عناصر الخطبة
1/ شهادة الكون بوحدانية خالقِه تعالى 2/ شهادة الكون بقدرته تعالى المطلقة وعلمه الكليّ 3/ استقراء آيات الكون سبيل التوحيد 4/ مسائل تتعلق برمضان والعيداهداف الخطبة
اقتباس
فالكون كلُّه أُنشودةٌ عذبةٌ تصدح بقدرةِ خالقه، هو معبد تتجاوبُ أرجاؤه بتسبيح الله -تعالى-، هو معرِضٌ تتجلى فيه آثار الصانع -سبحانه وتعالى-؛ فتشهد له بالجمال والجلال والكمال.
الخطبة الأولى:
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ * هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ * وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ) [الأنعام:1-3].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102]
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا) [الأحزاب:41-43].
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم وبارك عليه:
صلاة ربي عليه *** تعطّر الخافقينِ
في كل خفقة قلبٍ *** وكل طرفة عين
ففضل أحمدَ بادٍ *** لكل ذي عينين
إذ إنه فضل ربي *** ورحمة الثقلين
لا إله إلا الله! الله ربي لا أريد سواه...
عباد الله: ثمة منشأة بها مبنى إداريٌّ ملحق به مصنع، محاطة بجدار، وبين ذلك المبنى الإداري والجدار مبانٍ متعددة متناثرة هنا وهناك لكل منها وظيفتها، أبرزها محطات وقود متنقلة تصل لمكان الحوجة.
تدخل المواد للمنشأة عبر الجدار بطرق أبرزها أن ناقلة تخرج من الداخل للجدار لتحمل المواد المطلوبة فقط وتدخلها، فهذه المنشأة دقيقة جدا في ضبط ما يدخل لها.
العمل في هذه المنشأة دائب دائم ليل نهار، تقع هذه المنشأة على مساحة صغيرة جداً، ليست كيلو مترا، ولا مترا، ولا ملتمترا، بل إنها تقع في مساحة لا ترى بالعين المجردة، ولا بالمجهر العادي، ترى فقط بالمجهر الإلكتروني الذي يكبّر حجم الشيء ربع مليون مرة!.
بهذا المجهر رأى العلماء هذه المنشأة وأطلقوا عليها اسم: الخلية، وهي أصغر وحدة في بناء الكائن الحي، كل أجسام الأحياء تتكون من خلايا.
يتكون جسم الإنسان من ستين تريليون خلية، أي: ستين مليون مليون خلية!.
إذا كانت الخلية عبارة عن منشأة تتكون من منشآت، فمم تتكون الخلية نفسها؟ الخلية، وكل المواد تتكون من ذرات، الذرة هي أصغر وحدة في بناء المواد، الذرة لا يمكن أن تُرى أبداً، وهي تتكون من جسم، تدور حوله أجسام، أسمى العلماء ذلك الجسم بالنواة، وتلك الأجسام التي تدور حوله بالإلكترونات.
مُثار الدهشة -أيها الإخوة المؤمنون- أن الإلكترونات تدور حول النواة بصفة مستمرة، بذات القوانين التي تدور بها الكواكب حول الشمس! تعمل الذرة بنفس قوانين المجرة، مما يدل على أن خالق الذرة هو خالق المجرة! الكون كله تحكمه قوانين واحدة، وهو يخدم بعضه بعضاً.
فكرة القنبلة الذرية منبنية على إخراج الإلكترون من مداره! إذا خرج الإلكترون، الذي لا يُرى أبدا لصغره، من مداره حول النواة، حدث انفجار هائل، فالقنبلة الذرية نسبة إلى (الذرة)! فما بالك إذا خرج كوكب أو نجم عن مداره؟ (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) [فاطر:41].
هذا الكون كله يعمل في انسجام تام، وتناسق فريد، يكمل بعضه بعضاً، ويخدم بعضه بعضا، ضوء الشمس يسقط على ورقة النبات فتكوّن خلاياه الغذاء بربط الهواء والماء بطاقة الشمس، يأكل الإنسان والحيوان هذا النبات فتفكّك المصانع داخل الجسم الغذاء إلى مكوناته الأصلية: ماء وهواء وطاقة، فيخرج الماء والهواء مع النفَس وغيره، وتتحرر الطاقة التي ربطتهما فيستغلها الجسم في حياته وحركته! فأجسام الأحياء تعمل بالطاقة الشمسيّة.
النجوم تهدي الناس، وتزين لهم سماءهم، وتلعب دورا مهما في المناخ، كل هذا في خدمة الإنسان، قال -تعالى-: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الجاثية:13].
قطعة الخبز التي أمامك سُخّر فيها المطر، والتربة، والشمس، والمزارع، والتجار، والخبّاز، وغيرهم، (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا. وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ) [عبس:24-31].
فالكون كلُّه أُنشودةٌ عذبةٌ تصدح بقدرةِ خالقه، هو معبد تتجاوبُ أرجاؤه بتسبيح الله -تعالى-، هو معرض تتجلى فيه آثار الصانع -سبحانه وتعالى-؛ فتشهد له بالجمال والجلال والكمال.
فإذا رأيتَ النهر بالعذب الزُّلالِ *** جرى فسَلْه من الذي أجراكَا؟
وإذا رأيت البحر بالملح الأُجاج *** طغى فسَلْه من الذي أطغاكا؟
وإذا رأيت الليل يغشى داجيًا *** فاسأله من يا ليل حاك دُجاكا؟
وإذا رأيت الصُّبح يسفر ضاحيًا *** فاسأله من يا صبح صاغ ضُحَاكا؟
ستجيب ما في الكون من آياته *** عجبا عجابا لو ترى عيناكا
ربي لك الحمد العظيم لذاكا *** حمدًا وليس لواحد إلاَّكا
يا مدرك الأبصار والأبصار *** لا تدري له ولِكُنْهِهِ إدراكا
إن لم تكن عيني تراك فإنني *** في كل شيء أستبين عُلاكا
فكل شيء يسبح بحمده -تعالى-، (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) [الإسراء:44]، (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيم) [الجمعة:1].
ومع هذا التشابه الفريد في الكون الذي يدل على وحدانية خالقه، اختلافات كبيرة جداً تبين أن خالق هذا الكون على كل شيء قدير، وأنه بكل شيء عليم، المصانع في الإنسان تنتج أحماضا أسماها العلماء بـالــ "دي. إن. إي"، يختلف تركيبها عن أي شخصين ولو كانا توأمين، مثلها مثل بصمة الأصبع، وبصمة العين، والصوت! لا يتطابق شيئان! التعريق، أي شكل العروق الصغيرة، في أي نبات، مثل النيم، لا يتطابق أبدا في ورقتين!.
(ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الأنعام:102-103].
فتفكروا -عباد الله- في مخلوقاته، فهذا هو المنهج القرآني السديد في معرفة الله -سبحانه وتعالى-، ولا تفكروا في ذاته فتهلكوا. هذا حديث صحّح العلماء معناه. فإن الله -سبحانه- لا تدركه الأبصار، أي: لا تصل إلى فهم كنهه العقول.
إذا كنا أنا وهذا الجهاز مخلوقَين من تراب، وسنؤول إلى تراب، وهو لا يستطيع أن يعلم عن كنهي شيئاً، ومصدرنا واحد، ومصيرنا في الأرض واحد، فكيف سأعرف أنا شيئاً عن خالقي -سبحانه-! والمسافة بيني وبين خالقي غير محدودة؟.
إن الإنسان لا يستطيع أن يتخيل شيئا إلا إذا ركبه من أشياء رآها من قبل، لا يستطيع الإنسان أن يتخيل شيئا لم يره، إذا جلست سنين تتخيل لوناً غير الألوان التي رأيتها فلن تستطيع! وإذا ذهبت الآن لمعرض ألوان (دهانات) فسترى ألونا لم ترها من قبل. فمن يتخيل ربه -تعالى- يكون قد شبهه بمخلوقاته التي رآها، فهو (مشبه)، لذلك قال العلماء: كل ما يخطر ببالك، فالله ليس كذلك!.
روى البيهقي عن الإمام الشافعي -رضي الله عنه- أنه قال: "من انتهض لمعرفة مدبّره فاطمأن إلى موجود ينتهي إليه فكره فهو مشبه، وإن اطمأن إلى العدم الصرف فهو معطل، وإن اطمأن إلى موجود واعترف بالعجز عن إدراكه فهو موحد".
ينسب إلى سيدنا أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- أنه قال:
العجز عن درك الإدراك إدراكُ *** والبحث في ذاته كفرٌ وإشراكُ
الإمام الطحاوي، صاحب العقيدة الطحاوية، قال في كتابه ذاك: "تعالى الله عن الحدود، والغايات، والأركان، والأعضاء، والأدوات، لا تحويه الجهات الست كسائر المبتَدَعَات".
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.
عباد الله: فرض رسولنا الكريم زكاة الفطر طُهرةً للصائم، وطعمة للمساكين، حددها مجمع الفقه باثني عشر جنيها تخرج عن الصغير والكبير والذكر والأنثى، ويؤثم من يؤخرها إلى ما بعد صلاة العيد لتهاونه وإهماله.
قد يكون العيد يوم الجمعة، والذي عليه دار الإفتاء المصرية وعلماء السعودية كابن باز والألباني وابن عثيمين، وقال به أيضا القرضاوي وأحمد علي الأزرق، أن من صلى العيد سقط عنه وجوب الجمعة، ويمكن أن يصليها ظهراً أربع ركعات، وهذا رأي الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله-.
سنن العيد وآدابه معروفة: التجمل والتزين والتطيب وإظهار الفرح والسرور، من السنة تناول تمرات قبل الخروج للمصلى، والتكبير، وغير ذلك من آداب تكون بعد صلاة العيد يحسُن بسط الحديث عنها في خطبة العيد.
تخرج النساء لصلاة العيد، حتى الحُيّض، يعتزلن المصلى، ولكن يشهدن الخير مع المسلمين.
الذي عليه العلماء، أن تجديد الأحزان صباح العيد على الموتى مكروه شديد الكراهة، ذلك لأن يوم العيد يوم فرح وسرور، ينبغي أن لا تُثار الأحزان فيه، وإن ثارت فعلينا أن نقتصر على الترحم لهم، والتضرع للمولى -تعالى- بقبولهم قبولا حسناً.
ما زلنا في أفضل ليالي العام، العشر الأواخر من رمضان، فعلينا أن نجدّ ونشمر، لعلنا ندرك ليلة القدر، ولْنكثر من الدعاء الذي علمه سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأمنا عائشة لتقوله في هذه الأيام المباركات: "اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا".
اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا، ارحم موتانا، واشف مرضانا، وعاف مبتلانا، وأعتق رقابنا ورقاب والدينا من النار، إنك رحيم رحمان غفور غفار، واحفظ بلادنا من كيد الأشرار، وصل وسلم وبارك على النبي المختار.
التعليقات