عناصر الخطبة
1/ دوام الحال من المحال 2/ وجوب الاستعاذة من فجاءة النقم 3/ قصص وعبر لأناس حلت بهم نقم مفاجئة 4/ وجوب التوكل على الله والاستعانة به والفرار إليه.
اهداف الخطبة

اقتباس

إن فجاءة النقمة في الأمور الدنيوية كثيرة، فهاهم رجال كانوا بيننا أغنياء، ثرواتهم بالمليارات، وإذا بهم مفلسون مدينون، يهربون من دائنيهم، خائفين وجلين ما ظنوا أن الفقر سيطرق لهم بابًا، أو سيكون لهم ملازمًا وجارًا؛ فحلت بهم فجاءة النقمة، فأُودع بعضهم السجون، ما يملكون من قمطير، وهذا ثري كان ملء السمع والبصر يملك عشرات الملايين، في وقت كنت هذه الملايين تعادل المئات من الملايين؛ قد وضع له بسطة متواضعة، في مدخل أحد الأسواق، يبيع بضاعة بخسة الثمن، لا يستطيع أن يفتح متجرًا ولو كان صغيرًا، هل ظن هذا في يوم من الأيام أن يصل إلى مثل هذه الحال؟ (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)...

 

 

 

 

 الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وخليله - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.

 

 أما بعد... فاتقوا الله- عباد الله- حق التقوى؛ واعلموا أن أجسادكم على النار لا تقوى. واعلموا بأن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وأن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

عباد الله، امتلأت الأرض بالفتن والمحن، وتقلبت أحوال كثير من الناس وبعض البلدان، كتقلب الليل والنهار، فالجبار -جل في علاه- يقلّبها كيف شاء، فالأرض أرضه، والملك ملكه، والعبيد عباده، فكم من غني حوّله إلى فقير! وكم من شريف حوّله إلى وضيع! وكم من مكرم قلب حاله إلى مهان! وكم من عزيز صار بأمر الله ذليلاً! فهل اتعظ متعظ؟! هل انزجر فاسق أو ظالم؟! هل خاف طاغ أو معتد أو باغ؟! هل لجأ إلى الله تائب؟ وفر إليه هارب؟ هل تفطرت القلوب؟ وأجهشت خوفا من فجاءة نقمة الله العيون؟ هل رفعت الأيدي إلى الله ضارعة، وبه مستجيرة، تسأله أن يثبتها، ومن شر المحن يقيها؟

 

عباد الله، إن هذه التحولات جعلت الحليم حيران؛ فينبغي للمسلم أن يستعيذ بالله من شر المحن والفتن، ما ظهر منها وما بطن، ولنا في رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أسوة حسنة، حيث كان يستعيذ بربه فيقول: "اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك" (رواه مسلم في صحيحه).

 

فالمعصوم، -صلى الله عليه وسلم-، كان يستعيذ بالله، ويلجأ إليه، ليقيه من تحول العافية، ومن فجاءة النقمة، (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) [الأعراف: 99].

 عباد الله، إن فجاءة النقمة قد حولت أتقياء إلى أشقياء، ومؤمنين إلى كافرين، فها هو جبلة بن الأيهم، بعد ما كان تقيا، من رعايا أمير المؤمنين، عمر بن الخطاب، -رضي الله عنه-، ومن عباد الرحمن، أصبح بعد ذلك شقيا، من عباد الصلبان، لقد نقل لنا التاريخ أن جبلة بن الأيهم، قال بعدما لعبت الخمرة برأسه:

تنصرت بعد الدين من عار لطمة*** وما كان فيها لو صبرت لها ضرر

تكنفني فيها اللجاج ونخوة *** فبعت بها العين الصحيحة بالعور

فيا ليت أمي لم تلدني وليتني رجعت*** إلى القول الذي قاله عمر

 لقد أصابت هذا الشقي فجاءة النقمة، وأصيب بالخسران المبين.

 

 عباد الله، إننا والله لا نأمن مكر الله، فالخسران كل الخسران، أن نطرد من حوض رسول الله، -صلى الله عليه وسلم-، وأن نفارق الملة ونترك الديانة، ورحم الله الإمام ابن القيم حين قال:

والله ما أخشى الذنوب فإنها لعلي *** سـبيل العفو والغفران

لكنما أخشى انسـلاخ القلب *** من تحكيم هذا الوحي والقرآن

 

 عباد الله: اجأروا إلى الله أن يثبتكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة، ويحميكم من فجاءة النقمة؛ فإن كثيرًا من الناس، يظنون أن فجاءة النقمة متعلقة بالأمور الدنيوية والمادية، وما علموا أنها في الدينية أشد وأخطر، وإن كانت في الدنيوية عند الناس أظهر وأشهر.

 

 عباد الله: إن فجاءة النقمة في الأمور الدنيوية كثيرة، فهاهم رجال كانوا بيننا أغنياء، ثرواتهم بالمليارات، وإذا بهم مفلسون مدينون، يهربون من دائنيهم، خائفين وجلين ما ظنوا أن الفقر سيطرق لهم بابًا، أو سيكون لهم ملازمًا وجارًا؛ فحلت بهم فجاءة النقمة، فأُودع بعضهم السجون، ما يملكون من قمطير، وهذا ثري كان ملء السمع والبصر يملك عشرات الملايين، في وقت كنت هذه الملايين تعادل المئات من الملايين؛ قد وضع له بسطة متواضعة، في مدخل أحد الأسواق، يبيع بضاعة بخسة الثمن، لا يستطيع أن يفتح متجرًا ولو كان صغيرًا، هل ظن هذا في يوم من الأيام أن يصل إلى مثل هذه الحال؟ (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [يوسف: 111].

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه، إنه غفور رحيم.

 

 

 الخطبة الثانية:

 

 الحمد لله على إحسانه، والشكر له على عظم نعمه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.

 

أما بعد... فاتقوا الله - عباد الله- حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واعلموا أن أجسادكم على النار لا تقوى.

 

عباد الله، اعلموا أن فجاءة النقمة إذا جاءت، أتت على كل شيء يملكه من أصابته النقمة، فلا تبقي ولا تذر، ومن أشهر من حدثنا التاريخ عمن أصابتهم فجاءة النقمة، أسرة البرامكة -رحمهم الله-، كانوا في عهد هارون الرشيد، -رحمه الله-، ملء السمع والبصر، كانوا هم القادة والساسة، فأتاهم أمر الله، فصُودرت أموالهم، وقُتل بعض رجالهم، وأُسر بعضهم حتى مات.

 

 كذلك حدثنا التاريخ عن ملك من ملوك الأندلس المعتمد بن عباد -رحمه الله-، فرغم ما فيه من دين، إلا أنه كان ملكا ظالما، وقد اعترف بالظلم الذي وقع منه، بعدما أُسر، وحُبس في سجن "أغمات"، لقد نزع الله ملكه، وصُودرت أمواله، فقال في يوم عيد، حينما زارته بناته ليسلمن عليه:

فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا*** وكان عيدك باللذات معمورا

وكنت تحسب أن العيد مسعدا *** فساءك العيد في أغمات مأسورا

ترى بناتك في الأطمار جائعة *** في لبسهن رأيت الفقر مسطورا

معاشهن بعيد العز ممتهن *** يغزلن للناس لا يملكن قطميرا

برزن نحوك للتسليم خاشعة *** عيونهن فعاد القلب موتورا

قد أغمضت بعد أن كانت مفترة*** أبصارهن حسيرات مكاسيرا

يطأن في الطين والأقدام حافية *** تشكو فراق حذاء كان موفورا

قد لوثت بيد الأقذاء واتسخت *** كأنها لم تطأ مسكا وكافورا

لا خد إلا ويشكو الجدب ظاهره *** وقبل كان بماء الورد مغمورا

لكنه بسيول الحزن مخترق *** وليس إلا مع الأنفاس ممطورا

أفطرت في العيد لا عادت إساءته *** ولست يا عيد مني اليوم معذورا

وكنت تحسب أن الفطر مبتهج *** فعاد فطرك للأكباد تفطيرا

قد كان شعبك إن تأمره ممتثلا *** لما أمرت وكان الفعل مبرورا

وكم حكمت على الأقوام في *** صلف فردك الله منهيا ومأمورا

من بات بعدك في ملك يسر به *** أو بات يهنأ باللذات مسـرورا

ولم تعظه عواد الدهر إذ وقعت *** فإنما بات في الأحلام مغــرورا

 

عباد الله: حوت هذه القصص والأخبار عظات وعبر للعقلاء من البشر، فلا يأمن عالم على دينه، ولا مَلك على ملكه، ولا غني على ثروته؛ فعودوا إلى الله وتواضعوا له، واستعيذوا بالله أن تصيبكم فجاءة نقمته، وتحول عافيته، وينزل بكم سخطه، قال تعالى: (أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) [يوسف: 107].

 

اللهم إنا نعوذ بك من فجاءة نقمتك، وجميع سخطك، اللهم احم بلادنا وسائر بلاد الإسلام من الفتن، والمحن ما ظهر منها وما بطن، اللهم وفق ولي أمرنا، لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم اجعله سلما لأوليائك، حربا على أعدائك، اللهم ارفع راية السنة، وأقمع راية البدعة، اللهم احقن دماء أهل الإسلام في كل مكان.

 

"اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر".

 

اللهم أكثر أموال من حضر، وأولادهم، وأطل على الخير أعمارهم، وأدخلهم الجنة. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.

 

 

 

المرفقات
فجاءة النقمة.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life