عناصر الخطبة
1/تعظيم قدر الصلاة 2/فضائل الصلاة 3/وجوب المحافظة على الصلاة 4/ثمرات أداء الصلاة 5/أهمية صلاة الجماعة.اقتباس
والصلاة -من العَزْم على أدائها حتى منتهاها- فيها فضائلُ وأجورٌ لا تُحصَى، من إسباغ الوضوء، وكثرةِ الخطا، وانتظارِ الصلاة، فهذا رباط تُكفَّر به الذنوبُ وتُرفع به الدرجات، ومن خطا خُطوةً إلى المسجد رُفِعَ له بها درجة، وحُطَّت عنه خطيئة،.....
الخطبة الأولى:
الشريعة الإسلامية مصدرها الوحيان -كتابُ الله الكريم، وسنةُ رسول الله الهادي الأمين صلى الله عليه وسلم-، فهي شريعةٌ تُسعد المسلمَ في الدارين بما يُؤدَى فيهما من الأوامر، ويُنتهى عنهما من النواهي.
وأهم تلك الأركان بعد تحقيق التوحيد شعيرة الصلاة، أمر الله بها فقال: (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)[البَيّنَة: 5].
وهي أهم أركان الإسلام بعد الشهادتين، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "بُني الإسلام على خمس: شهادةِ أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وإقامِ الصلاة، وإيتاءِ الزكاة، وصومِ رمضان، وحجِّ بيت الله الحرام"(متفق عليه)، وهي الشعيرة الوحيدة التي فُرضت في السماء ليلةَ الإسراء والمعراج، أما بقية الشرائع فقد نزل بها جبريل -عليه السلام- إلى الأرض.
هي خير الأعمال ففي حديث ثوبان -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن"(رواه ابن ماجه).
وقد أمر الله بالمحافظة عليها في كتابه الكريم فقال -سبحانه-: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ)[البَقَرَة: 238]، ومدح المحافظين عليها بقوله: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ)[المؤمنون: 9]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من حافظ عليها كانت له نورًا، وبرهانًا، ونجاةً يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور، ولا برهان، ولا نجاةٌ، وكان يوم القيامة مع قارونَ وفرعونَ وهامانَ وأُبيِّ بن خلف"(رواه أحمد)، وفي حديث آخر: "من حافظ عليها، كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة"(رواه النسائي). وقال: "إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فان صلحت فقد أفلح وأنجَح، وإن فسدت فقد خاب وخسر"(رواه الترمذي).
ولأهميتها وصىّ بها النبي -صلى الله عليه وسلم- في مرضه الذي مات فيه، فقال: "الصلاةَ وما ملكت أيمانكم"(رواه أحمد)، ولما دخل المِسورُ بنُ مخرمةَ على عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في الليلة التي طعن فيها، قال الصلاة، فقال عمر -رضي الله عنه-: "نعم، لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة"(رواه البيهقي).
وهي الفارقة بين المسلم والكافر كما في الحديث "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر"(رواه الترمذي).
وقد دعا إبراهيمُ ربَّه أن يجعله مقيمَ الصلاة فقال: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ)[إبراهيم: 40].
فببركة هذا الدعاء كان ابنهُ إسماعيلُ -عليه السلام- يأمر أهله بالصلاة، ومن أقوال ما تكلم به المسيح عيسى -عليه السلام- وهو في المهد: (وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا)[مَريَم: 31]، ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- قال الله له: (أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ)[الإسرَاء: 78].
والصلاة راحة للأبدان، وسعادة للقلوب، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وجُعلت قرة عيني في الصلاة"(رواه النسائي)، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول لبلال: "أقم الصلاة يا بلال، أرحنا بها"(رواه أبو داود)، وهي عون للعبد في الشدائد والملمات قال -سبحانه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِيْنُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)[البَقَرَة: 153]، والنبي -صلى الله عليه وسلم- "إذا حزبه أمر صلَّى"(رواه أبو داود)، وهي ناهية عن الفحشاء والمنكر، قال -سبحانه-: (إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)[العَنكبوت: 45].
وهي كفارة للذنوب والمعاصي التي يقترفها العبد في ليله ونهاره، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل منه كلَّ يوم خمس مرات هل يبقى من دَرَنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: فذلك مَثَل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا"(رواه البخاري)، وفي حديث آخر "الصلاةُ إلى الصلاة، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر"(رواه مسلم).
وهي سببٌ لدخول الجنة، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن أعرابيًّا أتى النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: دُلّني على عمل إذا عملته دخلت الجنة، قال: "تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وتقيمُ الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصومُ رمضان"، قال الرجل: والذي نفسي بيده! لا أزيد على هذا، فلما ولَّى، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَن سرَّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة، فلينظر إلى هذا"(متفق عليه).
وهي إيمان، قال -سبحانه-: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ)[البَقَرَة: 143]، وهي ذكرٌ قال -عز وجل-: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي)[طه: 14]، -أي لتذكرني بها-، وهي جالبة للرزق قال -سبحانه-: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ)[طه: 132]، -أي: إذا قمت إلى الصلاة أتاك الرزق من حيث لا تحتسب-.
وجعل الله الفلاح لعباده في الدنيا والآخرة بمحافظتهم على صلاتهم مع الخشوع فيها، قال المولى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ)[المؤمنون: 1-2].
والصلاة -من العَزْم على أدائها حتى منتهاها- فيها فضائلُ وأجورٌ لا تُحصَى، من إسباغ الوضوء، وكثرةِ الخطا، وانتظارِ الصلاة، فهذا رباط تُكفَّر به الذنوبُ وتُرفع به الدرجات، ومن خطا خُطوةً إلى المسجد رُفِعَ له بها درجة، وحُطَّت عنه خطيئة، "ومن غدا إلى المسجد أو راح، أعد الله له نُزلاً في الجنة كلما غدا أو راح"(رواه مسلم).
ولمكانتها وعظيم شأنها لم يرخّص الله للمجاهدين في سبيله أن يتركوا الصلاة أو يؤخروها عن وقتها، بل شرع لهم صلاةَ الخوف مناسبةً للحال التي هم فيها.
ولا تسقط كذلك عن أهل الأعذار -كالمسافر، والمريض- بل أمرهم أن يُصلّوها كلٌّ حسب استطاعته، قال عمرانُ بنُ حصينٍ -رضي الله عنه-: كانت بي بَواسيرُ، فسألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة، فقال: "صل قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب"(رواه البخاري)، قال ابن رجب -رحمه الله-: "ولو عجز عن ذلك كلِّه أَومأ بطرفه وصلى بنيته، ولم تسقط عنه الصلاة على المشهور".
رزقنا الله حسن أدائها، وتقبلها منا.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية:
أمر الله بأداء الصلاة جماعة، لما فيها من اجتماع القلوب والأبدان، قال -عز وجل-: (وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ)[البَقَرَة: 43]، وعندما أتى الأعمى للنبي -صلى الله عليه وسلم- ليُرخِّص له الصلاة في البيت قال: إني ضرير البصر، شاسعُ الدار، ولي قائد لا يلاومني -أي لا يوافقني- فهل لي رخصة أن أصليَ في بيتي؟ قال: "تسمع النداء؟"، قال: نعم، قال: "فأجب؛ فإني لا أجد لك رخصة"(رواه أبو داود)، وفي رواية: قال يا رسول الله إن المدينة كثيرةُ الهوامِّ والسباعِ، وأنا ضرير البصر، فهل تجد لي من رخصة؟ قال: "تسمع حي على الصلاة، حي على الفلاح؟" قال: نعم، فقال: "فحيَّ هلا" -يعني أجب- ولم يرخص له(رواه النسائي).
وتظهر أهميةُ أدائها في المسجد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد هجرته أقام أول صرح للمسلمين قبل أن يبنيَ داره، واهتم النبي -صلى الله عليه وسلم- بها وأمر من استرعاه الله رعيةً أن يأمرهم بأدائها فقال -عليه السلام-: "مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع"(رواه أبو داود).
كما أن أداءها يكون في وقتها الذي وقَّتها الشارعُ الحكيم، قال -سبحانه-: (إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا)[النِّسَاء: 103]، -أي: مؤقتًا-، فتُصلَّى الصلاةُ في وقتها، ومَن غلَبه النومُ دون تفريط؛ فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من نام عن صلاة أو نسيها، فليصلها إذا ذكرها"(رواه مسلم).
ثم اعلموا أن المحافِظَ على الصلاة، يُرْجَى له الخيرُ دائمًا مهما حدث له من زلات وهفوات، قال ابن تيمية -رحمه الله-: "والمحافظ على الصلاة أقربُ إلى الرحمة ممن لم يصلِّها، ولو فعَل ما فعَل".
نسأل الله أن يُصلح قلوبنا، وأن ينوّرها بنور الإيمان.
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه؛ فصلوا عليه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
التعليقات