فتح القسطنطينية ومذابح البوسنة

ناصر بن محمد الأحمد

2013-06-20 - 1434/08/11
عناصر الخطبة
1/ الملاحم قبيل الساعة 2/ تاريخ العداء بين المسلمين والروم 3/ فتوحات الصحابة في بلاد الروم 4/ وعد رسول الله بفتح القسطنطينية 5/ استعداد الفاتح لفتح القسطنطينية 6/ فتح القسطنطينية وخطة الفاتح بعد الفتح 7/ استمرار الفتح الإسلامي في البلقان 8/ تقهقر الدولة العثمانية وذلة المسلمين 9/ بعض من مذابح المسلمين في التاريخ القديم والحديث 10/ المستقبل لهذا الدين
اهداف الخطبة

اقتباس

هذا الفتح كان بداية دخول المسلمين إلى أوروبا من جانبها الشرقي لأول مرة، وكان هذا تقريبًا قبل خمسمائة وأربعين عامًا، ولأول مرة يتجاوز المسلمون الفاصل المائي الطبيعي الذي يفصل آسيا عن أوروبا من جانبها الشرقي. ثم بدأ المسلمون بالتوسع في أوروبا الشرقية حتى وصلوا إلى ما يسمى الآن فيينا عاصمة النمسا، ولا تزال هذه المواقع التي وقف عليها العثمانيون وهم يشرفون على مدينة فيينا موجودة حتى اليوم. هذا...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

أما بعد:

 

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الساعة لا تقوم حتى لا يقسم ميراث ولا يفرح بغنيمة". ثم قال بيده هكذا ونحاها نحو الشام،  ثم قال -صلى الله عليه وسلم-: "عدو يجمعون لأهل الإسلام ويجمع لهم أهل الإسلام"،  قلت -القائل عبد الله بن مسعود راوي الحديث- قلت: الروم تعني؟! قال: "نعم".

 

وفي سنن أبي داود،  عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعدد فتنًا،  ثم قال: "وفتنة الدهيماء، لا تدع أحدًا من هذه الأمة إلا لطمته،  فإذا قيل: انقضت، تمادت، يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا، حتى يصير الناس في فسطاطين، فسطاط إيمان لا نفاق فيه، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه، فإذا كان ذاك فانتظروا الدجال من يومه أو من غده".

 

وفي صحيح البخاري عن عوف بن مالك -رضي الله عنه-، قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم فقال: "اُعدد ستًا بين يدي الساعة، موتي ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاصي الغنم ثم استفاضة في المال، حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطًا، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر -يعني الروم- فيغدرون، فيأتوكم تحت ثمانين غاية،  -ومعنى الغاية هنا الراية- تحت كل غاية اثنا عشر ألفًا".

 

أيها المسلمون: هذه ثلاثة أحاديث وردت في كتب الصحاح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، تتحدث عن الفتن، وما أخبر به المصطفى -صلى الله عليه وسلم- مما سيحدث في آخر الزمان له علاقة كبيرة بما يدور على الساحة في زماننا هذا.

 

هذه الأحاديث -أيها الإخوة- وما في معناها، تدور حول قضية، وهو أن الحرب بين المسلمين والروم حرب قائمة منذ القديم، وقد التقى المسلمون مع الروم مرات عديدة، وسيكون بينهم لقاءات في المستقبل، وستكون الغلبة في النهاية للمسلمين كما وعدنا بذلك الصادق المصدوق -عليه الصلاة والسلام-.

 

وأيضًا -أيها الإخوة- تدل هذه الأحاديث أن اجتماع الروم -وهم النصارى- كلهم في خندق واحد، ومعاداتهم وحربهم للإسلام، أمر قائم لا شك فيه.

 

وبدأت هذه الحرب منذ بعثة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، فعملوا على التصدي ومنع انتشار الإسلام شمال جزيرة العرب، وذلك بعدما عجزوا عن دفع قيامه وانتشاره داخل الجزيرة، حاولوا على الأقل حجره وحصاره داخل الجزيرة، وذلك بناءً على أسس عقائدية عندهم منذ أن كانت لهم دولة في بلاد الشام، شمال جزيرة العرب. منها حديث ابن عباس، وأنه لما التقى أبو سفيان بن حرب بملك الروم وسأله عن صفات النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأخبره أبو سفيان ببعض صفاته، فقال قيصر: لئن كان حقًا ما تقول فإنه سيملك موضع قدميّ هاتين.

 

فالنصارى منذ القديم وهم يعلمون بأن هذا الدين سيصل دولتهم، وأن المسلمين سيجتاحون دولتهم ويملكون أرضهم، وذلك عندما كان للروم دولة، وللإسلام دولة في بداية أمره، ثم يقول قيصر بعد ذلك لأبي سفيان: لو كنت عنده لغسلت قدميه.

 

وكذلك المسلمون، كانوا وهم في أول الطريق وأول الدعوة، كانوا موعودين بكنوز كسرى وقيصر، وأنهم سينفقونها في سبيل الله، يقول -عليه الصلاة والسلام-، كما في حديث أبي هريرة: "إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده،  وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله". رواه البخاري.

 

فمنذ أن عرف المسلمون هذا الحق، وأنكر النصارى هذا الحق، قامت العداوة بين معسكر المسلمين ومعسكر النصارى، ولن تنتهي هذه العداوة إلا بالنتيجة الحاسمة التي وُعد بها المسلمون بالنصر، وهذا النصر -أيها الإخوة- لا يتم إلا بأن يتوج بفتح بلاد الروم، وبلاد النصارى كاملة بإذن الله. يقول -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح: "تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله، ثم فارس فيفتحها الله، ثم تغزون الروم فيفتحها الله، ثم تغزون الدجال فيفتحه الله". قال نافع: يا جابر: لا نُرى الدجال يخرج حتى تُفتح الروم.

 

إذًا هذا الفتح سيأتي لاحقًا إن شاء الله، نقوله تحقيقًا لا تعليقًا. وقد فتح شيء من بلاد الروم في الأيام الخوالي، لكن الفتح الأكبر يأتي لاحقًا بإذن الله -جل وعلا-.

 

أيها المسلمون: إن أول لقاء كان بين المسلمين وبين الروم كان في غزوة مؤتة، في السنة الثامنة من الهجرة، ثم أتت بعدها غزوة تبوك في السنة التاسعة من الهجرة، ثم تتابعت جيوش المسلمين على الشام في عهد الإمامين أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-، حتى أخرج هرقل من أرض الشام. وهرب إلى القسطنطينية في السنة الخامسة عشرة من الهجرة، وفي ذلك الوقت ذُكر المسلمون المقاتلون عند هرقل، بأنهم فرسان بالنهار، عباد بالليل، ما يأكلون في ذمتهم إلا بثمن، ولا يدخلون إلا بسلام، يقفون على من حاربهم حتى يأتوا إليه، فقال هرقل للقائل: لئن صدقت فيما تقول ليرثُن ما تحت قدمي هاتين، وتتابعت الفتوحات الإسلامية، وعلم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأن فتح القسطنطينية هو مفتاح دخول المسلمين إلى أوروبا الشرقية وبداية سقوط الكنيسة الشرقية التي كانت القسطنطينية هي عاصمتها، لذلك كانت بشرى النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والحاكم: "لتُفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش".

 

هذه كانت نبوءة النبي -صلى الله عليه وسلم-، آمن خلفاء الدولة العثمانية بهذه النبوءة وصدقوا هذه البشارة، وعملوا على تحقيقها، وسخروا من الأسباب ما يستطيعون، فنصبوا المدافع وأقاموا القلاع الكبيرة، على جانبي خليج البسفور، وقدموا في سبيل هذا الفتح الكثير من الأعمال العسكرية.

 

عندما انتهى السلطان محمد الفاتح من بناء قلعة روملي على الجانب الأوربي من تركيا، خرج بعض جنوده للتفرج على مدينة القسطنطينية، فحصل بينهم وبين سكان تلك المدينة بعض الاحتكاك، الأمر الذي أدى إلى بعض الشغب، فأمر السلطان محمد الفاتح بإبعاد البيزنطيين الذين يسكنون بجوار أسوار المدينة، خصوصًا وأنه كان ينوي فتح القسطنطينية، وكان يعد العدة لذلك، فما كان يريد أن يطلع من يسكن بجوار المدينة على هذا الإعداد.

 

فعندما سمع أمير بيزنطة بهذا الأمر أمر بإخلاء كل القرى المجاورة وسحب سكانها إلى داخل مدينة القسطنطينية وأحكم إغلاق أبواب المدينة، كان هذا بداية الاحتكاك بين العثمانيين المسلمين من جهة والنصارى من جهة أخرى، فأدى هذا الاحتكاك، أن طلب الإمبراطور المساعدة من جيرانه الدول المسيحية، وبالطبع فدولة الفاتيكان كانت من أقوى الدول في ذلك العصر، وكان المسيحيون أول ما يستنجدون بالفاتيكان،  فيسخر الفاتيكان الأموال، ويحرض أمراء الدول المسيحية على نجدة إخوانهم في الدين النصراني.

 

حاصر العثمانيون القسطنطينية برًا وبحرًا واستطاعوا بخطة عسكرية بارعة، يشهد لها التاريخ حتى اليوم من نقل السفن من المضيق حتى الجانب الثاني، حتى وصلوا إلى أسوار المدينة. بدأ الهجوم الإسلامي على القسطنطينية عام 857هـ بعد صلاة الفجر، والذي كان يقود هذا الهجوم العام هو السلطان محمد الفاتح بنفسه، وكان هذا هو دأب السلاطين، كانوا يحرصون على الجهاد في سبيل الله، كحرص غيرهم على استتباب الأمن في دولتهم.

 

اندفعت الجنود البواسل في الدخول داخل المدينة من فتحة صغيرة في السور أحدثتها المدافع الكبيرة التي جهزها العثمانيون لهذا الأمر.

 

أقيم العلم العثماني على أسوار المدينة بيد أحد الأمراء، يسمى ولي الدين سليمان، الذي قتل وهو يدافع عن ذلك العلم كي لا يسقط، فعندما قتل ذلك الأمير هب ثمانية عشر رجلاً ليقيموا ذلك العلم، فتحت أبواب المدينة بعد ذلك بالكامل، ووصل الأسطول الإسلامي إلى المدينة، فدخله فاتحًا بنصر الله -جل وعلا-، هرب الشعب البيزنطي، ودخل الخليفة فاتحًا على صهوة جواده، وأول شيء فعله أن نزل وسجد شكرًا لله على ذلك الفتح، وعلى تحقيق نبوءة النبي -صلى الله عليه وسلم- على يديه ثم توجهه إلى ذلك الشعب النصراني الخائف من القتل، فقال السلطان كلمته المشهورة والتي سجلها له التاريخ قال: أقول لكم ولجميع إخوانكم ولكل الموجودين هنا: إنكم منذ اليوم أنتم في أمان في أموالكم وأعراضكم وحرياتكم. وهو بهذا العمل إنما يقتدي برسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندما دخل مكة فاتحًا وقد طردته قريش وحاربته. فقال لهم -عليه الصلاة والسلام-: "ماذا تظنون أني فاعل بكم؟!". قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم. قال: "اذهبوا فأنتم الطلقاء".

 

هذا الفتح كان بداية دخول المسلمين إلى أوروبا من جانبها الشرقي لأول مرة، وكان هذا تقريبًا قبل خمسمائة وأربعين عامًا، ولأول مرة يتجاوز المسلمون الفاصل المائي الطبيعي الذي يفصل آسيا عن أوروبا من جانبها الشرقي.

 

ثم بدأ المسلمون بالتوسع في أوروبا الشرقية حتى وصلوا إلى ما يسمى الآن فيينا عاصمة النمسا، ولا تزال هذه المواقع التي وقف عليها العثمانيون وهم يشرفون على مدينة فيينا موجودة حتى اليوم. هذا التوسع الإسلامي شمل ما يعرف الآن بيوغوسلافيا في عام 755هـ، وشمل كذلك بلاد البوشناق والذي يعرف اليوم بالبوسنة والهرسك في عام 867هـ. شمل كذلك بلغاريا واليونان ورومانيا وألبانيا وشمل كذلك قبرص والمجر وتشيكوسلوفاكيا، كل هذه المناطق كانت خاضعة في يوم من الأيام لحكم المسلمين، وأراض وطأتها أقدام المسلمين الطاهرة، لكن أخرجوا منها ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

أيها الأحبة في الله: استمر وجود العثمانيين المسلمين في أوربا الشرقية 625 سنة، بمعنى أنه زاد وجودهم هناك عن وجود المسلمين في الأندلس، فإنهم لم يزيدوا عن 600 سنة، وانتهى هذا الوجود بسقوط الدولة العثمانية عام 1923م أي قبل سبعين سنة فقط، وسبعون سنة -أيها الإخوة- ليس بالبعيد، بمعنى أن أجدادنا قد حضروا هذا التاريخ. ثم نحن الأحفاد نستقبل هذه النكبات والمصائب، ويضيع هذا المجد في فترة قصيرة جدًا!! يفاجأ الإنسان بحجم المعاناة والتي عاناها المسلمون في خلال هذه الفترة القصيرة، سبعين سنة فقط.

 

لكن بداية التراجع العثماني قد سبق هذه الفترة وبدأ في أوائل القرن السابع عشر الميلادي عندما تقهقر المسلمون،  أول ما تقهقروا من تشيكوسلوفاكيا والمجر ويوغوسلافيا، ثم كانت الحرب العالمية الأولى التي شهدت هزيمة الحلفاء بما فيهم الدولة العثمانية، واحتلت القوات الأوروبية، إسطنبول كما سماها الأتراك عام 1918م لكن -أيها الإخوة-، وإن خرج المسلمون كحكام لتلك البلاد، لكنهم تركوا خلفهم أعدادًا غير قليلة من المسلمين في تلك البلاد، تركوا ألبانيا وغالبية أهلها من المسلمين، تركوا في يوغسلافيا نسبة غير قليلة من المسلمين، وكذلك في بلغاريا وهنقاريا، واستمر الوجود الإسلامي في بلاد أوروبا الشرقية حتى يومنا هذا.

 

أما تركة الدولة العثمانية فإنها قسمت إلى دويلات صغيرة، ورسمت لها الحدود الجغرافية، ووضع عليها حكام يوالون الغرب، بدلاً من إخوانهم المسلمين.

 

أعداؤهـا أبناؤهـا فهـم الخـراب *** فتمزقت وأتـوا سـراعًا كالذئـاب

بنت الأعادي المجد مـن ذاك التـراب *** والشمـس عنا قد توارت بالحجاب

فمتى سيشرق نورها فـوق الهضـاب *** ومتـى ستنجاب القتامـة والضباب

 

يـا أمـة بليـت بشـر بليـة *** لغبائهم كفوا العدو جهادها

وصروحها هدمت وفـي أطرافها *** فإلى متى وإلى متى وإلى متى

 

قال الله تعالى: (وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا)، وقال -جل وعز-: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)، ويقول -عليه الصلاة والسلام-: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، يقاتلون من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك".

 

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد:

 

أيها المسلمون: إن ما سمعتم في الخطبة الأولى هو جزء يسير من عز الإسلام وتمكنه وقيام دولته فيما مضى، أما هذه الأيام وهذه اللحظات التي نعيشها الآن فما الذي يجري على تلك الأراضي؟! ما الذي يجري الآن على أرض البوسنة والهرسك؟! وحشية لا مثيل لها في التاريخ، ولا يكون الإنسان مبالغًا إذا قال: إنها أبشع ما مر بالمسلمين في التاريخ، هذه ليست هي المرة الأولى التي يصاب فيها المسلمون بالنكبات والضربات فقد سبقتها مذابح التتار، وسبقتها مذابح الصليبيين للمسلمين في بيت المقدس أيام صلاح الدين، وسبقها قتل المسلمين في الأندلس عند سقوط غرناطة، وسبقها قتل تسعة ملايين مسلم وقت انفصال باكستان عن الهند عام 47م في أثناء عبورهم من الهند إلى باكستان، وذلك بعد أن أمنتهم الهند على أنفسهم، وسبقها حرق القرى الإسلامية على سكانها أحياءً، ومذابح صبرا وشاتيلا على يد اليهود في لبنان... وغيرها وغيرها خلال التاريخ.

 

ولكن مع هذا كله فهذه أبشعها، لا لشناعة ما يرتكب فيها فحسب، ولكن لموقف العالم أجمع من هذا التقتيل، وموقف العالم الإسلامي بصفة خاصة. وإلا فالذي يفعل بالمسلمين الآن هناك ليس بالأمر الهين. والله -جل وعلا- سائلنا جميعًا، ماذا عملنا وماذا قدمنا في سبيل إيقاف الدم المسلم من أن يراق بلا ثمن، وبلا ذنب، سوى أن يقول: ربي الله.

 

أطفال لا يتجاوز أعمارهم الثلاثة أشهر تقطع آذانهم، وأنوفهم، يؤتى بالنساء الحوامل وتبقر بطونهن بالسكاكين، يحشر الشيوخ من الرجال وكبار السن، ثم يذبحون ذبح الشياه من الوريد إلى الوريد، 120 ألف مسلمة،  هتكت أعراضهن على أيدي الصرب، ومنهن من تحمل العار ولم يبق على ولادتها سوى أسابيع، طفل رضيع يُمسك به الوحوش الصرب، فيوضع على النار ليشوى أمام عيني والده، فلما تم شيه قطعوه قطعًا، وأجبروا أباه تحت تهديد الرصاص أن يأكل من لحم طفله، فلذة كبده، ثم أطلقوا عليه الرصاص فقتلوه، ولو قتل قبل ذلك لكان أهون عليه... إلى غير ذلك من المناظر التي لا يتحمل الإنسان أن يسمعها فكيف بمن يشاهدها، ثم كيف بمن يكون هو المنظر المشاهد. إنا لله وإنا إليه راجعون.

 

هل نتوقع أن لا نُسأل عن هذا!! والله لنُسألن ولنحاسب، فليعد كل منا جوابه، ليوم السؤال والحساب.

 

ومع كل هذا -أيها الإخوة- فإننا متيقنون بنصر الله، وندين الله به، ونعتقده عقيدة في قلوبنا، كما نعتقد ونجزم بأن أمس قبل اليوم، واليوم قبل غد، وأن لنا مع الروم النصارى جولات وجولات، وأن هذا الدين سيبلغ ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزًا يعز الله به الإسلام وذلاً يذل به الكفر.

 

عن أبي قبيل قال: كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص، وسئل: أي المدينتين تفتح أولا!! القسطنطينية أو رومية؟! فدعا عبد الله بصندوق له حلق قال: فأخرج منه كتابًا، قال: فقال عبد الله: بينما نحن حول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نكتب، إذ سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أي المدينتين تفتح أولاً أقسطنطينية أو رومية؟! فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مدينة هرقل تفتح أولاً". يعنى قسطنطينية". ورومية هي روما عاصمة إيطاليا اليوم، وقد تحقق الفتح الأول على يد السلطان محمد الفاتح العثماني، كما مر معنا وذلك بعد أكثر من 800 سنة من إخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- بالفتح، وسيتحقق الفتح الثاني بإذن الله تعالى ولابد، ولنعلمن نبأه بعد حين.

 

ولاشك أيضًا أن تحقق الفتح الثاني يستدعي أن تعود الخلافة الراشدة إلى الأمة المسلمة، وهذا مما يبشرنا به -صلى الله عليه وسلم- بقوله في الحديث: "تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًا، فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبريًا، فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة" ثم سكت -عليه الصلاة والسلام-.

 

 

 

 

المرفقات
فتح القسطنطينية ومذابح البوسنة.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life