عناصر الخطبة
1/ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من شعائر الإسلام 2/ عظم شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 3/ عزوف كثير من المسلمين عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 4/ أسباب العزوف عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 5/ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس تطفلاً على الناس ولا تدخلا في شئونهم 6/ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس مقصورًا على الحكام والهيئات فقط 7/ الحالات التي يجب فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كل أحداهداف الخطبة
اقتباس
شعيرة من شعائر الدين -عدها بعض أهل العلم من أركان الإسلام-، له دور في حفظ الأمن بشتى أنواعه الفكري، والسياسي، والأخلاقي، والاجتماعي، والنفسي، والاقتصادي، وفي حفظ الكليات الخمس، وفي الوقاية من الجرائم ومكافحتها، وفي ترابط المجتمعات، وفي إشاعة الخير، ونشر الفضيلة، وردع الرذيلة. شعيرة مربوطة بقوة إيمان العبد وضعفه، ومما يؤكد أهميتها مجيئها مقرونة بأركان الإسلام مما جعل بعض أهل العلم يعدها من أركان الإسلام، ومبانيه العظام ..
عباد الله: شعيرة من شعائر الدين -عدها بعض أهل العلم من أركان الإسلام-، له دور في حفظ الأمن بشتى أنواعه الفكري، والسياسي، والأخلاقي، والاجتماعي، والنفسي، والاقتصادي، وفي حفظ الكليات الخمس، وفي الوقاية من الجرائم ومكافحتها، وفي ترابط المجتمعات، وفي إشاعة الخير، ونشر الفضيلة، وردع الرذيلة.
شعيرة مربوطة بقوة إيمان العبد وضعفه، ومما يؤكد أهميتها مجيئها مقرونة بأركان الإسلام مما جعل بعض أهل العلم يعدها من أركان الإسلام، ومبانيه العظام كما في الحديث: «إِنَّ لِلإِسْلامِ صُوًى وَمَنَارًا كَمَنَارِ الطَّرِيقِ، مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ، وَلا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تُقِيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ...، فَمَنِ انْتَقَصَ مِنْهُنَّ شَيْئًا فَهُوَ سَهْمٌ مِنَ الإِسْلامِ تَرَكَهُ، وَمَنْ تَرَكَهُنَّ فَقَدْ نَبَذَ الإِسْلامَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ» رواه المروزي وصححه الألباني.
بل ورد تقديمها مرة على إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وطاعة الله ورسوله، قال تعالى: (وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة:71].
شعيرة عظيمة جاء الوعيد الشديد على تركها والتخاذل عنها، وأنه سبب لهلاك الأمم والمجتمعات نسأل الله السلامة والعافية، قال تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) [الإسراء:16].
قال ابن عباس رضي الله عنهما عن تفسيرها أي: "سلطنا أشرارها فعصوا فيها، فإذا فعلوا ذلك أهلكم الله بالعذاب".
إنها شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومع هذه الأهمية والمكانية العظيمة التي حظيت بها هذه الشعيرة أجد عزوف كثير من الناس فرادى وجماعات في مجتمعنا - وللأسف الشديد - عن القيام بها، والتخاذل عنها فيما يخصه وتحت إمرته ناهيك عما يكون في المجتمع عمومًا.
ويمكن إجمال أسباب هذا العزوف في ثلاثة أسباب جوهرية عامة:
الأول منها: البعد عن المنهج القرآني والهدي النبوي في تقرير هذه الشعيرة العظيمة وتأصيلها، وفي الدعوة إليها، وفي الترغيب العظيم لبثها في النفوس.
إضافة إلى غياب تلك المحفزات الدنيوية أو الأخروية العظيمة لإقامتها، وتغيب الوعيد الشديد في التخاذل عنها عن أذهاننا.
وأخيرًا من أسباب العزوف وجود معوقات وشبهات لعبت دورًا واضحًا في اختلاق وانتشار كثير من المنكرات وعزوفَ كثير من الناس - وللأسف الشديد- عن الإنكار، وإقامة هذه الشعيرة والدعوة إليها، لشبه ومعوقات أعوصتهم عن الحقيقة، وغررت بهم حتى ألقتهم في مهالك ومعاطب الرذيلة، والله المستعان، وهذه الأسباب مع أهمية بيانها وما تشكله من ثقل سيكون موضوع خطبتنا هذه اليوم والأسبوع القادم بإذن الله.
السبب الأول: الجهل بحكمها الشرعي، والتأثر بالمقولات الفاسدة كقولهم: "دع الخلق للخالق"، وقولهم: "لست وكيلاً على بني آدم"، "أو لهم ربٌ" ونحو ذلك.
فالبعض - للأسف - يظن أن القيام بهذه الشعيرة تطفُّل على عباد الله، وتدخُّل في خصوصياتهم، وتعدٍ على حرياتهم، وأضحى السكوت عن المنكر لديهم وإقراره وقارًا وحكمة.
وهذا كله باطل ومخالف صراحة لما في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما عليه صحابته رضوان الله عليهم، وسلفها الصالح، ولا يوجد ما يشهد له من قريب ولا من بعيد، بل هو من تلبيس إبليس، فإن الخالق هو من أمر بهذه الشعيرة وإقامتها، وتوعد تاركيها بالعذاب، وجعلها من أخص صفات المؤمنين الذين توعدهم برحمته: (وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة:71].
فلا شك أن في الأخذ بهذه العبارات، والدعوة إليها تعطيلاً واضحًا لشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجناية على دين الله، وتكذيبًا للنصوص الشرعية، واستدراكًا على أحكامها، وتنقصًا لما عليه الأنبياء والمرسلون، وما سار عليه الخلفاء الراشدون ومن بعدهم من سلف الأمة.
ثم لماذا هؤلاء يحصرون هذه المقالات في أمور الدين والنصح للمسلمين فقط دون المصالح الدنيوية بينهم؟! والله المستعان، بل الأمر الحسبة بالحكمة والموعظة الحسنة مطلوبة ومتعينة.
بارك الله لي ولكم ...
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين....
السبب الثاني: وهو فرع من الأول: ظن بعضهم وجوب هذه الشعيرة على الحاكم، والعلماء، والمسئولين في الأجهزة الرقابية التي تعنى بالحِسبة فقط.
وهذا الظن ليس على إطلاقه بل فيه تساهل كبير، وفتح باب شر عظيم على الأمة ومخالف لما قرره أهل العلم.
قال العلماء: "ولا يختص الأمر والنهي بأرباب الولايات والمراتب، بل ذلك ثابتٌ لآحاد المسلمين واجبٌ عليهم، وعلى المكلف تغيير المنكر بأي وجه أمكنه".
ثم من قال من الأئمة - وهم الجمهور -: إن القيام بها من فروض الكفايات قد أوجبه في بعض الحالات على غير الحاكم والعالم، وعلى من تعينه الدولة الإسلامية، كما هو مقرر عند كثير من أهل العلم.
ومن الحالات التي يجب فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كل أحد ما يلي:
أولاً: أنه يتعين على من لا يعلم به إلا هو، أو من كان لا يتمكن من إزالته إلا هو كأبٍ أو زوج.
قال الإمام النووي (676ه): "ثم إنه قد يتعين كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو، أو لا يتمكن من إزالته إلا هو، وكمن يرى زوجته أو ولده أو غلامه على منكر أو تقصير في المعروف".
ثانيًا: وكذا إذا كان قادرًا على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بلا ضرر، أو لم يقم به غيره.
فقد سئل الإمام أحمد (241ه)- رحمه الله - عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أهو واجب على المسلم؟ قال: نعم، قيل: فإن خشي؟ قال: "هو واجب عليه حتى يخاف، فإذا خشي على نفسه فلا يفعل".
وقال ابن عطية (542ه): "والإجماع على أن النهي عن المنكر واجب لمن أطاقه، ونهى بمعروف وأمن الضرر عليه وعلى المسلمين، فإن تعذر على أحدٍ النهيُّ لشيء من هذه الوجوه ففرض عليه الإنكار بقلبه، وأن لا يخالط ذا المنكر".
وقال القرافي (684هـ): "المسألة الثالثة قال العلماء: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على الفور إجماعًا، فمن أمكنه أن يأمر بمعروف وجب عليه".
ثالثًا: وهو متعين على من عرف من نفسه صلاحية المناظرة والجدال والمقام يستدعيه كما ذكر ابن العربي رحمه الله.
رابعًا: إذا كثرت المنكرات وقل الدعاة، وغلبَ الجهل كحالنا اليوم، والله المستعان.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز (1420ه): " فعند قلة الدعاة, وعند كثرة المنكرات, وعند غلبة الجهل كحالنا اليوم, تكون الدعوة فرض عين على كل واحد بحسب طاقته".
ومما ينبغي أن يشار إليه في هذا المقام أن بعض الأئمة ذهب إلى القول بأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين على كل قادر كالإمام إسحاق بن راهويه، وابن حزم، وابن العربي مرةً، وابن عبدالبر، وابن مفلح، وابن كثير، وعلي السبكي، والسرخسي، والشوكاني وغيرهم.
قال ابن مفلح (884ه): "الأمر بالمعروف وهو كل ما أمر به شرعًا والنهي عن المنكر وهو كل ما ينهى عنه شرعًا فرض عين".
وقال السرخسي (483ه): "النهي عن المنكر فرض على كل من يقدر عليه".
والذي يظهر لي أن حكم الحِسبة من جهة تحقق وجودها بوجه عام، والقيام بها في المجتمع واجب كفائي وبخاصة في الأمور الدقيقة غير المشتركة التي لا يعلمها إلا الخاصة.
وتكون واجبًا عينيًّا على كل مسلم في الأمور المشتركة الظاهرة، كلٌّ على حسب قدرته، وحدود مسئولياته.
يقوي هذا القول اتفاقهم على أن الإنكار القلبي متعين على كل مسلم، وظاهر حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه المتقدم.
قال ابن تيمية في معرض حديثه على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: "فإن مناط الوجوب هو القدرة، فيجب على كل إنسان بحسب قدرته قال تعالى: (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) "اهـ [التغابن:16].
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم... اللهم ارض عن صحابة نبيك أجمعين، اللهم ارزقنا فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، اللهم أغثنا غيثًا هنيئًا مريئًا سحًا غدقًا مجللاً نافعًا غير ضار....
اللهم آمنا في الأوطان والدور، وأصلح اللهم الأئمة وولاة الأمور.
ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان.
معاشر المسلمين: إن الله يأمركم بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهاكم عن الفحشاء والمنكر والبغي....... يعظكم لعلكم تذكرون.
التعليقات