عناصر الخطبة
1/ الإيمان بالرسل أحد أركان الإيمان ومبانيه العظام 2/ عقيدة المسلم في عيسى ابن مريم 3/ من أجمع الأحاديث المشتملة على العقائد 4/ نبذة عن حياة عيسى ابن مريم ورفعه ونزوله 5/ تساهل في التهنئة بعيد النصارى الكريسمس.اهداف الخطبة
اقتباس
ذكر الله -تعالى- المسيح عيسى ابنَ مريم -عليه السلام- في كتابه العزيز كثيراً، وبيّن موقف اليهود الجافي منه وموقف المسلمين وما يجب على المسلم بالنسبة له خصوصاً بالتفصيل الذي لا يصيب المسلم فيه لبس، وشنّع عليهم معتقداتهم الباطلة.. واعتنى الإسلام عناية كبيرة في بيان ما يجب على المسلم اعتقاده بعيسى -عليه السلام- بياناً شافياً بل قرن الإيمان به بالإيمان بمحمد -صلى الله عليه وسلم- وجعل الإيمان به سبباً لدخول الجنة، فعن...
الخطبة الأولى:
أيها الإخوة: الإيمان بالرسل أحد أركان الإيمان ومبانيه العظام قال الله -تعالى- آمراً بالإيمان بهم: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [آل عمران:179]، وأثنى الله على المؤمنين برسله لاقتِدائِهم برسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- وملائكته الكرام والمؤمنين من بعدهم فقال: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ..) [البقرة:285].
بل وصف الله -تعالى- الإيمان بالرسل كلهم، بأنه هو الإيمان الحقيقي، واليقين المبني على البرهان فقال: (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) [النساء:152].
ووعد –سبحانه- المؤمنين به ورسلِه الفردوس الأعلى من الجنة فقال: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الحديد:21]، وروى البخاري ومسلم حديثَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حينما أَتَى جِبْرِيلُ عَلَيه السَلاَم إِلَى الرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَسْأَلُهُ، فَقَالَ: "أَخْبِرْنِي عَنْ الْإِسْلَامِ. فأَخْبَرَه، ثم قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِيمَانِ أي أركانه فَقَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ قَالَ: صَدَقْتَ.."، الحديث.
أيها الإخوة: ولقد ذكر الله -تعالى- المسيح عيسى ابنَ مريم -عليه السلام- في كتابه العزيز كثيراً، وبيّن موقف اليهود الجافي منه وموقف المسلمين وما يجب على المسلم بالنسبة له خصوصاً بالتفصيل الذي لا يصيب المسلم فيه لبس، وشنّع عليهم معتقداتهم الباطلة..
واعتنى الإسلام عناية كبيرة في بيان ما يجب على المسلم اعتقاده بعيسى -عليه السلام- بياناً شافياً بل قرن الإيمان به بالإيمان بمحمد -صلى الله عليه وسلم- وجعل الإيمان به سبباً لدخول الجنة، فعن عُبَادَة بْن الصَّامِتِ -رَضيَ الله عنه- قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَابْنُ أَمَتِهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ شَاءَ". (رواه مسلم).
قال النووي -رحمه الله تعالى-: "هذا حديث عظيم جليل الموقع، وهو أجمع أو من أجمع الأحاديث المشتملة على العقائد، فإنه -صلى الله عليه وسلم- جمع فيه ما يُخرج عن ملل الكفر على اختلاف عقائدهم وتباعدها، فاقتصر -صلى الله عليه وسلم- في هذه الأحرف على ما يباينُ به جميعَهم".
فنحن نقول ونعتقد ما قاله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأن عيسى عبدُ الله وليس شريكاً مع الله خلافاً للنصارى.. ورسوله مبعوث بما أوحاه إليه ربه فليس كاذباً على الله خلافاً لليهود.. وكلمته ألقاها إلى مريم أي: خلقه الله بكلمة وجهها إلى مريم وهو قوله: كن فيكون قال الله -تعالى-: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [آل عمران:59].
وقوله (وروح منه) أي: صار -عليه السلام- جسداً بالكلمة فنُفخت فيه هذه الروح التي من الله، وقوله: (منه) أي: من للابتداء وليست للتبعيض: أي: روح صادرة من الله -عز وجل- وليست جزءًا من الله -جل جلاله- كما تزعم النصارى..
أيها الإخوة: عيسى ابنُ مريم هو خاتم رسل بني إسرائيل، أرسله الله إليهم مصدقاً لرسالة موسى -عليهما الصلاة والسلام-، ومبشراً برسالة محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- قال الله -تعالى-: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) [الصف:6].
ولقد كان المجتمع الذي أرسل فيه مجتمعاً يهودياً دخلته الضلالات والانحرافات وقد تلاعبوا في كتاب الله المقدس وحرفوه فدعاهم إلى دين الله -تعالى- الحق وأعطاه الله من الآيات الباهرة ما يؤمن على مثلها البشر، ومع ذلك لم يؤمنوا جميعاً برسالته وكذّب بها المجرمون وآذوه عليه الصلاة والسلام وما زال يناظرهم ويجادلهم حتى ألزمهم الحجة فضاقوا به وبدعوته ذرعاً، وفكروا بالخلاص منه وإنهاء دعوته..
وانتهى بهم التفكير المنحرف إلى قتل عيسى -عليه الصلاة والسلام- ووشوا به عند ملكهم الكافر، فأمر بالقبض عليه وأن يقتل ويمثل به أمام الناس وأحاط الآثمون بمنزل عيسى -عليه الصلاة والسلام-، وما كان يملك جنداً لمقاتلتهم فأسلم أمره إلى الله وهو واثق بنصره سبحانه، وما زال يستنصر ربه؛ حتى فتح الله له باباً من السماء وانفتحت له فرجة في سقف البيت فخرج منها فرفعه الله إلى السماء وأهل البيت ينظرون..
أما اليهود فقد اقتحموا المنزل بعد رفعه -عليه الصلاة والسلام-، وألقى الله شَبَه عيسى على رجل آخر كان داخل البيت فظنوه عيسى فأخذوه وقتلوه ثم صلبوه، وهم لا يشكون أنه عيسى.. وعلم الآثمون أن الله حفظ نبيه من أن تمسّه أيدي الكافرين، وأبطل الله كيد الكائدين ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، وكذلك ينجّي الله المسلمين كما ذكر هذا ابن كثير -رحمه الله-.
وقد يقول قائل" ما ذنب من ألقى اللهُ عليه شبه عيسى وقتل مكانه؟
أجاب ابن كثير فقال -رحمه الله-: "عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن المسيح -عليه السلام- قال لمن كان معه من أصحابه في البيت: "أيكم يُلقى عليه شبهي فيقتل مكاني ويكون معي في درجتي؟ فقام شاب من أحدثهم سنًّا، فقال له: اجلس. ثم أعاد عليهم فقام ذلك الشاب، فقال: اجلس. ثم أعاد عليهم، فقام ذلك الشاب فقال: أنا, فقال: أنت هو ذاك فألُقي عليه شبه عيسى ورفع عيسى من روزنة في البيت إلى السماء".
قال ابن كثير -رحمه الله-: "وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس، وذكر غير واحد من السلف أنه قال لهم: أيكم يلقى إليه شبهي فيقتل مكاني وهو رفيقي في الجنة".
وقال أيضا -رحمه الله-: "وبعض النصارى يزعم أن الذي دلَّ اليهود على عيسى هو الذي شُبِّه لهم فصلبوه، وهو يقول: إني لست بصاحبكم أنا الذي دللتكم عليه.. فالله أعلم أي ذلك كان؟" انتهى كلام ابن كثير..
قال الله -تعالى-: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) [آل عمران: 55].
وقال سبحانه في معرض بيانه لكفر اليهود: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا، بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) [النساء: 157، 158]، فأخبر -تعالى- أنه رفعه إلى السماء بعد ما توفاه بالنوم على الصحيح المقطوع به وخلصه ممن أراد أذيته من اليهود الذين وشوا به إلى بعض الملوك الكفرة في ذلك الزمان. انتهى.
الخطبة الثانية:
أيها الإخوة: ومما يجب أن نعتقده أن عيسى بنَ مريم -عليه الصلاة والسلام- موجودٌ وحي في السماء وسينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة ليكذّب اليهود الذين قالوا قتلناه والنصارى الذين أطروه وادعوا فيه ما ليس فيه..
وسينزل عيسى في آخر الزمان كما أخبر في ذلك الصادق المصدوق فيما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هُرَيْرَةَ -رَضيَ الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا؛ فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا".
ومما صح في نزوله -عليه السلام-: "فبينما إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح إذ نزل عليهم من السماء عيسى ابنُ مريم الصبح عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ [لابساً مهرودتين أي ثوبين مصبوغين بورس ثم بزعفران] وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ..".
وليس بين عيسى ومحمد -عليهما الصلاة والسلام- نبي، ووصفه النبي -صلى الله عليه وسلم- ليعرف فقال: "وَإِنَّهُ نَازِلٌ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ رَجُلٌ مَرْبُوعٌ إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ بَيْنَ مُمَصَّرَتَيْنِ (ثياباً صُفراً ليست صفرتها شديدة) كَأَنَّ رَأْسَهُ يَقْطُرُ وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ.."، فيقاتل الناس على الإسلام فيدق الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية، ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام..
وينزل عيسى -عليه السلام- وإمام المسلمين منهم فيرجع ذلك الإمام ينكص -يمشي القهقرى- ليتقدم عيسى فيقول: تعال صلّ لنا. فيضع عيسى يده بين كتفيه ثم يقول له: لا إن بعضكم على بعض أمراء؛ تكرمةَ الله هذه الأمة تقدم فصلِّ. فيصلي بهم إمامهم.. ويمكث -عليه السلام- في الأرض بعد نزوله أربعين عاماً ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون..
أيها الإخوة: العجيب أن بعض الناس تساهل في التهنئة بعيد النصارى الكريسمس أو غيره من أعيادهم الدينية وهو حرام بالاتفاق. كما نقل ذلك ابن القيم -رحمه الله- في كتابه أحكام أهل الذمة.
حيث قال: "وأما التهنئةُ بشعائر الكفر المختصة به فحرامٌ بالاتفاقِ، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيدٌ مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائلُه من الكفر فهو من المحرمات.
وهو بمنـزلة أن يُهنئته بسجوده للصليب، بل ذلك أعظمُ إثماً عند الله، وأشدُ مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه. وكثيرٌ ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبحَ ما فعل، فمن هنأ عبداً بمعصية، أو بدعة، أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه" انتهى كلامه -رحمه الله-.
وأرشد شيخنا -رحمه الله- من بُدِئَ بالتهنئة ألا يجيب؛ لأنها ليست أعيادًا لنا، بل هي أعيادٌ لا يرضاها الله -عز وجل- وقال: "حتى لو كتبها لك فلا تجبه".. وقال: "لا يجوز التشبه بهم بإقامة الحفلات أو أي مظهر من مظاهر الفرح كتوزيع الهدايا أو الحلوى أو تعطيل الأعمال أو تنزيل الأسعار"..
التعليقات