عناصر الخطبة
1/فضل عشر ذي الحجة والعمل الصالح فيها 2/ تعامل المسلم عند تزاحم الأعمال الصالحة 3/ بعض الأعمال المشروعة في عشر ذي الحجة 4/ وصايا وتنبيهات لحجاج بيت الله الحراماهداف الخطبة
اقتباس
معاشر المسلمين: إذا تزاحمت الأعمال على العبد، فينبغي له أن يقدم الأفضلَ فالأفضل، فمما ينبغي للعبد أن يحرص على ضبطها وإتقانها: الصلوات الخمس الفروضة، وأدائها في وقتها، والخشوع فيها، وكذلك من كان عليه زكاة مال فليسارع بإخراجها، ومن لم يحج فليبادر بالحج، ومن...
الخطبة الأولى:
الحمد لله المشكور على نعمه العظام وما يطول به منها، والحمد لله عند شكره على ما وفق من شكره عليها، فالنعم والشكر له وهو المتفضل بها علينا، أحمده وهو المحمود في السراء والضراء المتفرد بالعز والعظمة والكبرياء، المتكفل للبرية بأرزاقها قبل خلقها.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جل في علاه عن الأمثال والنظائر، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي الطاهر، مفتاح الرحمة، وخاتم النبوة، الأول منزلة، والآخر رسالة، الأمين فيما استودع، والصادق فيما بلغ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
معاشر المؤمنين: فإن من نعم الله -تعالى- على عباده: أن جعل لهم مواسم خير فيها يتنافسون، ومضمارا فيه يتسابقون، فيعطف جل وعلا عليهم فيها برحمته وعفوه، فيغفر الذنوب، ويستر العيوب، ويفيض عليهم من سابغ نعمه، وجزيل كرمه، ما لا يحصيه إلا الله -سبحانه تعالى-.
وإن من أعظم الأيام عند الله -تعالى- وأبركها على العباد: أيام عشر ذي الحجة التي كان المصطفى -صلى الله عليه وسلم- يحث أصحابه على اغتنامها، والإكثار من الأعمال الصالحات فيها؛ أخرج البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس قال صلى الله عليه وسلم: "ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه" قالوا: ولا الجهاد؟ قال: "ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء" دل هذا الحديث على فضل هذه الأيام العشر من ذي الحجة، وأن العمل الصالح فيها أحب إلى الله من كل شيء إلا من قتل في سبيل الله وأنفق ماله في ذلك، فلا يرجع من ذلك بشيء، فدل على أنها أفضل الأيام على الإطلاق، وإذا كان العمل فيها محبوبا إلى الله فيكون أجرها أعظم بلا شك.
ولشرف هذه الأيام أقسم الله بها في كتابه؛ فقال: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ) [الفجر: 1 - 2]، قال ابن عباس: "هي عشر ذي الحجة"، وبهذا قال غير واحد من السلف والخلف.
وقال سبحانه: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ) [الحـج: 27]، أخرج البخاري في صحيحه تعليقا عن ابن عباس قال: "هي أيام العشر"، وروي ذلك عن أبي موسى وغيرهما من السلف.
فعلى المسلم العاقل الناصح لنفسه أن يجتهد في فعل الخيرات والإكثار من القرب والصالحات، فهذه أيام مرابحة مع الكريم الرحمن، خصوصا وأن هذه الأيام تمضي وتزول، كما زال غيرها من الأيام، فلا ينبغي للعبد المؤمن أن يكون فيها من الغافلين.
معاشر المسلمين: إذا تزاحمت الأعمال على العبد، فينبغي له أن يقدم الأفضلَ فالأفضل، فمما ينبغي للعبد أن يحرص على ضبطها وإتقانها: الصلوات الخمس الفروضة، وأدائها في وقتها، والخشوع فيها، وكذلك من كان عليه زكاة مال فليسارع بإخراجها، ومن لم يحج فليبادر بالحج، ومن كان عليه قضاءٌ من رمضان فليقض قبل أن يتطوع بصوم النفل، وذلك أن الأعمال المفروضة أحب إلى الله من غيرها؛ كما أخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم: "قال الله -تعالى-: وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه".
فإذا أدى العبد الفروض بكمال تام، فليتزود من النوافل ما استطاع إلى ذلك سبيلا، فإن النوافل ترقع الخلل الواقع في الفرائض؛ كما أخرج أبو داود في سننه من حديث تميم الداري قال صلى الله عليه وسلم: "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته فإن كان أتمها كتبت له تامة وإن لم يكن أتمها، قال الله لملائكته: انظروا هل تجدون لعبدي من تطوع فتكملون بها فريضته؟ ثم الزكاة كذلك ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك".
فمن الأعمال الفاضلة في هذه العشر -بعد الفرائض-: كثرة الصدقة، وذكر الله، والنوافل من الصلاة، وقراءة القرآن.
ومن ذلك: الصيام، فالصيام في هذه الأيام ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: صيام مشروع، وهو من جملة الأعمال الصالحة في هذه العشر، وهو صيام الأيام الثمانية الأولى، فقد جاء عن السلف صيامها؛ كما أخرج ابن أبي شيبة عن ابن سيرين أنه كان يصومها، وجاء عن ابن عباس، ولم يكونوا يختلفون في مشروعية صيامها.
والقسم الثاني: صوم مسنون متأكد، وهو صيام يوم عرفة وهو اليوم التاسع، أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي قتادة قال صلى الله عليه وسلم: "صوم يوم عرفة يكفر سنتين ماضية ومستقبلة".
والقسم الثالث: صيام محرم، وهو صيام يوم العيد.
عباد الله: إن مما حث عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذه العشر: التكبير المطلق في كل وقت، كما كان السلف يفعلون ذلك، فقد أخرج البخاري في صحيحه: "أن أبا هريرة وعبد الله بن عمر كانا يخرجان إلى السوق فيكبران فيكبر الناس بتكبيرهما".
وفي رواية: "لا يأتيان لشيء إلا لذلك".
وصفة التكبير: أن يقول: "الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد" كذا روي عن ابن المسيب ومجاهد وابن أبي ليلى.
عباد الله: أروا الله من أنفسكم خيرا فإنما هي أعمالكم تحصى لكم، ولقد كان سعيد بن جبير -رحمه الله- إذا دخلت العشر يجتهد اجتهادا حتى ما يكاد يقدر عليه، وكان يقول: "لا تطفئوا سرجكم فيها" تعجبه العبادة.
اللهم وفقنا للأعمال الصالحات، وتقبل منا يا سميع الدعاء.
أقول قولي هذا، وأستغفر...
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين...
أما بعد:
عباد الله: فهذه تنبيهات أوجهها إلى حجاج بيت الله على وجه الاختصار:
فينبغي لمن أراد الحج: أن يتخذ رفقة صالحة تعينه على الطاعة، وتحثه على ذلك، كما عليه أن يتزود بالعلم الشرعي المقروء والمسموع.
ومن الأمور التي يخطىء فيها بعض الحجاج: اعتقاد أن الغسل في الميقات والتنظف واجب، والصواب أنه سنة من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا شيء عليه.
ومن الأخطاء كذلك: الجهر بالنية عند الإحرام، وهذه من البدع، فالحاج مأمور أن يجهر بالتلبية لا بالنية وبينهما فرق.
ومنها كذلك: قول البعض في تلبيته: "لبيك عمرة متمتعا بها إلى الحج" إذا كان متمتعا، فهذه التلبية لم ترد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، والسنة أن يقول: "لبيك عمرة"ن فإذا جاء اليوم الثامن لبى بالحج كما جاء ذلك في حديث عائشة في الصحيحين.
ومن الأخطاء كذلك: لبس المرأة للنقاب حال الإحرام حتى ولو غطت عينيها، فالمحرمة منهية عن لبس النقاب.
ومنها كذلك: قول البعض عند رؤية البيت: "اللهم زد هذا البيت تعظيما وتشريفا..." إلى آخره، وهذا الذكر لا يصح عن النبي.
ومنها كذلك: البحث عن مطوف أو القرآءة في الكتيبات التي فيها دعاء خاص لكل شوط، وهذه من الأمور المحدثة، والعبد يدعو بما شاء، وليس هنالك دعاء خاص واجب.
ومنها كذلك: اعتقاد أن بداية الشوط لا تصح إلا من فوق الخط الرخامي في المطاف، وهذا الخط إنما وضع لبيان مكان الحجر، ولقد سمعت شيخنا ابن باز -غفر الله له- يتمنى لو أن الخط أزيل لكثرة مفاسده.
ومنها كذلك: التمسح بالكعبة أو بالمقام، وهذا من البدع وليس في الوجود ما يجوز التمسح به إلا الحجران الأسود واليماني، وهذا لمطلق الاتباع؛ كما جاء ذلك في الصحيحن عن عمر بن الخطاب أنه قبل الحجر الأسود ثم قال: "والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك".
ومنها: التكبير عند مسح الركن اليماني أو الإشارة إليه عند عدم استلامه، والصواب أنه يستلم فقط وليس له دعاء ولا ذكر، ولا يشار إليه، وإنما ذلك للحجر الأسود.
ومنها كذلك: إدامة الاضطباع بعد الطواف، والصواب أنه لا يضطبع إلا في طواف القدوم فقط.
ومنها كذلك: اعتقاد أن ركعتي الطواف لا تجزئ إلا عند المقام.
ومنها كذلك: اعتقاد أن للمقام دعاء معين وأن لزمزم دعاء معين.
ومن الأخطاء كذلك: قراءة الآية كاملة عند الصفا والمروة من قوله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ) [البقرة: 158] والصواب الوقوف على: (مِن شَعَآئِرِ اللّهِ)، ولا تقال إلا عند الصفا أول ما يبدأ ثم لا يعيدها.
ومنها كذلك: رفع اليدين مع التكبير على الصفا، فرفع الأيدي لم يرد به الدليل.
ومنها كذلك: الرمل للنساء في الطواف أو الركض في السعي، وهذان خاصان بالرجال ولا يجوز للنساء فعل ذلك.
ومنها كذلك: الاكتفاء في حال التقصير بأخذ قصة من الشعر من الناصية ومن الخلف ومن الجوانب، وهذا لا يجزئ، والصواب أن يعمم الرأس كله.
ومنها: أن القارن يقصر شعره بعد العمرة، والقارن لا يجوز له أن يمس شيئا من شعره ولا بشرته حتى يوم العيد، والسنة حتى ينحر.
ومنها كذلك: اعتقاد بعض الناس أن الإحرام بالحج كون في الحرم أو من تحت الميزاب، والصواب أنه يحرم من بيته الذي يبيت فيه أيا كان بمكة أو منى.
ومنها كذلك: العجلة عند الدفع من عرفة، والسنة السير بسكينة ووقار، ففي صحيح مسلم من حديث جابر: أن النبي لما دفع من عرفات شنق للقصواء، وأشار بيده السكينة السكينة.
ومن الأخطاء كذلك: أن الحاج أول ما يصل لمزدلفة يبدأ بلقط الجمار، والصواب أنه يبدأ بالصلاة، والجمار يلتقطها في الصباح من الطريق.
ومنها كذلك: الدعاء بعد رمي جمرة العقبة، وجمرة العقبة ليس بعدها دعاء لا يوم العيد ولا أيام التشريق.
ومنها كذلك -وهي من أبرزها-: تقليد الناس بعضهم لبعض، وهذا من أسباب انتشار البدع، ولهذا الذي يوصى به الحاج ألا يقلد أحدا، بل يسألُ أهل العلم وهم متوافرون في كل مكان ولله الحمد.
ومنها كذلك: ترك الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر، وهذا من أسباب تفشي الأخطاء بين الناس وغيرها كثير والحاج غير معذور في الحج بجهله، فأهل العلم قريبون منه، وما عليه إلا السؤال.
اللهم اجعل حج هذه السنة آمنا مطمئنا، واخله من الفتن يا كريم.
اللهم سلم الحجاج والمعتمرين وردهم إلى أهلهم سالمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين...
اللهم فرج عن المسلمين في كل مكان...
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [الحشر: 10].
التعليقات