عناصر الخطبة
1/سنة تدوال الأيام بقدر الله ومشيئته وعدم التعارض بين ذلك وبين فعل الأسباب 2/ثبات السنن الكونية 3/نظرة أصحاب المادة وأصحاب العقيدة الصحيحة لقضية الصراع بين الحضارات والنصر والهزيمة 4/فشل أمريكا في فرض حضارتها على الكرة الأرضية 5/سنة زوال الدول 6/بعض خصائص ومميزات الحضارة الإسلامية عن الحضارات الجاهلية 7/شن الصليبية والصهيونية الحرب على المسلمين 8/تخطيط أوربا الصليبية القضاء على الدولة العثمانية 9/صحوة المسلمين ورجوعهم إلى الإسلام بفعل الحروب الصليبية 10/بعض الشواهد والأمثلة على حماقات الصليبية في حروبها ضد المسلمين ونتائج تلك الحماقاتاهداف الخطبة
اقتباس
هذه الأمة قد تمرض لكن لن تموت. هذه الأمة لها كتاب سماوي محفوظ بحفظ الله، لا يناله التغيير ولا التحريف، هو دستور الحياة بالنسبة لها وبالنسبة للبشر كافة، والأمة تضعف أو تقوى بمقدار ما تقترب أو تبتعد من منبع الحياة والقوة والتمكين، ولكنها بوعد الله ووعد رسوله -صلى الله عليه وسلم- لا تبتعد البعد الذي يفصلها عن منبعها كل الفصل؛ لأن...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله...
أما بعد:
أيها المسلمون: تدوال الأيام سنة من سنن الله: (وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)[آل عمران:140].
وهي تجري دائماً بقدر من الله ومشيئة: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَاب)[آل عمران: 26-27].
وكونها تجري بقدر من الله ومشيئة؛ لا يتعارض مع وجود الأسباب الظاهرة التي تؤدي إلى النتائج، ولكنها لا تؤدي إلى نتائجها من ذات نفسها، بل بقدر من الله في كل مرة: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)[القمر: 49].
ومن فضل الله على الإنسان: ثبات السنن التي تجري بها الأمور في الكون المادي وفي حياة البشر، ولكن تضل مشيئة الله -تعالى- فوق ذلك يفعل ما يشاء.
أيها المسلمون: سنة التداول يصاحبها سنة الصراع بين القوى الموجودة في الأرض، وتغليب إحداها على غيرها بمقدار ما تحمل من مقومات الغلبة.
وهنا تختلف النظرة وتختلف الموازين؛ فيرى الماديون: أن الأسباب المادية هي التي تحكم الصراع وتقرر الغلبة، فالذي يملك من القوى المادية أكثر، سواء العسكرية أو التكنولوجية أو الاقتصادية أو البشرية هو الذي تكون له الغلبة في الصراع.
ونرى نحن أصحاب العقيدة: أن هناك معايير أخرى تدخل في الحساب وليست القوة المادية وحدها هي التي تقرر الغلبة في جميع الحالات، وأنه أولاً وأخيراً قدر الله: (قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ)[آل عمران:13].
لقد أيد الله الفئة القليلة المؤمنة على ثلاثة أمثالها من الكفار في غزوة بدر بقدر منه: (لِّيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً)[الأنفال:42].
ولكنه جعل السبب الظاهر المصاحب لقدر الله، والذي يجري قدر الله من خلاله، هو: الإيمان مقابل الكفر، وهو قوة روحية وليست مادية، ولكنه أثقل في الوزن من القوى المادية المجردة من الإيمان.
وفي مرة أخرى، أو في درس آخر من دروس التربية الربانية لهذه الأمة، كانت القوة المادية في صف المسلمين، ولكنهم غفلوا لحظة عن بعض حقائق الإيمان، فظنوا أن القوة الظاهرة في جانبهم ستكفل لهم النصر على أعدائهم من تلقاء ذاتها، وذلك يوم حنين، حين كان تعدادهم اثني عشر ألفاً، فقالوا: "لن نغلب اليوم من قلة".
فأصابتهم الهزيمة بقدر من الله، حتى عادوا فتذكروا أن التسليم لله ورد الأمر إليه والتوكل عليه، جزء من عدة القتال للفئة المؤمنة، مع اتخاذ الأسباب ولكن دون تعلق بها: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِين)[التوبة: 25-26].
أيها المسلمون: وفي عالمنا الحاضر تحاول أمريكا أن تفرض حضارتها وسلطانها على الأرض كلها، ويكتب كاتبهم، ويقول: "إن صراع الحضارات سينتهي بفَناء كل الحضارات، وبقاء الحضارة الأمريكية لتكون، هي النموذج الفذ الذي تحتذيه الأمم كلها إن أرادت أن تستمر على قيد الحياة! وإلا فالويل لمن أراد أن يشذ، ويتخذ لنفسه سبيلاً غير سبيل أمريكا العظمى!".
ونحن نقول: أن هذا وهمٌ وقع فيه كثيرون من قبل، وهو مضاد لمشيئة مسبقة من الله: (وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) [هود: 118- 119].
والله -تعالى- يقول مخاطباً الطغاة على مدار التاريخ: (أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ، وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمْ الأَمْثَالَ * وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ)[إبراهيم: 45- 46].
هل هناك سنة لزوال الدول؟
يؤكد هذا ابن خلدون: أن الأمم كالأفراد، تولد ثم تشب ثم تبلغ أشدها ثم تهرم فتموت.
وقد يكون الأمر في ظاهره كذلك، ولكن إذا دققنا النظر نجد أن فناء الأمم حين يحدث تكون له أسبابه في تصرفات الأمم ذاتها، وليس كموت الأفراد الذي هو قدر مسبق من أقدار الله يوم خلق الإنسان، لا يعتمد في حدوثه على عمل معين من جانب الإنسان: (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ)[المؤمنون:15].
أما الأمم فلها قدر آخر، إن حالها لا يتغير إلا إذا تغيرت نفوس الناس فيها بالخير وبالشر سواء: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ) بالأنفال:53].
والأغلب في حياة الأمم التي قدّر الله لها التمكين في الأرض فترة من الزمن ثم زالت، أن تمر بمراحل معينة من مولدها إلى زوالها.
فحسب السنن الربانية لا بد لها لكي تُمكّن في الأرض بعد مولدها أن تكون لديها إرادة البقاء وإرادة التمكين، وأن تتمثل هذه الإرادة وتلك في جهد عملي تسعى به الأمة إلى حيازة أسباب القوة حسبما هو واقع في عصرها، سواء قوة السلاح والحرب، أو قوة السياسة في داخل كيانها، أو القوة العلمية أو القوة الاقتصادية.
ولا بد من عزيمة قوية وقدرة على بذل الجهد بلا ملل، حتى تتحقق الأهداف.
ثم يبدأ الصراع بينها وبين من حولها حين تصل درجة معينة من النمو، إما برغبة منها في مزيد من التوسع أو بخوف من جيرانها أن تتجه إليهم بقوتها فيبادرونها بالصراع من جانبهم، بأيٍّ من أدوات الصراع: الحرب أو السياسة أو كلا الأمرين معاً.
وفي فترة شباب الأمة وفتوتها يكون هذا الصراع حافزاً لمزيد من التشبث بالأهداف، ومزيد من الرغبة في الانتصار على الأعداء.
وهذه في تاريخ الأمم هي أنشط المراحل وأغزرها إنتاجاً في كل اتجاه.
ثم تجيء فترة تتحقق للأمة فيها السيطرة والتمكن، ولكن على حذر من الأعداء أن يفكروا في العدوان عليها، فتستمر في بذل الجهد وفي السعي إلى امتلاك وسائل القوة، ولكن على تمكن واطمئنان داخلي إلى أن لديها من القوة ما تستطيع به أن تردع أي طامع في العدوان.
وهنا بعد فترة من الزمن يبدأ خط الانحدار! تمضي فترة تتقرر فيها الغلبة بوضوح للأمة على من حولها، فتطمئن إلى قوتها اطمئناناً زائداً عن القدر اللازم، ولا تعود تعطي اهتماماً للقوى الخارجية المناوئة أو المنافسة، ويكون لدى الأمة من أسباب الغنى ما يحملها على الترف والتراخي فيبدأ الاضمحلال.
فإذا قامت إلى جوارها أمة فتية، تحمل من مقومات الصراع ما فقدته تلك في طمأنينتها أو في ترفها وتراخيها، فسرعان ما تتغلب القوة الجديدة، وتتجه الأولى إلى الزوال أو البقاء على هامش التاريخ.
أيها المسلمون: إذا كانت هذه سنة الله في مداولة الأيام بين الأمم والجماعات، فهي تجري من خلال أعمال تقوم بها تلك الأمم سواء في الصعود أو الهبوط، نابعة من أشياء في النفس، تتغير فيغير الله الأحوال بمقدار ما تَغَيّرَ في داخل النفوس، وما تغيّر تبعاً لذلك من أعمال في واقع العيان.
ولقد مرت الأمة الإسلامية بتلك السُنّة التي لا تتبدل ولا تتحول، فذهبت دولة بني أمية حين بدأ يدب إليها الترف وتغفل عن تنامي قوة أعدائها، وذهبت الدولة العباسية، ثم دولة المماليك، ثم الدولة العثمانية على نسق متقارب في كل مرة، وحدث الشيء ذاته مع دولة الأندلس في الغرب.
ولكن السؤال:
هل تسري سنة الفناء على الأمة الإسلامية بصرف النظر عن الدولة الحاكمة؟.
الجواب:
نقول باطمئنان أن هذه الأمة هي أطول الأمم عمراً في التاريخ الحديث، وأنها -بإذن الله- لا تفنى حتى يرث الله الأرض وما عليها، بناء على وعد دائم من الله -تعالى- أن يمكّن لها في الأرض كلما حازت شروط التمكين: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا)[النــور:55].
ووعد من رسوله -صلى الله عليه وسلم-: "يبعث الله على رأس كل قرن من يجدد لهذه الأمة أمر دينها" [رواه أبو داود في سننه].
وهذا هو مفرق الطريق بينها وبين الأمم التي بادت في التاريخ.
هذه الأمة قد تمرض لكن لن تموت.
هذه الأمة لها كتاب سماوي محفوظ بحفظ الله، لا يناله التغيير ولا التحريف، هو دستور الحياة بالنسبة لها وبالنسبة للبشر كافة، والأمة تضعف أو تقوى بمقدار ما تقترب أو تبتعد من منبع الحياة والقوة والتمكين، ولكنها بوعد الله ووعد رسوله -صلى الله عليه وسلم- لا تبتعد البعد الذي يفصلها عن منبعها كل الفصل؛ لأن الله يبعث لها من يعيدها أو يدعوها للعودة إليه.
وقد مرت بهذه الأمة من الأهوال والكوارث ما كان كفيلاً بالقضاء على أي أمة ليس لها أصل محفوظ وجذور ضاربة في الأعماق: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون)[إبراهيم: 24-25].
تلك الكلمة الطيبة هي: "لا إله إلا الله" بكل ما تحمل من نور، يُخرج الله به الناس من الظلمات.
وقد انبثقت من هذه الكلمة الطيبة حضارة أضاءت وجه الأرض في يوم من الأيام، لا بين معتنقيها فحسب، بل كذلك في الذين حاربوها بكل قوتها، ولكنهم لم يملكوا أنفسهم من التأثر بها والاستفادة منها. ثم ابتعدت الأمة عن المنبع فخبا نور الحضارة التي أضاءت وجه الأرض ذات يوم، فملأ مكانها حسب سنة التداول حضارة جاهلية، تقدمت في بعض جوانب الحياة تقدماً هائلاً، لكنها انتكست في الجوانب الأخرى انتكاساً لا مثيل له في التاريخ!.
وتلك الحضارة الجاهلية هي التي تريد اليوم أن تملك الأرض وتتزعم العالم وتبيد غيرها من الحضارات.
كلا وألفُ كلا، إنها لا تملك من أسلحة الصراع الحقيقية إلا القوة المادية، وتلك وحدها بغير قيم روحية وأخلاقية مصاحبة لا تضمن لصاحبها الاستمرار، بل إنها بتوهمها أنها بقوتها المادية وحدها تستطيع أن تملك العالم وتتزعمه وتبيد غيرها من الحضارات لتكشف عن نقطة الضعف الكبرى في كيانها التي تؤهلها لا للزعامة بل للانحدار.
والإسلام هو الحضارة التي يمكن أن يُكتب لها البقاء بالمقومات الربانية التي أودعها الله فيه.
والصحوة الإسلامية مبشر يبشر بهذه العودة، وإن استغرق الأمر قدراً من الزمن، لا يعتبر شيئاً يُذكر من عمر الأمم.
والغرب في دخيلة نفسه يخشى هذا الأمر، ويحسب له كل حساب.
يخشى الصحوة الإسلامية وما يمكن أن يترتب عليها من نتائج في زعامة الغرب وسيطرته وتفرده بالسلطان.
ولو تعقل الغرب لما أفزعه الإسلام، ولا جنّد طاقته كلها للقضاء عليه! فهو المنقذ الذي يمكن أن ينقذ الغرب ذاته من التردي في هاوية الظلمات، ولكن البشر لا يحكمون عقولهم حين تستولي عليهم الأهواء: (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ)[يوسف:21].
بارك الله...
الخطبة الثانية:
الحمد لله...
أما بعد:
أيها المسلمون: غني عن البيان أن هناك حرباً ضارية مشبوهة ضد الإسلام والمسلمين في الوقت الحاضر، وهي حرب صليبية صهيونية مهما حاول أهلها أن يخفوا وجهها القبيح، تحت مختلف اللافتات والعناوين، ومهما حاول الإعلام العربي المنقول نقلاً حرفياً عن الإعلام الغربي، أن يجاري الغرب في إخفاء الوجه القبيح لهذه الحرب.
لقد خططت أوربا الصليبية ودبرت للقضاء على الدولة العثمانية، طيلة مائتي عام على الأقل، وأفلحت في النهاية في القضاء عليها بعد جهاد طويل.
وكان في تفكيرهم وتقديرهم البشري أنهم إذا قضوا على الدولة العثمانية، فإنهم يقضون على الإسلام كذلك.
وبالفعل أحدث انهيار الدولة العثمانية زلزالاً هائلاً في العالم الإسلامي، وسارعت معاول الهدم تستغل الزلزال لتكمل التدمير.
ولكن الصليبية فوجئت بالصحوة الإسلامية وبالحركات الإسلامية خرجت من هنا وهناك بعد الجهد الضخم الذي بذلته في القضاء على الدولة العثمانية، فظهرت حركة إسلامية في مصر، وحركة إسلامية في الهند، وحركة إسلامية في السودان، وحركة إسلامية في الجزيرة العربية، وحركة إسلامية في المغرب العربي، وغيرها وغيرها، فجن جنونها، وأقبلت تضرب ضربات حادة مجنونة تحاول بها القضاء على الصحوة التي جاءتهم على غير انتظار.
أيها المسلمون: إن الشطط والغباء الذي تركتبه الصليبية الصهيونية سيكون هو ذاته وقوداً لحركة إسلامية لا يستطيع الغرب الصليبي وقفها، ولو استعان بكل الأعوان الذين يقومون اليوم بمعاونته في ممارسة شططه.
إن الانفجارات الكبرى في التاريخ قد حدثت كلها حين استوى عند الناس الموت والحياة.
والصليبية الصهيونية تدفع المسلمين بحماقة إلى النقطة الحرجة التي يستوي فيها الموت والحياة.
خذ هذه الأمثلة السريعة من الواقع القريب:
حماقة الصرب في بلاد البوسنة والهرسك، ووقوف العالم الصليبي كله ساكناً يتفرج، ومئات الألوف يبادون إبادة جماعية ويُعذبون ويُحرقون ويُعتدى على نسائهم ويقتل أطفالهم أمام أعينهم، في الوقت الذي يمنع عن البوسنويين كل سلاح لكي لا يتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم، ولا وقف المجازر التي تحل بهم، واستمرار ذلك لا أياماً ولا أسابيع ولا شهوراً، بل سنوات.
وحماقة إسرائيل في فلسطين في القتل الجماعي، وهدم البيوت على أصحابها، وطرد أهلها منها، وتدنيس المقدسات، وأمريكا واقفة تساند الجرائم كلها التي ترتكبها إسرائيل وتدافع عنها، وتمدها بالمال والسلاح بغير حساب، وتعينها على إنتاج أسلحة الدمار الشامل بينما تشن الغارة على أماكن في العالم الإسلامي بحجة الاشتباه في إنتاج مواد يمكن أن تساعد في إنتاج أسلحة لا توازي في خطرها عُشر معشار ما تملكه إسرائيل.
ووقوف الصليبية الصهيونية مع حماقة الهند في هدم المساجد وإقامة الأوثان بدلاً منها، وتقتيل المسلمين في كشمير، والإغارة على القرى المسلمة وإشعال النار على أهلها أحياء، فإذا فروا من النيران قبضت عليهم بتهمة التخريب وزجت بهم في السجون لتعذبهم.
وحماقة الصليبية الصهيونية اليوم في وقوفها مع النظام النصيري في سوريا، وهو يتفرج على هذه البراميل التي يسقطها النظام يومياً على مساكن الآلاف من الأسر والعوائل العزّل، ويموت يومياً المئات والعالم لا يحرك ساكناً.
وعشرات من الحماقات ومئات ترتكبها الصليبية الصهيونية يومياً، سواء فيما يسمى المحافل الدولية حين تعرض قضية تمس المسلمين أو في العمل على تدمير اقتصاديات المسلمين وإذلالهم وسلب أقواتهم وتحويلهم عبيداً خاضعين للغرب.
هذه الحماقات كلها ما نتيجتها؟ ما نتيجتها حين يستوي عند الناس الموت والحياة إلا الانفجار، كما حدثت كل انفجارات التاريخ؟!.
أيها المسلمون: في أوائل الخمسينيات من هذا القرن ألقى المؤرخ البريطاني الشهير "توينبي" محاضرة عن الإسلام بعنوان: "الإسلام والمستقبل" قال فيها: "إن الإسلام اليوم نائم نومة أهل الكهف، ولكن النائم قد يستيقظ إذا وجدت دواعي اليقظة، وقد أثبت الإسلام وجوده في مناسبتين كبيرتين في الماضي، الأولى: حين اكتسح في سنوات قليلة نصف الإمبراطورية الرومانية، والثانية: حين صمد للحروب الصليبية وانتصر عليها.
واليوم إذا استمر الغرب في الضغط على شعوب العالم الثالث فقد يجد الإسلام الفرصة لتزعم ثورة تلك الشعوب على الضعط الغربي" قال: "وأرجو ألا يحدث ذلك!".
إن كان من تعليق على كلام "توينبي" فنقول: الذي كان يخشاه توينبي قبل نصف قرن يوشك اليوم أن يحدث بسبب استمرار الغرب في حماقة الضغط على الشعوب الإسلامية إلى الحد الذي يولد الانفجار.
اللهم...
التعليقات