عناصر الخطبة
1/شدة الفتنة بالحرام وخطر فتنة النظر التقني 2/وسائل السلامة من فتنة النظر التقني 3/بعض ما يجب على أولياء الأمور والمجتمع تجاه الوقاية من فتنة النظر

اقتباس

أيها المؤمنون: في ظل هذا الانفتاح التقني، وعدم القدرة على التحكم فيه، مع قيام الحاجة له؛ فإن مسؤولية الولي تعظم في حفظ من ولاه الله أمرهم من فتنة النظر؛ وذلك بزرع الوازع الإيماني في قلوبهم وتعاهده، وجعلهم يرون القدوة متمثلة فيه، وتخوُّلِهم بذكر بقبح هذا المنكر، وأثره السيء في القلب والفكر، ومآله الذي لا يُعلم مداه، وتنويع الوسائل في...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي أحاط بكل شيء علماً، وأحصى كل شيء عدداً، يعلم السر وأخفى، والجهر والنجوى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الأسماء الحسنى، والصفات العلى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى، صلى الله وسلم عليه وآله وصحبه، ومن لأثره اقتفى.

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ)[آل عمران: 102].

 

أيها المؤمنون: محكٌّ شديد يُمتحن فيه الإيمان، وتُبلى السريرة، وتبين الخشية؛ ذلكم موطن تيسُّر الحرام، وقوة الداعي إليه، وخفائه عن أعين البشر، وأمن المحاسبة الدنيوية والفضيحة، وهتك الستر، فذلكم -لعمر الله- بلاء شديد يظهر فيه صدق التقوى، وكمال الخوف من الجليل؛ كما قال تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ)[الأنبياء: 48-49]، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ)[المائدة: 94]، يقول الشافعي: "أشد الأعمال ثلاثة: الجود من قلة، والورع من خلوة، وكلمة الحق عند من يُرجى ويُخاف".

 

ألا وإن من تلك الفتن التي عمّت وسهُلت طوفانَ المناظر المحرمة المنقولة والمتداولة عبر أجهزة الاتصال التقني، والتي ليس بينها وبين الملاحَظ سوى مسيس الأصابع.

 

إن فتنة النظر في ظل الانفتاح الإعلامي، وكيد إضلال الأعداء الدائب، وحمأة نشاط تجار الرذيلة، وتسلط الشيطان الرجيم، وتزيين النفس الأمّارة بالسوء وضعفها؛ كلَّ ذلك يوجب وقفة المحاسبة والتذكير؛ للنجاة من ذاك الشر المستطير والإنجاء، والمعصوم من عصمه الله.

 

أيها المسلمون: إنه لا نجاة للعبد من تلك الفتنة إلا بإنجاء مولاه، وذاك ما أرشد إليه عبادَه في التعامل مع فتنة النظر بأي ظرف كانت وبأي وسيلة زُخرفت، حين قال تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ)[النور: 30]؛ ذلكم دواء خالق النفس العالم بما يصلحها وما يضرها. ولمّا كان الغض من قبيل فطم النفس عن شهواتها -سيما إن طال إرسال الطرف وبلغ حد الإدمان-؛ صار الصبر والمجاهدة سبيل تذليله؛ بإعانة الله الصابرين، ووعده المجاهدين هداية السبل: "ومن يتصبّر يصبّره الله".

 

وتعاهد تعظيم الله في القلب، والحياء منه من أعظم ما يحجز عن رؤية الحرام، وهكذا استحضار اطلاعه وقربه، سأل الجنيدَ رجل: بم يستعان على غض البصر؟ فأجاب: بعلمك أن نظر الله أسبق من نظرك إليه".

 

والإكثار من النوافل جُنّة إلهية عاصمة من زيغ البصر وطغيانه؛ كما قال الله -تعالى- في الحديث القدسي الصحيح: "وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به".

 

والإخلاص خلاص للعبد من لطْخ الفحشاء ومقدماتها -ورائدها النظر-؛ كما قال تعالى: (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ)[يوسف: 24].

 

وإقام الصلاة منهاة عن الفواحش ووسائلها؛ كما قال جل وعز: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر).

 

وتذكّر الشهادات الثلاث حاجز عن تسريح المُقَل في مراتع الحرام؛ فالأرض تشهد يوم تحدِّث أخبارَها، والكرام الكاتبون يشهدون، والعين تنطق بالشهادة يوم العرض حين يُخرس اللسان؛ كما قال تعالى: (حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[فصلت: 20]، وشهادة الله أكبر شهادة: (وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا)[النساء: 79].

 

وأعظم وسائل السلامة من تلك الفتنة: التحرزُ الوقائي، والتحوط المسبق؛ إذ من حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه؛ وذلك بأن لا يقرب المرءُ مواقعَ المناظر المحرمة الثابتة والمتحركة، الحقيقية والمرسومة، ولا ينساقَ وراء الفضول ومحبة الاستطلاع، ولا يختليَ بجهاز الاتصال خاصة مع طول التصفح دون تحديد هدف مثمر؛ فتلك الخلوة الطويلة العارية عن الهدف أسنحُ فرصةٍ شيطانية لإيقاع العبد في حوبة النظر، وشرَك حبائله.

 

وتجديد التوبة، وتعاهدها خير علاج لخائنة العين الذي كثيراً ما يقارفه العبد، ويغدو سبباً لمباغضة ذلك المنكر، وهجر ذكره والحنين إليه؛ وذلك من أسرار تعقيب الأمر بالتوبة بعد الأمر بغضِّ البصر؛ كما قال تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[النور: 31]، كما قرر شيخ الإسلام ابن تيمية.

 

وانكسار العبد بين يدي مولاه، وضراعته إليه بأن يقيه تلك الفتنة، وأن يصرف عنه كيدها اعتصامٌ بحبل رباني متين؛ وقى به الله نبيه يوسف -عليه السلام- حين جأر إليه طالباً نجاته من كيد النسوة، مظهراً ضعفه واستكانته، فقال: (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[يوسف: 33-34]، وقد كان من دعاء النبي المعصوم -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي، ومن شر بصري، ومن شر نفسي، ومن شر منيي"(رواه أبو داود وصححه الحاكم).

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله...

أما بعد: فاعلموا أن أحسن الحديث كتاب الله...

 

أيها المؤمنون: وفي ظل هذا الانفتاح التقني، وعدم القدرة على التحكم فيه، مع قيام الحاجة له؛ فإن مسؤولية الولي تعظم في حفظ من ولاه الله أمرهم من فتنة النظر؛ وذلك بزرع الوازع الإيماني في قلوبهم وتعاهده، وجعلهم يرون القدوة متمثلة فيه، وتخوُّلِهم بذكر بقبح هذا المنكر، وأثره السيء في القلب والفكر، ومآله الذي لا يُعلم مداه، وتنويع الوسائل في ذلك، واستحفاظ الله لهم من شر تلك الفتنة؛ إذ ودائع الله المستَحفظَة أماناتٌ لا تضيع.

 

وتعظم المسؤولية أكثر مع أولئك الصغار الذين قصُر إدراكهم، وذلك بضبط إعطائهم الأجهزة التقنية من خلال تحديد الوقت، والمواقع التي يدخلونها، وعدم اختلائهم بها.

 

وكذلك فإن المجتمع مطالب بمحاربة هذا المنكر، والتواصي بإنكاره، وأن لا يكون المرء سبباً لنشر تلك المناظر وإرسالها؛ بغية الإضحاك أو السخرية؛ فلربما كان ذلك فتنة زرعت في القلوب البلاء، وجرّت لمرسلها آثام من نظر أو فُتن.

وهكذا يجب إنكار ذلك في مجموعات التواصل بالأسلوب المناسب، وأن لا تكون المجاملة سبب سكوت عن إنكار ذلك المنكر، فضلاً عن التعليق عليه بحروف الضحك وعلاماته، وأن لا تكون كثرة الإمساس مبلِّدة للإحساس؛ فالله أحق أن يُخشى وأن يُتقى.

 

إذا ما خلوتَ الدهرَ يوما فلا تقل *** خلوت ولكن قل عليّ رقيب

ولا تحسبن اللَّه يغفل ساعة *** ولا أن ما يخفى عليه يغيب

 

وقانا الله شر ذلك الفتنة، وسلمنا وذرياتنا وأهلينا ومجتمعنا من كيدها.

المرفقات
mq9oQXJPRYBRPqtmhNfjZosAK3glOR5NK1DWqmvS.pdf
y0TIPUFbfxd74rPjVbvScDcKMeU5M6YsGeHvENQS.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life