عناصر الخطبة
1/ فضل الصحابة الكرام 2/ وجوب معرفة قدرهم 3/ حكم الطعن فيهم.اهداف الخطبة
اقتباس
فالصحابة -رضي الله عنهم- هم مصابيح الدجى، وشموس الهدى، وسادة الأمة، وعنوان مجدها؛ وهم قدوة المؤمنين، وخير عباد الله بعد الأنبياء والمرسلين. عن ابن عباس -رضي الله عنه- في قول الله -عز وجل-: (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى? عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى? آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ) [النمل:59]، قال: أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الكريم الغفار، يصطفي من يشاء من عباده ويختار، لا إله إلا هو الواحد القهار، له الحمد كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له...
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، وصفيُّهُ وخليلُهُ، وخِيرَتُهُ من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد أيها المسلمون: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-...
معاشر المسلمين: إن صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هم خيرُ جيلٍ عرفته البشرية، وهم الذين قال الله -عز وجل- عنهم: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر:8-9].
وقال -تعالى- عنهم: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) [الفتح:18].
فالصحابة -رضي الله عنهم- هم مصابيح الدجى، وشموس الهدى، وسادة الأمة، وعنوان مجدها؛ وهم قدوة المؤمنين، وخير عباد الله بعد الأنبياء والمرسلين. عن ابن عباس -رضي الله عنه- في قول الله -عز وجل-: (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ) [النمل:59]، قال: أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-.
هم أبرُّ هذه الأمة قلوبا، وأعمقُها علما، وأقلُّها تكلُّفا، وأقومُها هديا، وأحسنُها حالا، وأدقُّهم فهما، وأصدقُهم إيمانا، وأحسنُهم عملا.
بدمائِهم وأموالِهم وصل الإسلامُ إلى أطرافِ الأرض، وبجهادِهم وتضحياتِهم قام صرحُ الدينِ، وانهدَمَ شِركُ المشركين، (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) [الفتح:29].
إنهم -بحقٍّ- جيلٌ فريدٌ في إيمانِه وجهاده وعلمه وعمله وصدقه وإخلاصه، يعجزُ اللِّسانُ عن ذكرِ مآثرهم، ويكلُّ القلمُ عن تعداد فضائلهم.
ثبتت عدالتُهم بثناءِ الله -عز وجل- عليهم، قال الله -تعالى-: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) [الأحزاب:23]، ويكفيهم فخراً قول الله -تعالى-: (لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [التوبة:88].
أما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد قال: "لاَ تَسُبُّوا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِي؛ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَوْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ".
وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ".
ومما جاء في فضلهم ما رواه أبو بُردةَ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ، وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي، فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ، وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ". وهو إشارة إلى الفتن الحادثة بعد انقراض عصر الصحابة، من طمس السنن، وظهور البدع، وفشو الفجور في أقطار الأرض.
وعن عبد الله بن مغفل المزني -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي! اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي! لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي! فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ، وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي، وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ -عز وجل-، وَمَنْ آذَى اللَّهَ فَيُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ".
وعن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين".
يقول ابن مسعود -رضي الله عنه-: "فحبهم سُنة، والدعاء لهم قربة، والاقتداء بهم وسيلة، والأخذ بآثارهم فضيلة".
وقال -رضي الله عنه-: "إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد -صلى الله عليه وسلم- خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته؛ ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوبَ أصحابهِ خيرَ قلوبِ العبادِ، فجعلهم وزراءَ نبيِّهِ يُقاتِلون على دينه".
اللهم إنا نسألك يا حي يا قيوم أن تملأ قلوبنا بمحبة نبيك -صلى الله عليه وسلم-، ومحبة أصحابه -رضي الله عنهم- أجمعين، واحشرنا -اللهم- في زمرتهم، وألحقنا بهم، وبلغنا منازلهم يا أكرم الأكرمين...
أقول هذا القول وأستغفر الله...
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي هدانا للإسلام، ومنَّ علينا بالإيمان، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره. وأشهد أن لا إله إلا الله...
عباد الله: إن معرفة قدر الصحابة وما لهم من شريف المنزلة وعظيم المرتبة من أولى المهمات المتعلقة بصلاح العقيدة واستقامة الدين؛ لهذا كان علماء الإسلام يؤكدون في كتب العقائد على مكانة الصحابة في الأمة، ويذكرون فضلهم وفضائلهم، وأثرهم وآثارهم، مع الدفاع عن أعراضهم؛ فالدفاع عنهم دفاع عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فهم بطانته، وخاصته. ودفاع عن الإسلام؛ فهم حَمَلَته، ونقلته.
فكل قولٍ أو عملٍ يؤول إلى انتهاكِ حُرمةِ الصحابة، أو تقليلِ شأنِهِم في النفوس، أو تسوِيتهم بغيرهم، فباطلٌ يجب البعد عنه، وذنبٌ تجب المبادرةُ إلى التوبةِ منه.
ولقد عرف السلف الصالح فضلَ الصحابةِ الكرام وبيَّنوه، ورَدُّوا على كلِّ من أرَادَ انتقاصَهُم -رضي الله عنهم-، يقول ابن عمر -رضي الله عنه-: "لَا تَسُبُّوا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-؛ فَلَمُقَامُ أَحَدِهِمْ سَاعَةً خَيْرٌ مِنْ عَمَلِ أَحَدِكُمْ عُمْرَهُ".
وجاء رجل إلى عبد الله بن المبارك وسأله: أمعاوية أفضل أم عمر بن عبد العزيز؟ فقال: "لَترابٌ في منْخَرَيْ معاويةَ مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خيرٌ وأفضلُ من عمر بن عبد العزيز".
وقول ابن المبارك هذا ليس طعناً في عمر بن عبد العزيز، أو تنقيصا منه، فله فضله وقدره، ولكن بياناً لفضل الصحبة التي تميز بها معاوية -رضي الله عنه- عن عمر بن عبد العزيز.
وقال الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-: "إذا رأيت رجلا يذكر أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسوء فاتهمه على الإسلام".
وقال -رحمه الله-: "لا يجوز لأحدٍ أن يذكر شيئا من مساوئهم، ولا يطعن في أحدٍ منهم بعيب ولا نقص، فمن فعل ذلك فقد وجب على السلطان تأديبه وعقوبته، ليس له أن يعفو عنه، بل يعاقبه ويستتيبُه، فإن تاب قَبِلَ منه، وإن ثبت أعاد عليه العقوبة، وخلَّدَهُ الحبس حتى يموتَ أو يُراجِع".
وقال بشر بن الحارث -رحمه الله-: "مَن شتم أصحابَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو كافر وإن صام وصلى وزعم أنه من المسلمين".
وقال أبو زُرعة -رحمه الله-: إذا رأيت الرجل ينتقصُ أحداً من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول حق، والقرآن حق، وإنما أدَّى إلينا هذا القرآن والسنة أصحابُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليُبطلوا الكتاب والسنة، والجرحُ بهم أولى، وهم زنادقة. اهـ
وقال السرخسي -رحمه الله-: "فمن طعن فيهم فهو ملحد منابذ للإسلام، دواؤه السيف إن لم يتب".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة، وما منَّ الله عليهم به من الفضائل، عَلِمَ يقيناً أنهم خيرُ الخلق بعد الأنبياء، لا كانَ ولا يكونُ مثلُهُم، وأنهم الصفوةُ من قرونِ هذه الأمةِ التي هي خيرُ الأمم، وأكرمُها على الله. اهـ.
هذا وصلوا وسلموا على محمد بن عبد الله، فقد أمركم الله بذلك فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]...
التعليقات