عناصر الخطبة
1/ضرورة التوبة 2/ رحمة الله وقبوله التوبة 3/ سبب الإصرار على الذنوب 4/ شروط صحة التوبة .اهداف الخطبة
اقتباس
.. أما ترون أنكم تخطئون بالليل والنهار؟ أما علمتم أن الله توعد المصرين على المعاصي بأنواع العقوبات التي تورث الذلة والصغار؟ سيروا في الأرض وتفكروا في أحوال العصاة لتروا شؤم المعاصي عليهم. أما قصمت أعمارهم؟ أما خربت ديارهم؟ أما شتَّتت شملهم وفرقت جمعهم؟ أما عسرت أرزاقهم وجلبت أنواع الشقاء عليهم؟! ..
الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول، لا إله إلا هو إليه المصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [الشورى:25].
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أخبر أن الله تعالى أفرح بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله بأرض فلاة، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه (فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الأعراف:157]. (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ) [التوبة:112].
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله مولاكم، وتوبوا إليه من سيئاتكم قبل مماتكم، وتزودوا بالصالحات قبل سفركم، ولا تشغلنكم دنياكم عن آخرتكم، ولا تؤثروا أهواءكم على طاعة ربكم، ولا تجعلوا إيمانكم وأمنكم ونعم الله عليكم ذريعة إلى معاصيكم، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، ومهدوا لها قبل أن تعذبوا.
أيها الناس: توبوا إلى الله قبل أن تموتوا، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا، وصلوا الذي بينكم وبين ربكم بكثرة ذكركم له تسعدوا، وأكثروا من الصدقة ترزقوا، ومروا بالمعروف تجبروا، وانهوا عن المنكر تُنصروا.
عباد الله: أما ترون أنكم تخطئون بالليل والنهار؟ أما علمتم أن الله توعد المصرين على المعاصي بأنواع العقوبات التي تورث الذلة والصغار؟ سيروا في الأرض وتفكروا في أحوال العصاة لتروا شؤم المعاصي عليهم. أما قصمت أعمارهم؟ أما خربت ديارهم؟ أما شتَّتت شملهم وفرقت جمعهم؟ أما عسرت أرزاقهم وجلبت أنواع الشقاء عليهم؟! فاعتبروا بهم، واحذروا أن يصيبكم ما أصابهم، اتعظوا بهم قبل أن يتعظ غيركم بكم، فإن السعيد من وعظ بغيره، وإن الشقي من وعظ بنفسه وكان موعظة لغيره.
فبادروا إلى التوبة، واحذروا الإصرار، واعتذروا إلى ربكم من الخطيئة، وإياكم ومكر الليل والنهار، ولا تسوِّفوا بالتوبة فيفجأكم الموت ويفوتكم الاعتذار (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) [النساء:17-18].
أيها المسلمون: اعلموا أن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ولا يتعاظمه ذنب أن يغفره؛ فإنه سبحانه حليم غفور، عفو شكور، يحب التوابين، ويقبل الأوابين، فتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون، وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون.
أيها المؤمنون: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) [الحديد:16]. (أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [المائدة:74].
(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) [الزمر:53-55].
معاشر الخطائين: -وكلنا كذلك- توبوا إلى الله توبة نصوحاً، وبادروا بها ما دام بابها مفتوحاً، واحذروا أن تؤخذوا مأخذ الأمم فتعضوا أصابع الندم؛ ليت شعري ما سبب الإصرار على الذنوب؟ أهو بسبب قسوة القلوب؟!! (فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ) [الزمر:22]. أم هو اغترار بالإمهال؟ فإن الله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ) [الانفطار:6-7]. أم هو من العقوبة على الذنوب؟! فإن الله تعالى قال بشأن العصاة: (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [العنكبوت:40].
لا تصح بالتوبة ولا تنفع صاحبها إلا باجتماع شروطها، فإن كانت فيما بين العبد وربه من ظلمه لنفسه فلا بد من الإقلاع عن المعصية فوراً، وأن يندم على ما سلف منها، وأن يعزم على أن لا يعود لمثلها، يعلم الله ذلك من قلبه ونيته.
وإن كانت من مظالم الخلق، فيحتاج مع ذلك إلى رد المظالم إلى أهلها إن كانت أموالاً، واستحلالهم من حقهم إن كانت وقيعة في عرض ونحوها؛ فإن تعذَّر ذلك فتحسن إليهم وتدعوا لهم وتكثر الصدقة عنهم حتى يغلب على ظنك أنك قد أوفيتهم حقهم.
واحتَطْ لنفسك، واستكثر من الحسنات؛ فإن أمامك يوماً عظيماً قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: " إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار " رواه مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: " من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض أو من شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه " رواه البخاري.
فاتقوا الله عباد الله، وتوبوا من الذنوب فيما بينكم وبين الله، فإنه سبحانه قال: (فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [المائدة:39].
وتخلصوا من مظالم الخلق قبل الوقوف بين يدي الحق، وتقربوا إلى ربكم بالعفو عن الناس، والصفح عنهم، والإحسان إليهم تكونوا من (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران:134].
(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53]. (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة:281].
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
التعليقات