السؤال
لي أربعة من البنات وهن يصلين ويصمن، ولكن يلبسن البنطلون والبلوزة الطويلة إلى عند الركبة، وكم أحاول معهن لتغيير اللباس ولكن دون جدوى، ماذا علي يا شيخ وأنا مخنوقه عليهن من اللباس، وهن طالبات في الجامعة، ولكن ملتزمات، فيهن كل الصفات الحسنة، ماذا أفعل؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الحجاب الشرعي للمرأة له شروط وصفات سبق ذكرها بالتفصيل في الفتاوى رقم: 6745، 9428، 13914.
من هنا يتبين أن ما يلبسه بناتك ليس من اللباس الشرعي الذي أوجبه الله على النساء المؤمنات، ولمزيد من البيان تراجع الفتوى رقم: 24318، وما أحيل عليه فيها.
فالواجب عليك أولا أن تعلميهن بحرمة هذا، وأن الحجاب فرض متحتم على المرأة المسلمة، لا يجوز لها أن تفرط فيه بحال، ثم عليك أن تعلميهن أن مثل هذه الطاعات العظيمة التي يأتين بها من صيام وصلاة وغير ذلك قد تحبط ويبطل ثوابها بسبب تفريطهن في الحجاب الشرعي، وقد ذكرنا كلاما مفيدا بخصوص حبوط الأعمال بفعل السيئات في الفتوى رقم: 115378.
ثم عليك أن تديمي النصح لهن بأسلوب طيب رفيق، ويمكنك أن تهديهن بعض الأشرطة النافعة التي تتحدث عن فرضية الحجاب وخطورة التبرج والسفور، ولا حرج أن تصطحبيهن لبعض أهل العلم والخير من الداعيات إلى الله جل وعلا، فلربما كان كلامهن أكثر تأثيرا عليهن من كلامك.
وإن كنت تقدرين على منعهن من الخروج بهذه الملابس ولو بالقوة فافعلي؛ لأن تغيير المنكر باليد جائز لآحاد المسلمين بشرط ألا يؤدي إلى فتنة عظيمة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
جاء في الموسوعة الكويتية: وليس لغير هؤلاء ولاية التأديب عند جمهور الفقهاء غير أن الحنفية قالوا: يقيم التأديب إذا كان حقا لله كل مسلم في حال مباشرة المعصية لأنه من باب إزالة المنكر، والشارع ولي كل مسلم، ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فلغيره بيده. أما بعد الفراغ من المعصية فليس بنهي، لأن النهي عما مضى لا يتصور فيتمحض تعزيرا وذلك إلى الإمام. انتهى.
وجاء في شرح كتاب غاية البيان شرح ابن رسلان: ولا يختص الأمر والنهي بأرباب الولايات والمراتب بل ذلك ثابت لآحاد المسلمين واجب عليهم وعلى المكلف تغيير المنكر بأى وجه أمكنه ولا يكفي الوعظ لمن أمكنه إزالته باليد ولا تكفي كراهة القلب لمن قدر على النهي باللسان. انتهى
وجاء في فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك: قال الخرشي ومنها أي القوادح في العدالة سكناه مع ولده الذي يكثر شرب الخمر والحال أنه قادر على منعه أو إزالته فلم يغيره وغير الولد أولى ولا مفهوم للشرب بل غيره من المعاصي كذلك. اهـ .
قال العدوي قوله: والحال أنه قادر على منعه أي منع ولده من شرب الخمر وقوله أو إزالة أي إزالة ذلك المنكر هذا أعم مما قبله كأن يخرجه من الدار إذا لم ينزجر وعبارة غيره أوضح ونصه وهذا إذا علم به ولم ينكر عليه مع القدرة، وأما إن لم يعلم أو أنكر جهده ولم ينزجر أو لم يقدر على التغيير ولا على الانتقال عنه لم تسقط شهادته إذا هجره طاقته وغير الولد مثله في ذلك. انتهى .
ولكن مع التنبيه على أن هذا كله مقيد بالقدرة وغلبة المصلحة جاء في البهجة في شرح التحفة: لأن تغيير المنكر إن أدى إلى منكر أعظم منه سقط الأمر عنه. انتهى
فإن خفت أن يؤدي ذلك إلى فتنة عظيمة كتطاولهن عليك، أو نفورهن من الدين، وترك ما هن عليه من الطاعات العظيمة من الصلاة ونحوها، فهنا لا يجوز لك منعهن بالقوة. جاء في مجموع فتاوى ابن تيمية رحمه الله تعالى: ولم ينه عن منكر يستلزم تفويت معروف أعظم منه؛ بل يكون النهي حينئذ من باب الصد عن سبيل الله والسعي في زوال طاعته وطاعة رسوله وزوال فعل الحسنات. انتهى
ويجوز لك أن تنتقلي بعد ذلك إلى الهجر، فإن الهجر كثيرا ما يستصلح العصاة ويردهم عن غيهم، وقد بينا مشروعية هجر العصاة - ولو كانوا من الأرحام - بالتفصيل والدليل وذكر أقوال أهل العلم في الفتوى رقم: 119581
لكن إن غلب على ظنك أن الهجر ربما يأتي بعكس المقصود منه، فعند ذلك لا يشرع الهجر، ولكن اكتفي بتذكيرهن بالله والدعاء لهن بظهر الغيب أن يوفقهن الله لطاعته، وأن يصرف عنهن كيد الشيطان ومكره. وراجعي ضوابط الزجر بالهجر في الفتوى رقم: 7119.
والله أعلم.
التعليقات