عناصر الخطبة
1/ خطورة أمر التصوير الحديث 2/ تحريم تصوير ذوات الأرواح 3/ جرائم يسهم التصوير في نشرها بالمجتمع 4/ حرمة تتبع عورات المسلمين وفضحها 5/ دور الأسرة ومؤسسات الدولة في صيانة الحرماتاهداف الخطبة
اقتباس
ولكن مما يُجمِعُ العُلماءُ والعُقلاءُ على تحريمِه، ويعدُّونَه من أعظم المظالِم، وأكبرِ المآثِم، وأقبَح الجرائِم: استِخدامُ التصوير في انتِهاك الحدود والحقوق، والأعراض والأعراف والآداب، واستِعمالُه في أهدافٍ خبيثةٍ، وأغراضٍ قذِرةٍ لا تمُتُّ للأمانة والخُلُق بصِلةٍ، مما لا يفعلُه إلا خسيسُ الطبع، وعديمُ الأمانة، وخبيثُ السُّلُوك، وساقِطُ الشرف والمُروءة.
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله الخالق البارِئ المُصوِّر، صوَّر فأحسنَ التصوير، وقدَّر فأحسنَ التقدير، ودبَّر فأحسنَ التدبير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) [التغابن: 3]، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدنا محمدًا عبدُه ورسولُه النذيرُ البشيرُ، والسِّراجُ المُنير، صلَّى الله وسلَّم عليه وعلى آله وأصحابِهِ ذوي القدرِ الكبيرِ والفضلِ الشهير.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون: اتقوا الله؛ فإن تقواه أفضلُ مُكتسَب، وطاعتَه أعلى نسَب: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
أيها المسلمون: التصويرُ الحديثُ من أشدِّ ما صنعَ الإنسانُ وأبدعَ خطرًا وأثرًا، يلتقِطُ الحاضِر، ويحتفِظُ بالماضِي، ويُعيدُ الأحداثَ كما وقعَت.
وقد ثبتَ في السنَّة تحريمُ تصويرِ كل ذي رُوحٍ، آدميًّا كان أم غيرَ آدمِيٍّ، وثبَتَ الأمرُ بطمسِ الصور ولعن المُصوِّرين، وأنهم أشدُّ الناس عذابًا يوم القيامة.
فعن عبد الله بن مسعودٍ -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن أشدَّ الناسِ عذابًا يوم القيامة المُصوِّرون". متفق عليه.
وعن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما- قال: سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "كلُّ مُصوِّرٍ في النار، يُجعلُ له بكل صُورةٍ صوَّرها نفسًا تُعذِّبُه في جهنَّم". أخرجه مسلم.
وعن أبي الهيَّاج الأسديِّ قال: قال لي عليُّ بن أبي طالبٍ -رضي الله عنه-: ألا أبعثُك على ما بعثَني عليه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-؟! "ألا تدَعَ تمثالاً إلا طمستَه، ولا قبرًا مُشرِفًا إلا سوَّيتَه". أخرجه مسلم.
وفي لفظٍ له: "ولا صورةً إلا طمستَها".
وعن أبي جُحيفَة -رضي الله عنه- أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- لعنَ آكِلَ الرِّبا، ومُوكِلَه، والمُوشِمةَ، والمُستوشِمةَ، والمُصوِّر. أخرجه البخاري.
ولأئمة الفقهِ والفتوى تفصيلٌ فيما يدخلُ في هذه النصوص من أنواع التصوير وما لا يدخُل، على اختلافٍ بينهم.
ولكن مما يُجمِعُ العُلماءُ والعُقلاءُ على تحريمِه، ويعدُّونَه من أعظم المظالِم، وأكبرِ المآثِم، وأقبَح الجرائِم: استِخدامُ التصوير في انتِهاك الحدود والحقوق، والأعراض والأعراف والآداب، واستِعمالُه في أهدافٍ خبيثةٍ، وأغراضٍ قذِرةٍ لا تمُتُّ للأمانة والخُلُق بصِلةٍ، مما لا يفعلُه إلا خسيسُ الطبع، وعديمُ الأمانة، وخبيثُ السُّلُوك، وساقِطُ الشرف والمُروءة.
ومن الأفعال المُجرَّمة والمُحرَّمة: نشرُ المقاطِع والصور الإباحيَّة وتبادُلُها، وتسهيلُ تناوُلها والوصول إليها، والتِقاط صور ومقاطِع مرئيَّة لآخرين خلسة ومُخاتلة دون علمِهم ورِضاهم، ونشرُها عبر الشبكة العنكبوتية بقصدِ الإساءَة لهم، وتشويه سُمعَتهم وعِرضِهم، أو بقَصدِ تهديدِهم وابتِزازهم، أو بقصدِ السُّخريَة بالمُصوَّر والاستِهزاءِ به، وتحقِيرِه وتصغيرِه وتعيِيره، والنَّيل من بلدِه أو عِرقِه أو أصلِه أو قبيلتِه، أو خِلقَته أو ملبَسِه أو مِهنتِه أو لهجَتِه.
أو نشرُ مقاطِع صوتية أو مرئيَّة بقصد بثِّ الكراهيَة والعُنصرية ورُوح العداء والبغضاء، وإذكاء النَّعرَات القبَليَّة والجاهليَّة في المُجتمع، أو بقصدِ إثارة الغَوغاء والدَّهماء والسُّفهاء ضدَّ أمن البلد المُسلم واستِقراره.
ومن أقبَحها: تصويرُ النساء والفَتَيات والعورات، في الأعراس والحفلات والمُناسبَات، ونشرُ صُورهنَّ بين العامَّة تفترِسُهنَّ الأعيُنُ وتلُوكهنَّ الألسُن. وتلك -والله- السَّوءةُ واللَّوعة!
ومن المصائِب العُظمى: تساهُلُ بعض الفَتَيات والنساء في إرسالِ صُورهنَّ لصديقةٍ أو قريبةٍ أو خاطِبٍ، ربما خطبَها لنفسِها دون علمِ أهلِها، مُخاطِرةً بشرفِها وعفَّتها وسُمعتها وكرامتها وكرامة أهلِها، مما لا تفعلُه إلا من ضعُف عقلُها، واشتدَّت غفلتُها، وبانَت سذاجتُها.
وبعضُ الفسَقَة المُعلِنين يُصوِّرُ نفسَه وخِزيَه، ثم ينشرُ تلك الصُّور، وقد باتَ يسترُه ربُّه ويُصبِح يكشِفُ سِترَ الله عنه.
حتى الأموات والمرضَى وأهل الحوادِث والبلاء، ومن يُقام عليه حدٌّ أو تعزيرٌ، لم يسلَموا من التصوير والتَّشهير! فيا لها من فتنةٍ أزاغَت القلوب، وأذهبَت العقول، وزلزلَت المُجتمعات.
فيا من نشرتَ تلك الصُّور والفضائِح والقبائِح! لقد نشرتَ الفساد، وآذيتَ العباد، وسعيتَ بالفتنةِ في البلاد! فانتظِر إن لم تتُب نقمةً تُقعِدُك، أو عذابًا يُسحِتُك، أو سخَطًا يُهلِكُك، إن ربَّك لبالمِرصاد، لا يفوتُه أحد، ولا يُعجِزُه أحد، وسيُكلِّمُك ربُّك ليس بينَك وبينَه ترجُمان يسألُك عن مخازِيك ومساوِيك، فبأيِّ جوابٍ تُجيب؟! وبأيِّ عُذرٍ تعتذِر؟!
قال ابن دقيق العيد -رحمه الله تعالى-: "ما تكلَّمتُ بكلمةٍ ولا فعلتُ فعلاً إلا أعددتُ له جوابًا بين يدَي الله تعالى".
يا من نشرتَ تلك الصور والمقاطِع والفظائِع: ستحمِلُ وِزرَ كلِّ من شاهَدَها، وإثمَ كلِّ من فُتِن بها، وخطيئةَ كلِّ من علَّق عليها، وحُوبَ كلِّ من أعادَ نشرَها: (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ) [العنكبوت: 13]، (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ) [النحل: 25].
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "ومن دعا إلى ضلالةٍ كان عليه من الإثمِ مثلُ آثام من تبِعَه، لا ينقُصُ ذلك من آثامِهم شيئًا". أخرجه مسلم.
يا هاتِكًا للحُرُمات والعورات: البرُّ لا يبلَى، والإثمُ لا يُنسَى، والديَّانُ لا ينام، فكُل كما شِئتَ فكما تَدينُ تُدان، وستشربُ بالكأسِ التي سقيتَ، وتحصُدُ من جنسِ ما بذَرتَ.
ومــا من يدٍ إلا يدُ الله فوقَها *** ولا ظـالِمٍ إلا سيُبلَى بـأظلَمِ
قضَى الله أن البغيَ يصرَعُ أهلَه *** وأن على الباغِي تدورُ الدوائِرُ
ومن تتبَّع عورةَ أخيه المُسلم تتبَّع الله عورتَه، ومن تتبَّع الله عورتَه يفضَحه ولو في جوفِ رَحلِه.
فتُب مما جنيتَ، وأقلِع عما أتيتَ، واستغفِر لذنبِك، وابكِ على خطيئتِك، واستدرِك قبل حُلول الأجل، وهُجوم الموت.
وتذكَّروا -أيها المسلمون- قولَ المولى العظيم: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النور: 19].
اللهم أيقِظنا من الغفَلات، اللهم أيقِظنا من الغفَلات، اللهم أيقِظنا من الغفَلات، وارزُقنا التوبةَ قبل الممات، يا سميعُ يا قريبُ يا مُجيبُ الدعوات.
وأستغفِرُ الله فاستغفِرُوه، فقد فازَ المُستغفِرُون، وربِح التائِبُون.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي لا خيرَ إلا منه، ولا فضلَ إلا من لدُنه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِهِ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون: في الذِّكر الحكيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119].
أيها المسلمون: الأمانةُ عظيمة، والمسؤوليةُ جسيمة، وعلى الآباء والأمهات، والمُعلِّمين والمُعلِّمات، والمُؤسَّسات العلمية والتربوية، ورِجال الإعلام والأئمة والخُطباء والعُلماء، وأجهِزة الرَّقابة والتحقيق؛ واجبٌ مُشتركٌ في مُحاربَة هذه الظاهِرة، والأخذِ على يدِ السُّفهاء، ونشر الوعيِ بين المسلمين؛ صونًا للحُرُمات والأعراض، وصيانةً للدِّين والشرَف، وحِفظًا لأمنِ المُجتمع ونظامِه.
والله سائِلٌ كلَّ عبدٍ عما استرعاه، أدَّى أم تعدَّى؟!
وصلُّوا وسلِّموا على أحمدَ الهادي شفيعِ الورَى طُرًّا؛ فمن صلَّى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.
للخلقِ أُرسِلَ رحمةً ورحيمًا *** صلُّوا عليه وسلِّموا تسليمًا
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائِه الأربعة، أصحاب السنة المُتَّبعة: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآلِ والصحابة أجمعين، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم يا أرحم الراحمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمُشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مُطمئنًّا، سخاءً رخاءً، وسائر بلاد المسلمين.
التعليقات