عناصر الخطبة
1/فضائل الصحابة الكرام 2/إجماع الأمة على عدالة الصحابة 3/من الجفاء في حق الصحابة 4/دور الصحابة في حفظ ونقل القرآن والسنة 5/عدد الصحابة الكرام 6/الموقف الصحيح مما وقع بين الصحابة الكرام.

اقتباس

ومِنَ الجَفَاءِ الجَهْلُ بفضائل الصحابة -رضي الله عنهم-, وعَدَمُ توقيرِهم, وعَدَمِ معرفةِ أقدارِهم وفضائِلهم, وهُمُ الجِيلُ الأَغَرُّ, الذين أكْرَمَهم اللهُ -تعالى- بِشَرَفِ صُحْبَةِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- ونُورِ الرُّؤية؛ فكانوا حَظَّهُ من الأجيال, وهو حَظُّهُمْ من الأنبياء, وقد أثنى اللهُ -تعالى- عليهم في كتابه الكريم, وجاءت سِيرَتُهم العَطِرَةُ وفضائلهم...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ, وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا, وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا, مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ, وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

أمَّا بعد: اجْتَمَعَتْ في الصَّحابةِ -رضي الله عنهم- فَضائِلُ كثيرةٌ, ومناقِبُ جليلةٌ؛ كالسَّبْقِ إلى الإسلام, والصَّبرِ وَقْتَ الشِّدَّة, والصُّحبةِ للنبيِّ -صلى الله عليه وسلم-, والهِجْرةِ والإيواء, والنُّصْرةِ والجِهاد, والإمامةِ في العِلْمِ والعَمَل, والتَّبْليغِ لهذا الدِّين؛ فلذلك اخْتارَهم اللهُ -تعالى- لنبيِّه الكريم -صلى الله عليه وسلم-, فَهُمْ في أعلى درجات الطُّهْرِ والنَّقاء؛ لِيَحْفَظوا لنا سُنَّته, ويَنْقُلوا لنا الشريعة.

 

حتى إنهم -رضي الله عنهم- نَقَلُوا لنا كلَّ كبيرٍ وصغيرٍ من حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-، مِمَّا يحتاجه الناس في دِينهم، سواء أكان ذلك في حال إقامَتِه أو سَفَرِه، في سِلْمِه أو حَرْبِه، في رِضاه أو غَضَبِه، حتى في خاصَّتِهِ مع أهله، وفي شأنه كلِّه.

 

وانْعَقَدَ الإجماعُ على أنَّ الصحابةَ -رضي الله عنهم- كلُّهم عدول؛ لأنَّ الله -تعالى- أثنى عليهم, وزكَّاهم في كتابه الكريم, وكَفَى به تعديلاً وتزكيةً.

 

ومِنَ الجَفَاءِ الجَهْلُ بفضائل الصحابة -رضي الله عنهم-, وعَدَمُ توقيرِهم, وعَدَمِ معرفةِ أقدارِهم وفضائِلهم, وهُمُ الجِيلُ الأَغَرُّ, الذين أكْرَمَهم اللهُ -تعالى- بِشَرَفِ صُحْبَةِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- ونُورِ الرُّؤية؛ فكانوا حَظَّهُ من الأجيال, وهو حَظُّهُمْ من الأنبياء, وقد أثنى اللهُ -تعالى- عليهم في كتابه الكريم, وجاءت سِيرَتُهم العَطِرَةُ وفضائلهم المتنوعة في كتب السُّنة المُطهَّرة للأفراد وللعموم, للمهاجرين والأنصار.

 

أيها المسلمون: إنَّ هؤلاء الكِرام لهم فَضْلٌ عظيم, ومَنزِلةٌ رَفِيعة؛ حيث كانوا أقربَ الناس إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-, وقد شَهِدوا التَّنزيلَ وحَضَرُوه, وهُمْ أوَّلُ مَنْ خُوطِبَ به من هذه الأُمَّة, وسَمِعُوا تفسيرَ القرآن الكريم من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قَوْلاً وعَمَلاً, فَهُمْ أعلَمُ الناس -بعد النبي صلى الله عليه وسلم- بمراد الله -تعالى-, وقد شَهِدَ لهم القرآنُ المجيدُ بالفَضْلِ العظيم؛ كما في قوله -تعالى-: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[التوبة: 100].

 

وقد صرَّح -تبارك وتعالى- في هذه الآيةِ الكريمةِ بأنَّ الذين اتَّبعوا السَّابقين الأوَّلين من المهاجرين والأنصار بإحسان، أنهم داخلون معهم في رِضْوانِ اللهِ -تعالى-، والوَعْدِ بالخُلود في الجَنَّات والفوز العظيم، وبيَّن في مَواطِنَ أُخَر, أنَّ الذين اتَّبعوا السَّابقين بإحسانٍ يُشارِكُونهم في الخير؛ كقولِه -تعالى-: (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ)[الجمعة: 3]؛ وقولِه -سبحانه-: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغفر لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ)[الحشر: 10]؛ وقوله -تعالى-: (وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ)[الأنفال: 75].

 

وهذا دليلٌ قرآنِيٌّ صَرِيحٌ في أنَّ مَنْ يسبُّهم ويُبغضهم، أنه ضالٌّ مُخالِفٌ لله -جلَّ وعلا-، حيث أبغَضَ مَنْ رَضِيَ اللهُ عنه, ولا شكَّ أنَّ بُغْضَ مَنْ رَضِيَ اللهُ عنه مُضادَّةٌ له -جلَّ وعلا-، وتمرُّدٌ وطُغيان.

 

وأوصى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الناسَ خيرًا بالسَّابقين الأوَّلين من المهاجرين والأنصار, والذين اتَّبعوهم بإحسان؛ كما في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "اسْتَوْصُوا بِأَصْحَابِي خَيْرًا، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَبْتَدِئُ بِالشَّهَادَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا"(صحيح – رواه أحمد, والحاكم).

 

وأثنى النبيُّ الكريم -صلى الله عليه وسلم- على أصحابه الكرام -رضي الله عنهم- ومَدَحهم في غير ما مَوْضِعٍ؛ ومن أقوالِه المُباركةِ في ذلك, قوله -صلى الله عليه وسلم-: "خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي, ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ, ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ"(رواه البخاري ومسلم)؛ وفي حقيقة الأمر, فإنَّ الاقتداء بهم هو اقتداءٌ برسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذْ إنهم كانوا يقتدون بالنبيِّ -صلى الله عليه وسلم-, ويلتزمون بهديه في كُلِّ شؤونهم.

 

ومَنَّ اللهُ على الصحابة -رضي الله عنهم- بِسَعَةِ الحِفْظِ, وقُوَّةِ الضَّبْط, ممَّا كان له بالِغُ الأثَرِ في حِفْظِ الدِّين كِتاباً وَسُنَّة؛ قال عبدُ اللَّهِ بنُ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه-: "إِنَّ اللَّهَ نَظَرَ في قُلُوبِ الْعِبَادِ, فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ, فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ, فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ, ثُمَّ نَظَرَ في قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ, فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ, فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ, يُقَاتِلُونَ على دِينِهِ, فما رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَناً فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ, وما رَأَوْا سَيِّئاً فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ سَيِّئ"(حسن: رواه أحمد, والطبراني).

 

وقال الخطيبُ البغدادِيُّ -رحمه الله-: "لو لم يَرِدْ من الله -عز وجل- ورسولِه في الصحابةِ شيءٌ مِمَّا ذَكَرناه, لأوْجَبَتِ الحالُ التي كانوا عليها؛ من الهِجْرَةِ والجِهادِ والنُّصْرَةِ, وبَذْلِ المُهَج والأموالِ, وقَتْلِ الآباءِ والأولاد, والمُناصَحَةِ في الدِّين, وقُوَّةِ الإيمانِ واليقين, القَطْعَ على عدالتهم, والاعتقادَ لِنَزاهَتِهم, وأنهم أفْضَلُ من جميع المُعَدَّلين والمُزَكَّين الذين يَجِيئون من بعدهم أبَدَ الآبِدِين, هذا مذهَبُ كافَّةِ العُلَماءِ, ومَنْ يُعْتَدُّ بِقَوله من الفُقهاء".

 

وقال أبو زُرعة -رحمه الله-: "إذا رأيتَ الرجلَ ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاعْلَمْ أنه زِنْدِيقٌ؛ وذلك أنَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- عندنا حَقٌّ, والقرآنُ حَقٌّ, وإنما أدَّى إلينا هذا القرآنَ والسُّنَنَ أصحابُ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-, وإنما يُريدون أنْ يَجْرَحوا شُهودَنا؛ لِيُبْطِلُوا الكِتابَ والسُّنة. والجَرْحُ بِهِمْ أَولى, وهم زَنادِقَةٌ".

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله ربِّ العالمين, والصلاة والسلام على رسوله الكريم, وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أمَّا بعد: عِباد الله: بَلَغَ عددُ الصَّحابةِ الذين رووا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فوق المائة ألف, قال أبو زُرعةَ -رحمه الله-: "تُوُفِّي النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- ومَنْ رآه وسَمِعَ منه زِيادة على مِائَةِ ألفِ إنسانٍ, من رجلٍ وامرأة، كلُّهم قد روى عنه سَمَاعًا أو رُؤْيَةً". منهم مَنْ روى الكثيرَ, ومنهم مَنْ روى القليلَ, ولو حَدِيثاً واحداً؛ لِقِلَّةِ مُجالَسَتِه أو لِصِغَرِ سِنِّه.

 

وكان الصحابةُ -رضي الله عنهم- أحرصَ الناس على حِفظِ السُّنة وضبطِها؛ لإيمانهم بأنَّ ما يُحدِّثهم به رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- إنما هو وَحْيٌ من عند الله -تعالى-. والمُتَتَبِّعُ حالَ الصحابةِ واسْتِماعَهم إلى رسول -صلى الله عليه وسلم- يُدْرِكُ -بِمَا لا يَدَع مَجالاً للشَّك- أنهم -رضي الله عنهم- كان لهم منهجٌ في السَّماع, فلم يكن سَماعُهم من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للتَّسْلِيَةِ أو التَّرَفِ الفِكْرِي, وإنما كان للتَّحَمُّلِ والتَّعَلُّمِ, والحِفْظِ, والتَّدْوِينِ, والتَّبْلِيغ.

 

وأمَّا ما وَقَعَ بين الصحابة من الخِلاف فَهُمْ بَشَرٌ غَيرُ معصومين, ومَنْ نحن حتى نُنَصِّبَ أنفسَنا حكَّاماً, ومعدِّلين لهم؟! قال ابنُ تيميةَ -رحمه الله-: "إِنَّ القَدْرَ الَّذِي يُنْكَرُ مِنْ فِعْلِ بَعْضِهِمْ قَلِيلٌ, نَزْرٌ مَغْمُورٌ فِي جَنْبِ فَضَائِلِ القَوْمِ وَمَحَاسِنِهِمْ؛ مِن الإِيمَانِ بِاللهِ, وَرَسُولِهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَالِجهَادِ فِي سَبيِلِهِ، وَالْهِجْرَةِ، وَالنُّصْرةِ، وَالْعِلْمِ النَّافِعِ، وَالعَمَلِ الصَّالِحِ. وَمَنْ نَظَرَ فِي سِيرَةِ الْقَوْمِ بِعِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ, وَمَا مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ بِهِ مِن الفَضَائِلِ، عَلِمَ يَقِينًا أَنَّهُمْ خَيْرُ الْخَلْقِ بَعْدَ الأَنْبِيَاءِ، لاَ كَانَ وَلاَ يَكُونُ مِثْلُهُمْ، وَأَنَّهُم الصَّفْوَةُ مِنْ قُرُونِ هَذِهِ الأُمَّةِ الَّتِي هِيَ خَيْرُ الأُمَمِ, وَأَكْرَمُهَا عَلَى الله -جَلَّ شَأْنُهُ-".

 

ولمَّا دَخَلَ عَائِذُ بْنُ عَمْرٍو -وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم- عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ؛ فَقَالَ: "أَيْ بُنَيَّ! إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "إِنَّ شَرَّ الرِّعَاءِ الْحُطَمَةُ؛ فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ". فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ فَإِنَّمَا أَنْتَ مِنْ نُخَالَةِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-. فَقَالَ: وَهَلْ كَانَتْ لَهُمْ نُخَالَةٌ؟ إِنَّمَا كَانَتِ النُّخَالَةُ بَعْدَهُمْ وَفِي غَيْرِهِمْ. (رواه مسلم). وصَدَقَ -رضي الله عنه-.

 

 

المرفقات
wJQTsnhXGiwbsRkkNhS6DHcxG4E6kmescyjxcMPV.pdf
M50X5hN0wdpa0BKcKoMb3kfm69Eb6JGbWsPviXch.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life