عناصر الخطبة
1/أهمية مدارسة سير الصحابة الكرام 2/فضائل عثمان بن عفان 3/مناقب عثمان بن عفان وخصاله وصفاته 4/خلافته وجهاده واستشهاده.اقتباس
وأعظم عمل قام به -رضي الله عنه- في ولايته التي استمرت ثنتي عشرة سنة، أَنْ جَمَعَ الناس على مصحف واحد، حتى لا تختلف الأمة اختلاف اليهود والنصارى. وكان من عبادته أنه كان يختم في كل يوم وليلة القرآن الكريم، وصحَّ من وجوهٍ أنه -رضي الله عنه- قرأ القرآن كله في ركعة، فجمع -رضي الله عنه- بين أداء العبادة، والنفقة في سبيل الله.
الخطبة الأولى:
إن أجمل سيرةٍ بعد سير الأنبياء -عليهم السلام- سيرُ الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- فإن لهم فضلا كبيرًا، ومقامًا جليلاً، فكل خير فيه المسلمون إلى يوم القيامة فإنما هو ببركة ما فعله الصحابة -رضي الله عنهم- الذين بلَّغوا الدين، وجاهدوا لإعلاء كلمة الدين.
وهذا صحابي جليل، أحدُ السابقين الأولين، ومن العشرة المبشرين، صاحبُ الهجرتين، وزوجُ ابنتَيْ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، إنه أمير المؤمنين عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، صاحب سخاء وحياء، وعبادة وزهد.
قال عثمان -رضي الله عنه-: "اختبأت عند ربي عشرًا، إني لرابع أربعة في الإسلام، وما تعنَّيت ولا تمنَّيت -أي كذبت-، ولا وضعت يميني على فرجي منذ بايعت بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا مرّت بي جمعة منذ أسلمت إلا وأنا أعتق فيها رقبة إلا أن لا يكون عندي فأعتقها بعد ذلك، ولا زنيت في جاهلية ولا إسلام قط، وجهزت جيش العسرة، وأنكحني النبي -صلى الله عليه وسلم- ابنته ثم ماتت، فأنكحني الأخرى، وما سرقت في جاهلية ولا إسلام".
مِنْ بَذْله وجوده أنه قام -رضي الله عنه- بتجهيز جيش العسرة، وكان الناس حينها مُجْهَدين مُعْسِرين، فأَتى بألف دينار في ثوبه حين جهز جيش العسرة ووضعها في حِجْر النبي -صلى الله عليه وسلم-، فجعل يقلبها بيده ويقول: "ما ضَرَّ عثمانُ ما عمل بعد اليوم"(رواه أحمد).
وفي مسند أبي يعلى: "أنه جهز الجيش بسبعمائة أوقية من الذهب، وكان -رضي الله عنه- لا يتوانى عن المسابقة إلى الخيرات بما تجود به نفسه، فلما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء، وكانت لرجل من بني غِفار عينٌ يقال لها رُوْمة، وكان يبيع منها القِرْبة بمُدٍّ، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: تبيعها بعين في الجنة، فقال يا رسول الله: ليس لي عينٌ غيرُها، لا أستطيع ذلك.
فبلغ ذلك عثمان -رضي الله عنه- فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم، ثم أتى النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: أتجعلُ لي مثلَ الذي جعلتَ له عينًا في الجنة إن اشتريتها؟ قال: نعم، قال قد اشتريتها وجعلتها للمسلمين"(رواه الطبراني).
قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: "اشترى عثمان من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الجنة مرتين: يومَ رومة، ويومَ جيش العسرة".
أما حياؤه -رضي الله عنه- فاشتُهر به، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيته كاشفًا عن ساقه، فاستأذن أبو بكر، ثم عمر، وهو على تلك الحالة، فتحدثا، ثم استأذن عثمان فجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسوَّى ثيابه، فدخل، فتحدث.
فلما خرج قالت عائشة -رضي الله عنها-: "دخل أبوبكر فلم تجلس، ثم دخل عمر فلم تهشَّ له، ثم دخل عثمان فجلست، وسويت ثيابك، قال: "ألا أستحي من رجل تستحيي منه الملائكة"(رواه مسلم).
وقال أنس -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أرحم أمتي أبو بكر، وأشدهم في دين الله عمر، وأصدقهم حياءً عثمان"(رواه الترمذي)، وكان -رضي الله عنه- مِنْ صِدْق حيائه أنه لا يغتسل قائمًا.
وأعظم عمل قام به -رضي الله عنه- في ولايته التي استمرت ثنتي عشرة سنة، أَنْ جَمَعَ الناس على مصحف واحد، حتى لا تختلف الأمة اختلاف اليهود والنصارى.
وكان من عبادته أنه كان يختم في كل يوم وليلة القرآن الكريم، وصحَّ من وجوهٍ أنه -رضي الله عنه- قرأ القرآن كله في ركعة، فجمع -رضي الله عنه- بين أداء العبادة، والنفقة في سبيل الله.
-رضي الله عنه-، وعن صحابته نبيه -صلى الله عليه وسلم-
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية:
لعثمان -رضي الله عنه- فضلٌ في الصحبة والقرابةِ من آل بيت النبوة، فكان مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في طرقاته وخلواته، صَعِد جبلَ أُحدٍ مرةً، فاهتزَّ الجبل، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اثبت أحدُ، فإنما عليك نبي، وصدِّيق، وشهيدان"(رواه البخاري).
ومرةً بشَّر النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر وعمر بالجنة، وبَشَّر عثمانَ -رضي الله عنه- بالجنة مع بلوى تصيبه، فلما اشتد عليه الخارجون بدعاوى أقروا ببطلانها -منها أنه حَمَى الحِمَى- قال: "إني والله ما حَميت إلا ما حُمِي قبلي، وإني وَلَيت وإني لأكثر العرب بعيرًا وشاء، فمالي اليومَ غيرُ بعيرين لحجتي، أكذلك؟ قالوا: نعم".
فلما اقتربت ساعةُ المَنِيةِ أَعتق -رضي الله عنه- عشرين مملوكًا، ثم دعا بسراويل، فشدّها عليه حتى لا تبدوَ عورته إذا قُتل -ولم يلبسها في جاهلية، ولا في إسلام-، وقال: إني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- البارحة في المنام وأبا بكر وعمر فقال: "اصبر، فإنك تفطر عندنا القابلة، ثم نشر المصحف، فقتل بين يديه"(رواه أحمد).
وكان من دعاء عثمان -رضي الله عنه- على قتلته: "اللهم فشتّت أمرهم، وخالف بين كلمتهم، وانتقم لي منهم، واطلبهم لي طلبًا حثيثًا"، وقد استجيب دعاؤه في كل ذلك، قال ابن كثير -رحمه الله-: "لما بلغ سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وكان مستجاب الدعوة- مقتل عثمان -رضي الله عنه- دعا عليهم".
وقد أقسم بعض السلف بالله أنه ما مات أحد من قتلة عثمان إلا مقتولاً؛ أما الركب الذين ساروا إلى عثمان -رضي الله عنه- بقصد عزله، أو المشاركة في تأليب الناس عليه، فقال يزيد بن أبي حبيب: بلغني أن الركب الذين ساروا إلى عثمان -رضي الله عنه عامتهم جُنُّوا -أي أصابهم الجنون-".
فنسأل الله السلامة والعافية.
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه؛ فصلوا عليه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
التعليقات