عناصر الخطبة
1/بعض الناس عمره في الطاعة أكثر من سنوات عيشه 2/بعض فضائل المكث في المسجد 3/اغتنام عشر ذي الحجة في الأعمال الصالحاتاقتباس
مِنْ تَوْفِيقِ اللَّهِ -تَعَالَى- لِلْعَبْدِ أَنْ يَسْتَثْمِرَ عُمْرَهُ فِيمَا يَنْفَعُهُ، وَيُنْفِقَ أَوْقَاتَهُ وَأَمْوَالَهُ وَأَعْمَالَهُ فِيمَا يَبْنِي آخِرَتَهُ، فَإِذَا كَانَ يَعْتَنِي بِالْأَزْمِنَةِ الْفَاضِلَةِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهَا ضُوعِفَ لَهُ الْأَجْرُ، وَجَنَى مِنَ الْخَيْرَاتِ وَالْحَسَنَاتِ مَا لَمْ يَجْنِ غَيْرُهُ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ عُمْرُهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ -تَعَالَى- أَكْثَرُ مِنْ سَنَوَاتِ عَيْشِه...
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الرَّبِّ الْكَرِيمِ، الْإِلَهِ الْعَظِيمِ، لَا مَعْبُودَ بِحَقٍّ سِوَاهُ، وَلَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ، مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، نَحْمَدُهُ فَهُوَ أَهْلُ الْحَمْدِ كُلِّهِ، وَلَهُ الْمُلْكُ كُلُّهُ، وَبِيَدِهِ الْخَيْرُ كُلُّهُ، وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ، عَلَانِيَتُهُ وَسِرُّهُ؛ فَأَهْلٌ أَنْ يُحْمَدَ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ أَنَارَ السَّبِيلَ لِلسَّالِكِينَ، وَفَتَحَ أَبْوَابَ الْخَيْرِ لِلْعَامِلِينَ، وَخَصَّ بَعْضَ الْأَزْمِنَةِ بِالتَّفْضِيلِ؛ ثَوَابًا مِنْهُ -سُبْحَانَهُ- لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ إِمَامُ الْمُرْسَلِينَ، وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَسَيِّدُ الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ، وَاعْبُدُوهُ دَهْرَكُمْ، وَأَحْسِنُوا فِي يَوْمِكُمْ، وَاجْعَلُوهُ خَيْرًا مِنْ أَمْسِكُمْ، وَتَفَكَّرُوا فِي غَدِكُمْ؛ فَإِنَّ الْمَوْتَ لَا يَسْتَأْذِنُكُمْ، وَبَعْدَ الْمَوْتِ قَبْرٌ: فَإِمَّا رَوْضَةُ نَعِيمٍ وَإِمَّا حُفْرَةُ جَحِيمٍ. وَبَعْدَ الْقَبْرِ بَعْثٌ وَحِسَابٌ وَجَزَاءٌ: فَإِمَّا سَعَادَةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَإِمَّا شَقَاءٌ سَرْمَدِيٌّ. فَأَعِدُّوا الْعُدَّةَ لِمَا أَمَامَكُمْ، وَلَا تَغْتَرُّوا بِدُنْيَاكُمْ؛ فَكَأَنَّهَا سَاعَةٌ مِنْ نَهَارٍ (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا)[النَّازِعَاتِ: 46].
أَيُّهَا النَّاسُ: مِنْ تَوْفِيقِ اللَّهِ -تَعَالَى- لِلْعَبْدِ أَنْ يَسْتَثْمِرَ عُمْرَهُ فِيمَا يَنْفَعُهُ، وَيُنْفِقَ أَوْقَاتَهُ وَأَمْوَالَهُ وَأَعْمَالَهُ فِيمَا يَبْنِي آخِرَتَهُ، فَإِذَا كَانَ يَعْتَنِي بِالْأَزْمِنَةِ الْفَاضِلَةِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهَا ضُوعِفَ لَهُ الْأَجْرُ، وَجَنَى مِنَ الْخَيْرَاتِ وَالْحَسَنَاتِ مَا لَمْ يَجْنِ غَيْرُهُ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ عُمْرُهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ -تَعَالَى- أَكْثَرُ مِنْ سَنَوَاتِ عَيْشِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ مِنَ الْأَعْمَالِ الْمُضَاعَفَةِ، وَاسْتَثْمَرَ الْأَزْمِنَةَ الْفَاضِلَةَ.
وَالْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ عِبَادَةٌ يَغْفُلُ عَنْهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، وَتَتَأَكَّدُ فِي الْأَزْمِنَةِ الْفَاضِلَةِ؛ لِأَنَّهَا طَاعَةٌ تَقُودُ إِلَى طَاعَاتٍ، وَيَحْصُلُ بِهَا كَثِيرٌ مِنَ الْأُجُورِ وَالْحَسَنَاتِ.
وَمِنْ فَضَائِلِ الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ: أَنَّهُ سَبَبٌ لِلِاسْتِظْلَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ فَمِنَ السَّبْعَةِ الَّذِينَ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ -تَعَالَى- يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالْمَسَاجِدِ، وَهُوَ (حَدِيثٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ). وَفِي (رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ): "وَرَجُلٌ مُعَلَّقٌ بِالْمَسْجِدِ، إِذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى يَعُودَ إِلَيْهِ". وَمَا تَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِالْمَسْجِدِ إِلَّا لِحُبِّهِ إِيَّاهُ، وَحُبِّهِ الْمُكْثَ فِيهِ، وَمَنْ أَحَبَّ الْمَسْجِدَ فَقَدْ أَحَبَّ مَا يُحِبُّ اللَّهُ -تَعَالَى-؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وَمِنْ فَضَائِلِ الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ: أَنَّهُ صَلَاةٌ مَا دَامَ صَاحِبُهُ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ، وَالْمَلَائِكَةُ تَدْعُو لَهُ، وَدُعَاءُ الْمَلَائِكَةِ مُسْتَجَابٌ؛ فَإِنَّهُمْ (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التَّحْرِيمِ: 6]. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ، مَا لَمْ يُحْدِثْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَتِ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ، لَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا الصَّلَاةُ" (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَمِنْ فَضَائِلِ الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ: أَنَّهُ مُكَفِّرٌ لِلْخَطَايَا؛ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ فِي اخْتِصَامِ الْمَلَأِ، وَفِيهِ: فَقَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: "يَا مُحَمَّدُ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَبِّ، قَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى؟ قُلْتُ: فِي الْكَفَّارَاتِ، قَالَ: مَا هُنَّ؟ قُلْتُ: مَشْيُ الْأَقْدَامِ إِلَى الْجَمَاعَاتِ، وَالْجُلُوسُ فِي الْمَسَاجِدِ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ" (رَوَاهُ التَّرْمِذِيُ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ).
وَمِنْ فَضَائِلِ الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ: أَنَّهُ مَعْدُودٌ فِي الرِّبَاطِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِ اللَّهِ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 200]، وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وَقَدِ اسْتَنْبَطَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُ: أَنَّ الْمُكْثَ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ مِنَ الْمُكْثِ قَبْلَهَا. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: "وَهَذَا أَفْضَلُ مِنَ الْجُلُوسِ قَبْلَ الصَّلَاةِ لِانْتِظَارِهَا، فَإِنَّ الْجَالِسَ لِانْتِظَارِ الصَّلَاةِ لِيُؤَدِّيَهَا ثُمَّ يَذْهَبُ تَقْصُرُ مُدَّةُ انْتِظَارِهِ، بِخِلَافِ مَنْ صَلَّى صَلَاةً ثُمَّ جَلَسَ يَنْتَظِرُ أُخْرَى؛ فَإِنَّ مُدَّتَهُ تَطُولُ، فَإِنْ كَانَ كُلَّمَا صَلَّى صَلَاةً جَلَسَ يَنْتَظِرُ مَا بَعْدَهَا اسْتَغْرَقَ عُمْرَهُ بِالطَّاعَةِ، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الرِّبَاطِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-".
وَمِنْ فَضَائِلِ الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ: أَنَّ فِيهِ تَأَسِّيًا بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَكَانَ يَمْكُثُ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْفَجْرِ كَمَا فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ جَلَسَ فِي مُصَلَّاهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسَنًا" وَفِي رِوَايَةٍ: "كَانَ لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ أَوِ الْغَدَاةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَامَ..." (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
فَالْجُلُوسُ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَارْتِفَاعِهَا مِنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَمِنَ الْأَوْقَاتِ الْفَاضِلَةِ لِلْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ: سَاعَةُ الْجُمْعَةِ الَّتِي يُسْتَجَابُ الدُّعَاءُ فِيهَا، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهَا آخِرُ سَاعَةٍ مِنَ الْعَصْرِ، وَكَانَ جَمْعٌ مِنَ السَّلَفِ يَنْقَطِعُونَ عَصْرَ الْجُمْعَةِ لِلذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ "وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- إِذَا صَلَّى الْعَصْرَ لَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ"، وَعَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ قَالَ: "كَانَ طَاوُوسٌ إِذَا صَلَّى الْعَصْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ". وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ: "رَأَيْتُ الْمُفَضَّلَ بْنَ فَضَالَةَ إِذَا صَلَّى الْجُمْعَةَ جَلَسَ إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ فِي الْمَسْجِدِ، فَإِذَا صَلَّى الْعَصْرَ خَلَا فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ وَحْدَهُ فَلَا يَزَالُ يَدْعُو حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ".
وَمِنْ فَضَائِلِ الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ: أَنَّهُ طَارِدٌ لِلْهُمُومِ وَالْغُمُومِ وَالْوَسَاوِسِ؛ فَإِنَّ أَكْثَرَ مَا يُصِيبُ الْعَبْدَ مِنْهَا مِنْ تَسَلُّطِ الشَّيْطَانِ عَلَيْهِ، فَإِذَا جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ وَجَدَ فِيهِ رَاحَةً لَا يَجِدُهَا فِي غَيْرِهِ؛ إِذْ يَكُونُ مُتَهَيِّئًا لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَلِصَلَاةِ النَّافِلَةِ، وَلِلتَّطَوُّعِ بِأَنْوَاعِ الذِّكْرِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِمَّا يُرِيحُ الْقَلْبَ، وَيَجْلِبُ الطُّمَأْنِينَةَ وَالسَّكِينَةَ؛ فَإِنَّ الصَّلَاةَ رَاحَةُ الْمُؤْمِنِ، وَبِالذِّكْرِ يَطْمَئِنُّ الْقَلْبُ (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[الرَّعْدِ: 28].
نَسْأَلُ اللَّهَ -تَعَالَى- أَنْ يُعِينَنَا عَلَى مَا يُرْضِيهِ، وَأَنْ يُجَنِّبَنَا مَا يُسْخِطُهُ، وَأَنْ يَسْتَعْمِلَنَا فِي طَاعَتِهِ، اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ.
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ، وَاعْمُرُوا أَوْقَاتَكُمْ بِطَاعَةِ اللَّهِ -تَعَالَى- (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ)[التَّوْبَةِ: 18]. وَمِنْ عِمَارَتِهَا الْمُكْثُ فِيها لِطَاعَةِ اللَّهِ -تَعَالَى-، بَلْ هُوَ أَفْضَلُ أَنْوَاعِ عِمَارَتِهَا؛ فَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "... وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ..." (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وَاللَّهُ -تَعَالَى- يُبَاهِي بِالْجَالِسِينَ فِي الْمَسْجِدِ لِتَدَارُسِ الْعِلْمِ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: "مَا أَجْلَسَكُمْ؟ قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ، وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا، قَالَ: آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ؟ قَالُوا: وَاللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ، قَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلَائِكَةَ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وَكَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ يُكْثِرُونَ الْمُكْثَ فِي الْمَسْجِدِ لِتَحْصِيلِ هَذِهِ الْأُجُورِ، قَالَ الشَّعْبِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: "كَانُوا إِذَا فَرَغُوا مِنْ شَيْءٍ أَتَوُا الْمَسَاجِدَ"، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: "إِنَّ لِلْمَسَاجِدِ أَوْتَادًا مِنَ النَّاسِ، وَإِنَّ لَهُمْ جُلَسَاءَ مِنَ الْمَلَائِكَةَ، فَإِذَا فَقَدُوهُمْ سَأَلُوا عَنْهُمْ، فَإِنْ كَانُوا مَرْضَى عَادُوهُمْ، وَإِنْ كَانُوا فِي حَاجَةٍ أَعَانُوهُمْ".
وَنَحْنُ -عِبَادَ اللَّهِ- نَسْتَقْبِلُ عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ، وَهِيَ أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى- مِنْهُ فِي غَيْرِهَا، كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ؟ قَالُوا: وَلَا الْجِهَادُ؟ قَالَ: وَلَا الْجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ" (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
فَحَرِيٌّ بِالْمُؤْمِنِ أَنْ يُطِيلَ فِيهَا الْمُكْثَ فِي الْمَسْجِدِ، وَيُكْثِرَ فِيهَا مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مِنْ ذِكْرٍ وَقُرْآنٍ وَصَلَاةٍ وَإِحْسَانٍ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ" (رَوَاهُ أَحْمَدُ).
وَمَنْ أَطَالَ الْمُكْثَ فِي الْمَسْجِدِ تَأَتَّى لَهُ الْإِتْيَانُ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الذِّكْرِ مَعَ مَا يُحَصِّلُهُ مِنْ أَجْرِ الْمُرَابَطَةِ، وَانْصِرَافِهِ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ اللَّغْوِ وَالْفُضُولِ وَمَا لَا يَنْفَعُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الْفَاضِلَةِ، وَكُلُّهَا أَيَّامٌ مَعْدُودَةٌ، فَلَا تَحْرِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ. و"إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ" كَمَا جَاءَ فِي (الحَدِيثِ الصَّحِيحِ).
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...
التعليقات
احمد صالح
10-08-2018شكرالله لكم جهودكم ونفع بكم الإسلام والمسلمين