عناصر الخطبة
1/التحذير من الشرك وصوره وحال أهله أكثر القضايا حضورا في القرآن 2/الشرك كما يصوره الله في المثل القرآني 3/أوجه الشبه بين المشرك والساقط من السماء إلى الأسفلاقتباس
أيها المسلمون: إنّ الشركَ سقوطٌ بالإنسانِ خطيرِ لا يُقارَنُ خطرُه بخطرِ سقوطِ طائرةِ مشحونةٍ بركّابِها مِن جوِّ السماءِ الشاهقِ، فقد صورّه المَثَلُ القرآنيُّ بأحدِ حالين منطبقيْنِ على المشركِ إنْ مات على شركِه؛ جِماعُها سرعةُ الهُوِيِّ من علوٍّ شاهقٍ، وشِدَّتُه، وخفاءُ القَعْرِ الذي...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه.
أما بعدُ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ)[الحج: 1].
أيها المؤمنون: الشركُ أخطرُ خطرٍ دَهَمَ الوجودَ، وأدهى فسادٍ دمَّرَ الحياةَ؛ به خَسِرَ المجرمُ الدنيا والآخرةَ حين ارتكب أعظمَ جنايةٍ، وتقحّمَ أكبرَ ذنبٍ عُصيَ اللهُ به؛ لاشتمالِه على أبشعِ الظلمِ، والجحودِ الذي به تَنَكَّرَ المشركُ لربِّه الذي أوجدَه من العدمِ، وغذّاه بالنعمِ، فصرفَ العبادةَ لغيرِه وهي خالصُ حقِّه الذي ما أوجدَ الثقَلين، وسخّرَ لهمُ الكونَ إلا لأجلِ تحقيقِه؛ كما قال سبحانه: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذاريات: 56]، فالشركُ الجُرْمُ الأكبرُ والذنبُ الذي لا يُغفرُ إنْ مات صاحبُه عليه ولم يتبْ؛ كما قال تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)[المائدة: 72]، ولعظمِ خطرِه باتتْ قضيتُه أكبرَ القضايا حضوراً في القرآنِ الكريمِ تحذيراً منه، وبياناً لخطرِه وصورِه ومضادتِه غايةَ الوجودِ، وتجليةً لمصيرِ أهلِه البائسين.
وكان ضربُ المَثَلِ وتصويرُه بالمشهدِ المحسوسِ من أكثرِ الأساليبِ القرآنيةِ المستعملةِ في بيانِ تلك الحقيقةِ؛ لقوةِ إيضاحِها وتأثيرِها في نفْسِ مَن كان له قلبٌ أو ألقى السمعَ وهو شهيدٌ. هذا وإنّ من بليغِ المَثَلِ القرآنيِّ في تصويرِ شقاءِ المشركِ وبُؤْسِ حالِه ومآلِه ما ذكرَه اللهُ -تعالى- في قولِه: (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ)[الحج: 31].
عبادَ اللهِ!: إنّ هذا المَثَلَ قد حوى في ثنايا أجزائِه تصويرَ حالَ المرءِ قبلَ أنْ يَتلطَّخَ بنجاسةِ الشركِ؛ فكان باقياً على نقاءِ فطرةِ التوحيدِ الطاهرةِ التي فَطَرَ اللهُ عليها العبادَ وِفْقَ قولِه تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[الروم: 30]، ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ"، ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا)[الروم: 30] الآيةَ (رواه البخاريُّ ومسلمٌ).
شُبِّهَتْ تلك الفطرةُ التوحيديةُ وما دامتْ عليه قبل فسادِها بالشركِ بالسماءِ في العلوِّ والسموِّ والسَّعَةِ والشرفِ والحُسْنِ؛ إذ السماءُ رمزٌ لتلك المعاني الرفعيةِ؛ فمَن ذا الذي يُداني السماءَ في علوِّها وشرفِها، وحُسْنِ استوائِها وسَعَتِها، وهكذا هو الإيمانُ يُكْسِبُ أهلَه تلك المعانيَ الجزْلةَ؛ فأهلُ الإيمانِ هم أهلُها وأبناءُ بَجْدَتِها المستحقون لها؛ كما قال تعالى: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)[آل عمران: 139].
والإيمانُ رحابةُ رحمةٍ يتسعُ معها كلُّ ضيقٍ، ويُفَكُّ بها كلُّ خَنْقٍ؛ إذ لا حقيقةَ للضيقِ إلا ضيقُ الصدرِ الذي لا يكونُ ما دامَ القلبُ مُنشرِحاً بالإيمانِ، وذائقاً حلاوةَ استشعارِ معيةِ اللهِ له، وعظيمِ أجرِه؛ كما قال تعالى: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ)[الأنعام: 125]، تلك الرحمةُ التي غدا بها ضِيقُ الكهفِ الموحشِ -حين نَشَرَها اللهُ فيه- موضعَ أُنْسٍ يُحْفَظُ به الإيمانُ ويُصانُ، كما حكى اللهُ عن فتيةِ الكهفِ إذ قالوا: (هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا * وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا)[الكهف: 15-16]، بينما لم تُغْنِ عن المشركين سَعَةُ حالِهمُ الماديِّ حين كان ضَنْكُ الشركِ جاثماً على قلوبِهم، بل كانت تلك السَّعَةُ سبباً في زيادةِ عذابِهم ونَكَدِهم في الدنيا قبلَ الآخرةِ؛ كما قال تعالى: (فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ)[التوبة: 55].
أيها المسلمون: إنّ الشركَ سقوطٌ بالإنسانِ خطيرِ لا يُقارَنُ خطرُه بخطرِ سقوطِ طائرةِ مشحونةٍ بركّابِها مِن جوِّ السماءِ الشاهقِ؛ حين بدَّلَ المشركُ -أياً كان نسبُه أو جاهُه أو منصبُه أو مالُه أو عملُه الخيريُّ من إغاثةِ ملهوفٍ أو نصرةِ مظلوم؛ أخذاً من دلالةِ عمومِ الاسمِ الموصولِ: (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ)[النساء: 48]، حين بدّلَ ذلك المشركُ فطرةَ التوحيدِ بمجافاتِه دينَ الإسلامِ أو ارتدادِه عنه، فهَوَى في سَفْحٍ هابطٍ هُوِيَّ الهلاكِ الذي لا يكونُ فيه رجعةٌ ولا طمعٌ في نجاةٍ.
وقد صورّه المَثَلُ القرآنيُّ بأحدِ حالين منطبقيْنِ على المشركِ إنْ مات على شركِه؛ جِماعُها سرعةُ الهُوِيِّ من علوٍّ شاهقٍ، وشِدَّتُه، وخفاءُ القَعْرِ الذي ينتهي إليه وبُعْدُه، وانعدامُ الحيلةِ في النجاةِ، وامتلاءُ القلبِ بالخوفِ والضيقِ والألمِ المزعجِ وهو يُصارِعُ الموتَ وقد توارى عن ناظرِه القاعُ الذي ينتهي إليه، ورأى الطيورَ الجارحَةَ السابحَةَ في السماءِ بِمَخَالِبِها ومَناقِرِها تَنْهَشُ لحْمَه وعُضْوَه تمزيقاً وتقطيعاً، وقد باتا ذاهبيْنِ بين المخالبِ والحواصلِ، وهو هاوٍ إلى قَعْرٍ من الأرضٍ سحيقٍ، فإنْ سَلِمَ مِن هَرْشِ الطيرِ الهاجمِ لم يَسْلَمْ من تطويحِ الريحِ العاتيةِ التي تتقاذفُه هَبَّاتُها وهو هاوٍ من السماءِ حتى تلقيه في مكان قصيٍّ هالكاً بوَجْبَةِ الخُرُورِ الشديدِ مدفوعاً بالريحِ الشديدِ.
والمتأمِّلُ في نَسَقِ آيةِ المَثَلِ يَلحظُ مشهدَ السرعةِ الذي يُفْصِحُ عنه حرفُ الفاءِ العاطفُ الدالُّ على المبادرةِ والسرعةِ: (فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ)[الحج: 31]، وذاك مُفْصِحٌ عن سرعةِ تفَصِّّي لحظاتِ الشركِ، ومُتَعِه، ودُنُوِّ أجلِه وانقضاءِ مُهَلِه وإنْ بلغتْ مئاتِ السنين مع امتزاجِها بآلامِ الشركِ المُبَرِّحَةِ، كما أنّ ذاك مُفْصِحٌ عن قُربِ حلولِ عذابِ الشركِ وموافاةِ أهلِه به وخلودِهم فيه؛ إذْ كان الهلاكُ خَتْمَ تصويرِ المآلِ الذي أُقْفِلَ به التشبيهُ، كما قال تعالى: (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ * وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ * وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ)[الزخرف: 74-77].
وفي تبصُّرِ مَثَلِ خرورِ المشركِ بيانُ أنّ سببَ الإفضاءِ الغالبَ لبَوَارِ الشركِ يكونُ من أحدِ طريقين كما استنبطَ ابنُ القيمِ وغيرُه: تَنَكُّبُ الصراطِ المستقيمِ باتباعِ ما توحيه شياطينُ الجنِّ والإنسِ الذين شُبِّهُوا بالطيرِ الهارشةِ حين كان لكلِّ شيطانٍ مُتَّبَعٍ مِزْعَةٌ مِن دينِ المشركِ وقلبِه؛ فكان لكلِّ طيرٍ مِزْعَةٌ من لحمِه وعُضْوِه يومَ خرَّ من السماءِ، وذلك أَزُّ الشياطينِ الذي تمكَّنوا به من الكافرين حين تخلّى اللهُ عنهم؛ إذ أشركوا به ما لم يُنَزِّلْ به عليهم سلطاناً؛ كما قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا)[مريم: 83].
والطريقُ الآخرُ للإسقاطِ في هُوَّةِ الشركِ يكونُ باتباعِ الهوى المُشَبَّهِ بالريحِ العاتيةِ؛ لاتفاق ما بينهما في قوةِ التقلّبِ، والإضلالِ عن الهدايةِ، والطَّرْحِ في مَهَامِهِ الهلاك التي لا يكونُ معها بَصِيصُ أملٍ في نجاةٍ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ....
أما بعدُ: فاعلموا أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ اللهِ...
أيها المؤمنون: إنّ في وحيِ مَثَلِ خُرورِ الشركِ المُفْزِعِ بياناً لهبوطِ قدْرِ المشركِ في الدنيا؛ فكان في منزلةٍ أحطَّ من منزلةِ الأنعامِ المُعْجَمَةِ عليه؛ كما قال تعالى: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)[الأعراف: 179]، والذي كان به المشركُ حلالَ الدمِ والمالِ ما لم يُحَطْ بعقدِ أمانٍ أو ذمةٍ.
ومن تجسيدِ حالِ هبوطِ الشركِ بصاحبِه أنْ كان سببَ طَرْحِ روحِه من السماءِ إلى أسفلِ سافلين، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وإنَّ العبدَ الكافرَ إذا كان في انقطاعٍ من الدنيا وإقبالٍ من الآخرةِ، نزلَ إليه من السماءِ ملائكةٌ سُودُ الوجوهِ، معهم المُسُوحُ، فيجلسون منه مَدَّ البَصرِ، ثم يَجيءُ مَلَكُ الموتِ، حتى يجلسَ عند رأسِه، فيقولُ: أيتها النفْسُ الخبيثةُ، اخرجي إلى سخطٍ من اللهِ وغضبٍ، فتَفَرَّقَ في جسدِه، فينتزِعُها كما يُنْتَزَعُ السُّفُودُ من الصُّوفِ المَبْلولِ، فيأخذُها، فإذا أخذها لم يَدعوها في يدِه طرفةَ عينٍ حتى يجعلوها في تلك المُسُوحِ، ويَخْرُجُ منها كأنتنِ ريحِ جِيفةٍ وُجِدتْ على وجهِ الأرضِ، فيصعدون بها، فلا يَمُرُّون بها على ملأٍ من الملائكةِ، إلا قالوا: ما هذا الروحُ الخبيثُ؟ فيقولون: فلانُ بنُ فلانٍ بأقبحِ أسمائِه التي كان يُسمّى بها في الدنيا، حتى يُنتَهى به إلى السماءِ الدنيا، فيُستَفْتَحُ له، فلا يُفْتَحُ له"، ثم قرأَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ)[الأعراف: 40]، فيقولُ اللهُ -عزّ وجلّ-: "اكتبوا كتابَه في سِجِّينٍ في الأرضِ السُّفْلى، فتُطْرَحُ روحُه طَرْحاً".
ثم قرأَ: (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ)[الحج: 31](رواه أحمدُ وصححَّه الحاكمُ وابنُ القيمِ).
عبادَ اللهِ: إنّ مَثَلَ خُرورِ الشركِ صورةٌ صادقةٌ لحالِ مَن يشركُ باللهِ، فيهوي من أفقِ الإيمانِ السامقِ إلى حيثُ الفناءُ والانطواءُ؛ إذ يَفْقِدُ القاعدةَ الثابتةَ التي يَطمئِنُّ إليها؛ قاعدةَ التوحيدِ، ويَفقِدُ المُسْتَقَرَّ الآمنَ الذي يَثُوبُ إليه؛ فتتخطَّفُه الأهواءُ تَخَطُّفَ الجوارحِ، وتتقاذَفُه الأوهامُ تَقاذُفَ الرياحِ، وهو لا يُمسكُ بالعروةِ الوثقى، ولا يَستقِرُ على القاعدةِ الثابتةِ التي تربطُه بهذا الوجودِ الذي يعيشُ فيه: (وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)[النحل: 33].
التعليقات