عناصر الخطبة
1/فضل إزالة الأذى عن طُرقاتِ المسلمين 2/الوعيد الشديد في إلقاء الأذى في طرقات المسلمين 3/ظاهرة التساهَل في أذية المسلمين في الطرقات 4/بعض صور أذية المسلمين في طُرقاتِهم 5/أمور يحرم فعلها في طرق المسلميناهداف الخطبة
اقتباس
تساهَلَ كثيرٌ من الناس اليومَ في هذا الأمرِ، فصاروا لا يبالُون بأذيةِ الناس في طُرقاتهم وأمكنةِ جلوسهم واستراحاتهم: يحفِرُونَ الحُفَرَ في الطريق، ويطرَحُونَ القُمامةَ، ويُلقون الأحجارَ، والحديدَ، وقِطَعَ الزجاج، ويُرسلون المياهَ، ويوقفونَ السياراتِ في الطرقات، ولو كان في ذلك...
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله رب العالمين، أمرَ بالإِحسان والتعاون على البِرِّ والتقوى، ونَهَى عن الإِساءةِ والأذى، وأشهَدُ أنْ لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له، له الحمدُ في الآخرة والأولى، وأشهَدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله جاءَ بالحقِّ والهُدى، وأمر ببذلِ النَّدِي وكفِّ الأذى، صَلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين أنزلَ الله سكينتَه عليهم، وألزَمَهم كلمةَ التقوى، وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعدُ:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، واحذَرُوا أذيةَ المسلمين في طُرقاتهم، وجميع ومرتفقاتهم؛ فقد أخبرَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّ إماطةَ الأذى عن الطريقِ من شُعَبِ الإِيمان، وأسبابِ دخولِ الجنان، وأنَّها من أنواعِ الصدقةِ والإِحسان، وأنَّ وضعَ الأذى في الطريق من أعظمِ الإِساءة والعصيان، ومن أسبابِ اللعنة والخذلان.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قالَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "الإِيمان بضعٌ وستُّوَنَ -أو سبعون- شعبة، أعلاها: قولُ لا إلهَ إلا الله، وأدناها إماطةُ الأذى عن الطريق، والحياءُ شعبةٌ من الإِيمان" [رواه البخاري ومسلم وغيرهما].
والأذى: كلُّ ما يُؤذي المارَّ كالحجر والشوكة، والعظمَ، والنجاسة والحديد، والزجاج، وغير ذلك.
إماطتُه: تنحيته وإزالته.
وعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "عُرضت علي أعمالُ أمتي حَسَنُها وسيئُها، فوجدْتُ في محاسنِ أعمالها الأَذَى يُماطُ عن الطريق، ووجدتُ في مساوئ أعمالها النخامةَ تكون في المسجد لا تُدْفَنُ" [رواه مسلم].
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "كُلُّ سُلَامَى مِنَ الناس عليه صدقةٌ، كلَّ يومٍ تطلُعُ فيه شمسٌ تَعْدِلُ بينَ الاثنين صدقة، وتُعينُ الرجلَ في دابتِه فتحملُ عليها متاعَه صدقةٌ، والكلمةُ الطيبة صدقةٌ، وبكلِّ خُطوةٍ يمشيها إلى الصلاةِ صدقةٌ، ويُميطُ الأَذَى عن الطريق صدقةٌ" [رواه البخاري ومسلم].
والسُلَامى: هي العظامُ الدقيقة، والمفاصلُ التي في جسم الإِنسان.
ومعنى الحديث: أنَّ تركيبةَ هذه العظام وسلامتَها من أعظمِ نعم الله على عبده، فيحتاجُ كلُّ عظمٍ منها إلى صدقة يتصدَّقُ ابنُ آدم عنه بها، ليكونَ ذلك شكراً لهذه النعمة.
ومن أنواع هذه الصدقة: إزالةُ الأذى عن طُرقاتِ المسلمين: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "بينما رجلٌ يمشي بطريقٍ وَجَدَ غُصنَ شوكٍ، فأخذَه، فشكرَ الله له، فغفَرَ له" رواه البخاري ومسلم. وفي رواية لمسلم قال: "لقد رأيتُ رجلاً يتقلَّبُ في الجنةِ، في شجرةٍ قطعَها من ظهرِ الطريق، كانت تُؤذِي المسلمين".
وكما جاءَ الترغيب في إزالة الأذى عن طُرقاتِ المسلمين من أجلِ سلامة المارة، فقد جاءَ الوعيدُ الشديد في حقِّ مَنْ يلقي الأذى في الطرقات، ويؤذي المارة ويعرقلُ السيرَ في الطريق؛ روى مسلم في "صحيحه" عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قالَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "اتقوا اللاعنينِ: الذي يتخلَّى في طريق الناس أو ظلِّهم".
ومعناه: النهي عن قضاء الحاجةِ في الطريق الذي يسلُكُه الناس، أو في الظلِّ الذي يجلسون فيه، وأنَّ فَعَلَ ذلك فهو مستحقٌّ لِلَّعنةِ والعقوبة؛ لأنَّه يؤذي الناسَ بذلك وينجِّسُهم، أو يحرِمُهم المرورَ في الطريق، والجلوسَ في الظلَّ، وهم بحاجة إلى ذلك، فيدعُونَ عليه باللعنة.
وقد تساهَلَ كثيرٌ من الناس اليومَ في هذا الأمرِ، فصاروا لا يبالُون بأذيةِ الناس في طُرقاتهم وأمكنةِ جلوسهم واستراحاتهم: يحفِرُونَ الحُفَرَ في الطريق، ويطرَحُونَ القُمامةَ، ويُلقون الأحجارَ، والحديدَ، وقِطَعَ الزجاج، ويُرسلون المياهَ، ويوقفونَ السياراتِ في الطرقات، ولو كان في ذلك أذيةُ الناسِ، وسدُّ الطريق، وعرقلةُ السير، وتعريضُ المارة للخَطَر، ونَسُوا أو تناسَوْا ما في ذلك من الوعيدِ والإِثم، ولا تجدُ مَنْ يحتسبُ الأجرَ، فيُزيلُ هذا الأذى أو يتسبَّبُ في إزالته بمراجعةِ المسؤولين عن ذلك.
وإذا كان هناك ظِلٌّ حولَ الطرق العامة الطويلة من شَجَرٍ أو كباري يستريح فيها المسافرون، جاءَ مَنْ يُفسد ذلك عليهم بوضعِ القاذورات والأوساخ فيها، أو التبوُّلِ والتغوُّطِ، أو تفريغِ زيت السيارة، أو ذبحِ الأغنام، وترك الدم والفَرْثِ والعظام، ومُخلَّفاتِ الطعام، أو غير ذلك ممَّا يُفسدُ الظلَّ على مَنْ جاء بعده! أينَ الإِيمانُ؟ أين الإِنسانيةُ؟ أين الشيمةُ والمروءة؟ أين خوف الله من هؤلاء المستهترين بحُرماتِ المسلمين وحقوقهم ومرتفقاتهم؟ ماذا سيكونُ شعورُ المسلم إذا سُدَّ الطريق في وجه، أو مُلئ بالأوساخ والوَحْلِ، أو مُلئَ بالأحجارِ والحديد وقِطَعِ الزُّجاج والعلب والكراتين الفارغة، أو عُمِّقت فيه الحُفَرُ، أو دُنِّسَ بالأنجاسِ والروائح الكريهة؟!
وماذا سيكونُ شعور المسلم إذا أجهدَه السيرُ في السفر، ومَسَّه حرُّ الشمس والسموم، فأَوَى إلى ظلِّ ليستريحَ فيه، وعندما يصلُ إليه يجدُه مليئاً بالقاذوراتِ والروائح الكريهة والمناظر البشعة؟ ماذا سيكونُ في نفسه من الغَضَبِ؟ وماذا سيقولُ بلسانه في حقِّ مَنْ فَعَلَ ذلك من الدعاء عليه، وهو مستحقٌ لذلك بقبيحِ فعله وإساءته إلى إخوانه المسلمين؟
فاتقوا الله يا مَنْ تُؤذونَ الناس في طُرقاتهم، وأمكنةِ استراحاتهم، كُفُّوا أذاكُم، واحترمُوا حقَّ إخوانكم، واتَّقُوا دعواتِ المظلومين، فإنها ليس بينها وبينَ الله حجابٌ.
ومن أذية المسلمين في طُرقاتِهم: ما يفعلُه بعضُ السفهاءِ مِنْ وقوفِهم بالسياراتِ في وسطِ الشوارع، بعضُهم إلى جانب بعضٍ يتحدَّثون ويتمازَحُون، ويحجزون الطريقَ على المارةِ ويعرِّضُونَ الناسَ للخَطَرِ.
وهذا منكرٌ ظاهرٌ يجب إنكارهُ، وتأديبُ مَنْ فعله، ومن ذلك ما يفعلُه بعضُهم من ترويع الناس وإزعاجهم بالعبث بالسيارات، كما يسمُّونه بالتفحيطِ، وهو في الحقيقة مَظْهَرٌ من مظاهرِ السُّخف، والتخلُّفِ العقلي، والتخلُّفِ الحضاري، وكفران للنعمة.
ومن ذلك: الطيشُ في قيادةِ السيارات، والتهوُّرُ في السرعة، وإزعاجُ الناس بأصوات أبواقِ السيارات، خصوصاً عندما يسمَعُونَ بانتصارِ فريق رياضي على فريق آخر حسبَ تعبيرهم، وهو في الحقيقة ليس بانتصارٍ، وإنما هو خسارٌ وهبوطٌ وتأخُّرٌ؛ لأنَّ الانتصارَ الحقيقي هو التقدم والظفر بما ينفع الأمة، ويزيد في قوتها، وما فيه رفعة دينها.
ومن أذية المسلمين في طرقاتهم وتعريضهم للخطرِ: أَنْ يتولَّى قيادةَ السيارات بعضُ مَنْ لا يُحسنون القيادةَ، أو لا يستطيعونُ السيطرةَ عليها، لِصغَرِ أسنانهم من الأطفالِ، فيُعَرِّضُون أنفسَهم، ويعرِّضُون غيرَهم للخَطَرِ.
فيجبُ على ولاةِ الأمور وعلى أولياءِ الصغار: منعُهم من قيادةِ السيارات، إشفاقاً عليهم وعلى غيرِهم من الخَطَرِ، ويجبُ التعاونُ مع ولاةِ الأمور في دَرْءِ هذا الخطرِ عن المسلمين.
ومن أذيةِ المسلمين: الجلوسُ على الطُّرقاتِ، لِما في ذلك من الاطلاعِ على شُؤونهم الخاصةِ التي لا يُحبُّونَ الاطلاع عليها، ولِما في ذلك من النظرِ إلى ما لا يجوزُ النظرُ إليه من النساء، وغيرِ ذلك من المحاذيرِ، وأشدُّها عدمُ القيامِ بالواجب نحو المارة.
عن أبي سعيد الخُدْري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إيَّاكُم والجلوسَ في الطُّرقاتِ" فقالوا: يا رسولَ الله، ما لنا من مجالِسِنا بُدُّ نتحدَّثُ فيها! فقالَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "فإذا أبيتُم إلاَّ المجلس، فأعطُوا الطريقَ حقَّه" قالوا: وما حَقُّ الطريقِ يا رسولَ الله؟ قال: "غَضُّ البصرِ، وكفُّ الأَذَى، ورَدُّ السلام، والأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عن المنكر" [متفق عليه].
فدَلَّ الحديث على منعِ الجلوس في الطريق إلا لِمَنْ قامَ بحقِّه من هذه الأمور.
وأمَّا مَنْ جلسَ للتفرُّجِ، ولم يقُمْ بما أرشدَ إليه صلى الله عليه وسلم من هذه الأمور، فهو آثم، ويجب على ولاةِ الأمور منعُه من ذلك، خصوصاً مَنْ يحصُلُ منهم فعلُ المنكر، كالذين يغازلون النساءَ، ويلاحقونهن بقصدِ الفساد.
ومن أذيةِ المسلمين: تحويلُ الشوارع إلى ملاعبَ للكرة، مما يتسبَّبُ بكثرةِ الصَّخَبِ والتجمُّعات حولَها، مما يؤذي المارة وأصحابَ البيوت، وربَّما يتسبَّبُ عنه أضرارٌ كثيرة، وتجمعات مشبوهةٌ.
ومن أذية المسلمين في الطريق: مخالفةُ بعض سائقي السيارات لأنظمةِ المرور، وأصولِ القيادة، كالتهوُّرِ في السرعة، وعدمِ التزام خَطِّ السير، وقطعِ إشارةِ الوقوف، أو الوقوف في الأمكنةِ التي يُمْنَعُ الوقوفُ فيها.
أو قيادة السيارة، وهو في حالةٍ لا يتمكَّنُ من ضبطِ القيادة كما ينبغي، كمَنْ يغالبُه النُّعاسُ؛ وجميع هذه الأحوال تعرِّضُ الإِنسان، وتعرِّضُ غيرَه للخطرِ، فيجبُ تلافيها، والحَذَرُ منها.
فكم نَجَمَ عن هذه الأحوال من حوادثَ ذهبَتْ فيها أنفسٌ كثيرة محترمة، أو تعطَّلت فيها أعضاءٌ وتعيَّبت فيها أجسامٌ، وتعطَّلت فيها حواسُّ، وكلُّ ذلك راجعٌ إلى تفريط السائقين، أو تهوُّرِهم، أو جهلِهم بأصولِ القيادة، أو تهاوُنِهم بأرواحِ الناس.
إنَّ مسؤولية هذه الحوادث، وما ينجُمُ عنها من الأضرارِ، مِنْ تلفِ الأموال والأنفس، يتحمَّلُها هؤلاء السائقون، ومن يُمَكِّنُهم من قيادةِ السيارات، وهم لا يُحسنونها.
إنَّ السياراتِ بمثابةِ الأسلحة الفتاكة، لا يجوزُ أن يتولَّاها إلا مَنْ يُحسنُ استعمالَها، والتصرفَ فيها، ويجبُ الحَذَرُ من التلاعب بها، والتساهُلِ في شأنها.
فاتقوا الله -عبادَ اللهِ- في أنفسِكم وفي إخوانِكم، واحترموا حقوقَ المسلمين، واجتنبوا أذيَّتَهم، والإِضرار بهم.
أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) [الأحزاب:58].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله ذي الفضل والإِنعام، وأشهَدُ أَنْ لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، ذو الجلال والإِكرام، وأشهَدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله المبعوث بالهُدَى ودينِ الإِسلام، عليه وعلى آله وأصحابه أفضلُ الصلاةِ والسلام.
أما بعدُ:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، واعلموا أنه يحرُمُ على المسلمِ أن يُحْدِثَ في طريق المسلمين ما يَضُرُّ بهم وإن كان هو ينتفعُ بذلك، فلا يجوزُ لأصحابِ البنايات، وقتَ البناء، وضعُ موادِّ البناء في الطريق، ولا حَفْرُ الحُفَرِ، وإقامة الحواجز التي تمنَعُ المارةَ، أو يشُقُّ عليهم تجاوزُها، ولا يجوزُ لأصحابِ البيوت وضعُ الخزَّانات البارزةِ للماء، أو الغاز، أو تركيبُ أجهزة التكييف إذا وجد تأخذُ جزءاً من الطريق، وتُضايقُ المارةَ بالاصطدامِ بها، أو تتسرَّبُ منها المياهُ على الطريقِ، ولا يجوزُ إرسالُ ماء الغسيل من البيوت إلى الشوارع، ولا عملُ الدرجِ للمداخلِ، أو بناءُ الدكَّاتِ التي يُجْلَسُ عليها، أو عملُ الروشن المعترض أو الجانبي إذا كانت هذه الأشياء تُضَيِّقُ الشوارعَ، وتَضُرُّ بالمارة، ولا يجوز ربطُ الدوابِّ وإيقافُ السيارات في الشوارع، إذا كان في ذلك احتجازٌ لشيء من الطريق، وإيذاءٌ للمارة، وكذا لا يجوزُ من بابٍ أولى تركُ الدوابِّ تعترضُ في الشوارع، أو من طُرُقِ السيارات العامة في الصحراء، لِما يترتَّبُ على ذلك من تعريضِ الناس للخَطَرِ بالاصطدام بها، وكم حَصَلَ من جرَّاءِ ذلك من كوارثَ مروِّعةٍ، ولا يجوزُ غرسُ الأشجار، وغرزُ المواسير والقضبان في الشوارع والطُّرقات؛ لأنَّها مشتركةٌ بين المسلمين، فلا يجوزُ لأحدٍ الاستئثارُ بها، لما يترتَّبُ على ذلك من الإِضرارِ بالناس.
فاتقوا الله -أيُّها المسلمون-، وكُفُّوا أذاكم عن الطرقاتِ، تَسْلَمُوا من العقاب، وأميطوا عنها الأَذَى الحاصلَ من غيركم تفوزوا بالثوابِ.
واعلمُوا أنَّ خير الحديث كتاب الله ... الخ.
التعليقات