عناصر الخطبة
1/سبب غزوة أحد 2/رؤيا النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل خروجه لأحد وتأويله لها واستشارته للصحابة 3/استعراض النبي –صلى الله عليه وسلم- للجيش ورده لبعض الصحابة 4/تمرد عبد الله بن أُبي وأصحابه 5/بعض توجيهات الرسول -صلى الله عليه وسلم- للجيش قبل أحد 6/شجاعة الصحابة وتضحيتهم يوم أحد 7/مخالفة الرماة لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- 8/إشاعة مقتل النبي -صلى الله عليه وسلم- وبعض مواقف استبسال الصحابة في الدفاع عن النبي -صلى الله عليه وسلم-
اهداف الخطبة

اقتباس

لما تقارب الجمعان، كان أول وقود المعركة حامل لواء المشركين طلحة بن أبي طلحة العبدري، وكان من أشجع فرسان قريش، خرج وهو راكب على جمل، يدعو إلى المبارزة، فأحجم الناس لفرط شجاعته، ولكن تقدم إليه الزبير، ولم يمهله بل وثب إليه وثبة الليث، حتى صار معه على جمله، ثم اقتحم به الأرض، فألقاه عنه وذبحه بسيفه، فـ...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

لم تزل مكة تغلي نار الحقد في أرجائها، ويتعالى لهب العداوة في جنباتها بعد الهزيمة المخزية في بدر.

 

وهي تعالج الهموم والآلام على فقد أشرافها وصناديدها، ومن ذلك الحين وهي تعد العدة لأخذ الثأر، واسترداد الكرامة، والنيل من أعدائهم كما نالوا منهم، حتى إن قريشًا كانوا قد منعوا البكاء على قتلاهم، ومنعوا الاستعجال في فداء الأسرى، حتى لا يتفطن المسلمون إلى مدى مأساتهم وحزنهم، واتفقت قريش على القيام بحرب شاملة ضد المسلمين، وأول ما فعلوه بهذا الصدد أنهم احتجزوا عير أبا سفيان، وقالوا لأربابها: يا معشر قريش، إن محمدًا قد وتركم وقتل خياركم فأعينونا بهذا المال على حربه، لعلنا أن ندرك منه ثأرًا، فأجابوا لذلك فباعوها وكانت ألف بعير، وخمسين ألف دينار: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ)[الأنفال: 36].

 

ولما استدارت السنة كانت مكة قد استكملت عدتها، واجتمع لها ثلاثة آلاف مقاتل من قريش، والحلفاء والأحابيش، وكان في الجيش ثلاثة آلاف بعير، ومائتا فرس، وسبعمائة درع، وقائدهم أبا سفيان، وقائد الفرسان خالد بن الوليد، وعكرمة بن أبي جهل.

 

ولما ترك جيش المشركين بعث العباس -رضي الله عنه- رسالة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضمنها جميع تفاصيل الجيش، ووصل جيش مكة إلى أحد فنزل قريبًا من جبل أحد في مكان يقال له: "عينين" فعسكر هناك يوم الجمعة السادس من شهر شوال سنة ثلاث من الهجرة.

 

واستشار النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه وأخبرهم عن رؤيا رآها، قال: "إني قد رأيت والله خيرًا، رأيت بقرًا تذبح، ورأيت في ذباب سيفي ثلمًا، ورأيت أني أدخلت في درع حصينة".

 

وتأول البقر بنفر من أصحابه يقتلون، وتأول الثلمة في سيفه برجل يصاب من أهل بيته، وتأول الدرع بالمدينة.

 

ورأى صلى الله عليه وسلم ألا يخرجوا من المدينة، بل يتحصنوا بها، فإن أقام المشركون أقاموا بشر مقام وبغير جدوى، وإن دخلوا المدينة قاتلهم المسلمون على أفواه الأزقة، والنساء من فوق البيوت، وكان هذا هو الرأي، وأشار جماعة من الصحابة ممن فاته الخروج يوم بدر بالخروج إليهم، وألحوا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان في مقدمتهم حمزة بن عبد المطلب، فاستقر الرأي على الخروج إليهم، ودخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيته مع صاحبيه أبي بكر وعمر، فألبساه وعمماه، فتدجج بسلاحه وظاهر بين درعين وتقلد السيف، وندم الناس كأنهم استكرهوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-فقالوا: يا رسول الله، ما كان لنا أن نخالفك فاصنع ما شئت، إن أحببت أن تمكث بالمدينة فافعل، فقال عليه الصلاة والسلام: "ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته -أي درعه- أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه" فسار الجيش وكان قوامه ألف مقاتل في مائة درع.

 

واستعرض عليه السلام جيشه ورد من كان صغيرًا منهم؛ كعبد الله بن عمر وأسامة بن زيد وغيرهما، وأجاز رافع بن خديج؛ لأنه كان ماهرًا في رماية النبل وسمرة بن جندب حيث قال: أنا أقوى من رافع، فأمرهما أن يتصارعا أمامه، فصرع سمرة رافعًا، فأجازه أيضًا.

 

وأدركهم المسلمون في مكان يقال له: "الشيخان" فباتوا ليلتهم وقبل طلوع الفجر بقليل، والجيش الإسلامي قد قرب من عدوه، حتى أضحوا يرونه ويراهم، تمرد عبد الله بن أبي المنافق، فانسحب بنحو ثلث العسكر ثلاثمائة مقاتل قائلاً: "ما ندري علام نقتل أنفسنا؟".

 

وكاد أن يحدث الاضطراب في الجيش الإسلامي بعد انسحاب المنافق ومن معه، فليس يسيرًا على النفوس الضعيفة أن يخسر الجيش ثلثه، وهم قاب قوسين أو أدنى من قتال العدو، وتبعهم عبد الله بن حرام والد جابر بن عبد الله، وهو يقول: "تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا"، قالوا: "لو نعلم أنكم تقاتلون لم نرجع" فقال عبد الله: أبعدكم الله، أعداء الله فسيغني الله عنكم نبيه: (وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ)[آل عمران: 167].

 

وسار النبي -صلى الله عليه وسلم- بمن بقي معه من الجيش، حتى نزل الشعب من جبل أحد، فعسكر بجيشه مستقبلاً المدينة وجاعلاً ظهره إلى هضاب جبل أحد.

 

وهناك عبأ جيشه وهيأهم صفوفًا للقتال، واختار فصيلة من الرماة الماهرين قوامهما خمسون مقاتلاً، وجعل قائدهم عبد الله بن جبير بن النعمان، وأمرهم بالتمركز على جبل يقع على الضفة الجنوبية من وادي مناة، وهو ما يعرف اليوم بجبل الرماة.

 

وقال لهم؛ كما روى البخاري: "إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم ووطأناهم، فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم".

 

وحض النبي -صلى الله عليه وسلم- جيشه على القتل، فجرد سيفًا باترًا، ونادى بأصحابه: "من يأخذ هذا السيف بحقه؟" فقام أبو دجانة، فقال: وما حقه يا رسول الله؟ قال: "أن تضرب به وجوه العدو حتى ينحني" قال: أنا آخذه بحقه يا رسول الله، فأعطاه إياه.

 

وكان أبو دجانة رجلاً شجاعًا يعتصب بعصابة حمراء إذا اعتصب بها علم الناس أنه سيقاتل حتى الموت، فلما أخذ السيف عصب رأسه بتلك العصابة، وجعل يتبختر بين الصفين، وحينئذ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن".

 

وقام النسوة من قريش يطفن بصفوف المشركين، ويضربن الدفوف، ويقلن:

 

إن تقبلوا نعانق *** ونفرش النمارق

أو تدبروا نفارق *** فراق غير وافق

 

ولما تقارب الجمعان، كان أول وقود المعركة حامل لواء المشركين طلحة بن أبي طلحة العبدري، وكان من أشجع فرسان قريش، خرج وهو راكب على جمل، يدعو إلى المبارزة، فأحجم الناس لفرط شجاعته، ولكن تقدم إليه الزبير، ولم يمهله بل وثب إليه وثبة الليث، حتى صار معه على جمله، ثم اقتحم به الأرض، فألقاه عنه وذبحه بسيفه، فكبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وكبر المسلمون، وقال: "إن لكل نبي حواريًا، وحواريي الزبير".

 

ثم اندلعت نيران المعركة، واشتد القتال، وتعاقب على حمل لواء المشركين عشرة من بني عبد الدار كلما قُتل أحدهم حمل الراية آخر، إلى أن سقطت الراية على الأرض، لم يبق أحد يحملها، وانطلق المسلمون في كل نقاط المعركة كالأسود، وهم يرددون شعارهم: "أمتي أمتي".

 

وعصب أبو دجانة عصابته الحمراء، وهو يقول:

 

أنا الذي عاهدني خليلي *** ونحن بالسفح لدى النخيل

أن لا أقوم الدهر في الكيول *** أضرب بسيف الله والرسول

 

فجعل لا يلقى أحدًا إلا قتله، وكان في المشركين رجل شديد لا يدع جريحًا للمسلمين إلا قتله، فدنا منه أبو دجانة فاختلفا ضربتين، فضرب المشرك أبا دجانة، فاتقاه بدرقته، فضربه أبو دجانة فقتله، قال وحشي قاتل حمزة، كنت غلامًا لجبير بن مطعم فجعل عتقي في قتلي حمزة بن عبد المطلب، فجعلت أنظر إليه وأتبصره حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأورق، يهد الناس هدًا، فو الله إني لأتهيأ له أريده فأستتر منه بشجرة أو حجر ليدنو مني، حتى إذا دنى، هززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها إليه فوقعت في أحشائه حتى خرجت من بين رجليه.

 

وهكذا دارت رحى الحرب، وظل الجيش الإسلامي مسيطرًا على الموقف كله، وفر معسكر المشركين، قال البراء بن عازب -كما عند البخاري-، فلما لقيناهم هربوا، وتبع المسلمون المشركين، يضعون فيهم السلاح، وينتبهون الغنائم، وبينما كان الحال كذلك، كان الرماة فوق الجبل يرقبون الموقف، ويرون نصر الله يتنزل، غلبت آثاره من حب الدنيا، فقال بعضهم لبعض: "الغنيمة، الغنيمة" ظهر أصحابكم، فما تنتظرون؟ فقال لهم قائدهم عبد الله بن جبير: أنسيتم ما قال لكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقالوا: والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة، فنزل أربعون منهم والتحقوا بسواد الجيش، ولم يبق على جبل الرماة إلا ابن جبير وتسعة معه، عندها انتهز خالد بن الوليد هذه الفرصة، فاستدار بسرعة خاطفة حتى وصل إلى مؤخرة الجيش الإسلامي، فلم يلبث أن أباد عبد الله بن جبير وأصحابه، ثم انقض على المسلمين من خلفهم وصاح فرسانه فعاد المنهزمون من جيش المسلمين ورفعت امرأة يقال لها: "عمرة بنت علقمة الحارثية" لواء المشركين، فالتفوا حوله، وأحيط المسلمون من الأمام والخلف.

 

وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- في تسعة نفر من أصحابه يرقب المسلمين ومطاردتهم المشركين إذ بوغت من الخلف بفرسان خالد بن الوليد، فكان أمامه طريقان إما أن ينجو بنفسه ومن معه بسرعة، وإما أن يخاطر بنفسه فيدعو أصحابه ليجمعهم حوله، فنادى بأعلى صوته: عباد الله، فخلص إليه المشركون قبل أن يصل إليه المسلمون، وتزعزع الناس في معسكر المسلمين، فلاذ بعضهم بالفرار إلى المدينة، وصعد بعضهم جبل أحد، ثم صاح صائح: إن محمدًا قد قتل، فانهارت روح المؤمنين، أو كادت تنهار، فتوقف من توقف عن القتال، وألقى بعضهم السلاح، فمر بهؤلاء أنس بن النضر، فقال: ما تنتظرون؟ فقالوا: قتل رسول الله، قال: ما تصنعون بالحياة بعده، قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله، ثم قال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء، يعني المسلمين، وأبرأ إليك من صنع هؤلاء، يعني المشركين، ثم تقدم فلقيه سعد بن معاذ، فقال: إلى أين يا أبا عمر؟ فقال أنس: واهًا لريح الجنة يا سعد، إني لأجده دون أحد، ثم مضى فقاتل حتى قتل فما عرفه أحدٌ إلا أخته من بنانه، وبه بضع وثمانون ما بين طعنة برمح، وضربة بسيف ورمية بسهم.

 

ومر رجل من المهاجرين برجل من الأنصار وهو يتشحط في دمه، فقال: يا فلان أشعرت أن محمدًا قد قتل، فقال الأنصاري: إن كان محمد قد قتل قد بلغ، فقاتلوا عن دينكم.

 

وبمثل هذه المواقف عادت الروح إلى قلوب المؤمنين، وطوق المشركون رسول الله ومن معه وكانوا تسعة فقتل سبعة منهم بعد قتال عنيف. ولم يبق معه غير سعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبد الله.

 

فطمعوا في القضاء على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رماه عتبة بن أبي وقاص بالحجارة فوقع لشقه، وأصيبت رباعيته اليمنى السفلى، وكلمت شفته السفلى، وتقدم إليه عبد الله الزهري فشجه في جبهته، وجاء عبد الله بن قمنة فضرب على عاتقه بالسيف ضربة عنيفة شكا لأجلها أكثر من شهر، وضربه بأبي هو وأمي ضربة أخرى عنيفة، حتى دخلت حلقتان من حلق المقفر في وجنته، فقال عليه السلام وهو يسلت الدم عن وجهه: "كيف يفلح قوم شجوا وجه نبيهم، وكسروا رباعيته، وهو يدعوهم إلى الله، اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون".

 

واستبسل سعد وطلحة في الدفاع عن رسول الله، فقد نثل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-كنانته لسعد بن أبي وقاص، وقال: ارم فداك أبي وأمي.

 

وأما طلحة فقد قاتل حتى شلت يده، وكان أبو بكر رضي الله عنه إذا ذكر يوم أحد قال: "ذلك اليوم كله لطلحة".

 

وروى الترمذي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال فيه يومئذ: "من ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله".

 

 

الخطبة الثانية:

 

وخلال هذا الموقف العصيب تسارع المسلمون إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأقاموا حوله سياجًا من أجسادهم وسلاحهم، وبالغوا في الدفاع عنه، قام أبو طلحة على رسول الله يسور نفسه بين يدي رسول الله، ويرفع صدره ليقيه عن سهام العدو، وكان راميًا يرمي، فكلما رمى أشرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليرى موضع سهمه، فيقول له أبو طلحة: بأبي أنت وأمي لا تشرف يصبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك.

 

وقام أبو دجانة أمام رسول الله -عليه السلام- فترس عليه ظهره، والنبل يقع عليه، وهو لا يتحرك.

 

وامتص مالك بن سنان الدم عن وجنته صلى الله عليه وسلم وأنقاه، فقال: مجه، فقال: والله لا أمجه أبدًا، ثم أدبر يقاتل، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا" فقتل شهيدًا.

 

وقاتلت أم عمارة حول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فضربها رضي الله عنها ابن قمئه على عاتقها ضربة تركت جرحًا أجوف، وضربته فنجا بدرعه، وبقيت تقاتل حتى أصابها اثنا عشر جرحًا.

 

وقال مصعب بن عمير وكان اللواء بيده فضربوه بيده اليمنى حتى قطعت، فأخذ اللواء بيده اليسرى فقطعت، ثم برك على صدره وعنقه حتى قتل، وقام النبي -صلى الله عليه وسلم-فعرفه كعب بن مالك فنادى بأعلى صوته: يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأشار إليه أن اصمت لئلا يعرف المشركون موضعه، فلاذ إليه المسلمون فأخذ بالانسحاب المنظم إلى شعب الجبل، وأثناء القتال كان النعاس يأخذ المسلمين أمنة من الله، وفي أثناء الانسحاب عرضت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- صخرة من الجبل فنهض إليها ليعلوها فلم يستطع، فجلس تحته طلحة بين عبيد الله فنهض حتى استوى عليها وقال: "أوجب طلحة" أي الجنة.

 

ولما تكامل تهيؤ المشركين للانصراف، أشرف أبو سفيان على الجبل فنادى: أفيكم محمد، فلم يجيبوه؟ فقال: أفيكم ابن أبي قحافة؟ فلم يجيبوه، فقال: أفيكم عمر بن الخطاب؟ فلم يجيبوه. فقال: أما هؤلاء فقد كفيتموهم، فلم يملك عمر نفسه أن قال: يا عدو الله إن الذين ذكرتهم أحياء، وقد أبقى الله ما يسوءك.

 

ثم قال: اعل هبل، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "ألا تجيبوه؟" فقالوا: ما نقول؟ قال: "قولوا: الله أعلى وأجل".

 

ثم قال: لنا العزى ولا عزى لكم، فقال عليه السلام: "ألا تجيبونه" قالوا: ما نقول؟ قال: "قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم"، ثم قال أبو سفيان: أنعمت فِعال يوم بيوم بدر، والحرب سجال، فأجاب عمر وقال: لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار.

 

وأمر عليه السلام أن لا يغسل الشهداء، وأن يدفنوا كما هم بثيابهم بعد نزع الحديد والجلود، وكان يدفن الاثنين والثلاثة في القبر الواحد ويقدم أكثرهم أخذًا للقرآن.

 

وفقدوا نعش حنظلة، فوجدوه في ناحية من الأرض يقطر ماءًا فأخبر الرسول -عليه السلام- أصحابه أن الملائكة تغسله فسألوا امرأته، فأخبرتهم أنه حديث عهد بعرس.

 

ولما رأى ما بحمزة اشتد حزنه، قال ابن مسعود: ما رأينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-باكيًا قط أشد من بكائه على حمزة، وضعه في القبلة، ثم وقف على جنازته وانتحب حتى نشج من البكاء، أي شهق.

 

روى أحمد قال: لما كان يوم أحد وانكفأ المشركون، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "استووا حتى أثني على ربي -عز وجل-" فصاروا خلفه فصفوفًا، فقال: "اللهم لك الحمد كله، اللهم لا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لمن أضللت، ولا مضل لمن هديت ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت، ولا مقرب لما باعدت، ولا مبعد لما قربت: اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك، اللهم إني أسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول، اللهم إني أسألك العون يوم العيلة، والأمن يوم الخوف، اللهم إني عائذ بك من شر ما أعطيتنا وشر ما منعتنا، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، اللهم توفنا مسلمين وأحينا مسلمين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين، اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك ويصدون عن سبيلك، واجعل عليهم رجزك وعذابك، اللهم قاتل الكفرة الذين أوتوا الكتاب إله الحق".

 

 

 

 

المرفقات
غزوة أحد.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life