عناصر الخطبة
1/الإيمان بالغيب وذكره في القرآن والسنة 2/ الأحاديث الواردة في بيان أوصاف المسيح الدجال وعظم فتنته 3/ الجاحدون لعلامات الساعة 4/ بث السلف لأحاديث الدجال بين أهليهم .اهداف الخطبة
التحذير من فتنة المسيح الدجال / بيان منزلة الإيمان بالغيب .اقتباس
لقد تواترت الأخبار، وتكاثرت الأحاديث عن نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم في التحذير منه، وبيان أوصافه، وعظم فتنته.
أما بعد:
فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عزَّ وجلَّ فاتقوا الله ما استطعتم، واسلكوا بالنفوس مسالك الاعتبار: (ياقَوْمِ إِنَّمَا هَـاذِهِ الْحَيَواةُ الدُّنْيَا مَتَـاعٌ وَإِنَّ الاْخِرَةَ هِىَ دَارُ الْقَـرَارِ) [غافر:39].
أيها المسلمون، لقد اعتنى أهل السنة بتحقيق المسائل عالية الرتب، فكان النصيب الأكبر والحظ الأوفر لمسائل الاعتقاد التي هي سبيل النجاة في الدنيا ويوم المعاد. تنوَّعت في ذلك أساليبهم وتعددت تآليفهم. سطروها بكلامٍ رصين، وتدوين متين، قائمٍ على الأدلة الجلية من كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، في نقولٍ موفقة، وأقوال محققة.
أيها الإخوة، إن الإيمان بما صح به النقل واجب محتم، فيما شهدناه أو غاب عنا، نعلم أنه صدق وحق، سواء في ذلك ما عقلناه وما لم نطلع على حقيقته ومعناه من أنباء الإسراء والمعراج، وأشراط الساعة، وأمارات القيامة، وأحوال اليوم الآخر، وأهوال يوم الحشر، وكل ذلك مما صحت به الأخبار من آي الكتاب وبينه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ووضحه: (فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا فَأَنَّىا لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ) [محمد:18]. (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ) [القمر:1]. (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً) [الأحزاب:63].
وعن حذيفة رضي الله عنه قال: ((لقد خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم خطبة ما ترك فيها شيئاً إلى قيام الساعة إلا ذكره، علِمَه من عَلِمَه، وجهله من جهله، إن كنتُ لأرى الشيء قد نسيته فأعرفه كما يعرف الرجل الرجل إذا غاب عنه فرآه يعرفه)) متفق عليه واللفظ للبخاري.
وعند البخاري أيضاً تعليقاً مجزوماً به من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: ((قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم مقاماً فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه)).
أيها الإخوة، ولما كان أمر الساعة شديداً، وهولها مزيداً، وأمرها قريباً ليس بعيداً كان الاهتمام بشأنها أكبر، وبيان النبي صلى الله عليه وسلم لها أجلى وأبين، فقد أكثر عليه الصلاة والسلام من بيان أشرطها وأماراتها وأخبر عما بين يديها من الفتن القريبة والبعيدة، ونبَّه أمته وحذرها ليتأهبوا لتلك العقبة العظيمة: (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَـارَىا وَمَا هُم بِسُكَـارَىا وَلَـاكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) [الحج:2].
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فزعاً يقول: ((سبحان الله ماذا أنزل الله من الخزائن، وماذا أنزل الله من الفتن، من يوقظ صواحب الحجر ـ يعني زوجاته من أجل الصلاة من الليل ـ رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة)).
أيها الأخوة، إن بين يدي الساعة فتنة مخيفة هي أعظم الفتن ليس فتنة صغيرة ولا كبيرة إلا تصغر أمامها، وما تكـون فتنة حتى تقوم الساعة أكبر من فتنتها. إنها فتنة المسـيح الدجال؛ (ونعوذ بالله من فتنة المسيح الدجال).
لقد تواترت الأخبار، وتكاثرت الأحاديث عن نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم في التحذير منه، وبيان أوصافه، وعظم فتنته.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنه لم يكن نبي إلا وقد أنذر الدجال قومه إني أنذركموه إنه أعور ذو حدقة جاحظة لا تخفى)).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: ((قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال: ألا أنذركموه، ما من نبي إلا وقد أنذر قومه ولكني سأقول لكم فيه قولاً لم يقله نبيٌ لقومه: إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور)) زاد مسلم: ((مكتوب بين عينيه كافر يقرأه من كره عمله، أو يقرأه كل مؤمن كاتب وغير كاتب)).
وتكاثرت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الدعاء: ((اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال)). متفق عليه وهذا لفظ مسلم.
إن فتنته لعظيمة حتى قال عليه الصلاة والسلام: ((من سمع بالدجال فلينأ عنه، فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتَّبعه مما يبعث معه من الشبهات)).
أيها الإخوة الأحبة: ومن المخيف وعظيم الفتنة أنه يخرج في خفةٍ من الدين، وإدبارٍ من العلم، واختلافٍ بين الناس وفرقة.
وإن لقرب وقته وإبَّان خروجه علاماتٍ وأسباباً وهناتٍ يتلو بعضهن بعضاً حذو النعل بالنعل؛ من التهاون بالصلوات وإضاعة الأمانات، وفتن يكون فيها الظلم فخراً، ويكثر الفجرة والخونة، والظلمة والفسقة، ويفشو الزنا، ويظهر الربا، وتقطَّع الأرحام، وتتخذ القينات ـ أي المغنيات ـ وتشرب الخمور، وتنقضُ العهود، ويأكل الناس الرشوة، ويستخفون بالدماء، ويتطاول السفهاء، وتتَّجر المرأة مع زوجها حرصاً على الدنيا، ويشبه النساء الرجال ويشبه الرجال النساء، ويلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب، وتكون القلوب أمر من الصبر، والألسنة أحلى من العسل، والسرائر أنتن من الجيف، ويلتمس الفقه لغير الدين، وتنقض عرى الإسلام عروةً عروةً، وتكون الدنيا بيد لُكع بن لُكع وهو الأحمق اللئيم. وترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان ويتقلبون في أعطاف النعيم. وإن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الرجال ولكن يقبض العلم بموت العلماء، ثم تبقى مقاماتهم فارغةً لا يملؤها إلا من دونهم، ولا يخلفهم إلا من لا يصلح أن يكون تلميذاً من تلاميذهم، يتقارب الزمان، ويلقى الشح، ويكثر الهرج وهو القتل. يتطاولون على الطعن في الإسلام والتشكيك في الدين. ومن أعظم الفتن أنه لا يخرج الدجال حتى يذهل الناس عن ذكره وحتى تترك الأئمة ذكره على المنابر، هكذا ورد الخبر مرفوعاً.
في هذه الأجواء المدلهمة يبعث الله عليهم الدجال فيسلط عليهم حتى ينتقم منهم، وينحاز المؤمنون إلى بيت المقدس.
الدجال منبعُ الكفر والضلال، وينبوع الفتن والأوجال، أنذرت به الأنبياء أقوامها، وحذرت منه الرسل أممها، ونعتته بالنعوت الظاهرة، ووصفته بالأوصاف البينة، وحذَّر منه نبينا المصطفي، وذكر له نعوتاً وأوصافاً لا تخفى.
واسمعوا إلى هذا الحديث الجامع الذي أخرجه الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: ذكر رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الدجالَ ذات غداة فخفض فيه ورفع، حتى ظنناه في طائفة النخل، فلما رُحنا إليه عرف ذلك فينا فقال: ((ما شأنكم؟)) قلنا: يا رسول الله ذكرت الدجال غداة فخفضت فيه ورفعت حتى ظنناه في طائفة النخل. فقال: ((غير الدجال أخوفني عليكم؟ إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فكل امرؤٌ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم؛ إنه شابٌ قطط – يعني: جعد شعر الرأس – عينه طافئة، كأني أشبهه بعبد العزى بن قَطَن، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف، إنه يخرج من خلة بين الشام والعراق، فعاث يميناً وعاث شمالاً يا عباد الله فاثبتوا)). قلنا: يا رسول الله وما لبثه في الأرض؟ قال: ((أربعون يوماً؛ يومٌ كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيَّامكم)).
قلنا: يا رسول الله؛ فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: ((لا؛ اقدروا له قدره)). قلنا: يا رسول الله؛ وما إسراعه في الأرض؟ قال: ((كالغيث استدبرته الريح. فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذراً، وأسبغه ضروعاً، وأمدَّه خواصر. ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردُّون عليه قوله، فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم. ويمرُّ الخربة فيقول لها: أَخرجي كنوزك؛ فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ثم يدعو رجلاً ممتلئاً شباباً فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك؛ فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح بن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مَهْرودَتين ـ أي ثوبين ـ واضعاً كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدَّرمنه جمانٌ كاللؤلؤ، فلا يحلُّ لكافرٍ يجد ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله. ثم يأتي عيسى بن مريم قومٌ قد عصمهم الله منه فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة)).
هذا هو الدجال ـ أيها الإخوة ـ وهذا شيء من خبره، نعوذ بالله من فتنته ومن جميع الفتن ما ظهر منها وما بطن.
يقول أبو بكر بن العربي رحمه الله: الذي يظهر على يد الدجال من الآيات من إنزال المطر والخصب على من يصدِّقه، والجدب على من يكذِّبه، واتباع كنوز الأرض له، وما معه من جنة ونار ومياه وأنهار، يجري كل ذلك محنةً من الله واختباراً ليهلك المرتاب وينجو المتيقن، وذلك كله أمرٌ مخوفٌ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ((لا فتنة أعظم من فتنة الدجال)) ، وكان صلى الله عليه وسلم يستعيذ منها في صلاته تشريعاً لأمته أ.هـ.
أيها الإخوة: كل ذلك من أنباء الغيب نؤمن به لِما قام عليه من الدليل والبرهان، ولو غاب عن شواهدنا وقَصُرت عنه حواسُّنا، ولكنه حاضرٌ بأدلته القطعية وبراهينه العلمية.
وإنكم لتعلمون أن الماديين من أهل هذا العصر والعلمانيين هم من أشدِّ الناس تجاهلاً للساعة وأشراطها، وأكثر الناس صدوداً عنها، وما كانوا في مراكز التوجيه والإعلام والتربية في كثير من الأقطار إلا دعاة لعبادة الجسد وعبادة الدنيا ما يذكرون الله ربهم في جليلٍ ولا خطيرٍ، ولا يُذكِّرون بلقائه لا في ليل ولا في نهار. لقد تواطأ على ذلك ملاحدة الشرق والغرب شيوعيوهم وزنادقتهم، إنهم لم يرفعوا أيديهم إلى السماء قط. لقد ولَّوا وجوههم عن الآخرة؛ في قلوبٍ فارغةٍ، وعقائد خربةٍ. عصرٌ ماديٌ طافحٌ بالرغبات الجامحة والغرائز المدللة.
ومن العجب أيها الإخوة: أن أكثر أتباعه اليهود. والمتأمل في حياتهم قديماً وحديثاً يجدهم قد رتبوا معايشهم على أن الدنيا حق، والآخرة وهم، ولقد توجه إليهم كتابنا بهذا التحدي: (قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الاْخِرَةُ عِندَ اللَّهِ خَالِصَةً مّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَـادِقِينَ وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّـالِمينَ )وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَواةٍ) [البقرة:94-96].
وما النزعات المادية النزقة التي تسود الحضارة المعاصرة إلا صدىً لتغلغل اليهود فيها. إنه أثرٌ بيِّنٌ في إخلادهم إلى الأرض وفي صياغة تفكيرهم الماديِّ، فالدنيا هي جنتهم وهي نارهم.
إن التقدم المادي الكبير الذي أحرزه أهل هذا العصر في مضمار العلوم التجريبية زعزع عندهم كثيراً من العقائد الإيمانية والمعتقدات الغيبية.
لكن لماذا ينكرون هذه الأشراط والعلامات والأمارات؟ وفي علوم العصر ومعارفه ومكتشفاته ومخترعاته ومواصلاته واتصالاته ما يجعل هذه الأشياء جديرةً بالتصديق، ممكنة الوقوع، معقولة التصور مما لم يدركه السابقون أو يعرفه المتقدمون.
وما العجب وقد رأى أهل هذا العصر ما قرَّب البعيد وطوى المسافات وقارب الزمن، بل إن هناك آيات في الأنفس من أمراض لم تكن معروفة فيمن سبق وكثرة موت الفجأة، والحوادث والحروب والفتن والصراع على موارد المياه وما يسمُّونه بالسلع الاستراتيجية والموارد الطبيعية.
ألم يكن في الأشراط والأمارات والمتغيرات المتسارعات ما يذكِّر أهل الغفلة ويزيد في بصر أولي البصائر والأبصار؟؟ لعلهم أن ينتهوا من الذنوب، وتلين منهم قاسيات القلوب، ويغتنموا المهلة قبل الوهلة.
ولكن ما أشد جحود الجاحدين؟؟ وما أعظم إنكار المنكرين؟؟ ينعمون بفضل الله وَجودِه وينكرون عبوديته وَجودَه: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم:34].
وبعد أيها الإخوة، فإن أهل العلم والإيمان يؤمنون بما جاء من عند ربهم وأخبر به نبيهم، تطمئن به قلوبهم، وتنشرح به صدورهم، سواء أدركته عقولهم أو لم تدركه: (يَقُولُونَ ءامَنَّا بِهِ كُلٌّ مّنْ عِندِ رَبّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الالْبَـابِ) [آل عمران:7].
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (هَلْ يَنظُرُونَ إِلا أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلَـائِكَةُ أَوْ يَأْتي رَبُّكَ أَوْ يَأْتِىَ بَعْضُ ءايَـاتِ رَبّكَ يَوْمَ يَأْتِى بَعْضُ ءايَـاتِ رَبّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ ءامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَـانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ) [الأنعام:158].
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى. أحمده سبحانه وأشكره له الحمد في الآخرة والأولى. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله ذو الشرف الأسنى، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد أيها المسلمون، لقد كان السلف الصالح رضوان الله عليهم يداومون على تعليم تلك الأخبار والأحاديث، يذكِّرون بها الناس لما لها من الأثر الكبير في إصلاح الأعمال وحياة القلوب، وإن التقصير في العلم بها والاطلاع عليها يورث الغفلة، ويوقع في سوء العمل. ومن ثم تنسى تلك الحقائق على طول الزمن. بل لقد كان السلف رحمهم الله يعلمونها أولادهم في المدارس والكتاتيب؛ يقول ابن عباس رضي الله عنهما: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا هذا الدعاء كما يعلمنا السورة من القرآن. يقول: ((قولوا اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات)) .
قال مسلم بن الحجاج: بلغني أن طاووساً وهو راوي هذا الحديث عن ابن عباس قال لابنه: دعوت بها في صلاتِك؟ فقال: لا. قال: أعد صلاتك. قالوا: وإنما أمر طاووس ابنه بإعادة الصلاة لأنه يرى وجوب الدعاء في الصلاة بهذه الدعوات الأربع. ولهذا جزم الإمام ابن حزم الظاهري رحمه الله في المحلى بفرضية قراءة هذا التعوذ بعد الفراغ من التشهد.
والإمام السفاريني رحمه الله يقول: ينبغي لكل عالم أن يبثَّ أحاديث الدجال بين الأولاد والنساء والرجال؛ قال: ولا سيما في هذا الزمان الذي اشرأبت فيه الفتن، وكثرت فيه المحن، واندرست فيه معالم السنن، وصارت السنن فيه كالبدع والبدعة شرعة تتبع.
واعلموا أن نبيكم عليه الصلاة والسلام قال: ((من حفظ عشر آيات من سورة الكهف عُصم من الدجال)). وفي رواية أخرى: ((من أدركه فليقرأ فواتح سورة الكهف فإنها جواركم من فتنته)).
ثم بادروا رحمكم الله بالأعمال الصالحة كما أرشد إلى ذلك نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم: ((فهل تنتظرون إلا فقراً منسياً، أو غنىً مطغياً، أو مرضاً مفسداً، أو هرماً مفنداً، أو موتاً مجهزاً، أو الدجال فشر غائبٍ ينتظر، أو الساعة والساعة أدهى وأمر)).
وقانا الله وإياكم فتنته وسائر الفتن.
التعليقات