عناصر الخطبة
1/ الإيمانُ بعمومِ رسالةِ النبيِّ الكريمِ أصلٌ إيماني 2/ الرد على المعتقِدين بعدم عموم رسالته 3/ تصريح القرآن الكريم بعموم رسالته للإنس والجن 4/ سيرة النبي الكريم تبيِّن عموم رسالته 5/ ختم الرسالات وانقطاع الوحي يستوجب دخول الإسلاماهداف الخطبة
اقتباس
وعموم رسالته -صلى الله عليه وسلم- لجميع الإنس والجن في كل زمان ومكان من بعثته إلى يوم القيامة، وكونها خاتمة الرسالات، يقضي ويدلّ دلالة قاطعة على أن النبوة قد انقطعت بانقطاع الوحي بعده، وأنه لا مصدر للتشريع والتعبد إلا كتاب الله -تعالى- وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وهذا يقتضي وجوب الإيمان بعموم رسالته واتباع ما جاء به، فقد...
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله، وأصحابه، وسَلّم تسليماً كثيراً.
أَمّا بعد: عباد الله، اتقوا الله، واعلموا أن أصل الأصول هو تحقيق الإيمان بما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأنه رسول الله إلى جميع الخلق: إنسهم وجنّهم، عربهم وعجمهم، كتابيّهم ومجوسيّهم، رئيسهم ومرؤوسهم.
وأنه لا طريق إلى الله -عز وجل- لأحد من الخلق إلا بمتابعته -صلى الله عليه وسلم- باطناً وظاهراً، حتى لو أدركه موسى وعيسى، وغيرهما من الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام؛ لوجب عليهم اتباعه، كما قال -تعالى-: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [آل عمران:81-82].
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "ما بعث الله نبيّاً إلا أخذ عليه الميثاق: لئن بُعِثَ محمد وهو حيٌّ ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره أن يأخذ على أمته الميثاق: لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به، ولينصرنه".
ولهذا جاء في الحديث: "لو كان موسى حيّاً بين أظهركم ما حلّ له إلا أن يتبعني" رواه أحمد، وله شواهد وطرق كثيرة.
ومن خالف عموم رسالة النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون المخالِفُ مؤمناً بأنه مرسل من عند الله؛ ولكنه يقول: رسالته خاصة بالعرب؛ وإما أن يكون المخالف منكراً للرسالة جملةً وتفصيلاً.
فأما المعترف له بالرسالة ولكنه يجعلها خاصة بالعرب؛ فإنه يلزمه أن يصدقه في كل ما جاء به عن الله -تعالى-، ومن ذلك عموم رسالته، ونسخها للشرائع قبلها، فقد بيّن -صلى الله عليه وسلم- أنه رسول الله إلى الناس أجمعين، وأرسل رسله، وبعث كتبه في أقطار الأرض إلى كسرى، وقيصر، والنجاشي، وسائر ملوك الأرض يدعوهم إلى الإسلام، ثم قاتل من لم يدخل في الإسلام من المشركين، وقاتل أهل الكتاب، وسبى ذراريهم، وضرب الجزية عليهم، وذلك كلّه بعد امتناعهم عن الدخول في الإسلام، أما كونه يؤمن برسول ولا يصدّقه في جميع ما جاء به فهذا تناقض ومكابرة.
وأما المنكر لرسالة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- مطلقاً، فقد قام البرهان القاطع على صدق صاحب الرسالة -صلى الله عليه وسلم-، ولا تزال معجزات القرآن تتحدى الإنس والجنّ، فإما أن يأتي بما يُناقض المعجزة القائمة وإلا لزمه الاعتراف بمدلولها.
فإن اعترف بالرسالة لزمه التصديق بكل ما أخبر به الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وإن ذهب يُكابر ويُعاند ليأتي بقرآن مثل ما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- وقع في العجز وفضح نفسه لا محالة؛ لأن أصحاب الفصاحة والبلاغة قد عجزوا عن ذلك، ولا شكّ أن غيرهم أعجز عن هذا؛ لأن القرآن معجزة قائمة مستمرة خالدة؛ وحينئذ يلزم جميع الخلق العمل بما فيه، والتحاكم إليه.
وقد صرح القرآن الكريم بأن محمداً -صلى الله عليه وسلم- رسول إلى جميع الناس، وخاتم النبيين، قال -تعالى-: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [الأعراف:158].
وقال -تعالى-: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) [الفرقان:1].
وقال -تعالى- يأمر نبيِّه بالإنذار والتبليغ: (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) [الأنعام:19].
وهذا تصريح بعموم رسالته لكل من بلغه القرآن.
وصرح -تعالى- بشمول رسالة النبي -صلى الله عليه وسلم- لأهل الكتاب، فقال: (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) [آل عمران:20].
وقال -تعالى-: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) [الأحزاب:40]، وقال -سبحانه-: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء:107]، وقال -عز وجل-: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [سبأ:28].
وبلَّغَ -صلى الله عليه وسلم- الناس جميعاً أنه خاتم الأنبياء، وأن رسالته عامة، قال -صلى الله عليه وسلم- : "أعطيت خمساً لم يُعْطَهُنَّ أحدٌ من الأنبياء قبلي"، وذكر منها: "وكان النبي يُبعث إلى قومه خاصّة، وبُعثت إلى الناس كافَّةً" متفق عليه.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وجمله، إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له، ويقولون: هلاّ وُضِعت هذه اللبنة؟" قال: "فأنا اللَّبنةُ، وأنا خاتم النبيين" متفق عليه.
وعموم رسالته -صلى الله عليه وسلم- لجميع الإنس والجن في كل زمان ومكان من بعثته إلى يوم القيامة، وكونها خاتمة الرسالات، يقضي ويدلّ دلالة قاطعة على أن النبوة قد انقطعت بانقطاع الوحي بعده، وأنه لا مصدر للتشريع والتعبد إلا كتاب الله -تعالى- وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
وهذا يقتضي وجوب الإيمان بعموم رسالته واتباع ما جاء به، فقد قال -صلى الله عليه وسلم- : "والذي نفس محمد بيده! لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهوديٌّ ولا نصرانيٌّ ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسلت به؛ إلا كان من أصحاب النار" رواه مسلم.
وبعون الله -تعالى- فقد قامت الحجة وثبتت رسالة النبي -صلى الله عليه وسلم- وعمومها وشمولها لجميع الثقلين: الإنس والجن، في كل زمان ومكان إلى قيام الساعة: (قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) [الأنعام:104].
(وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا) [الكهف:29].
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: قال الله -تعالى- للنبي -صلى الله عليه وسلم- : (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: عباد الله، اتقوا الله -تعالى-، واعلموا أن الله -تعالى- أرسل محمداً -صلى الله عليه وسلم- إلى الجن والإنس كافّة، لا نبي بعده إلى قيام الساعة -صلى الله عليه وسلم-، فيجب على الإنس والجن: عربهم وعجمهم، ذكرهم وأنثاهم، اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- ، والاعتقاد الجازم بأنه رسول الله حقاً، لا نبي بعده -صلى الله عليه وسلم-.
هذا وصلوا على خير خلق الله نبينا محمد بن عبد الله كما أمركم الله -تعالى- بذلك فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَن صلّى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً" رواه مسلم.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه، وارضَ اللهم عن أصحابه: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين، وعَنّا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، واحمِ حوزة الدين، اللهم آمِنّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا، وجميع ولاة أمر المسلمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات. اللهم اغفر لأمواتنا وأموات المسلمين، وأعذهم من عذاب القبر وعذاب النار، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم إنا نسألك الهدى والتُّقى، والعفاف والغنى، اللهم اهدنا وسددنا، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة:202].
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90]، فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت:45].
التعليقات