عناصر الخطبة
1/الرحم هم العزوة 2/ طريق القيام بحق الأقارب والأرحام 3/ ثمرات صلة الأرحام 4/ وسائل وطرق لصلة الرحم 5/ عقوبة قاطع الرحم 6/ ليست حمية الجاهلية .اهداف الخطبة
بيان حق الرحم وفضل وصلهم / الإرشاد إلى طرق صلة الرحم / التحذير من القطيعة .اقتباس
أيها المؤمنون: إن صلة الأرحام حق لكل من يمت إليك بصلة نسب أو قرابة. وكلما كان أقرب كان حقه ألزم وأوجب: ((أمك وأباك ثم أدناك أدناك)).
وطريق القيام بحق الأقارب والأرحام فشو المودة، واتساع الصدور، وسلامة القلوب.
أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون: اتقوه وأخلصوا له العبادة، اتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام.
(يَـأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء) [النساء:1].
خلقكم من نفس واحدة، فالرب واحد، والأصل واحد. أسرة واحدة انبث منها الرجال والنساء ليلتقوا في وشيجة واحدة، ويتصلوا برحم واحدة. من هذا المنطلق تقوم تكاليف التكافل والتراحم.
فأسرة الإنسان وقرابته يا عباد الله هم عدته وسنده، وهم أصله وقوته.
يقول علي رضي الله عنه: (أولئك هم عشيرتك، بهم تصول وتطول، وهم العدة عند الشدة، أكرم كريمهم، وعد سقيمهم، ويسر على معسرهم،ولا يكن أهلك أشقى الخلق بك).
أيها الإخوة في الله: ما أمر الله بتوحيده، وما نهى عن الإشراك به إلا وقرن ذلك بالإحسان إلى الوالدين والأقربين.
اقرءوا إن شئتم: (وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسَـاناً وَبِذِى الْقُرْبَىا وَالْيَتَـامَىا وَالْمَسَـاكِينِ وَالْجَارِ ذِى الْقُرْبَىا وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّـاحِبِ بِالجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَـانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً) [النساء:36 ].
(وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّـاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسَـاناً) [الإسراء:23].
ثم قال سبحانه: (وَءاتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ) [الإسراء:26].
أيها المؤمنون: إن صلة الأرحام حق لكل من يمت إليك بصلة نسب أو قرابة. وكلما كان أقرب كان حقه ألزم وأوجب: ((أمك وأباك ثم أدناك أدناك)).
وطريق القيام بحق الأقارب والأرحام فشو المودة، واتساع الصدور، وسلامة القلوب.
إن أعظم ما امتن الله به على الزوجين اللذين هما أصل الأسرة ونواتها، أن جعل المودة والرحمة بينهما (وَمِنْ ءايَـاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْواجاً لّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) [الروم:21].
إن أساس التواصل والرباط الموثق هو التواد والتراحم، وإذا فقد ذلك تقطعت الأوصال، واستشرى الفساد، وحقت لعنة الله عياذاً بالله: (وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَـاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِى الأرْضِ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوء الدَّارِ) [الرعد:25].
إن صلة الرحم بركة في الأرزاق، وتوفيق في الحياة، ويكتب الله بها العزة والمنعة، وتمتلئ القلوب بها إجلالا وهيبة.
أخرج الإمام أحمد وابن ماجه – ورواة أحمد ثقات - عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً: ((.. وصلة الرحم وحسن الخلق وحسن الجوار يعمران الديار ويزيدان الأعمار)).
وروى البزار بإسناد جيد والحاكم عن علي رضي الله عنه قال: (من سره أن يمد له في عمره ويوسع له في رزقه ويدفع عنه ميتة السوء فليتق الله وليصل رحمه).
وفي صحيح البخاري مرفوعاً: ((من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أجله فليصل رحمه)).
وفي الخبر: ((صلة الرحم محبة في الأهل، ومثراة في المال، ومنسأة في الأثر)) أي زيادة في المال والعمر وبركة فيهما.
بصلة الأرحام تقوى المودة، وتزيد المحبة، وتتوثق عرى القرابة، وتزول العداوة والشحناء، ويحن ذو الرحم إلى أهله.
ولتعلموا رحمكم الله أن صلة الرحم والإحسان إلى الأقربين ذات مجالات واسعة ودروب شتى: فمن بشاشة عند اللقاء، ولين في المعاملة.. إلى طيب في القول، وطلاقة في الوجه. إنها زيارات وصلات، وتفقد واستفسارات، مكالمة ومراسلة، إحسان إلى المحتاج، وبذل للمعروف، وتبادل في الهدايا. ينضم إلى ذلك غض عن الهفوات، وعفو عن الزلات، وإقالة للعثرات. عدل وإنصاف، واجتهاد في الدعاء بالتوفيق والصلاح.
وأصدق من ذلك وأعظم مداومة الصلة ولو قطعوا، والمبادرة بالمغفرة إذا أخطأوا، والإحسان إليهم ولو أساءوا.
إن مقابلة الإحسان بالإحسان مكافأة ومجازاة، ولكن الصلة الواصلة بينت في قول نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم: ((ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها)).
وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: يا رسول الله: إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عليهم ويجهلون علي. فقال عليه الصلاة والسلام: ((لئن كان كما تقول فكأنما تسفهم المل (أي تطعمهم الرماد الحار في أفواههم) ولا يزال معك من الله ظهير مادمت على ذلك)) .
ومع كل ذلك أيها المؤمنون ومع هذه الآيات والأحاديث فإن في الناس من تموت عواطفه، ويزيغ عن الرشد فؤاده، فلا يلتفت إلى أهل، ولا يسأل عن قريب.
إن العار والشنار، فيمن منحه الله جاهاً وأحسن له رزقاً، ثم يتنكر لأقاربه أو يتعالى عليهم. بل قد يترفع أن ينتسب إليهم فضلا عن أن يشملهم بمعروفه ويمد لهم يد إحسانه.
وإن قطيعة الرحم شؤم وخراب، وسبب للعنة وعمى البصر والبصيرة: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِى الأرْضِ وَتُقَطّعُواْ أَرْحَامَكُمْ أَوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىا أَبْصَـارَهُمْ) [محمد:22-23].
إن تقطيع الأرحام من أعظم كبائر الذنوب، وعقوبتها معجلة في الدنيا قبل الآخرة.
أخرج أبو داود والترمذي وصححه الحاكم عن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم)).
وروى الإمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد – ورواة أحمد ثقات – عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أعمال بني آدم تعرض كل عشية خميس ليلة الجمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم)).
ونقل عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان جالساً بعد الصبح في حلقة فقال: (أنشد الله قاطع الرحم لما قام عنا، فإنا نريد أن ندعو ربنا، وإن أبوب السماء مرتجة – أي مغلقة – دون قاطع الرحم).
أيها الإخوة: إن أسرع الخير ثواباً البر وصلة الرحم، وأسرع الشر عقوبة البغي وقطيعة الرحم، ومع هذا ترى في بعض من قل نصيبهم من الخير يسارع في قطع صلاته بأقاربه لأدنى سبب؛ إما لكلمة سمعها، أو شيئاً صغيراً رآه، وما درى أنه بهذا قد يجر إلى نفسه وأهله العداوة والجفاء، فيستحقون اللعنة وزوال النعمة وسوء العاقبة: (وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَـاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِى الأرْضِ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوء الدَّارِ) [الرعد:25].
ولقد أوصى زين العابدين علي بن الحسين ابنه رضي الله عنهم أجمعين فقال: (لا تصاحب قاطع رحم؛ فإني وجدته ملعوناً في كتاب الله في ثلاثة مواضع).
فاتقوا الله وصلوا أرحامكم، فأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض. قدموا لهم الخير ولو جفوا، وصلوهم وإن قطعوا، يدم الله عليكم بركاته، ويبسط لكم في الأرزاق، ويبارك في الأعمار.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإْحْسَانِ وَإِيتَآء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْي يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90 ].
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وبسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمد في الآخرة والأولى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بعثه بالرحمة والهدى، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الأصفياء وأصحابه النجباء والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون، واعلموا أن حق القريب رحم موصولة، وحسنات مبذولة، وهفوات محمولة، وأعذار مقبولة. وكما قيل: لا تقطع القريب وإن أساء فإن المرء لا يأكل لحمه لو جاع.
أيها المؤمنون: لئن كانت صلة الرحم تعني الإحسان إلى المحتاج، ورفع الظلم عن المظلوم، والمساعدة على وصول الحق. فليس من صلة الرحم المناصرة على الباطل والعون على الظلم والبغي والعدوان، فما هذا إلا الحمية الجاهلية الممقوتة، تفشو بها العداوة، وينشر بها الفساد، وتتقطع بها الأرحام.
ولن يكون البغي والعدوان طريقاً إلى الحق، أو سبيلا إلى العدل والخير. فاعرفوا الحق وميزوه عن الباطل، ولا تأخذكم العزة بالإثم، واستقيموا على أمر ربكم. أطعموا الطعام وأفشوا السلام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام.
التعليقات