عناصر الخطبة
1/ أهل الكهف فتية آمنوا 2/ ما أجمل الإيمان في قلوب الشباب 3/ حفظ الله لهم في الكهف 4/ يقظتهم من نومهم بعد ثلاثمائة وتسع سنين 5/ الحكمة من عدم ذكر أسمائهم أو مكانهم 6/ بعض وسائل الثبات المستقاة من القصةاهداف الخطبة
اقتباس
لقد اختصرَ اللهُ -عزَّ وجلَّ- تلك القِصَّةَ العالميَّةَ المشهورةَ عند أهلِ الكِتابِ وأهلِ الإسلامِ والمعروفةَ بقصَّةِ أصحابِ الكهفِ بقولِه تعالى: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى). سِتَّ كَلِماتٍ قد جمعتْ فَصيحَ البيانِ، فيها وصفُ أبطالِ القِصَّةِ الشُّجعانُ: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ)، وذِكرُ عملِهم الذي جعلَ لهم في التاريخِ شأنٌ (آمَنُوا بِرَبِّهِمْ)، ثُمَّ النِّهايةُ المُباركةُ من فَضلِ ذي العَطاءِ والإحسانِ: (وَزِدْنَاهُمْ هُدًى).
الخطبة الأولى:
إن الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً).
أما بعدُ:
فإن خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وشرَ الأمورِ محدثاتُها، وكلَ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَ ضلالةٍ في النارِ.
لقد اختصرَ اللهُ -عزَّ وجلَّ- تلك القِصَّةَ العالميَّةَ المشهورةَ عند أهلِ الكِتابِ وأهلِ الإسلامِ والمعروفةَ بقصَّةِ أصحابِ الكهفِ بقولِه تعالى: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى). سِتَّ كَلِماتٍ قد جمعتْ فَصيحَ البيانِ، فيها وصفُ أبطالِ القِصَّةِ الشُّجعانُ: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ)، وذِكرُ عملِهم الذي جعلَ لهم في التاريخِ شأنٌ (آمَنُوا بِرَبِّهِمْ)، ثُمَّ النِّهايةُ المُباركةُ من فَضلِ ذي العَطاءِ والإحسانِ: (وَزِدْنَاهُمْ هُدًى).
(إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ)، هذا الوصفُ لهم من اللهِ تعالى فيه عظيمُ المَدحِ والثناءِ، فمع حَداثةِ أسنانِهم إلا أنهم آمنوا بربِّ السَّماءِ، وقَبِلوا الحقَّ الذي ليسَ له خَفاءٌ، فربطَ اللهُ قلوباً توَجَّهتْ إليه بالدُّعاءِ، وصَدَعوا بكلمةِ التَّوحيدِ التي اهتزَّ لها الفَضاءُ: (وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا)، وصَدَقوا واللهِ، لقد قالَ: (شطَطاً)، أيْ باطلاً وكَذِباً وبُهتاناً من دعا مع اللهِ أحداً.
الشَّبابُ هم أكثرُ النَّاسِ جُرْأَةً إذا اقتَنَعوا، وأَقبلُ للحقِّ إذا صَدَّقوا، وأَهدى للسَّبيلِ إذا تيَقَّنوا، وأرهَفُ إحساساً إذا أحبُّوا، وأذكى في النَظرِ في حقائقِ الأمورِ، فها هم نظروا إلى ما عليه قَومُهم من عبادةِ غيرِ الذي خلقَ كلَ شيءٍ فأبدعَ، ورزقَ كلَ حيٍ فأشبعَ، وعَبَدوا من دونِه من لا يُبصرُ ولا يَسمعُ، ومن لا يضرُّ ولا يَنفعُ، فقالوا: (هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا).
وما أجملَ الإيمانَ إذا خالطَتْ بشاشتُه قلوبَ الشَّبابِ، فامتلأتْ نفوسُهم باليقينِ، واختلطَ كلامُهم بالتفاؤلِ، فهاهم يتَّجِهونَ إلى كهفٍ في جَبَلٍ، وكُلُّهم في ربِّ السمواتِ والأرضِ الأملُ: (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا)، فقد يأتي من يقولُ: أيُّ رحمةٍ ورُشدٍ في فجوةِ جبلٍ قد اجتمعتْ فيه هوَامُّ الأرضِ؟! فنقولُ: إن كانَ الحافظ هو العزيزُ الجَبَّارُ، أصبحَ الكهفُ مصدرَ أمانٍ وهدوءٍ واستقرارٍ.
وإذا العِنايةُ لاحظتَك عيونُها *** لا تخشَ من بأسٍ فأنتَ تُصانُ
وبكلِّ أرضٍ قد نزلتَ قِفارَها *** نمْ فـالمـَخاوفُ كـلُّهنَّ أمــانُ
بل أصبحَ من خرجَ طَريداً شَريداً خائفاً، ينامُ في كهفٍ مفتوحٍ ليسَ له بابٌ، ومن يراه يفِرُّ هارباً قد امتلأَ قلبُه مَهابةً ورُعباً: (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا)، ومن يكنِ اللهُ معَه فمعَه العينُ التي لا تنامُ، ومعه القوَّةُ التي لا تُغلَبُ، وانقلبتْ مخاوفُه أمناً، وهانت عليه المَشاقُّ، وسَهُلَ عليه كلُّ عسيرٍ، وقَربُ له كلُّ بعيدٍ، وزالتْ همومُه وغمومُه وأحزانُه، حتى صارَ يَتَقَلَّبُ في نَعيمِ الجنَّةِ وهو لا يزالُ بينَ أهلِه وإخوانِه.
وإذا أردتَ أن تعرفَ هذا فانظر إلى هذا الكهفِ المُخيفِ، كيفَ كانَ بيتاً فسيحاً، وسَريراً مُريحاً، ينامونَ فيه سنَواتٍ عديدةً: (فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا)، وجعلَ اللهُ تعالى على آذانِهم حِجاباً مانعاً من السَماعِ؛ لأنَّ الأصواتِ من أعظمِ وسائلِ تَكديرِ النَّومِ، فأرادَ اللهُ تعالى لهم أقصى درجاتِ الرَّاحةِ والنَّومِ الهادئِ الذي لا يُعكِّرُ صَفْوه شيءٌ: (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا)، فلا إله إلا اللهُ، لا تفسيرَ لهذه الظاهرةِ العجيبةِ الخَبرِ، إلا قُدرةَ اللهِ تعالى التي لا تُقاسُ بقوانينِ البَشرِ.
(وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ)، حتى الشمسَ سخَّرها اللهُ تعالى لهم، فإذا طلعتْ تميلُ عن كهفِهم يميناً، وعندَ غروبِها تميلُ عنه شمالاً، فلا ينالهُم حرُّها فتتأذى أبدانُهم بها: (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ)، قالَ أهلُ التفسيرِ: كانتْ أَعْيُنُهُمْ مَفْتُوحَةً، لئَلا تَفسَدُ، فالناظرُ إليهم يحسَبُهم أيقاظاً، وهم رُقودٌ، (وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ)، أيْ: نُقَلِّبُهُمْ فِي رَقْدَتِهِمْ إِلَى الْجِهَتَيْنِ، لِئَلَّا تَأْكُلَ الْأَرْضُ أَجْسَادَهُمْ، فهل علمتُم الآنَ معنى قولِه تعالى: (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا)، فما أجملَها من كُهُوفٍ!! إن كانَ الصَّاحبُ فيها هو الرَحِيمُ الرَؤُوفُ، فإنها تكونُ سعادةً وأماناً من الخوفِ.
ثُمَّ يوقظُهم اللهُ تعالى من رَقدَتِهم الطَّويلةِ كأنهم بُعِثوا من الموتِ: (وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ)، فسبحانَ الذي أيقظَهم بعدَ ثَلَاثِ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا، ولم يظهرْ على أحدِّهم ما يدلُّ على هذا الزَّمنِ المديدِ، لذلك اختلفوا في مقدارِ النَّومِ هل هو يومٌ أو بعضُ يومٍ، (قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ)، وما أجملَ أن يَدعَ الشَّبابُ المِراءَ والجِدالَ فيما ليسَ عندَهم فيه علمٌ ويردونَ العلمَ إلى اللهِ (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ)، ثُمَّ اشتغلوا بما يُهمُّهم من أمرِ الجوعِ وتحصيلِ الطَّعامِ، (فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا)، استمتاعٌ بما أحلَّ اللهُ تعالى من الزَّادِ، وحذرٌ من أهلِ الكُفرِ والزَّيغِ والفَسادِ.
واسمع إلى قولِهم: (إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا)، فاجتمعَ في هؤلاءِ الفِتيةِ الذينَ هجروا الأهلَ والأوطانَ، وتركوا الأحبابَ والإخوانَ، أنَّ اللهَ ورسولَه أحبُّ إليهم مما سِواهِما، وأنّهم اجتمعوا على محبَّةِ اللهِ تعالى، وها هم يخافونَ من الرُّجوعِ إلى الكفرِ، فهذه حلاوةُ الإيمانِ التي قالَ عنها النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإِيمانِ: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمّا سِواهُما، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلاّ للهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ في الْكُفْرِ كَما يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ في النَّارِ".
ومن عجيبِ هذه القِصَّةِ، قولُه تعالى: (وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ)، يحرسُهم عندَ البابِ، فأصابَه ما أصابَهم من النَّومِ على تلك الحالِ، وهذا فائدةُ صُحبةِ الأخيارِ، وأنَّ من أحبَّ أهلَ الخيرِ نالَ من بركتِهم، كلبٌ أحبَّ أهلَ فضلٍ وصحبَهم فذكرَه اللهُ في مُحكمِ تنزيلِه وصار له ذكرٌ وخبرٌ وشأنٌ، فما ظنُّك بمؤمنٍ مُوَحِّدٍ مُحبٍّ للصَّالحينَ مُجالسٍ لهم، لذلك عندما يقولُ اللهُ تعالى لملائكتِه عن أهلِ مجالسِ الذِّكرِ: "فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، يَقُولُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ: فِيهِمْ فُلَانٌ لَيْسَ مِنْهُمْ، إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ، قَالَ: هُمُ الْجُلَسَاءُ لَا يَشْقَى جَلِيسُهُمْ".
ومع كلِّ الأحداثِ العجيبةِ في قِصَّةِ أصحابِ الكهفِ، يَقُول -تَعَالَى ذِكْرُه- لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَمْ حَسِبْت أَنَّ أَصْحَاب الْكَهْف وَالرَّقِيم كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا)، فَإِنَّ مَا خَلَقْتُ مِنْ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَمَا فِيهِنَّ مِنْ الْعَجَائِبِ أَعْجَبُ مِنْ أَمْرِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، فسبحانَ اللهِ الخبيرِ، الذي هو على كلِّ شيءٍ قديرٍ.
باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيمِ، أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ من كلِ ذنبٍ. فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ الذي جعلَ قوَّةَ هذه الأمةِ في إيمانِها، وعزَّها في إسلامِها، أحمدُه سبحانَه وأشكرُه، وأتوبُ إليه وأستغفرُه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى اللهُ عليه، وعلى آلِه وأصحابِه، وسلمَ تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها الشَّبابُ: لم يذكرِ اللهُ -سبحانَه وتعالى- في قصَّةِ أصحابِ الكهفِ أسماءً ولا أماكنَ ولا زمناً، وإنما ذكرَ أنهم (فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ)، بدأوا بالإيمانِ الصَّادقِ لربِّ العالمينَ، واعتزَلوا أصحابَ السُّوءِ المُجرمينَ، فزادَهم هدىً، ونشرَ لهم من رحمتِه، وهيأَ لهم من أمره رشداً، وكذلك كلُّ من آمنَ بربِّه حقَّ الإيمانِ، وتابَ إليه من الذُّنوبِ والعِصيانِ، وهجرَ أهلَ الخطايا والخُسرانِ، والتجأَ إلى اللهِ تعالى مُعتذراً من ذنبهِ ندمانَ، فلْيبشرْ بهدايةٍ وتوفيقٍ وتثبيتٍ ونورٍ ورُشدٍ وإحسانٍ.
وتأمل تلك الوَصيَّةَ الرَّبانيَّةَ للثَّباتِ على الدِّينِ بعد ذكرِ قصَّةِ أصحابِ الكهفِ: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ)، الصُّحبةِ الصَّالحةِ، المُداومينَ على الطَّاعةِ ليلاً ونهاراً، المُخلصينَ الَّذينَ لا يُريدونَ إلا وجهَ اللهِ تعالى، ولكن لأن الأمرَ ليسَ هيِّناً، جاءَ الأمرُ بتصبيرِ النَّفسِ، فمن هؤلاءِ الصُّحبةِ من يكونُ فقيراً، ومنهم من يكونُ قَبيحاً، ومنهم من قد لا تتَفقَ معه في العاداتِ ولا في الأخلاقِ، ولكن تَجمعُكم عبادةُ الكريمِ الرزَّاقِ.
وتَدَّبرْ رحمةَ اللهِ بك سبحانَه: (وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)، حتى وأنت جالسٌ في مجالسِ الصَّالحينَ الأبرارِ، فلا تلتفتْ بعَيْنَيْكَ إلى مجالسِ المُفسدينَ الأشرارِ، مُجرَّدُ الالتفاتِ ممنوعٌ حِفاظاً على الدِّينِ.
وانتَبه من هذا الصِّنفِ من الناسِ الذي قالَ عنه تعالى: (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا)، فالقلبُ غافلٌ عن ذِكرِ العزيزِ الغفورِ، (وَاتَّبَعَ هَوَاهُ) فهو يهوي به في مواطنِ الهَلاكِ والشُّرور، (وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) فلا تراه مشغولاً إلا في حَقيرِ الأمورِ.
اللهم أصلحْ شبابَ المسلمينَ وأصلحْ بهم، اللهم اهدِهم واهدِ بهم، اللهم اجعلهم هُداةً مُهتدين، غيرَ ضالينَ ولا مُضلينَ، اللهم اشغلهم بمعالي الأمورِ، واجعلهم قُرَّةَ أعينٍ لوالدِيهم ولأمتِهم، يا ذا الجلالِ والإكرامِ.
اللهم أصلحْ أحوالَ المسلمينَ في كلِ مكانٍ، اللهم احقنْ دماءَهم، اللهم رُدَّ عنهم كيدَ الكائدينَ، وعُدوانَ المعتدينَ، وظُلمَ الظالمينَ، وعَجل لهم بالفرجِ والعافيةِ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، اللهم -يا مقلبَ القلوبِ- ثَبتْ قلوبَنا على دينِك، اللهم يا مُصرفَ الأبصارِ صَرف قلوبَنا على طاعتِك.
التعليقات