عناصر الخطبة
1/افتتان كثير من الناس بتعليق التمائم 2/خطر التمائم على توحيد المسلم وعقيدته 3/حكم التمائم من القرآناقتباس
كيفَ يحتاجُ العبدُ تميمةً في جلبِ النَّفعِ، إذا خرجَ من بيتِه فقالَ: "بِسْمِ اللَّهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، ولاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ"؛ وقد قالَ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "يُقَالُ حِينَئِذٍ: هُدِيتَ، وَكُفِيتَ، وَوُقِيتَ؛ فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ، فَيَقُولُ لَهُ شَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إِنَّ الْحَمْد للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمْنْ يَضْلُلُ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدُهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70، 71].
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللهُ -تَعَالَى-، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَة،ٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
شيءٌ يُعلَّقُ على الطَّفلِ الصَّغيرِ؛ حتى لا تُصيبُه العيونَ، وشيءٌ يوضعُ على السَّيارةِ؛ حتى لا يحسدَها الحاسدونَ، وشيءٌ يُعلَّقُ على أبوابِ البيوتِ؛ حتى لا يَدخلَها شيطانٌ، وشيءٌ يُعلَّقُ على المسافرِ؛ ليعودَ سالماً إلى الأوطانِ، وشيءٌ يُعلَّقُ على المريضِ؛ حتى يُصبحَ صَحيحاً سَليماً، وشيءٌ يُعلَّقُ على الصَّحيحِ؛ حتى لا يُصبحَ مَريضاً سَقيماً، وشيءٌ يُعلَّقُ في الدَّكاكينِ حتى تُفتحَ لها أبوابُ الأرزاقِ، وشيءٌ يُعلَّقُ على الدَّوابِ في الآذانِ والأعناقِ؛ خَرزاتٌ، قِلاداتٌ، عيونٌ، كُفوفٌ، خيوطٌ، عِظامٌ، نِعالٌ، جلودٌ، خواتمُ، أساورُ، كتاباتٌ، طلاسمُ، كلُّ ذلكَ لأجلِ أن تجلبَ نَفعاً، أو تدفعَ ضَرَّاً، فأينَ اللهُ؟!.
أينَ اللهُ؟؛ (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ * رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)[الشعراء: 78 - 83]، فهل رأيتُم الفرقَ بينَ عقيدةِ الخليلِ -عليهِ السَّلامُ- الذي حاربَ الشِّركَ بجميعِ أشكالِه، حتى أصبحَ قلبُه لا يتعلَّقُ إلا بربِّه -تعالى-، وبينَ عقيدةِ من تعلَّقَ قلبُه بتميمةٍ لا تنفعُ بل تضرُّ؟.
وَإِذَا الْمَنِيَّةُ أَنْشَبَتْ أَظْفَارَهَا *** أَلْفَيْتَ كُلَّ تَمِيمَةٍ لَا تَنْفَعُ
أيَّها الأحبَّةُ: إنَّ الأمرَ شديدٌ إذا كانَ الحديثُ عن الشَّركِ والتَّوحيدِ، فَعنْ عُقبةَ بنِ عَامرٍ -رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُ-: "أنَّ رسُولَ اللَّـهِ -صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أقبل إليهِ رَهطٌ، فبايعَ تسعةً وأَمسكَ عَنْ واحدٍ، فقالوا: يا رسُولَ اللَّـهِ! بَايعتَ تسعةً وتَركتَ هذا؟، قالَ: "إنَّ عَلَيْهِ تَمِيمَةً"، فَأدخلَ يَدَه فقَطعَها فبَايعَه، وَقَالَ -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ"، لا إلهَ إلا اللهُ! كيفَ يرضى مسلمٌ عَاقلٌ أن يجعلَ هذه التَّميمةَ، تُفسدَ عليهِ ما كانَ من أعمالٍ عظيمةٍ؛ (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الزمر: 65]، فهذه المصيبةُ في الدِّينِ والآخرةِ، إذا اكتشفَ أن عباداتِه كُلَّها خاسرةٌ.
وأما مصيبةُ الدُّنيا، فهي أن صاحبَ التَّميمةِ في نقصٍ وخِزيٍّ وعارٍ؛ فقد دعا عليهِ الحبيبُ المُصطفى المُختارُ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- عددَ الليلِ والنَّهارِ، حينَ قالَ: "من تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فلا أَتَمَّ اللهُ له، ومن تَعَلَّقَ وَدَعَةً فلا وَدَعَ اللهُ له"، فلا تمامَ لصاحبِ التَّميمةِ، ولا دَعَةَ لصاحبِ الوَدَعةِ.
ما هو شُعورُكَ وأنتَ تقرأُ قولَه -تعالى-: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[يونس: 107]؟، فما هي المعاني التي تتبادرُ إلى ذِهنِكَ؟، وما هو الاعتقادُ الذي يرسخُ في قلبِكَ؟، حِينَها ستعلمُ الفرقَ بينَ من يعتمدُ على جمادٍ فيُوكلُ إليهِ، كما جاءَ في الحديثِ: "من تعلَّق شيئًا وُكِلَ إليه"، ومن يعتمدُ على الذي كلُّ شيءٍ بينَ يديهِ؟؛ (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)[الأنعام: 102].
تَوَكَّلْ عَلَى مَوْلاكَ وَارْضَ بِحُكْمِهِ *** وَكُنْ مُخْلِصاً للهِ فِي السِّرِّ وَالْجَهْرِ
قَنُوْعاً بِمَا أعْطَاكَ، مُسْتَغْنِياً بِهِ *** لَهُ حَامِداً فِيْ حَالَيِ اليُسْرِ وَالعُسْرِ
أقولُ ما تَسمعونَ وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وعَدَ عبادَه المتوكلين بالكفايةِ والنَّصرِ والتمكينِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له الملكُ الحقُّ المبينُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه إمامُ المتقين, وسيدُ المتوكلين، صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليه, وعلى آلِه وأصحابِه الغرِّ الميامين، وعلى التابعين ومَن تبعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين، أما بعد:
أيُّها الأحبَّةُ: قد يسألُ سائلٌ عن التمائمِ من القرآنِ؛ تُعلَّقُ للحفظِ من العينِ والجآنِ؟، وهذه المسألةُ وإن كانَ فيها خِلافٌ قديمٌ، ولكنَّ الحقَّ أنَّها ممنوعةٌ؛ لأنَّ القرآنَ لم يُنزَلْ لأجلِ تعليقِهِ في صدرِ طِفلٍ أو مرآةِ سيارةٍ, أو وضعِه في دُرجِ مَكتبٍ أو تحتَ وِسادةٍ، وإنما أُنزلَ القرآنُ للتَّلاوةِ والتَّدبرِ والاستماعِ، والهدايةِ والعملِ والاتِّباعِ، وأما وضعُه في الرِّقابِ وعلى الرُّفوفِ، فماذا قد يستفيدُ منه الملهوفُ؟!.
كيفَ يحتاجُ العبدُ تميمةً في جلبِ النَّفعِ، إذا خرجَ من بيتِه فقالَ: "بِسْمِ اللَّهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، ولاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ"؛ وقد قالَ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "يُقَالُ حِينَئِذٍ: هُدِيتَ، وَكُفِيتَ، وَوُقِيتَ؛ فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ، فَيَقُولُ لَهُ شَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ؟".
وكيفَ يحتاجُ العبدُ تميمةً في دَفعِ الضُّرِّ، إذا قال في صباحِه ومسائه: "بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ"؟؛ وقد جاءَ في الحديثِ أنَّ من قالَها: "لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ"، فهل يُعقلُ أن يَستبدلَ الإنسانُ حِفظَ ذي الملكوتِ والجَبروتِ، بما هو أوهنُ من بيتِ العنكبوتِ؟!.
اللهمَّ يا مقلبَّ القلوبِ ثبِّتْ قلوبَنا على دينِكَ، اللهمَّ يا مُصرفَ القلوبِ صرِّفْ قلوبَنا على طاعتِكَ، نعوذُ بكَ من الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطنَ، ربَّنا لا تُزغْ قلوبَنا بعد إذ هديتَنا وهبْ لنا من لدنك رحمةً إنَّك أنتَ الوهابُ، اللهمَّ احفظنا من الشِّركِ وآثارِه، وما يُقربُ إليه من قَولٍ أو عَملٍ، وحببْ إلينا الإيمانَ وزينْهُ في قلوبِنا وكَرِّه إلينا الكفرَ والفسوقَ والعصيانَ، واجعلنا من الراشدينَ، اللهمَّ اجعلنا نخشاكَ حتى كأنَّا نَراكَ، وأَسعدنا بتقواك، اللهمَّ اغفر لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا وثبت أَقدامَنا وانصرنا على القومِ الكَافرينَ، ربَّنا آتنا في الدنيا حَسنةً وفي الآخرةِ حَسنةً وقنا عَذابَ النارِ.
التعليقات