عناصر الخطبة
1/ خطورة النفاق على الفرد والمجتمع 2/ خصال المنافق 3/ أنواع النفاقاهداف الخطبة
اقتباس
النفاق مرض خطير وداء وبيل وموجب لمقت الله وعقوبته. فيجب على كل مسلم أن يزن نفسه بميزان هذا الحديث ليرى هل هو سالم منه أو واقع فيه. والنفاق يا عباد الله بتعريفه الجامع هو: إظهار الخير وإبطان الشر، وينقسم إلى قسمين: نفاق أكبر وهو النفاق الاعتقادي بأن يظهر الإنسان أنه يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. ويبطن في قلبه الكفر بذلك أو بعضه. وهذا هو النفاق الذي نزل القرآن بذم أهله وتكفيرهم.
الحمد لله الذي حذر من النفاق. وأمر بمكارم الأخلاق. وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة تنجي من قالها وعمل بها من شر يوم التلاق. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بعثه ليتمم مكارم الأخلاق. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه. وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله. يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: " أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً. ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب. وإذا وعد أخلف. وإذا خصم فجر.حتى يدعها: إذا حدث كذب. وإذا وعد أخلف. وإذا خصم فجر. وإذا عاهد غدر" رواه البخاري ومسلم.
النفاق مرض خطير وداء وبيل وموجب لمقت الله وعقوبته. فيجب على كل مسلم أن يزن نفسه بميزان هذا الحديث ليرى هل هو سالم منه أو واقع فيه.
والنفاق -يا عباد الله- بتعريفه الجامع هو: إظهار الخير وإبطان الشر، وينقسم إلى قسمين: نفاق أكبر وهو النفاق الاعتقادي بأن يظهر الإنسان أنه يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. ويبطن في قلبه الكفر بذلك أو بعضه. وهذا هو النفاق الذي نزل القرآن بذم أهله وتكفيرهم، وأخبر أنهم في الدرك الأسفل من النار. وقد وصف الله هؤلاء المنافقين بصفات الشر كلها من الكفر وعدم الإيمان والاستهزاء بالدين وأهله. وميلهم إلى أعداء الدين لمشاركتهم لهم في عداوة الإسلام والمسلمين.
وهؤلاء يسعون في إغراء العداوة بين المسلمين. ومن صفاتهم الذميمة أنهم بخلاء أذلاء سفهاء. ظواهرهم جميلة بسمن أبدانهم ونظافة ثيابهم وحلاوة حديثهم، وبواطنهم قبيحة ممتلئة بالكبر والحسد والرياء وسائر الأمراض النفسية ( وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ) قد فضحهم الله وهتك أستارهم في سورة براءة وغيرها من سور وآيات القرآن الكريم، ليعرفَ المسلمون حقيقتهم ويحذروهم ويجاهدوهم مع الكفار والمشركين ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ).
عباد الله: هذا النوع الأول من نوعي النفاق وهذه بعض صفات أهله. والنوع الثاني: النفاق الأصغر، وهو النفاق العملي بأن يظهر الإنسان علانية صالحة ويبطن ما يخالفها من الغدر والخيانة. وهو المذكور في الحديث الذي سمعتموه قريباً. وهذا النوع وإن كان لا يخرج من الدين بالكلية، لكنه طريق إلى النفاق الأكبر فقد يوصل إلى الكفر ويجر إلى الشر وأصول هذا النفاق ترجع إلى الخصال المذكورة في هذا الحديث التي أحدهما الكذب ي الحديث: " إذا حدث كذب " والكذب في الحديث يشمل الحديث عن الله ورسوله: ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ) وقال -صلى الله عليه وسلم-: " من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار " ومن الكذب على الله ورسوله أن يقول هذا حلال وهذا حرام من غير دليل عن الله ورسوله.
ويشمل ذلك أيضاً الكذب فيما يخبر به من الأخبار ويحدث به الناس. فمن كان هذا شأنه فقد هبط عن رتبة الصادقين إلى درك الكاذبين، وسيجره كذبه هذا إلى الفجور. وسيجره الفجور إلى النار. فلا تتساهلوا في شأن الكذب -أيها المسلمون- فإن قليله يجر إلى كثيره، ومن أكثر من شيء عرف به.
والزموا الصدق فإن من لزم الصدق نجا قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) وقال تعالى: ( هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ).
الخصلة الثانية من خصال المنافق أنه: " إذا اؤتمن خان: أي إذا كانت عنده أمانة من الأموال أو الحقوق أو الأسرار أضاعها ولم يحفظها. فأكل الوديعة أو جحدها، أو أهدر الحقوق وأفشى الأسرار. وإذا ولي عملاً من أعمال المسلمين تلاعب فيه بالمحاباة وأخذ الرشوة وتعطيل مصالح المسلمين..
الخصلة الثالثة من خصال المنافق: " أنه إذا عاهد غدر" فهو ينكث العهود التي بينه وبين الله والعهود التي بينه وبين الخلق. فلا يفي بالعهد الذي أمر الله بالوفاء به في قوله تعالى: ( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً ) وقوله: ( وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ ) والغدر بالعهود حرام حتى ولو كانت المعاهدة مع الكفار، فقد أمر الله بالوفاء بعهودهم إذا قاموا عليها ولم ينقصوا منها شيئاً. فما بالك بالعهود مع المسلمين ومن أعظمها عهد الإمام؟ وكذلك جميع العقود الجارية بين المسلمين في المبايعات والإجازات.
وفي الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " لكل غادر لواء يوم القيامة فيقال: هذه غدرة فلان " ومن صفات المنافق أنه: " إذا خاصم فجر " فلا يتورع عن أموال الخلق وحقوقهم فيخاصم بالباطل ليستولي على حق غيره ويضلل الحاكم بشهادة الزور والأيمان الكاذبة والوثائق المصطنعة. فإذا كان ذا قدرةٍ عند الخصومة فإنه ينتصر للباطل ويخيل للسامع أنه حق ويخرج الحق في صورة الباطل، وهذا من أقبح المحرمات وأخبث خصال النفاق.
عباد الله: من تجمعت فيه هذه الصفات القبيحة: الكذب في الحديث والخيانة في الأمانة والغدر في العهود والفجور في الخصومات لم يبق معه من الإيمان شيء وصار منافقاً خالصاً فهي بمنزلة الأمراض الخطيرة التي متى تجمعت في جسم أفسدته وقضت عليه، ومن كانت فيه خصلة واحدة منها فقد اتصف المؤمن بصفة من صفات المنافقين، فقد صار فيه إيمان ونفاق، فإن استمرت فيه هذه الخصلة الذميمة فهي حَرِيّة أن تقضي على ما معه من الإيمان لأنها بمنزلة الميكروب الذي يحل بالجسم فإن لم يسع في علاجه وإزالته قضى على الجسم. وإن تاب إلى الله وترك هذه الخصلة الذميمة واتصف بضدها من صفات الإيمان برئ من النفاق وتكامل إيمانه وهذا شأن المسلم.
فالحديث فيه الحث على التوبة من النفاق ومن صفات المنافقين والاتصاف بصفات المؤمنين الصادقين، لأنه يجب على المؤمن أن يتطابق ظاهره مع باطنه على الإخلاص والصدق في الأقوال والأفعال في جميع الأحوال وفي جميع المواقف، فيكون قدوة حسنة ومثالاً صادقاً للمؤمن الذي يعتز بإيمانه ويحافظ على دينه، فيصدق في حديثه ويرعى أمانته ويفي بعهده ويصدق في وعده ويعدل في خصومته...
عباد الله: إن النفاق الأكبر إنما يوجد في حال قوة المسلمين يتقمصه أناس يريدون أن يعيشوا مع المسلمين، فيأمنوا على دمائهم وأموالهم؛ فيظهرون الإسلام مع بقائهم على الكفر باطناً ويتربصون بالمؤمنين الدوائر ويعملون ضد المسلمين في خفاء. وهذا النوع من النفاق لا يقع من مسلم.
أما النفاق الأصغر فإنه مستمر في كل وقت يقع من بعض المسلمين الذين ضعف إيمانهم وهو الذي كان الصحابة يخافونه على أنفسهم. كان عمر بن الخطاب يسأل حذيفة بن اليمان عن نفسه: هل عده الرسول من المنافقين؟ قال البخاري في صحيحه: قال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- كلهم يخاف النفاق على نفسه. ويذكر عن الحسن قال: ما خافه إلا مؤمن، ولا أمنه إلا منافق...
عباد الله: هكذا كان السلف يخافون النفاق الأصغر على أنفسهم لأنه وسيلة النفاق الأكبر، كما أن المعاصي بريد الكفر. وكما يخشى على من أصر على خصال النفاق أن يسلب الإيمان فيصير منافقاً خالصاً.. فاتقوا الله في جميع أحوالكم والزموا الصدق في جميع تصرفاتكم ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )...
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ )...
التعليقات