عناصر الخطبة
1/فتنة الدجال أعظم الفتن 2/علامات خروج الدجال 3/أتباع الدجال 4/من أسباب الضلالة 5/من أعظم أسباب ضياع الدين 6/الحذر من شبهات المضلين.

اقتباس

من أعظم أسباب ضياع الدين في هذه الأزمان المتأخرة: استحكام الشُبهاتِ والشهوات على القلوب، وقد سمعتم كيف يؤثر الدجال على الناس حتى يستحكم عليهم بشبهاته، فيُحيي لهم الموتى بزعمه، وما معه إلا جنٌ وشياطين يتمثلوا في صورةِ أب ذلك...

الخطبةُ الأولَى:

 

الحمد لله؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمْنْ يُضْلِل فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدُهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبينَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن سلف من إخوانه من المُرسلين، وسار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد عباد الله: فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مُسلمون.

 

أيها المؤمنون! أعلمنا نبينا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن فتنةٍ عظيمةٍ خطيرة هي أشدُّ الفتن وأشنعها وأفظعها من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة؛ إنها فتنةُ المسيح الدجال، هذه الفتنة التي ما من نبيٍّ إلا أنذرها قومه، أنذرها نوحٌ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- قومه، وأنذرها موسى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- قومه، وكان أشدهم إنذارًا وتحذيرًا منها ومن شرها نبيكم محمدٌ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

 

 ومما أخبرنا عنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن زمان خُروجه، فقد جاء في مُسند الإمام أحمد من حديث الصعب بن جثَّامة الليثي -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْه- قال: قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا يخرج الدجال حتى يذهل الناس عن ذكره"؛ أي لا ينسونه ولكنهم في ذهولٍ وسُلوان، "لا يخرج الدجال حتى يذهل الناس عن ذكره، وحتى تترك الأئمة خبره على المنابر".

 

ويؤيده ما في صحيح مسلم عن النواسِ بن سمعان -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْه- في حديثه الطويل قال: قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إنه خارجٌ خلَّةً"؛ أي على حينِ غرةٍ وفجأة "بين الشامِ والعراق، فعاث يمينًا وعاثَ شِمالاً، ألا يا عباد الله فاثبُتوا، ألا يا عباد الله فاثبتوا".

 

 وممن أخبرنا -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- من أتباعِ الدجال: قومٌ قلَّ عِلمهم وعظُمَ جهلهم وكثُر تسرعهم واندفاعهم، فقد قال -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- فيما رواه أحمدُ وغيره بإسنادٍ جيد: "وإنّ مِن أشَدِّ فِتَنِه أنّه يَأتي الأعرابيَّ، فيقولُ: أرأيتَ إن أحيَيتُ لكَ إبِلَكَ، ألستَ تَعلَمُ أنِّي ربُّكَ؟ قال: فيقولُ: بَلى. فيُمَثِّلُ له نَحوَ إبِلِه، كأحسَنِ ما يكونُ ضُروعًا وأعظَمِه أسنِمةً، قال: ويَأتي الرَّجُلَ قد مات أخوهُ، ومات أبوهُ، فيقولُ: أرأيتَ إن أحيَيتُ لكَ أباكَ، وأحيَيتُ لكَ أخاكَ، ألستَ تَعلَمُ أنِّي ربُّكَ؟ فيقولُ: بَلى. فيُمَثِّلُ له الشياطينَ نحوَ أبيهِ ونحوَ أخيهِ".

 

يأتي الدجَّال الأعرابي في إبله، وفي غنمه، يأتيه الدجال فيدعوه إلى الإيمانِ به فيقول: أنا ربك، فيقول الأعرابي: أنت لست ربي، وأنا أكفُر بك، فيتمهل عليهِ الدجال ويحلم عليهِ حلمًا عظيمًا، فيقول يا هذا! أرأيت إن أحييت لك أباك وأمك أفتؤمن بي؟ فيقول نعم، إن المُحيي المميت هو الله -جَلَّ وَعَلَا-، فيُغادره الدجال ويُرسِل إلهِ جنًّا وشياطين فيأمرهم فيتمثلوا في صورة أبي ذلك الأعرابي وفي صورةِ أمه فيأتيانِ إليه فيقولان يا فلان! ألا تعرفنا؟! فيقول: أنت أبي وأنتِ أمي، ألم تكونوا أمواتًا؟ فيقولانِ كنا أمواتًا وأحيانا ربك، فيذهب ما بقي معه من دين ويسيخ ما بقي معه من علم فيتَّبعه.

 

يظن أنه ربه الذي أحيا له والديه أنه أحياهما بعدما أماتهما، إنها الشبهات التي يؤيَّد بها هذا الدجال، يؤيَّد بهذه الشبهات حتى يتبعه أغرار الناس وجُهلاؤهم ومن قلَّ علمهم وإيمانهم ويقينهم. نعوذ بالله من أسباب الخُذلان.

 

 نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وما فيهِ من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه كان غفارًا.

 

الخطبة الثانية:

 

الحَمْدُ للهِ عَلَى إحسانه، والشكر له عَلَى توفيقه وامتنانه، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إعظامًا لشانه، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الداعي إِلَى رضوانه، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ومن سلف من إخوانه، وسار عَلَى نهجهم، واقتفى أثرهم، واتبعهم وأحبهم وذبَّ عنهم إِلَى يوم رضوانه، وَسَلّمَ تَسْلِيْمًا كَثِيْرًا مزيدًا.

 

أَمَّا بَعْدُ: فاتقوا الله -عَزَّ وَجَلَّ- وعظِّموا أوامره وفرائضه بالمُسارعةِ إليها وإتيانها، وعظِّموا نواهيه -جَلَّ وَعَلَا- بالحذر منها واتقائها واجتنابها، واعلموا -رحمني الله وإياكم- أن من أعظم أسباب الضلالة ومن أعظم أسباب ضياع الدين في هذه الأزمان المتأخرة: استحكام الشُبهاتِ والشهوات على القلوب.

 

وقد سمعتم كيف يؤثر الدجال -أعاذنا الله وإياكم منه ومن حزبهِ وجنده وشُبهاته-، كيف يؤثر على الناس حتى يستحكم عليهم بشبهاته، فيُحيي لهم الموتى بزعمه، وما معه إلا جنٌ وشياطين يتمثلوا في صورةِ أبِ ذلك الأعرابي وأمه.

 

وتأملوا في واقعكم هذا! كيف أنه تأثَّر كثيرٌ من المُسلمين وبعضُ شبيبتهم بالخوارجِ وغيرهم بما يرسلونه من المقاطع وبما يثيرونهم على الناس من أنهم يُحافظون على دين الله ويغارون على محارم الله، وينتصرون لعباد الله، وما هؤلاءِ إلا نبتةٌ غرسها أعداءُ الدين في مخابراتِ دول وفي أنظمةٍ مُخترقة حتى تُضلَّ شباب المُسلمين ويبقى أبناؤهم في اضطراب وتبقى دولهم في خوفٍ واضطرابٍ وثوراتٍ لا حد لها.

 

فاتقوا الله عباد الله، واعتصموا بحبل الله جميعًا، واجتمعوا على كلمة التقوى، ولا يخدعنكم عن دينكم شُبهات تأتي من هنا وهناك لا سيما عبر هذه الوسائِط والاتصالات وأجهزة التواصُل الاجتماعي التي أضلت بكثير ٍ من مُعطياتها شباب المُسلمين وأغرارهم، إن المُسلم يا عباد الله إذا ذُكِّر تذكَّر، وإذا نُصِح انتصح، كما قال -جَلَّ وَعَلَا-: (وَذَكِّرْ ‌فَإِنَّ ‌الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ)[الذاريات: 55].

 

ثم اعلموا -رحمني الله وإياكم- أن أصدق الحديث كلامُ الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وشر الأمورِ محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وعليكم -عباد الله- بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار، ولا يأكل الذئب إلا من الغنم القاصية.

 

ثم اعلموا أن الله أمرنا بأمرٍ بدأ فيهِ بنفسه، وثنى بملائكته المُسبحةِ بقدسه، ثم بالمؤمنين من جنهِ وإنسه، فقال -سبحانه-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ ‌يُصَلُّونَ ‌عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

 وقال نبيكم -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "إذا كان يوم الجمعةِ وليلتها فأكثروا من الصلاة عليَّ فإن صلاتكم معروضةٌ عليَّ"، اللهم صلِّ على محمد وعلى آلِ محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد، اللهم وارضَ عن الأربعةِ الخلفاء، وعن العشرةِ وأصحابِ الشجرة، وعن المُهاجرين والأنصار، وعن التابعِ لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

 

 اللهم أبرم لهذه الأمةِ أمرًا رشدًا يُعز به أهل طاعتك، ويُهدى بهِ أهل معصيتك، ويؤمر فيهِ بالمعروف، ويُنهى فيهِ عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أعزَّ الإسلام وانصر المُسلمين، اللهم انصر دينك وكتابك وسُنةَ نبيك على العالمين.

 

اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل عبادك وأولياءك المؤمنين. اللهم ارفع كلمتك وسُنةَ نبيك على الناس كافةً يا رب العالمين.

 

اللهم آمنا والمُسلمين في أوطاننا، اللهم أصلح أئمتنا وولاةَ أمورنا، اللهم اجعل ولايتنا والمُسلمين فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم أصلح لهم بطائنهم واجعلهم بطانة خيرٍ وصلاح تدلهم على الخير وتُعينهم عليه، وتُحذرهم من الشر وتمنعهم منه يا ذا الجلالِ والإكرام.

 

اللهم اصرف عنا الفتن كلها، ما ظهر منها وما بطن، وإذا أردت بعبادك فتنةً فاقبضنا إليك غير مفتونين، اللهم يا واحدُ يا أحد يا فرد يا صمد نشهد بأنك أنت الله لا إله إلا أنت يا منان يا بديع السماوات والأرض، يا حي يا قيوم نسألك بوجهك الكريم وباسمك الأعظم أن تعصمنا من الفتن كلها ما ظهر منها وما بطن.

 

اللهم اعصمنا  من فتنة الدجال، اللهم اعصِمنا من فتنةِ المحيا والممات، اللهم أجرنا من عذابِ جهنم، اللهم أجرنا من عذاب القبر، (رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ ‌غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا)[الفرقان: 65-66].

 

اللهم احفظنا بالإسلامِ قائمين، واحفظنا بالإسلامِ قاعدين، واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وتوفنا وأنت راضٍ عنا، وإذا أردت بعبادك فتنةً فاقبضنا إليك غير مفتونين.

 

اللهم أصلح شباب المُسلمين، اللهم أصلح نساءهم، اللهم من أراد بالمُسلمين أو بعلمائهم أو بولاتهم أو بمجتمعاتهم مكرًا أو كيدًا اللهم فأشغله بنفسه، اللهم اجعل تدبيره تدميرًا عليه.

 

اللهم احفظ على المُسلمين دينهم، واحفظ عليهم دماءهم، واحفظ عليهم أعراضهم، واحفظ عليهم بلدانهم وأموالهم يا ذا الجلالِ والإكرام، اللهم اغفر للمُسلمين والمُسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياءِ منهم والأموات برحمتك يا ذا الجلال والإكرام.

 

 عباد الله (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ‌وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل: 90]، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمهِ يزدكم، (‌وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45].

 

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life