عناصر الخطبة
1/ تعريف بسورة المرسلات 2/ مكان نزولها 3/ تفسيرها 4/ سبب نزول الآية 48 منها 5/ تعريف بسورة النبأ 6/ سبب نزولها 7/ تفسيرهااهداف الخطبة
اقتباس
أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: بينما نحن مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في غار بمنى إذ نزلت سورة "والمرسلات عرفا"، فإنه لَيتلوها وإني لأتلقَّاها مِن فيه، وإنَّ فاهُ لَرَطْبٌ بها، إذ وثبت علينا حية، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اقتلوها"، فابتدرناها فذهبَتْ، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وُقِيَتْ شَرَّكُم كَما وُقِيتُم شرَّها" ..
الحمد لله أعد لأوليائه خير الجزاء، وأعد لأعدائه سوء الحساب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، وسنتحدث اليوم بمشيئة الله تعالى عن سورة المرسلات، وهي السورة السابعة والسبعون في ترتيب المصحف الشريف، وهي خمسون آية وهي مكية عند أغلب المفسرين.
أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: بينما نحن مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في غار بمنى إذ نزلت سورة "والمرسلات عرفا"، فإنه لَيتلوها وإني لأتلقَّاها مِن فيه، وإنَّ فاهُ لَرَطْبٌ بها، إذ وثبت علينا حية، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اقتلوها"، فابتدرناها فذهبَتْ، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وُقِيَتْ شَرَّكُم كَما وُقِيتُم شرَّها".
وبدأت بقسم الله تعالى (وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا) [1]، قال جمهور المفسرين: هي الرياح أي المرسلات لأهل العرف، وهو ضد المنكر، أو متتابعة يتبع بعضها بعضاً كعرف الفرس. قال المفسرون: هي رياح العذاب التي يهلك الله بها الظالمين.
(فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا) [2]، وهي الرياح الشديدة الهبوب، يقال عصف بالشيء: إذا أباده وأهلكه، (وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا) [3]، يعني الرياح تأتي بالمطر، وهي تنشر السحاب نشراً، (فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا) [4]، يعني الملائكة تأتي بما يفرق بين الحق والباطل، والحلال والحرام، وقال مجاهد: هي الرياح تفرق بين السحاب فتبدده.
(فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا) [5]، هي الملائكة، أي تلقي بالوحي إلى الأنبياء، وقيل في كل ما سبق الملائكة، (عُذْرًا أَوْ نُذْرًا) [6]، أي: للإعذار والإنذار؛ وقيل عذراً للمحقين ونذراً للمبطلين. ثم ذكر الله سبحانه جواب القسم فقال (إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ) [7]، جواب القسم، أي: إن الذي توعدنه من مجيء الساعة والبعث كائن لا محالة.
ثم بين سبحانه متى يقع فقال: (فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ) [8]، أي: مُحِي نورُها، وذهب ضوؤها، (وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ) [9]، أي: فُتحت وشُقَّتْ وتصدَّعَتْ، (وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ) [10]، أي: قلعت من مكانها بسرعة وتطايرت وتناثرت، (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ) [11]، أي: جعل لها وقت للفصل والقضاء بينهم وبين الأمم، (لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ) [12]، أي: لأي يوم عظيم أخر الرسل؟ (لِيَوْمِ الْفَصْلِ) [13]، أي: الفصل بين الناس بأعمالهم إلى الجنة أو النار، (وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ) [14]، أي: وما أعلمك بيوم الفصل؟ يعني أنه أمر بديع هائل لا يقدر قدره.
(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) [15]، أي: مِن ذلك اليوم الهائل، والويل: الهلاك، أو واد في جهنم، وكرر هذه الآية في هذه السورة عشر مرات؛ لأنه قسم الويل بينهم على قدر تكذيبهم، فإن لكل مكذب بشيء عذاباً سوى تكذيبه بشيء آخر، ورب شيء الكذب به أعظم جرماً من التكذيب بغيره، فيقسم له من الويل على قدر ذلك التكذيب.
ثم ذكر سبحانه ما فعل بالكفار من الأمم الخالية فقال: (أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ * ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآَخِرِينَ * كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ) [16-18]، أي: أهلكنا الأمم الماضية من لدن آدم -عليه السلام- إلى محمد -صلى الله عليه وسلم-، ثم نتبعهم بكفار مكة، ومثل ذلك الإهلاك بفعل بكل مجرم، (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) [19]، أي: بذلك الإهلاك.
ثم قال (أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ * فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ) [20-23]، أي: خلقناكم من ماءٍ حقيرٍ وهو النطفة، فجعلناه في مكان حريز وهو الرحم، وذلك مدة الحمل للمرأة، فقدرناه إما طويلا أو قصيراً أو غيره، (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) [24]، أي: بقدرتنا على الخلق.
ثم قال (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا * وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا) [25-27]، أي: جعلنا الأرض ضامَّةً للأحياء على ظهرها والأموات في باطنها، تضمهم وتجمعهم، وجعلنا فيها جبالا طوالا، وأسقيناكم ماء عذبا، (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) [28]، أي: بهذه النعم.
ثم قال (انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ * انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ * لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ * إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ *كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ) [29-33]، أي: يُقال لهم توبيخاً وتقريعا: انطلقوا إلى ما كنتم تكذبون به في الدنيا من عذاب النار، انطلقوا إلى ظل من دخان جهنم قد سطع ثم افترق ثلاث فرق، تكونون فيه حتى يفرغ الحساب، وهذا شأن الدخان العظيم إذا ارتفع تشعب شُعباً.
وهو لا يُظل من الحر، ولا يرد حر جهنم عنهم، وهذه النار ترمي بشرر كالقصر، أي: كالبنيان العظيم في عظمتها، والشرر ما يتطاير من النار متفرقا، كأنه الإبل أو الجمال الصفر، أي: السود، (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) [34]، أي: بهذا العذاب.
ثم قال: (هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ * وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) [35-36]، أي: يوم لا يتكلمون، ولا يأذن الله لهم بالاعتذار من ذنوبهم، (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) [37] بما دعتهم إليه الرسل، وأنذرَتهم عاقبته.
ثم قال (هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ * فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُون) [38-39]، أي: هذا يوم الفصل بين الخلائق، والمراد بالأولين الكفار من الأمم الماضية، فإن قدرتم على كيد الله فكيدوا! يقال هذا تقريعاً وتوبيخاً لهم، (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) [40]؛ لأنه قد ظهر عجزهم وبطلان ما كانوا عليه في الدنيا.
ثم ذكر الله سبحانه حال المؤمنين فقال: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ) [41]، أي: في ظلال الأشجار، وظلال القصور، (وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ) [42]، أي: مما يُتفكَّهُ به مما تطلبه أنفسُهم، وتستدعيه شهَواتُهم، (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [43]، أي: يقال لهم ذلك، أي: بسبب ما كنتم تعملون في الدنيا من الأعمال الصالحة، (إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) [44]، أي: مثل ذلك الجزاء نجزي المحسنين في أعمالهم.
(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) [45]، حيث صاروا في شقاء عظيم وصار المؤمنون في نعيم مقيم، (كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ) [46]، يقال هذا للمكذبين، وفيه تهديد وزجر عظيم بسبب حالهم في الدنيا، (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) [47]، كرَّره لزيادة التوبيخ والتقريع.
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ) [48]، أي: وإذا أُمِروا بالصلاة لا يصلُّون، قال مقاتل: نزلت في ثقيف، امتنعوا عن الصلاة بعد أن أمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بها فقالوا: لا ننحني فيها فإنه مَسَبَّةٌ علينا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا خير في دين ليس فيه ركوع ولا سجود".
(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) [49] بأوامر الله سبحانه ونواهيه، (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) [50]، أي: فبأي حديث بعد القرآن يصدقون إذا لم يصدقوا به؟!.
عباد الله: هذه لمحة مجملة عن سورة المرسلات، نسأل الله أن ينفعنا بما جاء فيها من المواعظ والتذكرة، وأن ينفعنا بهدي كتابه الكريم، وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- خاتم الأنبياء والمرسلين، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله القائل: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر:9]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: عباد الله: تعالوا إلى وقفة مع سورة النبأ أو سورةِ عم، وهي السورة الثامنة والسبعون في ترتيب المصحف الشريف، وهي أربعون آية، وهي مكية عند الجميع.
بدأت بقوله تعالى: (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ) [النبأ:1]، أي: عن أي شيء يسأل بعضهم بعضاً؟ قال المفسرون: لما بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأخبرهم بتوحيد الله والبعث بعد الموت تلا عليهم القرآن جعلوا يتساءلون بينهم، يقولون: ماذا جاء به محمد؟ وما الذي آتى به؟ فأنزل الله (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ).
وبيَّنَهُ الله بقوله: (عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) [2]، وهو القرآن العظيم، (الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) [3]، فإنهم اختلفوا في القرآن، فجعله بعضهم سحراً، وجعله بعضهم شعراً، وجعله بعضهم كهانة، وبعضهم قال: أساطير الأولين! (كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) [4]، ردع لهم وزجر للكفار، (ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) [5]، للمبالغة في التأكيد والتشديد في الوعيد.
ثم ذكر سبحانه بديع صنعه، وعظيم قدرته؛ ليعرفوا توحيده، ويؤمنوا بما جاء به رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا) [6-7]، أي: جعلنا الأرض كالفِراش، وجعلنا الجبال أوتاداً لها لتسكن ولا تتحرك كما تُرسَى الخيام بالأوتاد؟ (وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا) [8]، أي: خلقناكم أصنافا ذكوراً وإناثاً.
(وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا) [9]، أي: راحة لأبدانكم، (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا) [10]، أي: سكناً لكم حيث نلبسكم ظلمته، ونغشِّيكم بها كما يغشيكم اللباس، (وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا) [11]، أي: وقتا للمعاش، والمعنى: أن الله عز وجل جعل النهار مضيئاً ليسعوا فيه فيما يقوم به معاشهم، وما قسمه الله لهم من الرزق.
(وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا) [12]، يريد سبع سماوات قوية الخلق، محكمة البناء، ولهذا وصفها بالشدة، وغلظ كل واحد منها مسيرة خمسمائة عام، (وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا) [13]، المراد به الشمس، والوهَّاج: الوقَّاد، يجمع النور والحرارة.
(وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا) [14]، المعصرات هي السحُب التي تنعصر بالماء ولم تمطر بعد، والثجَّاج: الضباب، (لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا) [15]، أي: لنخرج بذلك الماء حبا يُقتات، كالحنطة والشعير ونحوهما، والنبات ما تأكله الدوابُّ من الحشائش والكلأ وسائر النبات، (وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا) [16]، أي: بساتين ملتف بعضها إلى بعض لتشعب أغصانها.
(إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا) [17]، وهو يوم القيامة، أي: وقتا ومجتمعا للأولين وللآخرين يصلون فيه إلى ما وُعدوا به من الثواب والعقاب، وسمي بيوم الفصل: لأن الله يفصل فيه بين خلقه، وهذا شروع في بيان ما يتساءلون به من البعث.
(يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا) [18]، وهو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل، والمراد هنا النفخة الثانية التي تكون للبعث فتأتون إلى موضع العرض زُمَرَاً زمراً، وجماعات جماعات، (وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا) [19]، أي: فتحت لنزول الملائكة فصارت كالأبواب، (وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا) [20]، أي سُيِّرَتْ عن أماكنها في الهواء، وقُلعت عن مقارِّها، أي يظن الناظر أنها سراب، حيث يظن الناظر أنه ماء ثم يتضح له أنه لا شيء!.
ثم شرع الله سبحانه في تفصيل أحكام الفصل فقال: (إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا) [21]، أي: المكان الذي يرصد الراصد فيه العدو، (لِلطَّاغِينَ مَآَبًا) [22]، أي: مرجعاً يرجعون إليه، (لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا) [23]، أي: ماكثين في النار دهوراً لا تنقطع، والأحقاب: الدهور، قدر الحقب بثمانين سنة (لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا * إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا) [24-25]، أي: لا يذوقون في جهنم برداً ينفعهم من حَرها، ولا شراباً ينفعهم من عطشها، إلا حميماً وهو الماء الحار، وغسَّاقاً: وهو صديد أهل النار، (جَزَاءً وِفَاقًا) [26]، أي: موافقاً لأعمالهم.
(إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا) [27]، أي: لا يرجون ثواب الحساب بعد الموت، (وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كِذَّابًا) [28]، أي: كذبوا بالآيات القرآنية وبما هو أعم منها تكذيباً شديداً، (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا) [29]، أي: أحصينا كل شيء في اللوح المحفوظ لتعرفه الملائكة، (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا) [30]، ومن الزيادة في عذابهم أنها كلما نضجت جلودهم بدلهم الله جلوداً غيرها، وكلما خبت النار زادهم سعيراً، وذلك بشكل أبدي.
ثم شرع الله سبحانه في بيان حال المؤمنين فقال: (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا) [31]، أي: ظفراً ونجاة من النار، وفسر الله سبحانه المفاز فقال: (حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا) [32]، فالحدائق البساتين المـــَحيط عليها، والأعناب: الفاكهة المعروفة، (وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا) [33]، المراد: نساء كواعب، تكعَّبَتْ ثُدُيُّهُنَّ، أي: صارت ثديهن كالكعب في صدورهن، والأتراب: الأقران في السن.
(وَكَأْسًا دِهَاقًا) [34]، أي: ممتلئة متتابعة يتبع بعضها بعضاً، (لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا) [35]، أي: لا يسمعون في الجنة لغوا، وهو الباطل من الكلام، ولا كِذَّابَاً، أي: لا يكذب بعضهم بعضاً، (جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا) [36]، أي: جازاهم الله بما تقدم ذكره، وأعطاهم عطاء كافياً.
(رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا) [37]، أي: لا يملكون أن يسألوا إلا فيما أذن لهم فيه، وقيل: الخطاب الكلام، (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا) [38]، أي: لا يشفعون لأحد إلا مَن أذن له الرحمن بالشفاعة وقال حقا، (ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآَبًا) [39]، أي: يوم القيامة المتحقق وقوعه، فمن شاء اتخذ إلى ربه مرجعاً إليه بالأعمال الصالحة.
ثم زاد الله سبحانه في تخويف الكفار فقال: (إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا)، يعني العذاب في الآخرة، وكل ما هو آتٍ فهو قريب، (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ)، أي: يُشاهد ما قدمه من خير أو شر، (وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا) [40]، والمراد: جنس الكافر يتمنى أن يكون تراباً لما يشاهده مما أعده الله له من أنواع العذاب، ويتمنى أن لم يكن خلق.
عباد الله: هذه بعض معاني سورة النبأ، أسأل الله أن ينفعنا بها في الدنيا والآخرة، وبكتابه الكريم، وسنة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
وصلُّوا وسلِّموا -عباد الله- على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
التعليقات