلم حفظة وأدراجاً، وللخير سبلاً فجاجاً، وللأمة قوة وبلاسماً وعلاجاً، لقد تكاثرت النصوص في فضلهم، وفي فضل ما يسلكون، قال -صلى الله عليه وسلم-: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين"، وقال: "إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض، حتى الحيتان في الماء". فهم الأخيار، فالخير يتدفق من جنباتهم، وهم الأبرار، فالبر في أعمالهم، وحسن أخلاقهم.
أيها الناس: إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، فإن انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة، وإن فقيهاً واحداً أشد على الشيطان من ألف عابد؛ وذلك لأن العابد منفعته قاصرة على نفسه، أما الفقيه فقد حفظ دين الله، ونفع عباد الله، فهو يقودُ الأمة إلى الخير، ويهديهم إلى صراط العزيز الحميد.
عباد الله: إذا كانت فضائل أئمة الدين وأعلام الهدى ما ذكرت، ومآثرهم ما وصفت أفلا يجدر بنا أن نقوم بحقهم، ونعترف بفضلهم، أفلا يجدر أن نقدر علماءنا، وأئمة الدين فينا، وأن يحظون عندنا بمكانة؟ أفلا يجدر بنا أن نوقرهم ونجلّهم ونكرمهم، ونظهر المحبة لهم؟ أفلا يجدر بنا أن نأخذ بتوجيهاتهم، ويكونون لنا القدوة بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه؟.
عباد الله: لقد كانت محبة العلماء العاملين في قلوب المؤمنين ظاهرة؛ وما ذاك إلا لأنّ ينابيع الخير تتفجر منهم، والصلاح والبر يُشرق في حنباتهم، فقد كانت محبتهم محبة إيمانية لا تنقطع، جذورها متينة، وأصولها عريقة، فبين المؤمنين وعلمائهم وأئمة الدين فيهم الرابطة القوية، والثقة المتبادلة.
فانظروا -عباد الله- إلى علماء الأمة، وأئمة الدين كيف وصلوا إلى هذه المنزلة الرفيعة، والدرجة العالية الشريفة، كيف حظوا بمحبة الناس لهم وتقديرهم، كيف قدمهم الناس على كل ما يحبون، ما ذاك -عباد الله- إلا فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
لقد جعلهم الله في هذه المكانة لقيامهم بهذا الدين، والذود عنه؛ لقيامهم ببذل الخير للناس، ونفعهم وعلمهم، لقد أحبهم الله فوضع لهم القبول في الأرض، فأحبُّوهم ووقَّروهم.
عباد الله: إذا كان هذا فضل العلم والعلماء؛ أفلا يليق بنا أن نبذل الجهد لتحصيل العلم النافع؛ بالسؤال والقراءة والبحث والتحقيق؛ لنفوز بإرث الأنبياء الكرام، وبصحتهم في دار السلام؟ فنعم الموروث الأنبياء! ونعم الرفيق! أفلا يليق بنا أن نكف عما فيه ضررٌ في ديننا، ويفسد عقيدتنا؟ أفلا يليق بنا أن نمنع الفساد والإفساد في الأرض، ونكون دعاة صالحين مصلحين؟ أفلا يليق بنا أن نكف الغيبة وزوائد الكلام في أعراض علمائنا، وأن نمنع في جلساتنا واجتماعاتنا التحرش فيهم؟ لنتناصح -عباد الله- على الخير، ونتعاون على الإصلاح.
أيها المؤمنون، يا عباد الله: إذا كانت هذه منزلة العالم من أمته؛ أفلا يجدر بنا أن نأسف على موت العلماء؟ لأن فقد العالم ليس فقداً لشخصيته فحسب؛ ولكنه فقد لجزء من تراث النبوة، جزءٌ كبير بحسب ما قام به هذا العالم المفقود من التحقيق، فوالله! إنّ فقد العالم لا يعوض عنه مال ولا عقار ولا متاع ولا دينار؛ بل فقده مصيبة على الإسلام والمسلمين، لا يعوض إلا أن ييسر الله من يخلفه بين العالمين، فيقوم بمثل ما قام به من الجهاد ونصرة الحق.
عباد الله: إن فقد العالم في مثل هذا الزمان لتتضاعف به المصيبة؛ لأن العلماء العاملين أصبحوا ندرة قليلة بين الناس، وقد كثر الجهل والتشكيك والإلباس، ولكننا لا نيأس من روح الله، ولن نقنط من رحمته، فلقد أخبر الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- أنه "لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك".
عباد الله: لقد فُجِع العالم الإسلامي، وأهل هذه البلاد خاصة صباح أمس بوفاة العالم النحرير الرباني، السلفي، سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز، وإنني أقول للجميع: أحسن الله عزاءنا، وجبر مصيبتنا، وألهمنا الصبر والسلوان، ونسأل الله له المغفرة والرحمة، وأن يجمعنا وإياه في دار كرامته، ومستقر رحمته إنه جوادٌ كريم، رؤوفٌ رحيم.
لقد كان -رحمه الله- مثالاً للسلف الصالح، عالماً نحريراً، ومحققاً قديراً، ومحدثاً جليلاً، وفقيهاً نبيهاً، وبالسلف الصالح شبيهاً، كان ذا نفسية قوية أريحية، وطباع كريمة سجية، يؤمّه العلماء، ويحدثه البسطاء، ويتواضع للفقراء، كريماً في نصرة الحق والدين، جاهد بالقلم واللسان، وناشد باللين والبيان، وأقنع بالحجة والبرهان، لا تغرّه المناصب، ولا تمنع دونه الحواجب، لقد كان تأثيره في هذه البلاد المباركة تأثيراً ظاهراً، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
عباد الله: حقٌّ عليكم أن تترحموا عليه، وأن تتضرعوا بالدعاء له بالمغفرة والرحمة، وأن يكرمه بالفردوس الأعلى إنه سميع مجيب.
نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الصبر والسلوان، وأن ييسر لهذه الأمة ما يحفظ به عليها دينها، وينصر به أهل طاعته، ويذلك به أهل معصيته.
وفقني الله وإياكم إلى هدي كتابه، وسلك بنا طريق أحبابه، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
التعليقات