د. باسم عامر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله الطيبين وصحبه أجمعين، وبعد،،،
فلا ريب عند كل مؤمن ومؤمنة في أنَّ عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها في الجنة، ومن قال خلاف ذلك فهو أحد اثنين؛ إما جاهلٌ حاطبٌ بليل ليس عنده علم، وإما جاحدٌ منافقٌ ظاهر النفاق.
ومسألة كون عائشة أم المؤمنين في الجنة لا يستدعي اجتهاداً جديداً لأنه من مسلَّمات الدين، ولكن لما كَثُر المنافقون في هذا العصر وجب على المسلمين تذكير بعضهم البعض بمثل هذه البديهيات التي لا خلاف عليها، حتى يكون المسلمون على وعيٍ وإدراك، وحتى لا تنطلي عليهم شبهات أهل الزيغ والضلال.
فنقول أن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها في الجنة، ومما دلَّ على ذلك ما يلي:
- نزول آيات كريمات من فوق سبع سماوات تُتلى آناء الليل وأطراف النهار إلى قيام الساعة من أجل تبرئة أم المؤمنين عائشة من الإفك والقذف والافتراء على عرضها الطاهر المطهر، ومن كان شأنه هذا الشأن فلا ريب في قدره الرفيع عند الله تعالى وأنه من أهل الجنة، وإلا فهل يُتصور أن ينزل الله تعالى آيات دفاعاً عن كافرٍ أو مجرمٍ ؟ فهذه التبرئة الربانية لا تكون إلا لمستحقٍ للجنة.
ثم إنَّ الله تعالى ذكر في سياق آيات حادثة الإفك أنَّ الذي يعود في الخوض في عرض أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنه ليس بمؤمن، فقال تعالى: ( يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) [النور:17]، فمن عاد لذلك فليس بمؤمنٍ، وهذا لا يكون إلا لأولياء الله تعالى أمثال أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
- ومن الأدلة كذلك قوله تعالى: ( الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ) [النور:26].
وجه الشاهد: مقتضى هذه الآية الكريمة أنَّ عائشة أم المؤمنين طيبة، ومن قال غير ذلك فهو كافرٌ لاشك في كفره، لأنه يستلزم منه التعرض للنبي صلى الله عليه وسلم ، ثم إنَّ الله تعالى قال في سياق الآية ذاتها: ( أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ )، ففي الآية إشارةٌ إلى عائشة رضي الله عنها أصالةً، وإلى المؤمنات المحصنات الغافلات تبعاً، ثم ختم الله تعالى الآية بأنَّ أولئك لهم مغفرةٌ ورزقٌ كريم، أي: الجنة، فالآية الكريمة نصٌ في استحقاق أم المؤمنين رضوان الله عليها الجنة.
- ومن ذلك أنَّ عائشة رضي الله عنها قالت: كان اليهود يسلِّمون على النبي صلى الله عليه وسلم يقولون: السام عليك، ففطنت عائشة إلى قولهم، فقالت: عليكم السام واللعنة، فقال النبي صلى الله عليه و سلم: ( مهلا يا عائشة إنَّ الله يحب الرفق في الأمر كله )، فقالت: يا نبي الله أولم تسمع ما يقولون ؟ قال: ( أولم تسمعي أني أرد ذلك عليهم فأقول وعليكم ) رواه البخاري.
وجه الشاهد: أنها غضبتْ للنبي عليه الصلاة والسلام ودافعتْ عنه، وجزاء المدافع عن النبي صلى الله عليه وسلم الجنة، أما شبهة القائلين أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم عاتبها على ردها فالجواب: أنَّ الله تعالى قال في شأن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم : ( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) [آل عمران:164]، فالنبي صلى الله عليه وسلم بُعِث مزكِّياً ومربِّياً، وأولى الناس بالتزكية والتربية هم أهل بيته وَمَنْ هم حوله.
- وعن عائشة رضي الله عنها: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر فاطمة رضي الله عنها قالت: فتكلمت أنا، فقال: أما ترضين أن تكوني زوجتي في الدنيا و الآخرة ؟ قلت: بلى والله، قال: فأنت زوجتي في الدنيا و الآخرة. قال الذهبي معلِّقاً في التلخيص : صحيح، وانظر كذلك السلسلة الصحيحة برقم 2255.
- وعنها رضي الله عنها قالت : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : « أُريتكِ في المنام ثلاث ليال. جاءني بكِ الملكُ في سَرَقَةٍ - قِطْعة - من حرير. فيقول: هذه امرأتكَ، فأكشفُ عن وجهك، فإِذا أنت هي، فأقول: إِن يَكُ من عند الله يُمضِهِ ». وفي رواية : « أُريتُكِ في المنام مرتين ». وذكر نحوه، أخرجه البخاري ومسلم، وفي رواية الترمذي: « أنَّ جبريل جاء بصورتها في خرقة حرير خضراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : هذه زوجَتُكَ في الدنيا والآخرة ». قال الألباني: صحيح.
الشاهد من الروايات السابقة: أن النبي صلى الله عليه وسلم شهِد لعائشة بأنها زوجته في الآخرة - أي في الجنة -، وهذا صريحٌ في الدلالة ولا يحتاج إلى مزيد كلام.
- روى البخاري في صحيحه عن أبي وائل الأنصاري قال: ( لما بعث عليٌ عمارَ بنَ ياسر والحسنَ بن علي رضي الله عنهم إلى الكوفة ليستنفرهم، خطب عمَّار فقال: أني لأعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة - أي عائشة - ... ).
وجه الشاهد: أنَّ كلام عمَّار رضي الله عنه هذا في فتنة التي حصلت بين الصحابة في الجمل، فهل يُعقل في مثل هذه الظروف أن يزكيها بقوله: إنها زوجة النبي صلى الله عليه وسلم في الآخرة ؟ بغض النظر عن الفتنة التي وقعت بين الصحابة رضوان الله عليهم جميعاً في هذه الحادثة، فإنهم متأولون مجتهدون، وكلا الفريقين مأجورٌ، لكن وجه الشاهد من الكلام أنَّ عمَّاراً رضي الله عنه وهو في الفريق المقابل لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قال هذا الكلام في حقها انصافاً وإحقاقاً للحق، فرضي الله عنهم جميعاً.
- عن عمرو بن العاص أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل، قال: فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك ؟ قال : عائشة، قلت: من الرجال ؟ قال: أبوها، قلت: ثم من ؟ قال: عمر ، فعدَّ رجالاً فسكتُ مخافة أن يجعلني في آخرهم. متفق عليه
وجه الشاهد: كون أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أحب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقتضي أنها مرافقة للنبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم كما في البخاري ومسلم أن: المرء مع من أحب، فحبُّ النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها بشارة لها بأنها من أهل الجنة بل أعلى درجات الجنة.
- عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها: أنَّ صلى الله عليه وسلم قال لها: ( يا عائشة هذا جبريل يقرأ عليك السلام، فقالت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته ). متفق عليه
وجه الشاهد: أنَّ جبريل عليه السلام من جملة الملائكة المأمورين بطاعة الله تعالى وعدم عصيانه، قال تعالى: ( ... لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) [التحريم:6]، فإذاً سلام جبريل على عائشة لم يكن ليحدث إلا بأمر الله تعالى، والسلام من الله تعالى يُفهم منه الرضا والقبول، فهنيئاً لأم المؤمنين هذه المكانة والمنزلة الرفيعة.
هذا بعض ما تيسَّر في حق أم المؤمنين عائشة الصديقة بنت الصديق حبيبة النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا يملك العاقل المتجرِّد إلا وأن يذعن للحق ويقف ضد الباطل، وصدق الله تعالى القائل في كتابه العزيز: ( لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ ) [النور:11].
التعليقات