عناصر الخطبة
1/تكريم الله للإنسان بالعقل 2/حرص الإسلام على حفظ العقل 3/بعض مفاسد الخمر 4/خطر المخدرات وعقوبة المروجين لها 5/بعض الأضرار الدينية والدنيوية للمخدرات 6/بعض وسائل النجاة من المخدرات والحد منها 7/عقوبة شارب الخمر 8/التحذير من المعلبات المشوبة بالكحولاهداف الخطبة
اقتباس
أيها المسلمون: إن المخدرات شرٌّ من الخمر؛ لأنها تفسد العقل والمزاج، وتقتل الغيرة في الإنسان، فهي تشارك الخمر في الإسكار، وتزيد عليه في كثرة الأضرار. وقد ذكر بعض العلماء فيها مائة وعشرين مضرّة دينية ودنيوية، فمن أضرارها الدينية: أنها تُنسي ذكر الله، وتُذهِب الحياة والمروءة، وتسبّب ترك الصلاة، والوقوع في المحرّمات. ومن مضارّها البدنية: أنها ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، خلق الإنسان، ووهبه العقل الذي ميّزه به عن سائر الحيوان، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وهو ذو الفضل والإحسان، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أنزل عليه القرآن هدى للناس وبيِّنات من الهدى والفرقان، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان، وسلّم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيّها الناس: اتقوا الله -تعالى- واشكروه، فلقد كرَّم الله هذا الإنسان على غيره من المخلوقات، كما قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) [الإسراء: 70].
ومما كرّم الله به هذا الإنسان: العقل الذي يمتاز به عن الحيوان، ويميّز به بين الخير والشر، والضارّ والنافع، فإذا فقد العقل لم يكن بينه وبين الحيوان فرق، بل يكون الحيوان أحسن حالاً منه؛ لأن الحيوان ينتفع به الإنسان الذي فقَدَ عقله لا ينتفع به، وإنما يصبح عالة على غيره، وبالعقل يفكر الإنسان في آيات الله، ويتفقّه فيها، وبالعقل يخترع وينتج.
والعقل يحمل الإنسان على أن يتحلى بالفضائل، ويتخلى عن الرذائل، ويبذل الندى، ويكفّ الأذى، وقد سمى الله العقل عقلاً وحِجْراً، ونُهى ولُبّاً، وهي أسماء تدل على معاني عظيمة؛ لأنه يعقِلُ الإنسانَ، ويحجُر عليه، ويحجزه عمّا لا يليق به.
وقد ذم الله الذين لا يعقلون وجعلهم في مرتبة أقل من مرتبة البهائم، قال تعالى: (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) [الفرقان: 44].
وقد نهى الله عن تعاطي ما يخلّ بالعقل، ورتب على ذلك حدّاً رادعاً، وعقوبة زاجرة، فالعقل هو أحد الضروريات الخمس التي أجمعت الشرائع السماوية على وجوب حفظها؛ لأن في حفظها قوام مصلحة البشرية؛ لأن فاقد العقل يسيء إلى نفسه وإلى مجتمعه، فقد يوقع نفسه في الهلاك والفساد الخلقي، ويتعدى على غيره بما يضره، فيخلّ بالأمن، ويروع المجتمع، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)[المائدة: 90 - 91].
فبيّن سبحانه مفاسد الخمر، وما ذكر معها من الجرائم: أنها تسبِّب عدم الفلاح، وأنها رجس من عمل الشيطان، وأنها توقع في المجتمع العداوة والبغضاء، وتصدُّ عن ذكر الله الذي به حياة القلوب، وتصدُّ عن الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، وكلها مفاسد عظيمة، وأخطار جسيمة.
والخمر: كل ما خامر العقل وغطاه من المسكرات من أي مادة صنعت، وبأيّ اسم سمّيت.
فقد ورد أنه يأتي في آخر الزمان قوم يسمّون الخمر بغير اسمها، والأسماء لا تغير الحقائق، ومثل الخمر، بل شرٌّ منه، كل مفتِّر للجسم، معطّل للحواس، فقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن كل مسكِر ومفتِّر.
والمفتر: كل ما ينشأ عنه استرخاء الأطراف، وتخدرها، وفقدان الغيرة.
أيها المسلمون: إن أعداءكم دائماً يخطِّطون لإهلاككم، وإيقاع الضرر بكم بكل وسيلة، كما قال الله عنهم: (لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) [آل عمران: 118].
ومن أخبث المخططات، وأفتك الأسلحة التي غزوكم بها في هذا الزمان: سلاح المخدرات، فهم يزرعون المخدرات ويصنعونها، ويصدِّرونها إليكم، ويروِّجونها بينكم بطرق متنوعة وخفيّة، يستخدمون فيها شياطين الإنس من تجار الدمار، الذين يقومون بجلب هذه المخدرات، وبيعها في ديار المسلمين.
وهؤلاء المروِّجون يستحقون أشد العقوبات؛ لأنهم يسعون في الأرض فساداً، ويجب على مَن علم بهم أن يبلغ عنهم السلطة لردعهم، وكفّ شرّهم.
وهذا من التعاون على البرّ والتقوى، ومن النصيحة لأئمة المسلمين وعامّتهم، ولا يجوز التستّر عليهم، والشفاعة فيهم.
أيها المسلمون: إن المخدرات شرٌّ من الخمر؛ لأنها تفسد العقل والمزاج، وتقتل الغيرة في الإنسان، فهي تشارك الخمر في الإسكار، وتزيد عليه في كثرة الأضرار.
وقد ذكر بعض العلماء فيها مائة وعشرين مضرّة دينية ودنيوية، فمن أضرارها الدينية: أنها تُنسي ذكر الله، وتُذهِب الحياة والمروءة، وتسبّب ترك الصلاة، والوقوع في المحرّمات.
ومن مضارّها البدنية: أنها تفسد العقل، وتقطع النسل، وتولد الجذام، وتورث البرص، وتجلب الأسقام، وتحرق الدم، وتضيق النفس، وتفتّت الكبد، وتُحدِث البخر في الفم، وتضعف البصر، وتجلب الهموم والوساوس، وتخبل العقل، وتورث الجنون، وتورث قلّة الغيرة، وزوال الحمِيّة، حتى يصير آكلها ديوثاً، وتفسد الأمزجة، حيث جعلت خلقاً كثيراً مجانين، ومَن لم يجنّ أُصيب بنقص العقل.
وإن المخدّرات أخطر سلاح تستخدمه العصابات التخريبية في المجتمعات البشرية للوصول إلى أغراضها، وغالب مَن يستخدمه اليهود لتحطيم الشعوب، لأجل السيطرة عليها وإذلالها، فالمخدرات من الآفات الخطيرة التي تهدّد المجتمع الإنساني بالفناء والدمار، ولا يقلّ خطرها عن خطر الأمراض الوبائية التي تفتك بالأمم والشعوب، ومن ثم أنشئت في غالب الدول أجهزة خاصة لمكافحة المخدرات، حتى الدول الكافرة شعرت بخطر المخدرات، فصارت تكافحها.
ومِن تَوغُّلِ مروِّجيها في الإجرام: أنهم يستعملون حيلاً دقيقة وخفيّة لتهريبها وترويجها لا ينتبه لها كثير من الناس، ويصنعونها على أشكال مختلفة، ويدسونها في أشياء يُستبعد وجودها فيها.
فتنبهوا -أيها المسلمون- لهذا الخطر، واحفظوا أولادكم أن تصيبهم عدواه، ولا تتركوهم يهيمون في الشوارع، ويخالطون ما هبّ ودبّ، فإنه إذا فسد فرد من الأفراد أثّر على البقية الذين يخالطونه، ويجلسون معه، خصوصاً هؤلاء الشباب الضائعين الذين في السيارات، فإنهم محلّ شبهة.
وهناك بعض الوافدين إلى هذه البلاد من دول أخرى لا يؤمن شرّهم.
وهناك وسائل ومكر خفي يدبّره شياطين الإنس والجن، ويغزون به تجمعات الشباب، فأنتم في زمان كثر الشر في أهله، وكثر فيه دعاة الفساد، واختلط فيه الناس من كل جهة بسبب تيسّر وسائل النقل السريعة، وصار الشر ينتشر بسرعة، وهذا يستدعي منكم شدة الانتباه، وقوة الحذر، والمحافظة على أولادكم أكثر مما تحافظون على أموالكم، لا سيما وأنتم تعلمون ما يحدث من جرّاء تعاطي المخدرات من حوادث الطرق التي هلك فيها أعداد كبيرة.
وذلك من أثر تعاطي المخدرات على عقولهم، فأصبحوا مخبلين.
ومنهم مَن قبض عليهم، فأودعوا السجون السنين الطويلة، وعزلوا عن المجتمع، وانعزلوا عن أُسرهم، حتى إن منهم مَن قضى حياته كلها في السجن، كلما خرج منه رجع إليه.
فالأمر خطير، والشر مستطير، ولا نجاة من شر هذه المخدرات إلا: بالاستعانة بالله -سبحانه-، ثم بتطبيق العقوبات الرادعة على مَن يتعاطى هذا الدمار أو يروِّجه.
ويجب التعاون مع أجهزة الحكومة التي تكافح هذا الإجرام.
ويجب أيضاً: التحذير من هذا البلاء عن طريق الوعظ والتذكير، والخطب والمحاضرات، والكتابة في الصحف، وغير ذلك من وسائل الإعلام المختلفة.
وفّق الله الجميع لما فيه الخير والصلاح.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة: 2].
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، خلق الإنسان وفضّله على كثير من مخلوقاته، وسخّر له ما خلق في أرضه وسماواته، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له في ربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ومصطفاه من جميع برياته، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا والذين آووا ونصروا، وسلّم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيّها الناس: اتقوا الله -تعالى- واشكروه على ما خصّكم به من الإنعام والتكريم، خلقكم في أحسن تقويم، ووهبكم العقل السليم، وجعله أحد الضروريات الخمس التي تجب المحافظة عليها، ويعاقب مَن اعتدى عليها، وذلك أن مَن شرب مسكِراً أو مخدراً، فإنه يُجلد ثمانين جلدة عقوبة له على ما فعل، وردعاً له في المستقبل، ولعن صلى الله عليه وسلم من شرب الخمر، ومن صنعها وروّجها، وأعانَ عليها، وأخبر أن مدمن الخمر كعابد الوثن.
فمَن استحلّها فقد كفر، ومَن شربها غير مستحلٍّ، لها فهو فاسق، وفاعل لكبيرة من كبائر الذنوب، يُقام عليها الحدّ الشرعي، وتسقط عدالته، إلاَّ إن تاب توبة صحيحة، فلا يجوز شرب الخمر للذة ولا لتداوٍي، ولما سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الخمر تصنع للدواء، قال: "إنها داء وليست بدواء".
وقد ابتلي الناس اليوم بتصنيع الخمر وخلطها مع بعض الأدوية، بعض المعلبات، وبعض الأطياب، وهو ما يسمى بمادة الكحول، فيجب أن يتجنب استعمال ما خلطت معه من هذه الأشياء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما أسكر كثيره، فقليله حرام".
ولقوله تعالى: (فَاجْتَنِبُوهُ).
ولأن الخمر نجسة في أصح قولي العلماء، فلا يجوز التطيّب بالعطورات المخلوطة بالكحول؛ لأنها تنسج الأبدان والثياب.
فيجب على المسلم: الحذر من كل المصنّعات المشوبة بالكحول، وفيما أباح الله من الأدوية والأشربة والأطياب غُنْيَة عمّا هو حرام أو مشتبَه.
اللَّهمّ أغننا بحلالك عن حرامك، واكفنا بفضلك عمّن سواك.
ثم اعلموا -أيّها الناس- أن خير الحديث كتاب الله... إلخ.
التعليقات