عناصر الخطبة
1/المبادرة لاغتنام خير الأيام 2/الحرص على قيام ليلة القدر 3/فضل الاعتكاف وآدابهاقتباس
أيها المعتكفون: جئتُم إلى بيوت الله للعبادة والانقطاع عن الدنيا والإقبال على الآخرة، فأقبِلوا على الله بقلب منيب واجف، وتضرعوا إليه بِذُلّ وخضوع وانكسار، وإياكم والمعوقات، إياكم والانشغال بالأجهزة والهواتف، والقيل والقال، واحفظوا للمساجد حرمتَها...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله الذي جعل لمن تاب إليه سبيلا، ولمن أناب إليه مستقرا وأحسن مقيلا، ولمن نشأ في عبادته ظلا ظليلا، فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا.
أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما وتبجيلا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وكفى بها إماما ودليلا، صلى عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله -جل وعلا-، فلا سعادة إلا بالتقوى، ولا فلاح إلا بطاعة المولى.
ثم اعلموا أن طاعة الله خير مغنم ومكسب، ورضاه خير ربح ومطلب، والجنة حفت بالمكاره، وحفت النار بالشهوات، وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز.
أيها الصائمون: تقبل الله طاعتكم، وأصلح حالكم ووفقكم فيما بقي من هذا الشهر، وكتب لكم الثبات على طاعته سائر أيام الدهر.
معاشر المسلمين: الغنيمةَ الغنيمةَ، والبدارَ البدارَ، فإن شهركم الكريم قد أخذ في النقص والاضمحلال وشارفت لياليه وأيامه على الانتهاء والزوال، فتداركوا ما بقي منه بصالح الأعمال، وبادروا بالتوبة لذي العظمة والجلال، فيا وحي المفرطين، يا وحي المفرطين، ويا حسرة الخائبين، ويا مصيبة الغافلين، صعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المنبر فقال: "آمين، آمين، آمين. فلما نزل سئل عن ذلك فقال: أتاني جبريل فقال: رغم أنف من أدرك رمضان فلم يغفر له، فدخل النار فأبعده الله قل: آمين، فقلت: آمين، ورغم أنف رجل أدرك والديه أو أحدهما فلم يبرهما فمات فدخل النار فأبعده الله قل: آمين، فقلت: آمين، ورغم أنف من ذكرت عنده فلم يصل عليك فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين".
معاشر المسلمين: إن الأعمال بالخواتيم، فاجتهدوا فما هي إلا أيام معدودات، وإن العشر الأواخر أمامكم أفضل الأوقات وأعظم مواسم الخير والطاعات، وأحرى وأجدر بالجد والقربات، ولئن كانت الطاعة في سائر أيام هذا الشهر المبارك فضيلة، فهي في العشر الأواخر منه أعظم فضلا، وأرفع قدرا وأجزل أجرا، فهي عشر إقالة العثرات، وتكفير السيئات، واستجابة الدعوات؛ ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يجتهد فيها ما لا يجتهد في غيرها، وكان إذا دخلت شد مئزره، وأحيا ليله وأيقظ أهله، فاحرصوا عليها، فإنها مغنم عظيم، فهنيئا لمن ربح فيها وفاز بخيرها وفضلها.
وبعدُ عباد الله: ففي العشر الأواخر ليلة خير من ألف شهر، تنزل فيها الرحمات، وتستجاب الدعوات، وتكفَّر الخطيئات، وتغفر الزلات، من قامها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن فرط فيه وحرم خيرها فهو الملوم المحروم، إنها ليلة القدر، مطلب المؤمنين، ورجاء الصالحين، وأمنية المتقين، فيها تكتب المقادير ويفرق كل أمر حكيم، فاحرصوا على قيامها، واجتهدوا في تحريها، وجدوا في طلبها، وتضرعوا إلى الله فيها، فهي والله الغنيمة الباردة، العبادة فيها خير من عبادة ألف شهر.
وحريٌّ بمن التمسها ألا يخيب، والله ذو الفضل العظيم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)[الْقَدْرِ: 1-5].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي جعل طاعته سبيلا لمرضاته، وجعل رضاه وسيلة للفوز بجناته، ووفق المؤمنين فاعتكفوا على عبادته، وهجروا ملذاتهم وشهواتهم وآثروا مرضاته.
عباد الله: الاعتكاف لزوم المسجد للعبادة، وحبس النفس عن الشهوات والملذات والإعراض عن الدنيا وفتنها والشواغل والملهيات، والاستئناس بمناجاة الله -سبحانه-، والعزلة والانقطاع عن المخالطة واللغو والعبث، ومحاسبة النفس وتجديد العهد مع الله، وصقل القلب وتطهيره مما قد تشبث منه من درن هذه الحياة، وقد شرع الله -تعالى- الاعتكاف في المساجد وأمر بتهيئتها لذلك فقال: (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)[الْبَقَرَةِ: 125].
عباد الله: الاعتكاف سُنَّة، ولكنه في رمضان أحب، وفي عشره الأواخر آكد، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله -عز وجل-، ثم اعتكف أزواجه من بعده". وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعتكف العشر الأواخر من رمضان".
روادَ بيوتِ اللهِ: المساجدُ بيوتُ اللهِ في الأرض فاعرفوا لها حقها، وتأدبوا بآدابها، واحفظوا لها مكانتها وفضلها، فإنما بُنيت للعبادة، فالتزموا فيها بالسَّكِينَة والوقار، فلا تتخذوها ملهى وسوقا، ولا تؤذوا المصلين والمعتكفين فيها، فإن في ذلك تعطيلا لهم عن العبادة، وإزعاجًا وتشويشًا على خشوعهم.
أيها المعتكفون: جئتُم إلى بيوت الله للعبادة والانقطاع عن الدنيا والإقبال على الآخرة، فأقبِلوا على الله بقلب منيب واجف، وتضرعوا إليه بِذُلّ وخضوع وانكسار، وإياكم والمعوقات، إياكم والانشغال بالأجهزة والهواتف، والقيل والقال، واحفظوا للمساجد حرمتها.
أيها المعتكفون في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن الرئاسة العامة لشئون الحرمين قد بذلت جهدا مشكورا في استقبالكم، وقامت بتهيئة سطح المسجد النبوي وتجهيزه وإعداده وتخصيصه للمعتكفين، وهم في خدمتكم، فتعاونوا مع المسئولين بالالتزام بالتنظيم والتعليمات؛ تعظيما لمسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وخدمة لضيوفه، وإعانة للعباد على الطاعة، رجاء للثواب والأجر، وامتثالا للشرع، والله -تعالى- يقول: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)[الْحَجِّ: 26].
تقبَّل الله اعتكافكم وسائر طاعاتكم.
اللهم تقبل منا الصيام والقيام، اللهم تقبل منا الصيام والقيام، اللهم وفقنا لقيام ليلة القدر إيمانا واحتسابا، يا رب العالمين، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، يا ذال الجلال والإكرام، اللهم وفق ولي أمرنا بتوفيقك، وأيده بتأييدك، اللهم وفقه وولي عهده لما تحب وترضى، وخذ بناصيتهما للبر والتقوى، اللهم احفظ حدودنا، وانصر جنودنا يا قوي يا عزيز.
عباد الله: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
التعليقات