عناصر الخطبة
1/نعمة الجوارح 2/كثرة نعم الله تعالى 3/أهمية نعمة البصر 4/خطورة إطلاق البصر في الحرام 5/فوائد غض البصر 6/من وسائل وقاية المجتمع 7/أمور معينة على غض البصر.اقتباس
إنَّ غضَّ البصرِ امْتِثَالٌ لِأَمْرِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ غَايَةُ سَعَادَةِ الْعَبْدِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ، فَلَيْسَ لِلْعَبْدِ فِي دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ أَنْفَعُ مِنَ امْتِثَالِ أَوَامِرِهِ، وَمَا شَقِيَ مَنْ شَقِيَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا بِتَضْيِيعِ أَوَامِرِهِ. إنَّ غَضَّ الْبَصَرِ من الخَطْوَاتِ المهمةِ عَلَى طَرِيقِ حِمَايَةِ الْمُجْتَمَعِ مِنَ الْفَسَادِ الأَخْلاَقِيِّ، وَهُوَ الْحِصْنُ الَّذِي يَحْمِي نَفْسَ الْمُؤْمِنِ مِنَ الشَّهَوَاتِ الْمُحَرَّمَةِ....
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، كَتَبَ الفَوزَ وَالفَلاَحَ لِمَنْ أَخْضَعَ نَفْسَهُ لِلتَّزكِيَةِ وَالإِصْلاَحِ: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)[الشمس: 9-10]، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ العَلِيمُ الخَلاّقُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أَسْمَى النَّاسِ أَخْلاَقًا وَأَفْعَالاً، وَأَعْدَلُهُمْ أَحْوَالاً وَأَزكَاهُمْ أَقْوَالاً؛ صلى الله عليه وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الذِينَ جَاهَدُوا أَنْفُسَهُمْ وَصَدَقُوا، وَأَحَبُّوا الخَيْرَ فَسَارَعُوا إِلَيْهِ وَسَبَقُوا، وَرَضِيَ اللهُ عَنِ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أما بعد: فأوصيكم ونفسي....
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: "كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنَ الزِّنَا مُدْرِكٌ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ؛ فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلَامُ، وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا، وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ"(رواه مسلم).
عباد الله: لَقَدْ وَهَبَ اللهُ -عَزَّ وجلَّ- لَنا نِعَماً كَثِيرَةً لَا تُحْصَى (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)[النحل:18]، ومِنْ هذِهِ النِّعَمِ: نِعْمَةُ الجَوَارِحِ الَّتِي أَوْجَبَ اللهُ شُكْرَهَا: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[النحل:78].
وإِنَّ نِعْمَةَ البَصَرِ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ وَقَدْ أَمَرَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بغضِ الأَعْيُنِ الْبَاصِرَاتِ، مِنَ التَّطَلُّعِ عَلَى الْعَوْرَاتِ، وَمَحَلِّ الشَّهَوَاتِ (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ)[النور: 29-30].
قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: "هَذا أَمْرٌ مِنَ اللهِ -تعالى- لِعِبادِهِ المُؤْمِنِينَ، أَنْ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ عَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ، فَلا يَنْظُرُوا إِلَّا لِمَا أَبَاحَ لَهُمُ النَّظَرَ إِلَيْهِ، وأَنْ يُغْمِضُوا أَبْصَارَهُمْ عَنِ المَحَارِمِ، فَإِنِ اتَّفَقَ أَنْ وَقَعَ البَصَرُ علَى مُحَرَّمٍ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَلْيَصْرِفْ بَصَرَهُ عَنْهُ سَرِيعاً، كَما في الحَدِيثِ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ البَجَلِيِّ قالَ: "سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي"(رواه مسلم).
عباد الله: العيونُ طلائعُ القلوبِ، وإنَّ النَّظَرَ أَصْلُ عَامَّةِ الْحَوَادِثِ الَّتِي تُصِيبُ الْإِنْسَانَ، فالعينُ رائدٌ إذا أُرسلَ صاد، وإذا قيدَ انقاد، وإذا أُطلقَ وقع بالقلبِ في الفساد.
والبَصَرُ هُوَ البَابُ الأَكْبَرُ إلَى القَلْبِ، وأَعْمَرُ طُرُقِ الحَوَاسِّ إِلَيْهِ، وَبِحَسَبِ ذَلكَ كَثُرَ السُّقُوطُ مِنْ جِهَتِهِ، وَوَجَبَ التَّحْذِيرُ مِنْهُ، وغَضُّهُ واجِبٌ عَنْ جَمِيعِ المُحَرَّماتِ وكُلِّ مَا يُخْشَى الفِتْنَةُ مِنْ أَجْلِهِ.
ولذا حَذَّرَ اللهُ -جَلَّ وَعَلاَ- مِنْ خِيَانَةِ الْعَيْنِ، فَقَالَ -تعالى-: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)[غافر:19]؛ قَالَ الْبَغَوِيُّ: "أَيْ خِيَانَتَهَا، وَهِيَ: اسْتِرَاقُ النَّظَرِ إِلَى مَا لاَ يَحِلُّ. قَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ نَظَرُ الأَعْيُنِ إِلَى مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ".
وإِنَّ الَّذِي أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الأُمَّةُ، واتَّفَقَ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالأَئِمَّةِ: هُوَ نَظَرُ الأَجَانِبِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ بَعْضِهِمْ إِلَى بَعْضٍ، وَهُمْ مَنْ لَيْسَ بَيْنَهُمْ رَحِمٌ مِنَ النَّسَبِ، وَلاَ مَحْرَمٌ مِنْ سَبَبٍ كَالرِّضَاعِ وَغَيْرِهِ، فَهَؤُلاَءِ حَرَامٌ نَظَرُ بَعْضِهِمْ إِلَى بَعْضٍ.
عباد الله: لَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ عَنِ الْجُلُوسِ فِي الطُّرُقَاتِ؛ لِئَلاَّ تَكُونَ الطُّرُقَاتُ ذَرِيعَةً لِلتَّرَفُّهِ بِمَحَاسِنِ النِّسَاءِ الْغَادِيَاتِ، وَمَفَاتِنِ الرَّائِحَاتِ، وَالاِطِّلاَعِ عَلَى الْعَوْرَاتِ، فكيف بنا في هَذَا الزَّمَانِ الَّذِي نَعِيشُ فِيهِ، زَمَانٌ تَعَاظَمَتْ فِيهِ الْمُغْرِيَاتُ، وَاسْتُثِيرَتْ فِيهِ الشَّهَوَاتُ؛ حتى أضحت أبوابُ الفتنِ والمغرياتِ بين يديك في الجوالِ والشَّاشاتِ ومَوَاقِعِ الإِنْتَرْنِتِّ وغيرها.
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ بِالطُّرُقَاتِ!"؛ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدٌّ، نَتَحَدَّثُ فِيهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: "فَإذَا أَبَيْتُمْ إِلاَّ الْمَجْلِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ". قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ"(رواه البخاري ومسلم).
عباد الله: إنَّ غضَّ البصرِ امْتِثَالٌ لِأَمْرِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ غَايَةُ سَعَادَةِ الْعَبْدِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ، فَلَيْسَ لِلْعَبْدِ فِي دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ أَنْفَعُ مِنَ امْتِثَالِ أَوَامِرِهِ، وَمَا شَقِيَ مَنْ شَقِيَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا بِتَضْيِيعِ أَوَامِرِهِ.
إنَّ غَضَّ الْبَصَرِ من الخَطْوَاتِ المهمةِ عَلَى طَرِيقِ حِمَايَةِ الْمُجْتَمَعِ مِنَ الْفَسَادِ الأَخْلاَقِيِّ، وَهُوَ الْحِصْنُ الَّذِي يَحْمِي نَفْسَ الْمُؤْمِنِ مِنَ الشَّهَوَاتِ الْمُحَرَّمَةِ؛ فَالنَّظْرَةُ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ، مَنْ تَرَكَهَا خَوْفاً مِنَ اللهِ: وَهَبَهُ اللهُ -تعالى- إِيمَاناً يَجِدُ حَلاَوَتَهُ فِي قَلْبِهِ، ولَيْسَ عَلَى الْقَلْبِ شَيْءٌ أَضَرُّ مِنْ إِطْلَاقِ الْبَصَرِ، فَإِنَّهُ يُورِثُ الْوَحْشَةَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ، كما أَنَّهُ يُورِثُ الْحَسَرَاتِ وَالزَّفَرَاتِ، فَيَرَى الْعَبْدُ مَا لَيْسَ قَادِرًا عَلَيْهِ وَلَا صَابِرًا عَنْهُ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْعَذَابِ.
وَغَضُّ الْبَصَرِ يُخَلِّصُ الْقَلْبَ مِنْ أَسْرِ الشَّهْوَةِ، وَيُورِثُهُ فَرَحاً وَسُرُوراً وَانْشِرَاحاً، وَمَنْ حَبَسَ بَصَرَهُ عَنِ الْحَرَامِ: أَطْلَقَ اللهُ نُورَ بَصِيرَتِهِ. عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ لِعَلِيٍّ: "يَا عَلِيُّ! لا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ"(رواه أحمد وغيرُه).
قال ابن القيم: "وَالنَّظَرُ أَصْلُ عَامَّةِ الْحَوَادِثِ الَّتِي تُصِيبُ الْإِنْسَانَ، فَالنَّظْرَةُ تُوَلِّدُ خَطْرَةً، ثُمَّ تُوَلِّدُ الْخَطْرَةُ فِكْرَةً، ثُمَّ تُوَلِّدُ الْفِكْرَةُ شَهْوَةً، ثُمَّ تُوَلِّدُ الشَّهْوَةُ إِرَادَةً، ثُمَّ تَقْوَى فَتَصِيرُ عَزِيمَةً جَازِمَةً، فَيَقَعُ الْفِعْلُ وَلَا بُدَّ، مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ مَانِعٌ، وَفِي هَذَا قِيلَ: الصَّبْرُ عَلَى غَضِّ الْبَصَرِ أَيْسَرُ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى أَلَمِ مَا بَعْدَهُ".
كُلُّ الْحَوَادِثِ مَبْدَاهَا مِنَ النَّظَرِ *** وَمُعْظَمُ النَّارِ مِنْ مُسْتَصْغَرِ الشَّرَرِ
كَمْ نَظْرَة بَلَغَتْ فِي قَلْبِ صَاحِبِهَا *** كَمَبْلَغِ السَّهْمِ بَيْنَ الْقَوْسِ وَالْوَتَرِ
وَالْعَبْدُ مَا دَامَ ذَا طَرْفٍ يُقَلِّبُهُ *** فِي أَعْيُنِ الْعِينِ مَوْقُوفٌ عَلَى الْخَطَرِ
يَسُرُّ مُقْلَتَهُ مَا ضَرَّ مُهْجَتَهُ *** لَا مَرْحَبًا بِسُرُورٍ عَادَ بِالضَّرَرِ
عباد الله: إن الْمُجْتَمَعَ الإِسْلاَمِيَّ يَحْفَظُ أَعْضَاءَهُ رِجَالاً وَنِسَاءً مِنَ الاِنْزِلاَقِ فِي الْفَوَاحِشِ وَمَا فَرْضُ الْحِجَابِ وتحريمُ الاختلاطِ وَالأَمْرُ بِغَضِّ الْبَصَرِ سِوَى وَسَائِلَ وِقَائِيَّةٍ لإِبْقَاءِ الْمُجْتَمَعِ نَظِيفاً مِنْ أَيِّ سُوءٍ أَوْ خِيَانَةٍ أَوْ فَاحِشَةٍ؛ حِفَاظاً عَلَى كِيَانِ الأُسْرَةِ، وَقِيَامِ الْمُجْتَمَعِ عَلَى فَضَائِلِ الأَخْلاَقِ، وَالابْتِعَادِ عَنْ سَفَاسِفِهَا (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا)[النساء: 27]..
بارك الله...
الخطبة الثانية:
الحمد لله...
أما بعد: فيا عباد الله: إِنَّ ضَعْفَ الْوَازِعِ الدِّينِيِّ، وَمُخَالَطَةَ أَصْحَابِ السُّوءِ، وَالاخْتِلاَطَ الْمُحَرَّمَ بَيْنَ الْجِنْسَيْنِ، أَسْبَابٌ تُعِينُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، كَمَا أَنَّ عَوَامِلَ الإِثَارَةِ الَّتِي تَبُثُّهَا بَعْضُ الْقَنَوَاتِ، وَفَضَائِيَّاتُ الإِغْرَاءِ تَجْعَلُ كَثِيراً مِنَ الشَّبَابِ والفتياتِ يَلْهَثُ وَرَاءَ تلكَ الْمَنَاظِرِ والصورِ، وثَمَّةَ أُمُورٌ تُعِينُ عَلَى غَضِّ الْبَصَرِ مِنْهَا:
الدُّعَاءُ، فَمَا أَجْمَلَ اسْتِعَاذَةَ الْعَبْدِ بِمَوْلاَهُ، وَاسْتِغَاثَتَهُ بِخَالِقِهِ! فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا. فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ قَالُوا: مَهْ مَهْ! فَقَالَ: ادْنُهْ، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا، قَالَ: فَجَلَسَ قَالَ: أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟ قَالَ: لاَ وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ... وفيه: قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ، فَلَمْ يَكُنْ بَعْدَ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ".
وَمِنْهَا: تَقْوَى اللهِ وَدَوَامُ مُرَاقَبَتِهِ وَالْخَشْيَةُ مِنْهُ؛ فَإِذَا عَلِمَ أَنَّ اللهَ نَاظِرٌ إِلَيْهِ غَضَّ بَصَرَهُ.
إِذَا مَا خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَوْماً فَلاَ تَقُلْ *** خَلَوْتُ وَلَكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ
وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ يَغْفُلُ سَاعَةً *** وَلاَ أَنَّ مَا تُخْفِيهِ عَنْهُ يَغِيبُ
وَالإِيمَانُ رادعٌ عَنْ إِطْلاَقِ الْبَصَرِ، قالَ ابْنُ دَقِيقِ العِيدِ: "إِنَّ التَّقْوَى سَبَبٌ لِغَضِّ البَصَرِ وتَحْصِينِ الفَرْجِ".
وَمِنَ الأُمُورِ الْمُعِينَةِ أَيْضاً: الزَّوَاجُ "فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ"(رواه البخاري ومسلم).
وَمِنْهَا: مُرَافَقَةُ مَنْ يُعِينُهُ عَلَى الطَّاعَةِ، قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: خَرَجْتُ مَعَهُ يَوْمَ عِيدٍ فَقَالَ: "إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا غَضُّ الْبَصَرِ".
وَمِنَ الأُمُورِ الْمُعِينَةِ عَلَى غَضِّ الْبَصَرِ: مَعْرِفَةُ عَوَاقِبِ إِطْلاَقِ الْبَصَرِ مِنْ فَسَادِ الْقَلْبِ وَتَشَتُّتِهِ، وَفُقْدَانِ حَلاَوَةِ الإِيمَانِ، وَالانْشِغَالِ عَنِ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ، وَعَنْ كُلِّ مَا يَنْفَعُ فِي الدَّارَيْنِ.
عباد الله: منْ حافَظَ علَى جَوَارِحِهِ بِطَاعَةِ اللهِ فَإِنَّهُ يَمْشِي بِنُورٍ مِنَ اللهِ –سُبْحَانَهُ وتعالَى- كَما جاءَ في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: "فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا"(رواه البخاري).
ومَعْنَى ذَلِكَ؛ كَما قالَ العُلَمَاءُ: أَنَّ اللهَ يُوَفِّقُهُ ويُسَدِّدُهُ في أَعْمَالِهِ وأَقْوَالِهِ، وسَمْعِهِ، وبَصَرِهِ وسَائِرِ جَوَارِحِهِ وأَعْضَائِهِ.
عباد الله: إِنَّ مِنْ أَسْبَابِ دُخُولِ جَنَّاتِ النَّعِيمِ: حِفْظَ الجَوَارِحِ عَمَّا حَرَّمَ اللهُ -عزَّ وجلَّ- قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ -يَعْنِي لِسَانَهُ- وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ -يَعْنِي فَرْجَهُ- أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ"(رواه البخاري).
ثم صلوا...
التعليقات