الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر
الدعوة إلى الله تعالى وظيفة شريفة وعمل صالح جليل، لا يُوفَّق للقيام به والتصدي له ـ عن إخلاص لله تعالى وأهليَّة وحسن أداء ـ إلا كُمَّلُ الرجال والنساء وخواص الخلق.
ومن أدلة شرفها وفضلها وعلو مقام أهلها عند الله تعالى في الدنيا والآخرة ما يلي:
1- أن الله تعالى أضافها إليه، فجعلها من أفعاله وإحسانه إلى خلقه، كما قال تعالى ﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [البقرة: 221] ، وقال تعالى: ﴿ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾ [إبراهيم: 10].
ومن ذلك قوله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ﴾ [البقرة: 21] ، وقوله: ﴿ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ ﴾ [الزمر: 16] ،، وقوله: ، ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 152] ، وقوله تعالى: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ﴾ [النساء: 36].
2- أنه تبارك وتعالى قد انتدب لها أشرف خلقه من رسله وأنبيائه، ومن ورثتهم في العلم والعمل من العلماء الربانيين، والأخيار العاملين وصالحي المؤمنين، كما قال تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ﴾ [الأنبياء: 73]، وقال في أتباعهم: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 24].
3- أنها دعوة لإيصال أعظم حق: وهو التوحيد بأنواعه لمستحقه وهو الله تعالى، قال تعالى: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ﴾ [النساء: 36] وقال تعالى: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [آل عمران: 18] وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21].
والنهي عن الشرك به، أي: صرف حقه أو شيء منه لأحد من خلقه كائنًا من كان، ولذا قال تبارك وتعالى: ﴿ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 22].
ولقد بعث جميع الرسل والنبيين إلى قومهم داعين إلى هذا الأمر العظيم قائلين: ﴿ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ [الأعراف: 59] وقال سبحانه: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ﴾ [النساء: 36]
ذلك لأن الشرك ظلم عظيم؛ لأن منع الشيء عن مستحقه وإعطاءه لغير مستحقه ظلم، فكيف إذا كان ذلك الشيء أعظم الحقوق، وهو حق الخالق سبحانه يعطى للمخلوق، ولذا قال سبحانه: ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13]
فالدعوة إلى الله تعالى بيان لحق الله تعالى على خلقه، ودعوة للجن والإنس أن يؤدوه إلى مستحقه؛ وأن يتركوا الشرك به وفروعه من كبائر الذنوب.
4- أنها دعوة للثقلين إلى ما أنزل الله تعالى لعباده رحمةً بهم: من الهدى ودين الحق الذي يتحقق باتباعه والاستقامة عليه الأمن والاهتداء، وتطيب الحياة، وتحفظ النعماء والأمن من معيشة الضنك والشقاء والرَّدى، فهي دعوة للفلاح والإسعاد، ونذارة من الشر والإفساد.
5- أنها دعوةٌ لتجنب الجحيم وما فيها من العذاب الأليم، وهداية إلى الصراط المستقيم، الموصل لمن سلكه إلى جنة النعيم وما فيها من أصناف التكريم، والنظر إلى وجه الله العظيم، والفوز بالرضوان وهو أكبر النعيم.
فلا أشرف من هذه الوظيفة، ولا أحد من الخلق أكرم عند الله تعالى ولا أرحم ولا أنفع للناس وأعظم إحسانًا إليهم ممن قام بالدعوة إلى إخلاص الدين لله تعالى على بصيرةٍ مخلصًا لله تعالى، محسنًا صابرًا محتسبًا، يرجو رحمة ربه ويخشى عذابه.
ومما يبين فضيلة الدعاة إلى الله تعالى، وعظم فضل الله عليهم بتوفيقهم للدعوة إليه؛ أمور:
1- قول الحق تبارك وتعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ ﴾ [آل عمران: 110] فمما أُثر عن السلف في تفسيرها أن المراد: كنتم خير الناس للناس وأنفعهم للناس؛ تجرُّونهم بالسلاسل فتدخلونهم الجنة، أي: بالدعوة إلى الله تعالى والجهاد في سبيل الله.
2- وقال تعالى مثنيًا على الدعاة إليه شاهدًا لهم بكرم العمل وعِظم الأجر لديه: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت: 33 - 35].
3- أن الله تعالى ضمن للدعاة إليه الفلاح والفوز بكريم الثواب وحسن المآب قال تعالى: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104].
4- وكما شهد الله تعالى للدعاة إلى سبيله بأنهم أحسن الناس قولًا في الدنيا، فقد أخبر بأنهم أعظمهم حظًّا في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾ [يوسف: 108] وقال تعالى: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104].
وقال سبحانه: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت: 34، 35].
5- أن الداعي إلى الله مخلصًا على بصيرة موعود باستمرار جَرَيان أجره في حياته وبعد موته.
فمما جاءت به السنة الصحيحة دليلًا على ذلك:
أ- الإخبار بأن ما يحصل للداعية من ثواب الدعوة خير من الدنيا وما فيها، كما قال صلى الله عليه وسلم: «فو الله لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من أن يكون لك حُمْر النَّعَم»[1]، يعني: خير لك من الدنيا وما فيها.
ب- أن الأجر مستمر للداعية ما انتفع أحدٌ بدعوته، قال صلى الله عليه وسلم: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه»[2].
ت- أن للداعية مثل ثواب من دعاه من غير أن ينقص من أجر المدعوّ شيء، قال صلى الله عليه وسلم: «من دل على خير فله مثل أجر فاعله»[3].
[1] أخرجه البخاري برقم (3701)، ومسلم برقم (2406).
[2] أخرجه مسلم برقم (2674).
[3] أخرجه مسلم برقم (1893).
التعليقات