عناصر الخطبة
1/القلوب تمرض كما تمرض الأجسام 2/من أسباب مرض القلب 3/المحافظة على صحة الأبدان ووجوب شكرها 4/أدوية أمراض القلوب وعلاجهااقتباس
فكثيرٌ من الأمراض تتغلَّب على الأبدان بسبب ضعف إيمان صاحبها، وتركِه لبعض الواجبات، أو ارتكابِه لبعض المحرَّمات، وبعض الأمراض تُعالَج وتطرد بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وقوَّة الإيمان، والتوكُّل على الله، وفِعل الطاعات، وترْك المحرَّمات...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمدُ لله، نحمَدُه ونستعِينُه ونستَهدِيه، ونستَغفِره ونتوبُ إليه، ونعُوذ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبده ورسوله الذي قال: "ما أنزل الله من داءٍ إلا أنزل له شفاءً"(رواه البخاري)، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه المهتدين بهديه والمقتفين لآثاره، وسلَّم تسليمًا كثيرً، أمَّا بعدُ:
فيا عباد الله: اتَّقوا الله -تعالى- فبتقواه تحصل لكم السعادة، وحافِظُوا على صحَّة قلوبكم وأبدانكم؛ فإنَّ القلوب تمرض كما تمرض الأجسام، ومرضها أخطر وأشدُّ من مرض الأجسام، ويكون بالشك والزيغ، يقول -سبحانه وتعالى-: (أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا)[النور: 50]، ويكون بالشهوة والغي؛ فيميل قلبه إلى الشهوات المحرَّمة كالزنا ودواعيه.
ما أخطر مرض القلوب!، فينبغي للعبد أنْ يحافظ على صحَّته واستقامته، يحرص على سلامة قلبه واستقامته، وعلى صحَّة بدنه وقوَّته، فإنَّ الإسلام يُرشِد إلى ذلك، ويحثُّ عليه، ويأمر بالأسباب الواقية، فإذا سلمت عقيدة العبد، وأخلص العبادة لله الذي خلَقَه وتكفَّل برزقه، ابتعد عن المعاصي والشهوات المضرَّة، فإنَّه يسعد في حياته، يقول - سبحانه وتعالى -: (مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)[الذاريات: 57-58]، فالله خلق العباد ليعبدوه ويُوحِّدوه، وتكفَّل بأرزاقهم وهيَّأ لهم الأسباب.
فينبغي للعبد أنْ يشكُر الله على نعمه، وأنْ يستعمل جوارحه فيما خُلِقت له؛ يستعمل لسانه في ذكر الله، ويحفظه عمَّا فيه ضرره من قيل وقال، وما يجرُّ إلى المحرَّمات من شهوات الزنا والتحدُّث فيه، فإنَّ القلب قد يُصاب بمرض الشهوات، فيتحدَّث اللسان بذلك، فيُصدِّقه الفرج بالوقوع في الزنا فيهلك صاحبه -عياذًا بالله من ذلك-، كما أنَّ عليه أنْ يشكر الله -جلَّ وعلا- على نعمة صحَّة الجسم، وأنْ يُحافِظ على هذه النعمة؛ ليَقوَى على أداء واجباته من صلاة، وصيام، وحج، فإنَّ المؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف.
والمرض قد يُوهِن القُوَى أو يضعفها، ويقعد بصاحبه عن مزاولة الكثير من الأعمال الدينية والدنيوية، وإنْ كان يكتب له إذا صبر واحتسب ما كان يعمل في صحَّته، ولكنَّ العافية نعمةٌ من نعم الله -تعالى- فينبغي المحافظة عليها، في مسند الإمام أحمد أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال للعباس: "يا عم رسول الله، سَلِ الله العافية في الدنيا والآخرة"(رواه أحمد والترمذي)، وقال عبدالرحمن بن أبي ليلى عن أبي الدرداء: قلت: يا رسول الله، لأنْ أُعافَى فأشكُر أحبُّ إلي من أنْ أُبتَلى فأصبر، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ورسول الله يحبُّ معك العافية"(الطبراني)، ويذكر عن ابن عباس: أنَّ أعرابيًّا جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال له: ما أسأل الله بعدَ الصلوات الخمس؟ فقال: "سَلِ الله العافية"، فأعاد عليه، فقال له في الثالثة: "سَلِ الله العفوَ والعافية في الدُّنيا والآخرة"(السلسلة الصحيحة).
فهذه نعمةٌ من نعم الله ينبغي أنْ تُحفَظ، والكثير من الناس قد لا يصبر على الأمراض، بل يحصل منه الجزع والقُنوط، وقد يخسر ثواب ما أصابه بجزعه وسخطه، وربما عُوقِب على ذلك، فيحصل له الألم في الدنيا، والعقوبة في الآخرة، ثم إنَّ العبد قد يتسبَّب لنفسه بالمرض؛ لسوء تدبيره، وعدم التزامه بتعاليم دِينه، وأكثر ما يكون ذلك عن طريق المأكولات والمشروبات؛ وذلك بأنْ يُحمِّل الجهاز الهضمي ما لا يُطِيق تحمُّله، فتحصل التُّخمة، وتتولد الأمراض، ويضعف الجهاز عن أداء مهمته، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما ملأ ابن آدم وعاءً شرًّا من بطنه، بحسْب ابن آدم لُقَيمات يُقِمن صلبه، فإنْ كان لا بُدَّ فاعلًا فثلثٌ لطَعامه، وثلثٌ لشَرابه، وثلثٌ لنَفَسِه"(أحمد والترمذي).
فطبيب الأرواح والأجسام نبيُّنا -صلوات الله وسلامه عليه- يُرشِد أمَّته كيف تتغذَّى؟ وكيف تحافظ على صحَّتها؟ ولكنَّ التجاهُل والإفراط في تناوُل المشتهيات، وعدم الاقتصار على الكفاية يَؤُول إلى الإضرار، فكم أَكلَة واحدة لذيذة لم يُراع صاحبها الاعتدالَ فيها أورثت آلامًا طويلة، وربما أودت بحياة صاحبها إلى الهلاك.
فلا تستقيم الحياة إلا بالتزام تعاليم الإسلام، والعدل في جميع الأمور، والاستقامة على الصراط المستقيم، فإنَّ مَن خالف ذلك أو انحرف عن الطريق القويم، فإنَّ الميزان سيختلُّ، وسيحصل للمُخالِف من الأضرار بقدْر مخالفته، يقول الله -سبحانه وتعالى-.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)[الأعراف: 31].
بارَك الله لي ولكم في القُرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وتابَ عليَّ وعليكم إنَّه هو التوَّاب الرحيم، أقول هذا، وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
واعلَموا أنَّه ينبغي العناية بالصحة، والحِفاظ على الأجسام، وإبعاد الأمراض عنها بأنواع الوسائل النافعة؛ كالنظافة والاعتدال في المأكولات والمشروبات، فقد حثَّ دينُنا على ذلك، قال -تعالى-: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا)[الأعراف: 31]، وفي الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ما أنزل الله من داءٍ إلا أنزل له شفاءً"(البخاري).
ولكن لا يعني هذا أنْ يقتصر الاعتناء بالأجسام، وتترك النفوس والقلوب؛ فإنَّ مرضها هو المرض الفتَّاك، والذي يَؤُول بصاحبه إلى الهلاك في الدُّنيا والآخِرة، فينبغي أنْ تُحفَظ عن أمراض الشبهات والشهوات والضلالات، وتُعالَج ممَّا وقعت فيه من ذلك بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الواردة في ذلك، وتُقوَّى بالإيمان الصادق، والعمل الصالح، والتوكُّل على الله، والإخلاص له في كلِّ الأحوال، فكثيرٌ من الأمراض تتغلَّب على الأبدان بسبب ضعف إيمان صاحبها، وتركِه لبعض الواجبات، أو ارتكابِه لبعض المحرَّمات، وبعض الأمراض تُعالَج وتطرد بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وقوَّة الإيمان، والتوكُّل على الله، وفِعل الطاعات، وترْك المحرَّمات، فمَن توكَّل على الله حَماه، ومَن لجأ إليه كَفاه، فينبغي للعبد ألاَّ يكون همُّه مقتصرًا على العناية بالجسم؛ فإنَّ النفوس تمرض إذا لم تُحفَظ وتُصان.
التعليقات