الشيخ ندا أبو أحمد
والحجر الأسود هو المنصوب في الركن الشرقي للكعبة، ومن محاذاته يبدأ الطواف حول الكعبة، وله فضائل كثيرة منها:
1- أنه حجر من الجنة:
• فقد أخرج الترمذي من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نزل الحجر الأسود من الجنة، وهو أشد بياضًا من اللبن، فسودته خطايا بني آدم[1]"؛ (الصحيحة: 2618)، (صحيح الجامع: 6756).
• وأخرج الطبراني في الكبير من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان الحجر الأسود أشد بياضًا من الثلج، حتى سودته خطايا بني آدم"؛ (صحيح الجامع: 4449).
• وأخرج الإمام أحمد من حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحجر الأسود من الجنة"؛ (صحيح الجامع: 3174).
• وفي رواية عند الطبراني: "الحجر الأسود من حجارة الجنة"؛ (صحيح الجامع: 3175).
• وعند البيهقي في "شعب الإيمان" من حديث عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لولا ما مَسَّ الحجرَ من أنجاس الجاهلية ما مَسَّهُ ذو عاهة إلا شُفي، وما على الأرض شيء من الجنة غيره"؛ (صحيح الترغيب والترهيب: 1148) (صحيح الجامع: 5334).
2- الحجر يشهد يوم القيامة لمن استلمه بحق:
• وأخرج الترمذي من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والله ليبعثنه اللهُ يوم القيامة - يعني الحجر الأسود - له عينان يبصر بهما، ولسان ينطق به، يشهد على من استلمه بحقٍّ"؛ (صحيح الجامع: 7098).
• وأخرج ابن ماجه والبيهقي في "شعب الإيمان" عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليأتينَّ هذا الحجرُ يوم القيامة له عينان يُبصِرُ بهما، ولسانٌ ينطقُ به، يشهدُ على من استلمهُ بحق"؛ (صحيح الجامع: 5346).
وأخرج الإمام أحمد وابن خزيمة والحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِن لِهَذَا الْحَجَرِ لِسَانًا وَشَفَتَيْنِ يَشْهَدُ لِمَنِ اسْتَلَمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَق".
وتقبيل الحَجَرَ واستلامه أمر مشروع مسنون مرغبٌ فيه شرعًا، وفيه أجر وثواب عظيم، وفاعل ذلك يفعله اتباعًا للسنة، ورغبة في الأجر الموعود به، لا أن يظن أن الحَجَرَ يضره أو ينفعه، كما يظن بعض الجهال، ولذلك نبه الخليفة الراشد عمر الفاروق رضي الله عنه حين جاء إلى الحَجَرِ الأسود فقبَّله، ثم قال: "إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقبِّلكَ ما قبَّلتُكَ؛ (رواه البخاري ومسلم).
3- مسح الحجر الأسود والركن اليماني يحطان الخطايا حَطًّا:
فقد أخرج الترمذي والنسائي والطبراني من حديث عبيد بن عمير قال: "كان ابن عمر يزاحم على الركنين زحامًا ما رأيتُ أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، فقلت: يا أبا عبد الرحمن، إنك تزاحم على الركنين زحامًا ما رأيتُ أحد من أصحاب النبي يزاحم عليه، فقال: نعم، أنا أفعل، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن مسحهما كفارةٌ للخطايا، وسمعته يقول: مَن طاف بهذا البيت أسبوعًا فأحصاه كان كعتق رقبة، وسمعته يقول: لا يضع قدمًا ولا يرفع أخرى إلا حطَّ اللهُ عنه خطيئةً وكتب له بها حسنةً"؛ (صحيح الجامع:6380).
وفي رواية أخرى عند الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أنه سَمِعَ أباه يقول لابن عمر رضي الله عنهما: ما لي لا أراك تستلم إلا هذين الركنين الحجر الأسود، والركن اليماني؟ فقال ابن عمر: إن أفعل، فقد سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن استلامهما يحطُّ الخطايا، قال: وسمعته يقول: مَن طاف أسبوعًا يحصيه، وصلَّى ركعتين كان كعدل رقبة، قال: وسمعته يقول: ما رفع رجلٌ قدمًا ولا وضعها إلا كُتب له عشرُ حسنات، وحُطَّ عنه عشر سيئات، ورُفع له عشر درجات؛ (صحيح الترغيب والترهيب:1139).
ورواه ابن خزيمة إلا أنه قال: إن أفعل، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلميقول: مسحهما يحط الخطايا، وسمعته يقول: مَن طاف بالبيت لم يرفع قدمًا ولم يضع قدمًا إلا كَتَبَ الله له حسنة، ويحط [عنه] خطيئة، وكتب له درجة، وسمعته يقول: مَن أحصى أسبوعًا كان كعتق رقبة".
وعند النسائي عن عبيد بن عمير أن رجلًا قال لابن عمر: يا أبا عبد الرحمن، ما أراك تستلم إلا هذين الركنين، قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن مَسْحَهُما يَحُطانِ الْخطيئةَ"؛ (صحيح النسائي: 2732).
وفي رواية أخرى عند الإمام أحمد والترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إن مسح الحجر الأسود، والركن اليماني، يحطانِ الخطايا حَطًّا"؛ (صحيح الجامع:2194).
تنبيهات وفوائد:
أ- الحَجَرُ يُقَبَّلَ ويُستلم:
لقد عَلَّمنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الطريقة المشروعة لتعظيم الحجر الأسود، فمن طاف بالكعبة ابتدأ طوافه به، وسُنَّ له أن يقبِّله إن أمكنه ذلك، وإلا استلمه بيده ومسحه مسحًا، ثم قبَّل يده، أو استلمه بعصا، وقبَّل ما وصل إليه، وإلا أشار بيده عند عدم القدرة على التقبيل أو الاستلام، أو خشية الإيذاء للآخرين، ويكبر مع ذلك كله، ودليل ذلك: ما أخرجه البخاري في صحيحه عن الزبير بن عربي، قال: سأل رجلٌ ابن عمر رضي الله عنهماعن استلام الحجر[2] فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبَّله..."؛ الحديث.
• وعند الإمام مسلم عن نافع قال: رأيت ابن عمر رضي الله عنهما استلم الحَجَرَ وقبَّل يده وقال: "ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبِّله".
• وأخرج الإمام مسلم عن أبي الطفيل رضي الله عنه يقول: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت ويستلم بمحجن معه ويُقبِّل المحجن".
• وأخرج الإمام مسلم عن سويد بن غفلة قال: "رأيت عمر رضي الله عنه قبَّل الحَجَرَ والتزمه، وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بك حفيًّا".
ب- يُسن للطائف كلما مرَّ على الحَجَرِ الأسود أن يُكبِّر:
فقد أخرج البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "طَافَ النبِي صلى الله عليه وسلم بِالْبَيْتِ عَلَى بَعِيرٍ، كُلَّمَا أَتَى الركْنَ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ كَانَ عِنْدَهُ وَكَبَّرَ".
وفي صفة التكبير ورد عن ابن عمر إضافة البسملة عند استلام الحجر: (بسم الله والله أكبر)؛
(البيهقي في السنن الكبرى: 5/79).
جـ-لا يجوز لمن أراد استلام الحجر إيذاء الطائفين حين الاستلام، فيكون قد استلمه بغير حق، فيفوته الأجر لما يترتب على ذلك من المضار والإيذاء للمسلمين، وقد رُوِيَ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمر بقوله:"يَا عُمَرُ، إِنكَ رَجُلٌ قَوِي، وَإِنكَ تُؤْذِي الضعِيفَ، فَإِذَا رَأَيْتَ خَلْوَةً فَاسْتَلِمْهُ، وَإِلا فَكَبِّرْ وَامْضِ"؛ (أخبار مكة للأزرقي، وفي إسناده رجل مجهول).
•وذكر الأزرقي من أخبار مكة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إذا وجدت على الركن زحامًا فلا تؤذِ ولا تؤذَى".
ويشتد النهي بالنسبة النساء خاصة وقت الزحام:
• فقد أخرج البخاري بسنده عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: أنها كانت تطوف محجوزًا بينها وبين الرجال بثوبٍ لا تخالطهم، فقالت لها امرأة: انطلقي نستلم يا أم المؤمنين - تعني هيا نُقَبِّل الحَجَرَ الأسود - فقالت لها: "عنك...وأبتْ"، حتى لا تخالط الرجال.
وأخرج الشافعي في مسنده أنه دخلت على عائشة رضي الله عنها مولاه لها، فقالت: لها يا أم المؤمنين، طُفْتُ بالبيت سبعًا، واستلمت الركن مرتين أو ثلاثًا، فقالت لها عائشة رضي الله عنها: لا آجرك الله، لا آجرك الله، تدافعين الرجال؟ ألا كبَّرتِ ومررتِ؟!
وروى الأزرقي في أخبار مكة: عن عطاء بن رباح أنه رأى امرأة أرادت أن تستلم الركن فصاح بها، وقال: "لا حق للنساء في استلام الركن"، (وذلك عند وجود الرجال الأجانب والزحام).
كما أن من الأمور التي لا تجوز ما يفعله بعض العامة من قطع الصلاة قبل انتهاء الإمام من التسليم لأجل الاستلام.
[1] وإذا كان هذا أثرًا على الجمادات، فكيف بأثرها في القلوب؟! وقد نقل الحافظ في الفتح عن المحب الطبري قوله: في بقائه أسود عبرة لمن له بصيرة، فإن الخطايا إذا أثرت في الحجر الصلد، فتأثيرها في القلب أشد؛ اهـ.
وقال المناوي في "فيض القدير: 6/282": اسوداد الحجر للاعتبار ليعرف أن الخطايا إذا أثرت في الحَجَرِ ففي القلوب أولى؛ اهـ بتصرف.
[2] استلام الحجر: قال الأزهري: هو افتعال من السلام، وهو التحية، كأنه إذا استلمه اقترأ منه السلام، وأهل اليمن يسمون الركن الأسود: المُحَيَّا، أي الناس يحيونه، قال ابن حجر- رحمه الله-: يستحب الجمع بين التسليم والتقبيل للحجر الأسود.
التعليقات