الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر
تستحبُّ زيارةُ مسجد النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - للصلاة فيه؛ فإنَّه المقصود بقوله تعالى: ﴿ لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ ﴾ [التوبة: 108]، ومعنى ﴿ تَقُومَ فِيهِ ﴾: تصلِّي فيه، وإنْ كان مسجد قباء مُرادًا في الآية أيضًا، ولكن مسجد قباء يدخل تبعًا، وإنَّما تُشرَع زيارة مسجد النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لما ورد في فضْله وفضْل الصلاة فيه.
ففي مسند البزار من رواية عائشة - رضي الله عنها - أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((أنا خاتم الأنبياء، ومسجدي خاتمُ مساجدِ الأنبياء، أحقُّ المساجد أنْ يُزار ويُشدَّ إليه الرَّواحِل المسجدُ الحرامُ ومسجدي))[1].
وفي الترمذي عن أنسٍ - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن صلَّى في مسجدٍ أربعين صلاةً كتَب الله له براءةً من النار، وبراءةً من العَذاب، وبراءةً من النِّفاق))[2].
وفي مسند الإمام أحمد من حديث أبي هُرَيرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن دخَل مسجدَنا هذا ليتعلَّم خيرًا أو ليُعلِّمه، كان كالمجاهد في سبيل الله))[3].
وفي الصحيحين عن أبي هُرَيرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((صلاةٌ في مسجدي هذا خيرٌ من ألف صَلاةٍ فيما سِواه إلا المسجد الحرام))[4].
وفي صحيح مسلم عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((صلاةٌ في مسجدي هذا أفضلُ من ألف صلاةٍ فيما سِواه إلا المسجد الحرام))[5].
وفي الصحيحين عن أبي هُرَيرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((ما بين بيتي ومِنبَري روضةٌ من رياض الجنَّة))[6]، وفي رواية عند أحمد قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((وإنَّ منبري على ترعةٍ من ترع الجنَّة))[7].
وعن أبي هُرَيرة - رضي الله عنه - قال: ((لا تُشَدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى))؛ متفق عليه[8].
فدلَّ هذا الحديث على مشروعيَّة شدِّ الرحال إلى هذه المساجد الثلاثة؛ لشرفها وفضلها وفضل الصلاة فيها، ودلَّ بمفهومه أنَّه لا يجوزُ شدُّ الرحال إلى بقعةٍ من بِقاع الأرض على وجه التعبُّد فيها غير هذه المواطن الثلاثة، فلا يجوزُ السفرُ لزيارة قُبور الأنبياء أو الأولياء أو غيرهم.
وزيارةُ مسجد النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - مشروعةٌ سائر العام؛ فليس لها وقتٌ مخصوص، وليست من الحجِّ لا واجبة ولا شرطًا - كما يظنُّه بعض العامَّة - لكنْ ينبغي للوافدين من أقطار الأرض البعيدة أنْ يغتنموا فُرصةَ قُدومهم لأرض الجزيرة لأداء مناسك الحج والعمرة لزيارة مسجد النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ؛ لتحصل فضيلة زيارة المسجد والصلاة فيه، فإنَّه أيسرُ لهم وأرفقُ، والنبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ما خُيِّرَ بين أمرَيْن إلا اختارَ أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإنْ كان إثمًا كان أبعَدَ الناس عنه، مع أنَّه قد لا يتيسَّر لهم الوصول إلى هذه البِقاع في المستقبل، فلا يعلمُ الغَيْبَ إلا الله، وقد قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((احرِصْ على ما ينفَعُك واستَعِن بالله ولا تَعجِزْ))[9].
فإذا وصَل زائرُ مسجد النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى المسجد قال الذِّكر المشروع عند دُخول سائر المساجد؛ إذ ليس لدخول مسجد النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ذكرٌ يخصُّه، فيُقدِّم رجلَه اليُمنَى عند الدُّخول، ويقول: ((بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، أعوذُ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسُلطانه القديم من الشيطان الرجيم، اللَّهمَّ افتح لي أبوابَ رحمتك))، وإذا خرَج قدَّم رجلَه اليسرى وقال ذلك إلا أنَّه يقول: ((افتَحْ لي أبوابَ فضلك))، ثم يُصلِّي ركعتين يدعو فيهما بما أحبَّ من خيري الدنيا والآخِرة، وإنْ تيسر له صلاتهما في الروضة الشريفة بين منبره - صلَّى الله عليه وسلَّم - وبيته (حجرة عائشة - رضِي الله عنها) فهو أفضل؛ لما سبق في فضلها.
ثم بعد الصلاة يزورُ قبرَ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقًبْرَيْ صاحبَيْه أبي بكر وعُمر - رضي الله عنهما - فيقفُ تجاه قبر النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بأدبٍ وخفضِ صوتٍ، ثم يُسلِّم على النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قائلاً: ((السلام عليك أيُّها النبيُّ ورحمةُ الله وبركاته))؛ لما في سنن أبي داود بإسنادٍ حسن عن أبي هُرَيرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما من أحدٍ يُسلِّم عليَّ إلا ردَّ الله عليَّ روحي حتى أردَّ - عليه السلام -))[10].
ويُصلِّي على النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لما ورد من شرعيَّة الجمع بين الصَّلاة والسَّلام عليه؛ عملاً بقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
ثم يُسلِّمُ على صاحبَيْه أبي بكر وعُمر ويدعو لهما ويترضَّى عنهما، وكان ابن عمر - رضي الله عنهما - إذا سلَّم على النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وصاحبَيْه لا يزيدُ غالبًا على قوله: ((السلامُ عليك يا رسولَ الله، السلامُ عليك يا أبا بكرٍ، السلامُ عليك يا أبتا)).
وينبغي لمن يسَّر الله له زيارةَ طَيْبَةَ الطيِّبةَ أنْ يغتنم مدَّةَ إقامتِه فيها بالمحافظة على الصلوات الخمس مع الجماعة في مَسجدِه - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأنْ يُكثِرَ فيه من الذِّكر والدعاء وصَلاة النافلة، وكثرة الصَّلاة والسَّلام عليه - صلَّى الله عليه وسلَّم - وحُضور مجالس العِلم وحِلَقِ الذِّكر؛ لما في ذلك من الخير الكثير والأجْر الكبير.
ويستحبُّ لزائر المدينة أنْ يَزُور مسجدَ قباء؛ فإنَّه قد ثبَت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -: ((أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يَزُورُ مسجدَ قباء راكبًا وماشيًا، ويُصلِّي فيه ركعتين))[11].
وفي المسند وغيره عن سهل بن حنيف - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن تطهَّر في بيته ثم أتى مسجدَ قباء فصلى فيه صلاةً كان له كأجْر عُمرةٍ))[12].
وكذلك تُشرَعُ زيارةُ قُبورِ البَقِيع وقُبور الشهداء وقبْر حمزة - رضي الله عنهم - لأنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يزورهم ويدعو لهم، ولقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((زُوروا القبورَ؛ فإنَّها تُذكِّر الموت))؛ رواه مسلم[13].
وكان - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُعلِّم أصحابَه إذا زاروا القُبور أنْ يقولوا: ((السلامُ عليكم أهل الدِّيار من المؤمنين، وإنَّا إنْ شاء الله بكم لاحِقون، نسألُ الله لنا ولكم العافية))؛ رواه مسلم[14].
وخرَّج الترمذي عن ابن عباسٍ - رضي الله عنهما - قال: مَرَّ النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بقبورٍ في المدينة فأقبَلَ عليهم بوجهه فقال: ((السلامُ عليكم يا أهل القبور، يغفرُ الله لنا ولكم، أنتم سلَفُنا ونحنُ بالأثَر))[15].
تنبيهات لزوَّار مسجد النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
الأوَّل: ما يُروَى من الأحاديث التي فيها الرَّبط بين الحجِّ وزيارة المدينة أو طلب زيارة قبرِ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فكلُّها أحاديثُ ضعيفةٌ أو موضوعةٌ، لا يثبُت منها شيءٌ عندَ أهل العلم المُعتَبَرين بهذا الشأن، كما قال ذلك الأئمَّة الحفَّاظ، كابن حجر والعقيلي وابن تيميَّة وغيرهم - رحمة الله عليهم جميعًا - ولو كان شيءٌ من ذلك صحيحًا لكان - رضي الله عنهم - أسبَقَ الناس إليه وأحرصهم عليه.
الثاني: ليس للنساء زيارة القبور مطلقًا؛ فهي محرَّمة عليهنَّ كما هو مذهب الجمهور؛ لما ثبت: ((أنَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - لعَن زائرات القبور من النساء، والمتَّخذين عليها المساجد والسُّرج))[16].
الثالث: بعض الناس يرفَعُون أصواتهم عند قبر النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ويُطِيلون الوقوفَ والمقام عنده، وهذا من المنكرات العظيمة، فإنَّ الله سبحانه وعَد الذين يغضُّون (أي: يخفضون) أصواتهم عند رسول الله بالمغفرة والأجرِ العظيم، وتوعَّد الذي يَرفَعون أصواتهم عِندَه - عليه الصلاة والسلام - بقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ﴾ [الحجرات: 2] ، فرَفْعُ الصوت عند النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - من أسباب حُبوط العمل؛ لأنَّه سُوء أدَبٍ معه - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقلَّة احتِرامٍ له - عليه الصلاة والسلام.
والرابع: وكذلك طُول القيام عند قبره وتكرار السلام عليه - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُفضِي إلى الزِّحام وكثْرة الضَّجيج وارتفاع الأصوات عند قبره - صلَّى الله عليه وسلَّم - وذلك ممَّا يُخالِفُ الأدب الشرعيَّ الذي ينبغي لنا أنْ نلتزمه نحوَه - صلَّى الله عليه وسلَّم -.
الخامس: الطَّواف بالكعبة عبادةٌ عظيمة أمَر الله تعالى بها وأثْنى على أهلِها، وأمر أنْ يُطهَّر البيتُ من أجْلها، والطواف بأيِّ بنايةٍ غير الكعبة بدعةٌ مُحرَّمة وفَعْلَةٌ مُنكَرة، وقد قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((وإيَّاكم ومحدثات الأمور؛ فإنَّ كلَّ محدثة بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ)) وفي رواية: ((وكلَّ ضلالة في النار))؛ رواه أبو داود والنسائي بإسنادٍ حسن[17].
وبذلك يعلم أنَّ الطواف على قبر الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - أو على غيره من القبور من البِدَعِ والضَّلالات وأنواع الشِّركيَّات؛ وقد قال تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ [الكهف: 103، 104] الآيات.
السادس: ومن شرِّ المحدثات وأعظم المنكرات التي يرتكبُها بعضُ الناس عند الزيارة:
• أنَّ بعض الزائرين يدعو النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيسأله الشَّفاعة، ويطلُب منه قضاءَ الحاجة، وتنفيس الكُربة، ويشكو إليه الحال، وهذا مخالفٌ لقوله تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60]، فأمَر سبحانه بدُعائه وحدَه لا شريكَ له، ووعَد بالإجابة، وسمَّى الدعاء عبادةً، ووصَف الذي يدعو غيره بأنَّه مستكبرٌ عن عِبادته، وتوعَّده بدُخول النار صاغرًا مُهانًا.
وقد قال تعالى: ﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾ [الجن: 18]، وأمَر نبيَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - بقوله: ﴿ قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا ﴾ [الجن: 21، 22].
فمَن دعا غير الله كائنًا مَن كان فقد جعَلَه شريكًا لله، وقد قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ﴾ [النساء: 48]، وقال سبحانه: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [المائدة: 72]، وقال تعالى: ﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الزمر: 65].
فهؤلاء الذين يَدعُون النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - عندَ قبره أو بَعِيدين عنه إنما فعَلُوا الشِّرْكَ الذي يحولُ بين صاحِبِه وبين المغفرة، ويحبطُ عمله، ويُحرِّم عليه الجنَّة، ويُدخِلُه النار، وذلك هو الخسران المبين.
وإذا كان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنكر على مَن قال له: ما شاء الله وشئت، قائلاً: ((أجعلتَني لله ندًّا؟!))[18]، فكيف بمَن يدعو مع الله أو من دُونه غيرَه؟! وذلك هو الضلال المبين، فإنَّه تسوية للمخلوق بربِّ العالمين وهو الذي أوجب على أهله الخلودَ في النار؛ كما قال تعالى عنهم: ﴿ قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ * تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ ﴾ [الشعراء: 96 - 99].
فمَن دعا غيرَ الله كما يدعو اللهَ أو سأله من الحاجات والمطالب ما لا يقدرُ عليه إلاَّ الله فقد سوَّى مَن دعاه بالله العظيم التسوية الشركيَّة التي تُردِي أهلَها في نار جهنَّم؛ فإنَّ دُعاءَ غيرِ الله - كائنًا مَن كان - شركٌ بالله وعبادةٌ لغير الله؛ قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾ [فاطر: 13، 14]، فسمَّى سبحانه دعوةَ غيرِه شِركًا، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ ﴾ [الأحقاف: 5-6].
فليحذر الحاجُّ أنْ يقَع في هذا الشرك الأكبر والذَّنب الذي لا يُغفَر، إلاَّ مَن تاب إلى ربِّه وأناب، وذلَّ لإلهه الوهاب؛ فقد سُئِل النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: أيُّ الذنب أعظم؟ قال: ((أنْ تجعَلَ لله نِدًّا وقد خلَقَك))[19]، والندُّ: كلُّ مدعوٍّ مع الله أو من دون الله.
وقال تعالى بعد أنْ ذكَر الشِّرك والقتل والزنا التي هي أعظم الذنوب: ﴿ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 68 - 70].
والحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات، وبالعمل بطاعته تَطِيبُ الحياة، ونسأله تعالى مَغفِرةَ الزَّلات، ومضاعفةَ الحسنات، ورِفعةَ الدَّرجات، والفوزَ بأعالي الجنَّات.
وصلَّى الله وسلَّم على عبده ورسوله نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه.
[1] كشف الأستار (2/56)، وهو في صحيح مسلم (1394) (507)، ضمن حديث بلفظ: ((فإني آخِر الأنبياء، وإنَّ مسجدي آخِر المساجد)).
[2] ذكره في الترغيب والترهيب (2/215).
[3] مسند أحمد (2/350).
[4] صحيح البخاري (1190)، صحيح مسلم (1394) (505).
[5] صحيح مسلم (1394) (506).
[6]صحيح البخاري (1196)، وصحيح مسلم (1391).
[7] مسند أحمد (2/360).
[8] صحيح البخاري (1189)، وصحيح مسلم (1397).
[9] سنن ابن ماجه (79).
[10] سنن أبي داود (2041).
[11] صحيح البخاري (1194)، وصحيح مسلم (1399).
[12] المسند (3/487)، وابن ماجه (1412)، واللفظ له.
[13] صحيح مسلم (976) (108).
[14] صحيح مسلم (975).
[15] سنن الترمذي (1053).
[16] سنن أبي داود (3236)، والترمذي (320)، والنسائي (4/95).
[17] سنن أبي داود (4607)، والترمذي (2676)، من حديث العرباض بن سارية، ورواه النسائي (3/188، 189) من حديث جابر - رضي الله عنه.
[18] أخرجه النسائي في عمل اليوم الليلة (988) بلفظ: ((أجعلتني لله عدلًا))، وأخرجه أحمد في المسند (1/214، 283، 347)، وابن ماجه (2117). بلفظ مختلف، وأمَّا لفظ: ((أجعلتني لله ندًّا)) فهو من رواية ابن مردويه.
[19] صحيح البخاري (4761) وصحيح مسلم (86).
التعليقات