عناصر الخطبة
1/ الذنب سم يسري في القلوب فيمرضها 2/ حقيقة التقوى 3/ كل ابن آدم خطاء 4/ باب التوبة مفتوح لا يغلق 5/ خطورة احتقار الذنوب والمعاصي 6/ محاربة المعاصي بالطاعاتاهداف الخطبة
اقتباس
سمٌّ يسري إلى القلوب فيمرضها، وفي البلدان فيفسدها، وله أضرار عظيمة، وعواقب وخيمة، من آثاره حرمان الرزق، ومن آثاره حرمان العلم، ومن آثاره ضعف الإيمان، ومن آثاره هوان العبد على ربه، ومن آثاره: استحقاق عذاب القبر أو عذاب النار إن لم يتب منها. إنه الذنب والمعصية.
الخطبة الأولى:
إخوة الإيمان: سمٌّ يسري إلى القلوب فيمرضها، وفي البلدان فيفسدها، وله أضرار عظيمة، وعواقب وخيمة، من آثاره حرمان الرزق، ومن آثاره حرمان العلم، ومن آثاره ضعف الإيمان، ومن آثاره هوان العبد على ربه، ومن آثاره: استحقاق عذاب القبر أو عذاب النار إن لم يتب منها. إنه الذنب والمعصية.
أوليس الذنب هو سبب إخراج الأبوين من الجنة؟! أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى"، قيل: يا رسول الله: ومن يأبى؟! قال: "من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى".
إخواني: إننا نقرأ كثيرًا ونسمع كثيرًا الأمر بتقوى الله، ولكن ما مدى تطبيقنا لها؟!
إن حقيقة التقوى تدور حول أصلين؛ هما: فعل الأوامر وترك النواهي.
أحبتي في الله: لابن القيم تشبيه بليغ حول آثار الذنب على القلب حيث قال -رحمه الله-: "مما ينبغي أن يُعلم أن الذنوب والمعاصي تضر، ولا بدّ أن ضررها في القلب كضرر السموم في الأبدان، على اختلاف درجاتها في الضرر". اهـ.
والإنسان يبتعد عن أسباب الأمراض والأوبئة، ولو أصابه شيء سارع إلى علاجه، أوليست الذنوب أولى بالابتعاد منها ومعالجتها عند وقوعنا فيها؟! وبلا شك فالأمراض وعلاجها متفاوت، فالسرطانات تحتاج علاجًا واهتمامًا أكبر من الأمراض العارضة، وإنه لعجيب أن نحتمي من بعض الأطعمة خوف ضررها ولا نحتمي من الذنوب التي هي سبب لعذاب القبر أو النار.
إخوة الإيمان: البشر يختلفون عن الملائكة، فالملائكة لا يعصون، أما البشر فليسوا معصومين؛ إذ من طبيعتهم التقصير والخطأ، وفي الحديث الذي أخرجه الترمذي وابن ماجه: "كلُّ ابنِ آدمَ خطَّاءٌ، وخيرُ الخطًّائينَ التَّوَّابونَ". حسنه الألباني.
ومن نعمة الله أن جعل لنا باب التوبة ومحو الذنوب مفتوحًا، قال -عليه الصلاة والسلام-: "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقومٍ يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم". رواه مسلم. ولا تنس أنه قاله للصحابة الذين كانوا على جانب عظيم من التقوى والاستقامة.
تأمل كيف صوّر ابن مسعود -رضي الله عنه- حال المؤمن مع المعصية قال: "إنَّ المؤمنَ يرى ذنوبَه كأنه قاعدٌ تحت جبلٍ يخاف أن يقعَ عليه، وإن الفاجرَ يرى ذنوبَه كذبابٍ مرّ على أنفه، فقال به هكذا". قال أبو شهابٍ بيده فوقَ أنفِه. أخرجه البخاري.
نعم؛ فاحتقار الذنوب -معاشر الإخوة- والتهاون بها أمر خطير؛ في الحديث: "إياكُم ومحقَّراتِ الذُّنوبِ، فإنَّما مَثلُ محقَّراتِ الذُّنوبِ كمَثلِ قَومٍ نزَلوا بطنَ وادٍ، فجاء ذا بِعودٍ، وجاء ذا بِعودٍ، حتَّى جَمعوا ما أنضَجوا بهِ خبزَهم، وإنَّ محقَّراتِ الذُّنوبِ متَى يُؤخَذْ بِها صاحبُها تُهْلِكْهُ". صححه الألباني.
وروى البخاري عن أنس -رضي الله عنه- قوله زمن التابعين: "إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر إن كنّا لنعدها على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الموبقات". فكيف بصاحب رسول -صلى الله عليه وسلم- لو رأى حالنا في عصورنا هذه؟! (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).
اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا...
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده...
أما بعد:
إخوة الإسلام: فالمعاصي تُحارب وتكافح بالطاعات وتقوية الإيمان ومجاهدة النفس: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)، وعند وقوعنا تُعالج الذنوب باستعظامها والتوبة منها: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ).
عبدَ الله: وصية نبيك: "وأتبع السيئة الحسنة تمحها".
عبدَ الله: لا تستهن بالذنب ولو كثر من يفعله، فالعبرة بأمر الله ورسوله لا أفعال الناس، وهل يصح أن يعتذر العبد بين يدي ربه يوم القيامة بأن الناس كانوا يفعلون ذلك؟!
عبدَ الله: كلما ضعفت وتدنست بالمعصية فتب إلى ربك، انقع نفسك بالندم، واغسلها بالتوبة، وعطرها بالطاعة.
عبدَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)، قال ابن كثير: "أي: من الذنب وإن تكرر غشيانه"، وإياك والإصرار: (فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ).
عبدَ الله: احذر أن تشمت بمذنب أو تعيره بذلك، وكم من معافى ابتُلي بنفس الذنب الذي كان يعيّر غيره به، وذنب يورث ندمًا وانكسارًا خير من عبادة يصاحبها عجب.
عبدَ الله: إن لم تعلنها توبة لله من جميع الذنوب فلا أقلّ من أن تتوب من بعضها، فصاحب الأمراض المتعددة المنتظر منه المبادرة إلى علاج أمراضه كلها، وإن لم فلئن يعالج بعضها خير من أن يتركها كلها تفتك ببدنه.
عبد الله: إن كنت أدمنت المعصية وحاولت تركها فإياك واليأس، انكسر بين يدي ربك وتضرع إليه أن يعينك على التوبة، وأن يخلصك من الذنب، وتبرأ من حولك وقوتك، واعتمد على ربك مع أخذك بالأسباب، وابحث عما يغذي الإيمان في قلبك، فإن سلطان الشيطان على العبد يقلّ كلما ازداد إيمانًا وتفويضًا واعتمادًا على ربك: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ).
وختامًا: نحن في يوم مبارك، فلنغسل دنس ذنوبنا بتوبة نصوح ولنتصدق، قال الحق سبحانه: (أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).
اللهم كما جمّلتني والمذنبين بسترك فجمّلنا وإياهم بعفوك ومغفرتك وهدايتك ورضوانك.
التعليقات