عناصر الخطبة
1/أهمية تذكر الموت والاستعداد له 2/ من أوجه الخيراهداف الخطبة
اقتباس
أقلل من الشهوات يسهل عليك الفقر، وأقلل من الذنوب يسهل عليك الموت، وقدم مالك أمامك يسرك اللحاق به، واقنع بما أوتيته يخف عليك الحساب، ولا تتشاغل عما فرض الله عليك بما قد ضمن لك، إنه ليس بفائتك ما قسم لك، ولست بلاحق ما زوي عنك، فلا تكن جاهداً فيما يصبح نافذاً، واسع لملك لا زوال له، في منزل لا انتقال منه؛ فإن الدنيا والآخرة طالبتان ومطلوبتان؛ ..
الحمد لله، أحمده، وأستعينه، وأستغفره، وأستهديه، وأؤمن به وأتوكل عليه، ولا أكفره وأعادي من يكفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق والنور والموعظة على فترة من الرسل، وقلة من العلم، وضلالة من الناس، وانقطاع من الزمان، ودنو من الساعة، وقرب من الأجل، من يطع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى وفرط، وضل ضلالاً بعيداً.
أما بعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فإن خير ما أوصى به المسلم نفسه وأخاه المسلم أن يحضه على الآخرة، وأن يأمره بتقوى الله، فاحذروا ما حذركم الله من نفسه، ولا أفضل من ذلك نصيحة، ولا أفضل منه ذكرى، وإنه تقوى لمن عمل به على وجل ومخافة، وعون صدق على ما تبتغون من أمر الآخرة، ومن يصلح الذي بينه وبين الله من أمر السر والعلانية، ولا ينوي بذلك إلا وجه الله -يكن له ذكراً في عاجل أمره، وذخراً فيما بعد الموت حين يفتقر المرء إلى ما قدم، وما كان سوى ذلك (تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) [آل عمران:30]. والذي صدق قوله، وأنجز وعده، لا خلف لذلك، فإنه يقول تعالى: (مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [ق:29].
أيها الناس: اتقوا الله في عاجل أمركم وآجله في السر والعلانية؛ فقد قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) [الطلاق:2-3]. وقال: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) [الطلاق:4]. وقال: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا) [الطلاق:5].
إن تقوى الله تقي مقته وعقوبته وسخطه، وتبيض الوجه، وترضي الرب، وترفع الدرجة.
أيها الناس: توبوا إلى ربكم قبل أن تموتوا، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا، وصلوا الذي بينكم وبين ربكم بطاعته وكثرة ذكره تسعدوا، وأكثروا الصدقة ترزقوا، وأمروا بالمعروف تخصبوا، وانهوا عن المنكر تنصروا.
أيها الناس: إن أكيسكم أكثركم للموت ذكراً، وإن أحزمكم أحسنكم له استعداداً؛ ألا وإن من علامة العقل التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والتزود لسكنى القبور، والتأهب ليوم النشور.
أيها الناس: حلوا أنفسكم بالطاعة، والبسوا قناع المخافة، واجعلوا آخرتكم لأنفسكم، وسعيكم لمستقركم، واعلموا أنكم عن قليل راحلون، وإلى الله صائرون؛ فلا يغني عنكم هناك إلا عمل صالح قدمتموه، أو حسن ثواب حزتموه، وإنما تقدمون على ما قدمتم، وتجازون على ما أسلفتم، فلا تخدعنكم زخارف دنيا دنية عن مراتب جنة علية؛ فكأن قد كشف القناع، فارتفع الارتياب، ولاقى كل امرئ مستقره، وعرف مثواه ومقيله.
أيها الناس: خذوا بحظكم ولا تفرطوا في جنب الله؛ فقد علمكم الله كتابه، ونهج لكم سبيله: (فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) [العنكبوت:3]. فأحسنوا كما أحسن الله إليكم، وعادوا أعداءه (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ) [الحج:78]. (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال:42]. ولا قوة إلا بالله؛ فأكثروا ذكر الله، واعملوا لما بعد الموت؛ فإنه من أصلح ما بينه وبين الله يكفه الله ما بينه وبين الناس، ذلك بأن الله يقضي على الناس ولا يقضون عليه، ويملك من الناس ولا يملكون منه، الله أكبر ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
أيها الناس: النادم ينتظر من الله الرحمة، والمعجب ينتظر المقت، واعلموا -عباد الله- أن كل عامل سيقدم على عمله، ولا يخرج من الدنيا حتى يرى حسن عمله وسوء عمله، وإنما الأعمال بخواتيمها، والليل والنهار مطيتان، فأحسنوا السير عليهما.
أيها الناس: أتدرون ما حق الجار؟ إذا استعانك أعنته، وإن استنصرك نصرته، وإن استقرضك أقرضته، وإن افتقر عدت إليه، وإن مرض عدته، وإن مات تبعت جنازته، وإن أصابه خير هنأته، وإن أصابته مصيبة عزيته، ولا تستطل عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إلا بإذنه، ولا تؤذه؛ "فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره".
أيها الناس: "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه".
أيها الناس: إن أطيب الكسب كسب التجار؛ الذين إذا حدثوا لم يكذبوا، وإذا اؤتمنوا لم يخونوا، وإذا وعدوا لم يخلفوا، وإذا اشتروا لم يذموا، وإذا باعوا لم يطروا، وإذا كان عليهم دين لم يمطلوا، وإذا كان لهم على الناس حق لم يعسروا.
يا معشر التجار: إن التجار يبعثون يوم القيامة فجاراً إلا من اتقى الله وبر وصدق، التاجر الصدوق الأمين المسلم لا يحجب من أبواب الجنة، يحشر مع النبيين والصديقين والشهداء، وحسن أولئك رفيقاً. يا معشر التجار! إن البيع يحضره الحلف واللغو فشوِّبوه بالصدقة.
أيها الناس: إن من في الدنيا ضيف، وما في يده عارية، والضيف مرتحل، والعارية مردودة؛ ألا وإن الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر، والآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك قاهر؛ فرحم الله امرءاً نظر لنفسه، ومهد لرمسه، ما دام رسنه مرخى، وحبله على غاربه ملقى، قبل أن ينفذ أجله، فينقطع عمله.
أبن آدم: أقلل من الشهوات يسهل عليك الفقر، وأقلل من الذنوب يسهل عليك الموت، وقدم مالك أمامك يسرك اللحاق به، واقنع بما أوتيته يخف عليك الحساب، ولا تتشاغل عما فرض الله عليك بما قد ضمن لك، إنه ليس بفائتك ما قسم لك، ولست بلاحق ما زوي عنك، فلا تكن جاهداً فيما يصبح نافذاً، واسع لملك لا زوال له، في منزل لا انتقال منه؛ فإن الدنيا والآخرة طالبتان ومطلوبتان؛ فطالب الآخرة تطلبه الدنيا حتى يستكمل رزقه، وطالب الدنيا تطلبه الآخرة حتى يأخذ الموت بعنقه، فيصبح في بطن موحشة غبراء، مدلهمة ظلماء، لا يستطيع أن يزيد في حسنة ولا ينقص من سيئة، ثم ينشر فيحشر، إما إلى جنة يدوم نعيمها، أو إلى نار لا ينفذ عذابها.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا جميعاً بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
التعليقات