عناصر الخطبة
1/ أهمية صلاة الجماعة 2/ معاتبة المقصرين 3/ من فوائد المحافظة عليهااهداف الخطبة
اقتباس
.. وإذا كان الأمر كذلك؛ فكيف يستبيح كثير من الناس في هذا الزمان التخلف عن الصلاة في الجماعة في مساجدهم؟ قد عافاهم الله في أبدانهم، وآمنهم في أوطانهم، ووسع عليهم في أرزاقهم، أيبدلون نعمة الله عليهم كفراً أم يتخذون القرآن هجراً؟ ما الذي جعلهم يرغبون عن سنة المصطفى، وما كان عليه أصحابه أئمة الدين والهدى ..
الحمد لله العلي الأعلى، (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى. وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى)، وأمر بالمحافظة على الصلوات والصلاة الوسطى، أحمد سبحانه منَّ على المؤمنين بالهدى من بين العالمين، وميزهم من المنافقين بأنهم في صلاتهم خاشعون وعلى صلواتهم يحافظون، وجعل جزاءهم أنهم هم الوارثون، الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العليم الحكيم، الذي أخبر عن المجرمين أنهم إذا قيل لهم اركعوا لا يركعون، وأنهم يوم القيامة يسألون (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) [المدثر:42-43]. وعن المنافقين بأنهم عن الصلاة يتكاسلون، وفيها يراءون، فيا ويلهم (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ) [القلم:42-43].
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أكرم البريات، وخليل رب الأرض والسماوات، الذي جعلت قرة عينه بالصلاة، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته الأئمة المهديين.
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون، واتقوه في هذه الصلوات الخمس، فإنكم عليها مؤتمنون وعليها مسئولون، وهي أول ما عليه تحاسبون.
أيها المسلمون: عظموا هذه الصلوات، وأدوها فيما خصص ربكم لها من الأوقات؛ فإنها فريضة ربكم عليكم من فوق سبع سماوات، وآخر وصية إليكم من نبيكم صلى الله عليه وسلم عند فراق هذه الحياة، وهي عمود الدين وبرهان الإيمان، وعنوان الاستقامة، وشرط قبول العمل، ومكيال الثواب، فمن وفاها حقها وفاه الله حقه، ومن طفف فيها فقد سمعتم ما قال الله في المطففين.
أيها المسلمون: روى الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حيث ينادى بهن –يعني في المساجد- فإن الله شرع لنبيكم محمد صلى الله عليه وسلم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور، ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها إلى الصلاة حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف". وفي رواية: "لقد رأيتنا –يعني أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم- وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، أو مريض، إن كان المريض ليمشي بين الرجلين حتى يأتي الصلاة".
أيها المسلمون: هكذا يفيد هذا الأثر العظيم عن هذا الصحابي الكريم أن المحافظة على صلاة الجماعة في المساجد من سنن خير البريات، وأن التخلف عنها من البدع المحدثات الموصوفة بأنه ضلالات، وأن التخلف عن الجماعة من شأن المنافقين في سائر الأوقات، إذ الجماعة في الصلاة من شعائر الإسلام الظاهرة، وما أجمل عواقبها في الدنيا والآخرة: مضاعفة للحسنات، ورفعة في الدرجات، وحطًّا للسيئات.
أيها المسلمون: ولعظم موقع الجماعة في الصلاة من الدين، أمر الله تعالى بها عموم المؤمنين، فقال -سبحانه- في كتابه المبين: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) [البقرة:43].
وأمر بها -سبحانه- المؤمنين المجاهدين حتى ولو كانوا للعدو مواجهين، وما ذلك إلا لجميل عاقبتها على المصلين، وأيضاً فإن نبيكم -صلى الله عليه وسلم- لم يعذر في التخلف عن الجماعة الأعمى الضرير الذي ليس له قائد يلائمه في المسير.
وإذا كان الأمر كذلك؛ فكيف يستبيح كثير من الناس في هذا الزمان التخلف عن الصلاة في الجماعة في مساجدهم؟ قد عافاهم الله في أبدانهم، وآمنهم في أوطانهم، ووسع عليهم في أرزاقهم، أيبدلون نعمة الله عليهم كفراً أم يتخذون القرآن هجراً؟ ما الذي جعلهم يرغبون عن سنة المصطفى، وما كان عليه أصحابه أئمة الدين والهدى؟ أما يخشى أولئك الغافلون أن يكون النفاق قد تسلل إلى قلوبهم وهم لا يشعرون، فطبع الله على قلوبهم بسبب إعراضهم فهم لا يفقهون؟ ويا ويل المنافقين من سوء العاقبة في دار القرار، كيف لا وقد توعدهم الجبار بالدرك الأسفل من النار؟
فاستقبلوا -معاشر المسلمين- أمر ربكم بالسمع والطاعة، وحققوا سنة -نبيكم صلى الله عليه وسلم- في المحافظة على الصلاة جماعة، سواء كنتم في الأوطان مقيمين، أو لابتغاء ربكم في الأرض ضاربين، حتى ولو كنتم مواجهين للعدو في صف القتال، أو في المرض الذي لا يشق معه السعي لصالح الأعمال - تكونوا لربكم -تعالى- متقين، ولنبيكم -صلى الله عليه وسلم- مطيعين (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) [النور:52].
فإن في المحافظة على الجماعة رضى الرحمن، وإغاظة الشيطان، والبراءة من النفاق، والأمن من أهوال يوم التلاق، والأخذ بأسباب علو المقام، وصحبة الرفقة الكرام (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) [النساء:69]. فلما تشابهت في الدنيا أعمالهم (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) [النور:37]. أكرم الله في الآخرة جزاءهم (لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [النور:38].وتابع عليهم البشارات (يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [التوبة:21-22].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا جميعاً بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
التعليقات