عناصر الخطبة
1/ استهزاء الغرب بالإسلام ونبي الإسلام 2/ من هو الإرهابي 3/ محمد في نظر المنصفين 4/ قصص لانتقام الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم- في حياته وبعد مماته 5/ بشائر من رحم المأساة.اهداف الخطبة
اقتباس
كيف يُتَّهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالإرهاب، ولم يقتل في حياته كلها سوى رجل واحد أراد هو قتله، كيف يُصوَّر على أنه سفّاك للدماء ومجموع ما قتل من المشركين في غزواته كلها قرابة الألف فقط، بل كان يوصي قواده ألا يقتلوا شيخًا ولا امرأة ولا وليدًا ولا متعبدًا في صومعته... حتى جرح المشاعر ليس في قاموس محمد -صلى الله عليه وسلم- فكيف يُتَّهَم بالإرهاب؟! أين من وصفوا أنفسهم بأنهم رعاة للسلام وما هو تاريخهم؟! وكم قتل على أيديهم؟! آلاف بل مئات الآلاف بل ملايين البشر ولم نجد من يتهمهم بالإرهاب، بل هم في نظر الغرب من يسعى لمحاربة الإرهاب...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: رجل ظاهر الوضاءة أبلج الوجه إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم علاه البهاء، أجمل الناس وأبهاه من بعيد، وأحسنه وأحلاه من قريب، حلو المنطق، له رفقاء يحفون به، إن قال أنصتوا لقوله، وإن أمر تبادروا لأمره، ذلكم هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-ذلكم هو محمد كما تصفه أم معبد.
اللهم عليك بمن آذاه وسخر واستهزأ به، اللهم أرنا فيه ما يشفي صدرونا.
إن نفسًا فعلت ذلك حقها الإزهاق، وإن دمًا نجسًا يجري في عروقها حقه الإهراق، كيف لا وقد سخرت بسيد ولد آدم على الإطلاق -صلى الله عليه وسلم-؟!
يا من سخرتم ذاك خير العالمين *** ذاك الذي فلق الإله له القمر
روحي فداك يا إمام المتقين *** بأبي وأمي بل بكل بني البشر
إنه تحدّ ظاهر لأمة المليار، وتجرأ سافر على النبي المختار -صلى الله وسلم عليه- ما تعاقب الليل والنهار.
أمة يستهزئ بنبيها ماذا بقي لها؟! أمة يتجرأ الأعداء على حبيبها كيف تلقى ربها؟!
إنها -والله الذي لا إله غيره- مصيبة نزلت بنا، وكارثة حلت بساحنا، فماذا عساي أن أقول وقد استُهزِئ بالرسول، لقد عجز والله البيان وحار الجنان وانعقد اللسان كيف أصور المأساة؟!
إن الحديث لن يفي بالحدث، والكلام لن يخفف الآلام، ولكن حسبنا أن ذلك لن يضير حبيبنا -صلى الله عليه وسلم- فقد قال ربنا: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) [الحجر:95].
إني أقول وللدموع حكايةٌ *** عن مثلها تتحدَّث الأمطار
إنَّا لنعلم أنَّ قَدْرَ نبيِّنا *** أسمى، وأنَّ الشانئينَ صِغَارُ
لكنه ألم المحب يزيده *** شرفاً، وفيه لمن يُحب فخار
لقد أخرج الأمريكان فيلمًا يسخرون فيه بنبينا -صلى الله عليه وسلم-، ولا نعيد تفاصيل المأساة وفصولها؛ فهي حديث الساعة، ولا نمل أسماعكم بما مثلوا وصوروا وأخرجوا، ولكن لي مع هذا الحدث وقفات عدة دفاعًا عن نبي الأمة، أسأل الله أن يبرأ بها الذمة، وأن يكشف عن المسلمين الغمة.
أولى هذه الوقفات مع عنوان: مع محمد:
ماذا أقول عن محمد؟!
إن كلماتي تتضاءل ما ذلكم العظيم؟ وإن عباراتي لتتصاغر عند شخصه الكريم، لقد ملك ذلكم اليتيم القلوب وسار بها إلى علام الغيوب إنه الرحمة في أسمى معانيها، وأبهى حللها (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)[الأنبياء: 107] ليس لأحد دون أحد (لِّلْعَالَمِينَ) كان -بأبي هو وأمي- برًّا رحيمًا كريمًا حليمًا، رحم الإنسان وتعدت رحمته إلى الجماد والحيوان، فشكا له البعير، وحنَّ له الجزع، ما انتقم لنفسه قط، إلا أن تُنتهك محارم الله، فيغضب لله، مع أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يكن ضعيفًا، بل كان قويًّا شجاعًا أُوتي قوة مائة رجل.
وإني لأعجب، والكون معي يعجب، كيف يُتَّهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالإرهاب، ولم يقتل في حياته كلها سوى رجل واحد أراد هو قتله، كيف يُصور على أنه سفّاك للدماء ومجموع ما قتل من المشركين في غزواته كلها قرابة الألف فقط، بل كان يوصي قواده ألا يقتلوا شيخًا ولا امرأة ولا وليدًا ولا متعبدًا في صومعته.
كيف يُرمَى بذلك ولم يضرب امرأة ولا خادمًا ولا غلامًا قط، لم يضرب لا أقول لم يقتل بل لم يضرب، ولك أخي أن تتصور الرحمة فيما هو أعظم من ذلك عندما يقول أنس -رضي الله عنه-: "خدمت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين، فما قال لشيء فعلته لِمَ فعلته، ولا لشيء لم أفعله لِمَ لم تفعله".
حتى جرح المشاعر ليس في قاموس محمد -صلى الله عليه وسلم- فكيف يُتَّهَم بالإرهاب؟! أين من وصفوا أنفسهم بأنهم رعاة للسلام وما هو تاريخهم؟! وكم قتل على أيديهم؟! آلاف بل مئات الآلاف بل ملايين البشر ولم نجد من يتهمهم بالإرهاب، بل هم في نظر الغرب من يسعى لمحاربة الإرهاب.
وإن عجبي لا ينقضي يقتلون ويدمرون ويستقدمون شتى أسلحة الدمار الشامل، ثم يأتون ليلقنوننا دروسًا في السلام، لقد آن للدنيا أن تصغي، وللدهر أن يعي، وللتاريخ أن يدوّن، وللأجيال أن تعلم من هو الإرهابي حقًّا؟ إنهم الساخرون برسول الله -صلى الله عليه وسلم- .
إنهم من قتلوا إخواننا وانتهكوا مقدساتنا، أما محمد -صلى الله عليه وسلم- فهو من علَّم الإنسانية معنى الرحمة والشفقة والحنان، أيّ تضليل للعقول نسمع؟! وأي تفريق للأفهام ينشر ويلمع؟!
يا عصر إلحاد العقول لقد جرى *** بك في طريق الموبقات قطار
قربت خطاك من النهاية فانتبه *** فلربما تتحطم الأسوار
فهل يعي الغرب من هو محمد؟! وماذا يريد محمد؟!
إنها مسئوليتنا نحن أتباع محمد -صلى الله عليه وسلم- أن نوصّل صوتنا للعالم بكل وسيلة متاحة، أين إعلامنا العربي الماجن؟! في الجملة هو يهدم في الإسلام ليل نهار!! أين هو من تقديم الصورة المشرقة لمحمد رسول الإسلام -صلى الله عليه وسلم-، أين دور النشر العربية التي نشرت وتنشر الغث في الغالب، أين هي من التعريف بالإسلام، وإيصال ذلكم النور ليبدد الظلام ظلام الأنفس وظلمات الحياة.
اعذروا إعلامنا العربي، اعذروه فهو مشغول بالرقص والغناء، ورصد الجديد من الغثاء إلا بقايا من إعلام محافظ زادهم الله ثباتًا.
الوقفة الثانية: محمد في نظر المنصفين:
ليس بعد تزكية الله لمحمد -صلى الله عليه وسلم- تزكية، فقد زكاه -سبحانه- فقال: (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى)[النجم: 2]، وزكى بصره فقال (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى)، وزكى لسانه فقال: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) [النجم:3- 4].
وإن حبيبنا -صلى الله عليه وسلم- ليس بحاجة لتزكية أو شهادة أحد من البشر، ولكن الحق ما شهدت به الأعداء، ولقد شهد أعداء محمد له وهم في الحقيقة لم يضيفوا لمحمد -صلى الله عليه وسلم- شيئًا، ولا لتاريخه شرفًا، لكن ليعلم أن كل منصف متجرد من الهوى لا بد أن يتأثر بمحمد، ويثني على محمد، وليعلم أن من سخر به واستهزأ هو كمن يضع يده أمام عينيه ليحجب نور الشمس وأنَّى له ذلك.
يقول جورج برناردشو الأديب الإنجليزي: "إنني أعتقد أن رجلاً كمحمد لو تسلم زمام الحكم المطلق في العالم أجمع، لتم له النجاح في حكمه، ولقاده إلى الخير، ولحل مشكلاته على وجه يكفل للعالم السلام والسعادة المنشودة".
وقال قال العالم الهندوسي ت.ل.فسواني بعنوان "إجلال فسواني لمحمد": "تأملت في أمر محمد -صلى الله عليه وسلم- فتعجبت من هذا الرجل العظيم الذب نشأ بين أولئك القوم، المختلّي النظام، الفاسدي الأخلاق، العابدي الأحجار، هذا الرجل محمد وقف تقريبًا وحده، شجاعًا متحديًا غير هيّاب، ولا وَجِل في وجه التوعد بالقتل فمن الذي أعطاه تلك القوة التي قام بها كأنه بطل من أبطال الحرب حتى استمعوا له بعد الإعراض لكلامه؟! فمن أين جاء سحر بيانه حتى أعتق العبيد وساوى بين النبلاء وبين الصعاليك المنبوذين، حتى صاروا إخوانا وخلانا؟! ونحن هنا في الهند إلى الآن لا نزال نقتتل لأجل جواز لمس بعضنا بعضًا أو عدمه، لا نزال عاجزين عن إباحة الدخول في بيوت الآلهة -الأصنام والأوثان- للمنبوذين من أبناء جلدتنا. من أين استمد الرجل محمد -صلى الله عليه وسلم- قوة حياته الغالية"؟!
وفى الختام قال: "إليك يا محمد أنا الخادم الحقير، أقدم إجلالي وتعظيمي بكل خضوع وتكريم، إليك أطأطئ رأسي فإنك لنبي حق من عند الله، و قوتك العظيمة كانت من عالم الأزلي الأبدي".
هذه بعض نقولاتي وغيرها كثير يشهد بعظمة نبيكم -صلى الله عليه وسلم- والحق ما شهدت به الأعداء.
الوقفة الثالثة: ما هو الدافع لهذه السخرية لأفضل البشرية -صلى الله عليه وسلم-؟
لقد رأى الغرب أن ذلكم العملاق النائم كما يسمونه هم، وهو الإسلام بدأ يفيق من سباته، وينتفض ليهب من رقدته، وأقلقهم انتشاره انتشارًا مخيفًا في مجتمعاتهم، فامتلأت قلوبهم حقدًا على الإسلام وأهله، فمزقوا القرآن وسيمزقونه ربما مرارًا، وسخروا برسولنا -صلى الله عليه وسلم- وقد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر.
هذا كلام الله: (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) [آل عمران: 118]، وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً؟!
إنها رسالة أوجهها لدعاة التقارب بين الأديان، ومن يريدون منا أن نعترف بالكافر الذي يسمونه الآخر، ويعقدون اللقاءات والندوات والمؤتمرات أقول لهم فيها: لقد كفاكم ربكم المئونة، وأوضح في كتابه، أما هذا التقارب الذي تدعون إليه والاندماج بيننا وبينهم لن يتم إلا أن ننسلخ عن دين محمد -صلى الله عليه وسلم- ونتبع ملتهم قال الله سبحانه (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة: 120].
أبعد كلام الله يأتي من يقول نحن والآخر؟! ومن يدعو إلى التقارب لم يتعب دعاة التقارب أنفسهم في أمر قد تولى الله بيانه من فوق سبع سنوات.
وثمة دافع آخر لهذه السخرية في محمد -صلى الله عليه وسلم- يخصنا نحن، فإننا لم نستطع حتى الآن، وأقولها بكل مرارة: لم نستطع أن نقدم للناس الإسلام الحق الذي أراده الله، الإسلام الذي جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- لم نستطع أن نوصل للأمم الغربية وغيرها إلا رؤيتين:
الرؤية الأولى: تتمثل في ذلكم المسلم الذي يذهب إليهم في بلادهم فيعاقر الخمر ويلهو مع النساء، ويتراقص على أنغام الموسيقي وينسلخ من تعاليم دينه.
والرؤية الثانية: تتمثل في ذلكم المسلم الذي جعل من الإسلام شماعة لتبرير أعمال العنف والقتل والتدمير، فقتل إخوانه المسلمين ودمر ممتلكات المسلمين وثارت ثائرته وقامت غضبته على أهل ديانته.
أما صورة المسلم الذي يعمل بطاعة الله على نور من الله يرجو ثواب الله، ويجتنب ما حرم الله على نور من الله يرجو ثواب الله، ويجتنب ما حرم الله على نور من الله، فهذه الصورة مغيبة تمامًا عند كثير من المسلمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
صورة المسلم الذي يتمثل الكتاب والسنة في كل صغيرة وكبيرة من نواحي الحياة هذه الصورة صورة عزيزة الوجود في عصرنا هذا، وإلى الله المشتكى.
الوقفة الرابعة: إن مسلسل الاستهزاء والسخرية لأنبياء الله وعباده مسلسل قديم قدم الدنيا، ولقد حكى الله في كتابه ما يضيق المقام عن ذكره وسرده، فواجَه حبيبكم -صلى الله عليه وسلم- في حياته أنواع السخرية وأصناف الاستهزاء فلم يزده ذلك إلا ثباتًا وتمسكًا بما يوحي إليه ربه، ألم يقل الله: (وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا) [الفرقان:41].
ألم يقل الله: (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) [الزخرف:31]، ألم يصفوه بالجنون، ألم يصفوه بالكهانة، ألم يصفوه بالكذب، فماذا كان توجيه الله له؟ (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ) (وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا) [الأحزاب:48].
لم يكن حبيبكم -صلى الله عليه وسلم- ليشغل نفسه بهذه الترهات، فقد كان مشغولاً ببناء أمة هي خير أمة أخرجت للناس، ولقد استهزأ فئام من العرب في عصرنا هذا بمحمد -صلى الله عليه وسلم- استهزءوا به، فمنهم من شكك في نسبه الشريف، ومنهم من اتهمه بأنه أضل الملايين، وهم من بني جلدتنا، فقالوا ونشروا، وكذبوا وافتروا، فتخطاهم التاريخ، ونسيهم الزمن، وبقي محمد -صلى الله عليه وسلم- شامخًا شموخ الجبال الراسيات لم يضره ذلك يُذكر إذا ذُكر الله على لسان المليار ونصف المليار المسلم (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ)[الشرح: 4].
الوقفة الخامسة: (وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا):
هي بشرة أسوقها لأتباع محمد -صلى الله عليه وسلم- الذين آلامتهم تلك الأفعال وتلك الأفلام المسيئة، فأقول: لقد سجل التاريخ قصص ومشاهد لانتقام الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم- في حياته وبعد مماته، سأذكر منها اثنتين تثبيتًا للقلوب ورجاء في علام الغيوب أن ينتقم من أصحاب ذلك الفيلم ومن ناشريه، وأبشروا وأملوا خيرًا في ربكم؛ سينتقم الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم- في زمن أصبح المسلمون فيه كالغثاء ليس لهم من الأمر شيء، إن تكلموا فبصوت خافت لا يكاد يُسمع، وإن نظروا فمن طرف خفي.
القصة الأولى: عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: كَانَ رَجُلٌ نَصْرَانِيًّا عند مسلم: كَانَ مِنَّا رَجُلٌ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ فَأَسْلَمَ وَقَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، فَكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَعَادَ نَصْرَانِيًّا، وعند مسلم: فَانْطَلَقَ هَارِباً حَتَّىَ لَحِقَ بِأَهْلِ الْكِتَابِ. قَالَ: فَرَفَعُوهُ فَكَانَ يَقُولُ: مَا يَدْرِي مُحَمَّدٌ إِلَّا مَا كَتَبْتُ لَهُ"
وعند مسلم: قَالُوا: هَذَا قَدْ كَانَ يَكْتُبُ لِمُحَمَّدٍ، فَأُعْجِبُوا بِهِ، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ كَانَ يَقُول: مَا أَرَى يُحْسِن مُحَمَّد إِلَّا مَا كُنْت أَكْتُب لَهُ ، فَأَمَاتَهُ اللَّهُ فَدَفَنُوهُ وعند مسلم: فَمَا لَبِثَ أَنْ قَصَمَ اللهُ عُنُقَهُ فِيهِمْ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ وعند مسلم: قَدْ نَبَذَتْهُ عَلَىَ وَجْهِهَا فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ، فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ لَمَّا لَمْ يَرْضَ دِينهمْ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا فَأَلْقَوْهُ، فَحَفَرُوا لَهُ فَأَعْمَقُوا فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ فَأَلْقَوْهُ، فَحَفَرُوا لَهُ وَأَعْمَقُوا لَهُ فِي الْأَرْضِ مَا اسْتَطَاعُوا فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ النَّاسِ فَأَلْقَوْهُ وعند مسلم: فَتَرَكُوهُ مَنْبُوذاً (أخرجه البخاري).
قال شيخ الإسلام معلقا على ذلك: "فهذا الملعونُ الذي افترى على النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه ما كان يدري إلا ما كتب له؛ قصمهُ اللهُ وفضحهُ بأن أخرجهُ من القبرِ بعد أن دُفن مراراً، وهذا أمرٌ خارجٌ عن العادةِ، يدلُ كلّ أحدٍ على أن هذا عقوبة لما قالهُ، وأنه كان كاذباً، إذ كان عامةُ الموتى لا يصيبهم مثل هذا، وأن هذا الجُرمَ أعظمُ من مجرد الارتداد، إذ كان عامةُ المرتدين يموتون ولا يصيبهم مثل هذا، وأن اللهَ منتقمٌ لرسولهِ -صلى الله عليه وسلم- ممن طعن عليه وسبَّهُ، ومظهرٌ لدينه، ولكذبِ الكاذبِ إذا لم يمكن للناسِ أن يقيموا عليه الحد " .ا.هـ.
القصة الثانية: قصة عجيبة لساخر بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وذلك أن فقهاء القيروان وأصحاب سحنون أفتوى بقتل "إبراهيم الفزاري" وكان شاعراً متفنناً في كثير من العلوم، وكان ممن يحضر مجلس القاضي أبي العباس بن طالب للمناظرة، فرفعت عليه أمور منكرة من هذا الباب في الاستهزاء بالله وأنبيائه ونبينا -صلى الله عليه وسلم-، فأحضر له القاضي "يحيى بن عمر" وغيره من الفقهاء، وأمر بقتله وصلبه، فطعن بالسكين وصلب منكساً ثم أنزل، وحكى بعض المؤرخين أنه لما رفعت خشبته وزالت عنه الأيد استدارت وحولته عن القبلةِ فكان آيةً للجميعِ، وكبر الناسُ، وجاءَ كلبٌ –أكرمكم الله- فولغ في دمهِ. وليس بعزيز على الله أن يشفي صدورنا ممن آذانا في نبينا -صلى الله عليه وسلم-.
الوقفة السادسة: عذرًا أبا القاسم، فنحن باختصار لا نجيد سوى الشجب والاستنكار، عذرا فنحن لا نجيد سوى الكلام:
يا ألف مليون وخمس مئينها *** ولهم بكل فجاجها أنَّات
يا ألف مليون غثاءٌ كلهم *** متشتتون مع الشتات سبات
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إن ربي غفور رحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشانه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه.
أما بعد: إخوة الإسلام: سلاحان اثنان لمواجهة هذا الاعتداء السافر هما سلاح المقاطعة وسلاح المتابعة، إن المتابعة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- هي السلاح الأعظم تأثيرًا على أعداء الإسلام.
فهل استيقظ الجيل، هل فاقت الأمة بعد هذه المحنة؟ هل عادوا إلى الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد:7].
أرأيت كيف فعل سلاح المقاطعة فيما مضى بأعداء الله وهو السلاح الأقل تأثيرًا، فكيف لو أعمل المسلمون سلاح المتابعة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهبَّ الجيل بأكمله ليتأسى بمحمد ويقتدي آثار محمد.
إن أثر المقاطعة ينتهي ويبقى الأثر الفعال في متابعته -صلى الله عليه وسلم- (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج: 40].
أخيرًا وليس آخرًا، بشائر من رحم المأساة رب ضارة نافعة، لقد أيقظت هذه الحادثة مسلمين وجعلتهم صفًّا واحدًا، ولله الحمد والمنة، نسأل الله أن يوفّق الجميع لنصرة محمد -صلى الله عليه وسلم-.
والبشائر كثيرة (لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ)[النور: 11]، ولقد رأينا المنح في هذه المحنة والعطايا في هذا الابتلاء، وبقدر ما آلامنا من الاستهزاء بقدر ما أفرحنا رأينا من مبشرات ما كانت لتظهر لولا هذه السخرية، اذكر منها أولاً تلك المشاعر الفياضة والحب العارم الذي ظهر جليًّا في قلوب أتباع محمد -صلى الله عليه وسلم- والذي ما كان ليظهر لو أُلقيت آلاف الندوات وآلاف المحاضرات أظهره الله بهذه السخرية.
ثانيًا: تفاعل جميع المسلمين بمختلف طبقاتهم وتوجهاتهم وأعمارهم مع هذه القضية.
ثالثًا: تحرك أهل الفكر والصلاح ورجال الأعمال بمشاريع بنّاءة فعّالة للمساهمة في نشر رسالة الإسلام.
رابعًا: لقد أصبح اسم محمد -صلى الله عليه وسلم- على كل لسان، وأصبح الناس في تلك المناطق البعيدة يسألون عنه ويتشوقون لمعرفة سيرته؛ إذ كيف ينتفض مليار ونصف المليار وهو في قبره -صلى الله عليه وسلم-.
صلوا وسلموا على رسول الله ..
التعليقات