عناصر الخطبة
1/القرآن منةٌ عظمى والتدبر أساس الانتفاع به 2/فضل آية الكرسي 3/دلالة آية الكرسي على أعظم المعاني وأسمى المقاصد 4/ما ورد من الصفات الله في آية الكرسي 5/الالتزام بالسنة والحذر من المحدثات.اهداف الخطبة
اقتباس
آيةُ الكرسي لعِظَمِ شأنها وعلو مقامها, اجتمع فيها من تقرير التوحيد وبيانه, وذكر دلائله وحججه وبراهينه, ما لم يأتِ في آية أخرى, إنَّ هذه الآية العظيمةَ المباركة, دلّت على أعظم المعاني وأجلِّها, ودلَّت على أشرف المقاصد وأعظمها, دلَّت على توحيد الله ووجوب إخلاص الدين له, وإفراده وحده جل وعلا بالعبادة.. وقد أقيمت...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, إلهُ الأوّلين والآخرين, وقيومُ السماوات والأراضين, وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه صادقُ الوعد الأمين, اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
معاشرَ المؤمنين عبادَ الله: اتقوا الله تعالى واعلموا أنّ تقواه جل وعلا أساس السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة, وتقوى الله جل وعلا هي العملُ بطاعة الله على نورٍ من الله, رجاءَ ثوابِ الله وتركِ معصية الله على نورٍ من الله, خيفةَ عذاب الله.
معاشر المؤمنين: إن الله جل وعلا امتنَّ على عباده بمنةٍ عظيمة, ونعمةٍ كبرى جسيمة, ألا وهي أنه سبحانه أنزل عليهم القرآن الكريم وذكره الحكيم شفاءً لما في الصدور, وصلاحاً للعباد وعزاً لهم في الدنيا والآخرة (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ) [الإسراء : 82], ( قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ) [فصلت : 44], (وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ) [يونس : 57], (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) [الإسراء : 9], والآياتُ في هذا المعنى كثيرة.
عبادَ الله : ويعظم الشأنُ ويعلو المقام, عندما تكون الآيةُ من القرآن آيةً عظمى فُضّلتْ على آي القرآن, ومُيِّزَت عليه لفخامة شأنها, وعِظَمِ مكانتها وعِظَمِ ما دلَّت عليه من الإخلاص والتوحيد, والبراءة من الشرك والتنديد, ذلكم -عبادَ الله- آيةُ الكرسي, تلك الآية العظيمة الجليلة التي فخم النبي عليه الصلاة والسلام شأنها, وأعلى مقامها ورفع قدرها, وبيَّن أنّها أعظمُ آي القرآن شأناً وأعلاها مكانة, ففي صحيح مسلم عن أبي بن كعب رضي الله عنه وهو من قرّاء الصحابة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يَا أَبَا الْمُنْذِرِ ، أيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ الله مَعَكَ أعْظَمُ ؟" قال: قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قال: "يَا أَبَا الْمُنْذِرِ ، أيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ الله مَعَكَ أعْظَمُ ؟" قال: قلت: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) [البقرة : 255], قال فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيده على صدري وقال: لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ " أي هنيئاً لك هذا العلمَ العظيم الذي ساقه الله إليك ومنَّ عليك به.
وتأملوا -رعاكم الله- كَمَال فقهِ الصحابة وحسن فهمهم -رضي الله عنهم- فها هو أُبيُّ رضي الله عنه يأتي بهذا الجوابَ المسدد, في وقفةٍ أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم, ويختارُ هذه الآيةَ من بين ما يزيدُ على ستة آلاف آية, وفي مهلةٍ وفي لحظاتٍ يسيرة جدا.
عبادَ الله: إنَّ في هذا لدلالةً واضحة, وأمارةً بيِّنةً على مكانة التوحيد في قلوب الصحابة, فإن النبي عليه الصلاة والسلام لما سأل أُبيًّا عن أعظم آيةٍ في كتاب الله, اختار رضي الله عنه وانتقى من القرآن آيةَ التوحيد, التي أُخْلِصَتْ لبيان التوحيد وتقريره, وبيان حججه وبراهينه, ولذا قال العلماء رحمهم الله: إنَّ آية الكرسي اجتمع فيها من تقرير التوحيد وبيانه, وذكر دلائله وحججه وبراهينه, ما لم يأتِ في آية أخرى, بل جاء متفرقاً في آياتٍ عديدة, فآيةُ الكرسي لعِظَمِ شأنها وعلو مقامها, جمعت من تقرير التوحيد وبيان براهينه, ما لم يأتِ في آية أخرى من كتاب الله عز وجل.
عبادَ الله: ولعِظَمِ مقام هذه الآية وعُلوِّ شأنها, جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث عديدة, الترغيبُ في قراءتها مرّاتٍ وكرّات في اليوم والليلة, بل جاء عنه عليه الصلاة والسلام ما يدلُّ على استحباب قراءتها في اليوم والليلة ثماني مرات؛ مرتين في الصباح والمساء ومرةً عند النوم, وخمس مراتٍ أدبار الصلوات المكتوبة. أما قراءتها أدبار الصلوات, فيدل عليه ما ثبت في سنن النسائي عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلَّا أَنْ يَمُوتَ ".
وأما قراءتها عند النوم, ففي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة ما يدلُّ على أنَّ من قرأها إذا أوى إلى فراشه, لم يزلْ عليه من الله حافظا, ولا يقربه شيطانٌ حتى يصبح. وأما قراءتها في أذكار الصباح والمساء, فيدلُّ عليه ما ثبتَ في سنن النسائي ومعجم الطبراني الكبير من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه, وفيه أنَّ من قرأها إذا أصبح أُجير من الشياطين حتى يمسي, وإذا قرأها إذا أمسى أُجير من الشياطين حتى يصبح ,فهذه ثمانيةُ مواضع يُستحب للمسلم أن يحافظ على قراءة آية الكرسي فيها, في أذكار الصباح والمساء وأدبار الصلوات المكتوبة وعندما يأوي إلى فراشه لينام.
عبادَ الله: وهاهنا أمرٌ عظيمٌ لا بد من التنبيه عليه والتذكير به, ألا وهو أنَّ انتفاع العبد بهذه الآية المباركة, لا بد فيه من تدبُّر معانيها وعَقْلِ دلالاتها لا أن يكون حظُّ العبد منها مجردَ القراءة للحروف, دون عَقْلِ المعاني والتبصُّرِ في الدلالات, ولهذا قال الله تبارك وتعالى في عموم القرآن: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) [ محمد: 24 ] وقال جل وعلا:(أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) [النساء : 82] وقال تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) [ص : 29] وقال جل وعلا: ( أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ) [المؤمنون : 68] هذا في عموم القرآن, فكيف بأعظم آي القرآن شأناً وأرفعها مكانة, ولهذا -عباد الله- لا يليقُ بالمسلم أن يكون حظُّه من هذه الآية المباركة الكريمة, مجرَّدَ القراءة والتلاوة دون عقل المعاني وتدبُّرِ الدلالات, ودون تحقيق المقاصد والغايات.
عبادَ الله: إنَّ هذه الآية العظيمةَ المباركة, دلّت على أعظم المعاني وأجلِّها, ودلَّت على أشرف المقاصد وأعظمها, دلَّت على توحيد الله ووجوب إخلاص الدين له, وإفراده وحده جل وعلا بالعبادة, لقد صُدِّرت هذه الآيةُ الكريمةُ بكلمة التوحيد الخالدة لا إله إلا الله, التي هي أعظمُ الكلمات وأجلُّها على الإطلاق, وهي كلمةٌ -عبادَ الله- تدلُّ على وجوب إفراد الله وحده بالعبادة, والبراءة من الشرك كلِّه دقيقِه وجليلِه, إنها -عباد الله- كلمةُ التوحيد الدالة عليه, فلا توحيدَ إلا على ضوئها وعلى ضوء ما دلَّت عليه, وفي هذه الكلمة أن التوحيد لا يقوم إلا على ركنين لا بد منهما, وأصلين لا بد من تحقيقهما وهما: النفيُ والإثبات, نفيُ العبادة عن كل ما سوى الله وإثبات العبادة بكل معانيها لله وحده, خضوعاً وتذللاً رغباً وطمعاً, سجوداً وركوعاً توكلاً واعتماداً, دعاءً ورجاءً, إلى غير ذلك من أنواع العبادة وصنوف الطاعة, فكلُّ ذلك حقٌ لله, ليس له سبحانه فيه شريك.
عبادَ الله: وقد أقيمت في هذه الآية المباركة, الحججُ البيناتُ والعلاماتُ الظاهرات, على وجوب التوحيد ووجوب إخلاص العبادة لله, وقد ذُكر فيها من الحجج ما يزيد على العشرة حُجَج, فتأملوها -رعاكم الله- ومن هذه الحُجَج: قولُه جل وعلا: (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) [البقرة : 255]، نعم -عباد الله- إن الله تبارك وتعالى هو الحي الحياة الكاملة التي لم تسبق بعدم, ولا يلحقُها فناءٌ ولا يعتريها نقصٌ, ومن كان هذا شأنُه فهو المستحِّقُ لأن يُفردَ بالعبادة, أما الحيُ الذي يموت أو الحي الذي قد مات أو الجمادُ الذي لا حياةَ له, فكلُّ هؤلاء ليس لهم في العبادة أيُّ حق.
ووصف نفسه جل وعلا في الآية بأنه قيوم, أي قائمٌ بنفسه مقيمٌ لشؤون خلقه, وهذا دالٌّ على كمال غِناه, وعلى شدة افتقار العباد إليه من كل وجه, ومن كان هذا شأنُه فهو الذي يستحِقُّ العبادةَ دون سواه, ووصف نفسَه جل وعلا بأنه لا تأخذه سنةٌ ولا نوم, وهذا لِكَمال حياته وكَمَال قيُّوميَّته, وكَاَل قدرته وقوته سبحانه, ولهذا جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ بِالنَّهَارِ وَعَمَلُ النَّهَارِ بِاللَّيْلِ"
ووصف نفسه جل وعلا في الآية بأنَّ له ملكُ السماوات والأرض, فللَّه جل وعلا ما في السماوات وما في الأرض ملكاً وخلقاً, لا شريك له في شيءٍ من ذلك, ومن كان كذلك فهو الذي يستحِقُّ أن يُعبدَ دون سواه, ولهذا قال في آيةٍ أخرى مبيناً بطلان الشرك والتنديد, ( قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ ) [سبأ : 22] وذكر في الآية جل وعلا كَمَال سلطانه بقوله جل وعلا: (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ) [البقرة : 255]، فالشفاعة ملك لله فلا تطلب إلا من الله جل وعلا قال تعالى: (قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا ) [الزمر : 44] .
وبيَّن سبحانه عظمته وجلاله وكَمَاله وإحاطة علمه, بقوله سبحانه: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ) [البقرة : 255]، وفي هذا -عباد الله- إحاطةُ علم الله جل وعلا بالأمور الماضيات وبالأمور المستقبلات, فهو يعلم ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون, أحاط بكل شيء علما, وأحصى كل شيءٍ عددا, وكيف لا يحيط علماً بالمخلوقات وهو خالقها؟! (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك : 14].
وذكر جل وعلا قصورَ علم العباد وضعفه وأنه لا علم عندهم إلا ما علمهم الله (وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ ) [البقرة : 255]، والعباد عباد الله لم يؤتوا من العلم إلا قليلا وكل ما عندهم من العلم هو فضل الله عليهم ومَنُّه.
ثم ذكر جل وعلا عظمته سبحانه بذكر عظمة أحد مخلوقاته وهو الكرسي العظيم قال جل وعلا: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ) [البقرة : 255]، ويبيِّنُ هذا المعنى ما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام من حديث أبي ذر رضي الله عنه أنه سأل النبي عليه الصلاة والسلام عن أعظم آيةٍ في القرآن فقال: "آية الكرسي" ثم قال عليه الصلاة والسلام: "ما السموات السَّبعُ فِي الْكُرْسِيِّ إِلَّا كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، وَفَضْلُ الْعَرْشِ عَلَى الْكُرْسِيِّ كَفَضْلِ تِلْكَ الْفَلَاةِ عَلَى تِلْكَ الْحَلْقَةِ " تأملوا هنا -عباد الله- يظهر لكم عظمةُ الخالق جل وعلا, إذا كانت المخلوقاتُ بهذه العظمة فكيف بخالقها ومبدعها وموجدها؟! عظُم شأنُه وتعالى جدُّه.
ثم قال جل وعلا: (وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ) [البقرة : 255] ، وهذا من عظمة الله جل وعلا أي لا يثقِلُه سبحانه حفظُ السماوات والأرض (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ) [فاطر : 41].
ثم ختم هذه الحُجَجَ بقوله: (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) [البقرة : 255]، مُبيِّنًا للعباد علوَّه ذاتاً وقدرًا وقهرًا وعظمةً, وأن العظمة وصفُه جل وعلا وهي عظمةٌ في الأسماء وعظمةٌ في الصفات وعظمةٌ في الأفعال, فتبارك اللهُ العظيمُ ربُ الخلق أجمعين, خالقُهم من العدم وموجِدُهم بعد أن لم يكونوا, وهو جل وعلا المستحِقُّ أن يُعبدَ وحده دون سواه فلا إله إلا الله ولا معبود حقٌّ إلا الله.
اللهم وفقنا للعمل بكتابك واتباع سنة نبيك صلى الله عليه وسلم, وأعنا على تحقيق هذه المعاني العظيمةِ والدلالاتِ المباركة, التي دلّت عليها أعظمُ آي القرآن شأناً آية الكرسي.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب, فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ لله عظيمِ الإحسان, واسعِ الفضل والجود والامتنان, وأشهد أن لا إله إلا وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
عبادَ الله: اتقوا الله تعالى في السر والعلانية والغيب والشهادة, اتقوه جل وعلا تقوى َمَنْ يعلمُ أن ربَّه يسمعُه ويراه.
عبادَ الله: إن المؤمنين بحاجةٍ ماسةٍ في كل وقتٍ وحين, إلى التأكيد إلى ضرورة العمل بالسنة والتقيُّدِ بهدي النبي الكريم عليه الصلاة والسلام, والحذرِ من المحدثات والمبتدعات, ولهذا كان صلى الله عليه وسلم في كل جمعة إذا خطب الناسَ قال: "أما بعد فإنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ "
وهذا عباد الله: يستوجبُ على كل مسلمٍ إذا أراد أن يعملَ عملاً من الأعمال, أو قربةٍ من القربات يتقرب بها إلى الله, أن ينظرَ في السنة هل ثبتْ هذا الأمرُ عن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه أم لا؟, فإنْ كان ثابتاً عمل به, وإن لم يكن عليه دليلٌ من السنة, فإن الواجبَ اطِّرَاحُه مهما تشوَّفتِ النفسُ للعمل به وتشوقت للقيام به.
عباد الله: ونحن في هذه الأيام نعيشُ في شهر رجب, ولبعض الناس في هذا الشهرِ عقائدُ ما أنزل الله بها من سلطان, وأعمالٌ ليس عليها دليلٌ لا في السنة ولا في القرآن, والواجبُ على المسلم أن يقيِّدَ نفسَه بالسنة, وأن يُلزِمَها بهدي النبي الكريم عليه الصلاة والسلام وأن يتذكرَ قولَه صلى الله عليه وسلم : " منْ عَمِلَ عملاً ليس عليه أمرُنا ، فَهو ردٌّ ".
أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا أن يوفقنا لاتباع السنة والتقيد بهدي خير الأمة, محمدِ بن عبد الله وأن يعيذَنا من المحدثات والمبتدعات, إنه سميع ُالدعاء وهو أهلُ الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وصلوا وسلموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله ,كما أمركم الله جل وعلا بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) [الأحزاب : 56]
وقال صلى الله عليه وسلم " مَنْ صلى علىَّ صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشرًا "
اللَّهُمَّ صَلِّي عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. وارضِ اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمةِ المهديين: أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي, وارضِ اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانِك يا أكرمَ الأكرمين.
اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين, اللهم أعز الإسلام والمسلمين, اللهم أعز الإسلام والمسلمين, وأذلَّ الشرك والمشركين ودمِّرْ أعداء الدين, واحم حوزة الدين يا رب العالمين. اللهم ارحم ضعف إخواننا المستضعفين في كل مكان اللهم ارحم ضعف إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان, اللهم كن لهم حافظاً ومؤيِّداً, اللهم احفظهم في فلسطين ولبنان وفي العراق وفي كل مكان يا ذا الجلال والإكرام, اللهم كن لهم حافظا ومؤيِّداً ومعينا ومؤازرا, اللهم كن لهم ولا تكن عليهم, اللهم أيدهم بتأييدك يا ذا الجلال والإكرام. اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك, اللهم عليك بكل عدوٍ لدينك, اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم, اللهم واجعل تدبيرهم تدميرا عليهم يا ذا الجلال والإكرام. اللهم آمنّا في أوطاننا وأصلحْ أئمتَنا وولاةَ أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين. اللهم وفِّقْ وليَّ أمرنا لهُداك واجعل عمله في رضاك وارزقه البطانة الصالحة الناصحة يا رب العامين. اللهم وفِّقْ جميعَ ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك واتباع سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم واجعلهم رحمةً ورأفةً على عبادك المؤمنين. اللهم آت نفوسنا تقواها زكها أنت خير من زكاها أنت وليُّها ومولاها. اللهم إنا نسألك الهُدى والتُقى والعفة والغنى. اللهم أصلح ذات بيننا وألف بين قلوبنا واهدنا سبلَ السلام وأخرجنا من الظلمات إلى النور, وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وأزواجنا وذرياتنا وأموالنا وأوقاتنا واجعلنا مباركين أينما كنا. اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ, وَآخِرُ دَعْوَانا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وصلى الله وسلم على نبيه محمد وآله وصحبه أجمعين.
التعليقات