السؤال
سؤالي هو: هل إذا كثرت الالتزامات والديون والضغوط في حياة الإنسان الذي يخاف الله، فهل تعتبر عقابا له؟ أم امتحانا؟ مع العلم أنني مدخن وبصدد ترك التدخين ـ وإن شاء الله ـ قريبا جدا سأترك التدخين من خلال العلاج القائم لدي، وفي داخلي نية ترك التدخين لوجه الله تعالى.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يعينك على التخلص من آفة التدخين، والمصائب قد تقع عقوبة لسيئات اجترحها العبد فيكفر الله عز وجل بها عنه، كما قال صلى الله عليه وسلم : ما يصيب المسلم، من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه. متفق عليه.
وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة. أخرجه الترمذي، وصححه الألباني.
وقد تقع المصائب لمنزلة المؤمن ومكانته عند الله فتكون رفعة درجاته، كما جاء في الحديث: عن مصعب بن سعد، عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، أي الناس أشد بلاء؟ قال: الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة. أخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح ـ وأخرجه ابن حبان في صححيه، وصححه الحاكم.
قال ابن عثيمين: قوله: عجل له بالعقوبة في الدنيا ـ العقوبة: مؤاخذة المجرم بذنبه، وسميت بذلك، لأنها تعقب الذنب ولكنها لا تقال إلا في المؤاخذة على الشر، وقوله: عجل له العقوبة في الدنيا ـ كان ذلك خيرا من تأخيرها للآخرة، لأنه يزول وينتهي، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين: إن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وهناك خير أولى من ذلك، وهو العفو عن الذنب، وهذا أعلى، لأن الله إذا لم يعاقبه في الدنيا ولا في الآخرة، فهذا هو الخير كله، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل تعجيل العقوبة خيرا باعتبار أن تأخر العقوبة إلى الآخرة أشد، كما قال تعالى: ولعذاب الآخرة أشد وأبقى {طه: 127} والغرض من سياق المؤلف لهذا الحديث: تسلية الإنسان إذا أصيب المصائب، لئلا يجزع، فإن ذلك قد يكون خيرا، وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فيحمد الله أنه لم يؤخر عقوبته إلى الآخرة، وعلى فرض أن أحدا لم يأت بخطيئة وأصابته مصيبة، فنقول له: إن هذا من باب امتحان الإنسان على الصبر ورفع درجاته باحتساب الأجر، لكن لا يجوز للإنسان إذا أصيب بمصيبة، وهو يرى أنه لم يخطئ أن يقول: أنا لم أخطئ، فهذه تزكية، فلو فرضنا أن أحدا لم يصب ذنبا وأصيب بمصيبة، فإن هذه المصيبة لا تلاقي ذنبا تكفره، لكنها تلاقي قلبا تمحصه، فيبتلي الله الإنسان بالمصائب، لينظر هل يصبر أم لا؟ ولهذا كان أخشى الناس لله عز وجل وأتقاهم محمد صلى الله عليه وسلم، يوعك كما يوعك رجلان منا؛ وذلك لينال أعلى درجات الصبر، فينال مرتبة الصابرين على أعلى وجوهها، فمن أصيب بمصيبة، فحدثته نفسه أن مصائبه أعظم من معائبه، فإنه يُدِلُّ على ربه بعمله، ويمنَّ عليه به، فليحذر هذا.
ومن ذلك يتضح لنا أمران:
1ـ أن إصابة الإنسان بالمصائب تعتبر تكفيرا لسيئاته، وتعجيلا للعقوبة في الدنيا، وهذا خير من تأخيرها له في الآخرة.
2ـ قد تكون المصائب أكبر من المعائب، ليصل المرء بصبره أعلى درجات الصابرين، والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد. اهـ.
على أنه لا تنافي بين كون المصائب عقوبة تكفر بها الخطايا، وبين كونها ابتلاء وامتحانا، فكل ما في الدنيا من خير أو شر هو ابتلاء وامتحان، سواء في ذلك البر أو الفاجر، قال تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً {الأنبياء:35}.
جاء في تفسير الطبري: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ـ يقول تعالى ذكره: ونختبركم أيها الناس بالشر وهو الشدة نبتليكم بها وبالخير وهو الرخاء والسعة العافية فنفتنكم به، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، ذكر من قال ذلك: قال ابن عباس، قوله: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ـ قال: بالرخاء والشدة، وكلاهما بلاء، عن ابن عباس، قوله: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ ـ يقول: نبتليكم بالشدة والرخاء، والصحة والسقم، والغنى والفقر، والحلال والحرام، والطاعة والمعصية والهدى والضلالة، عن قتادة، قوله: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ـ يقول: نبلوكم بالشر بلاء، والخير فتنة، قال ابن زيد: في قوله: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ـ قال: نبلوهم بما يحبون وبما يكرهون، نختبرهم بذلك لننظر كيف شكرهم فيما يحبون، وكيف صبرهم فيما يكرهون .اهـ بتصرف.
وراجع للفائدة الفتويين رقم: 71525، ورقم: 13270.
والله أعلم.
التعليقات