عناصر الخطبة
1/بعض فضائل رمضان وخصائصه 2/جملة من الأحكام بين يدي رمضان وأحكام رؤية هلاله 3/فرضية صيام رمضان وحكم من أنكره 4/شروط وجوب الصيام 5/فضل قيام رمضان وصفته وعدد ركعاتهاهداف الخطبة
اقتباس
جعل الله صيام نهاره فريضة من أركان إسلامكم، وقيام ليله تطوعا لتكميل فرائضكم. من صامه إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن قامه إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن أتى فيه بعمرة كان كمن أتى بحجة. فيه تفتح أبواب الجنة، وتكثر الطاعات من أهل الإيمان، وتغلق أبواب النار، فـ...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، واشكروه على ما أنعم به عليكم من مواسم الخيرات، وما حباكم به من الفضائل والكرامات، وعظموا تلك المواسم، واقدروها قدرها بفعل الطاعات والقربات، واجتناب المعاصي والموبقات، فإن تلك المواسم ما جعلت إلا لتكفير سيئاتكم، وزيادة حسناتكم، ورفعة درجاتكم.
عباد الله: لقد استقبلتم شهرا كريما، وموسما رابحا عظيما لمن وفقه الله فيه للعمل الصالح.
استقبلتم شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن.
شهرا تضاعف فيه الحسنات، وتعظم فيه السيئات، أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار.
جعل الله صيام نهاره فريضة من أركان إسلامكم، وقيام ليله تطوعا لتكميل فرائضكم.
من صامه إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن قامه إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن أتى فيه بعمرة كان كمن أتى بحجة.
فيه تفتح أبواب الجنة، وتكثر الطاعات من أهل الإيمان، وتغلق أبواب النار، فتقل المعاصي من أهل الإيمان، وتغل الشياطين، فلا يخلصون إلى أهل الإيمان بمثل ما يخلصون إليهم في غيره.
أيها الناس: صوموا لرؤية هلال رمضان، ولا تقدموا عليه بصوم يوم أو يومين؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن ذلك إلا من كان عليه قضاء من رمضان الماضي، فليقضه، أو كان له عادة بصوم، فليصمه؛ مثل من له عادة بصوم يوم الاثنين أو الخميس، فصادف قبل الشهر بيوم أو يومين، أو كان له عادة بصيام أيام البيض، ففاتته، فليس عليه بأس بصيامها قبل رمضان بيوم أو يومين.
ولا تصوموا يوم الشك، وهو يوم الثلاثين من شعبان، إذا كان في ليلته ما يمنع رؤية الهلال من غيم، أو قتر، أو نحوهما؛ ففي صحيح البخاري من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تصوموا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين"[البخاري (1808) مسلم (1080) النسائي (2122) أبو داود (2320) ابن ماجة (1654) أحمد (2/5) مالك (634) الدارمي (1684)].
ومن حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين"[البخاري (1810) مسلم (1081) الترمذي (684) النسائي (2119) ابن ماجة (1655) أحمد (2/497) الدارمي (1685)].
وقال عمار بن ياسر -رضي الله عنه-: "من صام اليوم الذي يشك فيه، فقد عصى أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-".
ومن رأى الهلال يقينا، فليخبر به ولاة الأمور، ولا يكتمه.
وإذا أعلن في إذاعتكم ثبوت دخول رمضان، فصوموا، وإذا أعلن فيها ثبوت دخول شوال، فأفطروا؛ لأن إعلان ولاة الأمور ذلك حكم به؛ جاء أعرابي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبره أنه رأى الهلال، فقال: "أتشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله" قال: نعم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فأذن في الناس يا بلال أن يصوموا غدا"[الترمذي(691) النسائي (2113) أبو داود (2340) ابن ماجة (1652) الدارمي (1692)].
وصوم رمضان أحد أركان الإسلام، فرضه الله على عباده، فمن أنكر فريضته فهو كافر؛ لأنه مكذب الله ورسوله وإجماع المسلمين، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة: 183].
وقال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)[البقرة: 185].
فالصوم واجب على كل مسلم بالغ عاقل قادر مقيم، ذكرا كان أم أنثى، ليست حائضا ولا نفساء.
فلا يجب الصوم على كافر، فلو أسلم في أثناء رمضان لم يلزمه قضاء ما مضى منه، ولو أسلم في أثناء يوم من رمضان أمسك بقية اليوم، ولم يلزمه قضاؤه.
ولا يجب الصوم على صغير لم يبلغ، لكن إذا كان لا يشق عليه أمر به ليعتاده، فقد كان الصحابة -رضي الله عنهم- يصومون أولادهم، حتى إن الصبي ليبكي من الجوع، فيعطونه لعبة يتلهى بها إلى الغروب.
ويحصل بلوغ الصغير، إن كان ذكرا بواحد من أمور ثلاثة:
أن يتم له خمس عشرة سنة، أو تنبت عانته، أو ينزل منيا باحتلام، أو غيره.
وتزيد الأنثى بأمر رابع، وهو: الحيض.
فمتى حصل للصغير واحد من هذه الأمور، فقد بلغ، ولزمته فرائض الله، وغيرها من أحكام التكليف إذا كان عاقلا.
ولا يجب الصوم على من لا عقل له، كالمجنون والمعتوه ونحوهما، فالكبير المهذري لا يلزمه الصوم، ولا الإطعام عنه، ولا الطهارة، ولا الصلاة؛ لأنه فاقد التمييز، فهو بمنزلة الطفل قبل تمييزه.
ولا يجب الصوم على من يعجز عنه عجزا دائما، كالكبير والمريض مرضا لا يرجى برؤه، ولكن يطعم بدلا عن الصيام عن كل يوم مسكينا بعدد أيام الشهر لكل مسكين ربع صاع نبوي من البر، أي: أن الصاع يكفي لأربعة فقراء عن أربعة أيام.
والأحسن أن يجعل مع الطعام شيئا يأدمه من لحم أو دهن.
وأما المريض بمرض يرجى برؤه، فإن كان الصوم لا يشق عليه، ولا يضره وجب عليه أن يصوم؛ لأنه لا عذر له، وإن كان الصوم يشق عليه لا يضره، فإنه يفطر، ويكره له أن يصوم، وإن كان الصوم يضره، فإنه يحرم عليه أن يصوم.
ومتى برئ من مرضه قضى ما أفطر، فإن مات قبل برئه، فلا شيء عليه.
والمرأة الحامل التي يشق عليها الصوم لضعفها، أو ثقل حملها، يجوز لها أن تفطر، ثم تقضي إن تيسر لها القضاء قبل وضع الحمل، أو بعده، إذا طهرت من النفاس.
والمرضع التي يشق عليها الصوم من أجل الرضاع، أو بنقص لبنها من الصوم نقصا يخل بتغذية الولد تفطر، ثم تقضي في أيام لا مشقة فيها ولا نقص.
والمسافر إن قصد بسفره التحيل على الفطر، فالفطر حرام عليه، ويجب عليه الصوم، وإن لم يقصد بسفره التحيل على الفطر، فهو مخير بين أن يصوم، وبين أن يفطر، ويقضي عدد الأيام التي أفطر.
والأفضل له فعل الأسهل عليه، فإن تساوى عنده الصوم والفطر، فالصوم أفضل؛ لأنه فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولأنه أسرع في إبراء ذمته، وأخف من القضاء غالبا.
وإن كان الصوم يشق عليه بسبب السفر كره له أن يصوم، وإن عظمت المشقة به حرم أن يصوم؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان، فصام، فقيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإنما ينظرون فيما فعلت، فدعا بقدح من ماء بعد العصر، فرفعه حتى نظر الناس إليه، ثم شرب، والناس ينظرون، فقيل له: بعد ذلك إن بعض الناس قد صام، فقال: "أولئك العصاة، أولئك العصاة" [مسلم (1114) الترمذي (710) النسائي (2263)].
ولا فرق في المسافر بين أن يكون سفره عارضا لحاجة، أو مستمرا في غالب الأحيان؛ مثل أصحاب سيارات الأجرة "التكاسي" أو غيرها من السيارات الكبيرة، فإنهم متى خرجوا من بلدهم، فهم مسافرون يجوز لهم ما يجوز للمسافرين الآخرين من الفطر في رمضان، وقصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين، والجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء عند الحاجة، والفطر لهم أفضل من الصيام، إذا كان الفطر أسهل لهم، ويقضونه في أيام الشتاء؛ لأن أصحاب هذه السيارات لهم بلد ينتمون إليها، وأهل فيها يأوون غليهم، فمتى كانوا في بلدهم فهم مقيمون، وإذا خرجوا منها، فهم مسافرون لهم ما للمسافرين، وعليهم ما على المسافرين.
ومن سافر في أثناء اليوم في رمضان، وهو صائم، فالأفضل أن يتم صومه يومه، فإن كان فيه مشقة، فليفطر، ثم يقضيه.
ولا يتقيد السفر بزمن، فمن خرج من بلده مسافرا، فهو على سفر حتى يرجع إلى بلده، ولو أقام مدة طويلة في البلد التي سافر إليها إلا أن يقصد بتطويل مدة الإقامة التحيل للفطر، فإنه يحرم عليه الفطر، ويلزمه الصوم؛ لأن فرائض الله -تعالى- لا تسقط بالتحيل عليها.
ولا يجب الصوم على الحائض والنفساء، ولا يصح منهما إلا إن تطهرا قبل الفجر، ولو بلحظة، فيجب عليهما الصيام، ويصح منهما، وإن لم تغتسلا إلا بعد طلوع الفجر، ويلزمهما قضاء ما أفطرتا من الأيام.
أيها المسلمون: لقد رغب النبي -صلى الله عليه وسلم- في قيام هذا الشهر، وقال: "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"[البخاري (37) مسلم (760) الترمذي (683) النسائي (2206) أبو داود (1371) أحمد (2/423) الدارمي (1776)].
وإن صلاة التراويح من قيام رمضان، فأقيموها، وأحسنوها، وقوموا مع إمامكم حتى ينصرف، فإن من قام مع الإمام، حتى ينصرف كتب له قيام ليلة تامة، وإن كان نائما على فراشه.
وإن على الأئمة: أن يتقوا الله -عز وجل- في هذه التراويح، فيراعوا من خلفهم، ويحسنوا الصلاة لهم، فيقيمونها بتأن وطمأنينة، ولا يسرعوا فيها، فيحرموا أنفسهم ومن وراءهم الخير، أو ينقروها نقر الغراب لا يطمئنون في ركوعها وسجودها، وقعودها والقيام بعد الركوع فيها، على الأئمة أن لا يكون هم الواحد منهم أن يخرج قبل الناس، أو أن يكثر عدد التسليمات دون إحسان الصـلاة، فإن الله -تعالى-: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)[هود: 7].
لم يقل: أيكم أسرع نهاية، أو أكثر عملا.
وقد كان نبيكم -صلى الله عليه وسلم- وهو أحرص الناس على الخير، والأسوة الحسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر، كان لا يزيد على إحدى عشرة ركعة، لا في رمضان ولا في غيره.
وفي صحيح مسلم عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قـال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة"[البخاري (1089) مسلم (737) أبو داود (1340) ابن ماجة (1358) أحمد (6/276) الدارمي (1473)].
وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قام بأصحابه في رمضان، ثم ترك ذلك خشية أن تفرض على الناس، فيعجزوا عنها.
وصح عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه أمر أبي بن كعب وتميما الداري أن يقوما في الناس بإحدى عشرة ركعة.
فهذا العدد الذي قام به النبي -صلى الله عليه وسلم-، وواظب عليه، واتبعه فيه الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، هو أفضل عدد تصلى به التراويح، ولو زاد الإنسان رغبة في الزيادة لا رغبة عن السنة بعد أن تبينت له لم ينكر عليه لو زود ذلك عن بعض السلف، وإنما ينكر الإسراع الفاحش الذي بفعله بعض الأئمة، فيفوت الخير عليه وعلى من خلفه.
وفقني الله وإياكم لاغتنام الأوقات بالطاعات، وحمانا من فعل المنكر والسيئات، وهدانا صراطه المستقيم، وجنبنا صراط أصحاب الجحيم، وجعلنا ممن يصوم رمضان، ويقومه إيمانا بالله، واحتسابا لثواب الله، إنه جواد كريم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولكافة المسلمين من كل ذنب ... الخ ...
التعليقات