عناصر الخطبة
1/ تعريف بسورة الجمعة 2/ تفسيرها 3/ فضلها 4/ أسباب نزول بعض آياتها 5/ ملخص لهااهداف الخطبة
اقتباس
سورة الجمعة مَدَنِيَّة، تناولت جانب التشريع، وركَّزَتْ على بيان أحكام صلاة الجمعة التي فرضها الله على المؤمنين، وتناولت بعثة خاتم الرسل محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-، وبيَّنَت أنه الرحمة المهداة التي أنقذ الله بها العرب من ظلام الشرك والضلال، وأكرم بها الإنسانية، فكانت رسالته بلسماً لعلاج أمراض المجتمع البشري بعد أن كان يتخبط في الظلام ..
الحمد لله الذي جعل لنا عيداً أسبوعياً نجتمع فيه لذكره وعبادته هو يوم الجمعة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك القدوس العزيز الحكيم، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله النبي الأمي الذي أرسله الله -عز وجل- بالكتاب والحكمة، صلَّى اللهُ عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
فيا عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله سراً وعلانية، وسيكون موضوع خطبتنا اليوم عن سورةِ الجمعة،ِ السورة الثانية والستين في ترتيب المصحف الشريف، وهي إحدى عشرة آية، وهي سورة مدنية.
أخرج مسلم وأهل السنن، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الجمعة (سورة الجمعة)، (وإذا جاءك المنافقون).
بدأت السورة بقوله تعالى: (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) [الجمعة:1]، أي: يُنَزِّهُه سبحانه كلُّ مخلوقاته، أو كلُّ ذي روح وغيره، (الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) [الجمعة:1]، مالك كل شيء، القدوس، أي: الطاهر من كل عيب، المنزَّه عن كل نقص، الغالب لغيره، الحكيم في كل الأمور التي قضى بها.
(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا)، المراد بالأميين: العرب، مَن كان يحسن الكتابة منهم ومن لا يحسنها؛ لأنهم لم يكونوا أهل كتاب. والأُمِّيُّ في الأصل الذي لا يكتب ولا يقرأ المكتوب، وكان غالب العرب كذلك، ومعنى: (مِنْهُمْ)، أي: من أنفسهم ومن جنسهم ومن جملتهم، وما كان حي من أحياء العرب إلا ولرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيهم قرابة، ووجه الامتنان بكونه منهم أن ذلك أقرب إلى الموافقة؛ لأن الجنس أصل إلى جنسه، وأقرب إليه.
أخرج البخاري وغيره عن أبي عمر -رضي الله عنه- قال: "إنَّا أمة أمية، لا نكتب ولا نحسب". (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ): يعني القرآن، مع كونه أميا لا يقرأ ولا يكتب، ولا تعلَّم ذلك من أحد، والمراد رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم-، (وَيُزَكِّيهِمْ) أي: يطهرهم من دنس الكفر والذنوب، (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)، هذه صفة ثالثة للرسول -صلى الله عليه وسلم-، والمراد بالكتاب القرآن، والحكمة السنة، وقيل الكتاب الخط بالقلم، والحكمة الفقه في الدين، (وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [2]، وإن كانوا من قبل بعثته إليهم في شرك وذهاب عن الحق.
(وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ)، أي: يبعث في آخرين من الأميين (لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) ذلك الوقت، وسيلحقون بهم فيما بعد، (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [3] بليغ العزة والحكمة. (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ)، أي: ما تقدم فضل ونعمة من الله يعطيه من يشاء من عباده (وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [4]، أي: الذي لا يساويه فضل ولا يدانيه.
(مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا) المراد: اليهود، ضرب الله سبحانه بهم مثلاً، حيث تركوا العمل بالتوراة الكتاب الذي أنزله الله على موسى -عليه السلام- إليهم فلم يعملوا بها ولا أطاعوا ما أمروا به فيها، (كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا)، أسفاراً جمع سفر: وهو الكتاب؛ لأنه يسفر عن المعنى إذا قرئ، (بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ)، أي: بئس هذا المثل الذي ضربناه لليهود مثلا للقوم الذين كذبوا بآيات الله! (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [5]، يعني على العموم، فيدخل فيهم اليهود دخولا أولياً.
فانظروا إلى هذا التمثيل الذي مثل الله -عز وجل- به اليهود الذين لا يعملون بما أنزل الله إليهم! وغيرهم مثلهم، (قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ)، المراد هنا اليهود، حيث ادَّعَوا الفضيلة على الناس، وأنهم أولياء الله من دون الناس، فأمر الله سبحانه رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن يقول لهم رداً لدعواهم الباطلة: (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ)، أي: ليصيروا إلى ما يصيرون إليه من الكرامة في زعمهم (إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [6] في هذا الزعم، فإن من زعم أنه من أهل الجنة أحب الخلوص من هذه الدار.
ثم أخبر سبحانه أنهم لا يفعلون ذلك أبداً بسبب ذنوبهم، فقال: (وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ)، أي: بسبب ما عملوا من الكفر والمعاصي والتحريف والتبديل، (وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) [7]، أي: عموماً، واليهود داخلون فيهم دخولا أولياً.
ثم أمر الله سبحانه رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن يقول لهم بأن الفرار من الموت لا ينجيهم، وأنه نازل بهم، فقال: (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ)، أي: لا محالة، ونازل بكم بلا شك، (ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ)، وذلك يوم القيامة، (فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [8] من الأعمال القبيحة، ويجازيكم عليها.
ومما جاء في فضل سورة الجمعة ما أخرجه البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كنا جلوساً عند النبي -صلى الله عليه وسلم- حين نزلت سورة الجمعة فتلاها، فلمَّا بلغ: (وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) قال له رجل: يا رسول الله! مَن هؤلاء الذين لمــَّــا يلحقوا بنا؟ فوضع يده على سلمان الفارسي -رضي الله عنه- وقال: "والذي نفسي بيده! لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء".
ثم وجه الله -عز وجل- النداء إلى عباده المؤمنين فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ)، أي: وقع النداء لها، والمراد به الأذان إذا جلس الإمام على المنبر يوم الجمعة؛ لأنه لم يكن على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نداء سواه.
ويوم الجمعة قيل: سمي بذلك لأن الله جمع فيه خلق آدم، وقيل لاجتماع الناس فيها للصلاة، وقيل غيره، (فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ)، يعني المشي والذهاب إلى الصلاة، (وَذَرُوا الْبَيْعَ)، أي: اتركوا المعاملة به، ويلحق به سائر المعاملات، قال الحسن: إذا أذن المؤذن يوم الجمعة لم يحل الشراء والبيع، (ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ)، أي: إن السعي إلى ذكر الله وترك البيع خير لكم من فعل البيع وترك السعي إلى ذكر الله؛ لما في الامتثال من الأجر والجزاء، (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [9]، أي: إن كنتم من أهل العلم القويم، والفهم السليم، فإنه لا يخفى عليكم أن ذلك لكم أفضل وأنفع.
(فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ)، أي: إذا أديتموها وفرغتم منها (فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) للتجارة والتصرف فيما تحتاجون إليه من أمر معاشكم (وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ)، أي: من رزقه الذي يتفضل به على عباده بما يحصل لهم من الأرباح في المعاملات والمكاسب، وقيل المراد به ابتغاء ما عند الله من الأجر بعمل الطاعات واجتناب ما لا يحل، (وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا)، أي: اذكروا الله ذكرا كثيرا بالشكر له على ما هداكم إليه من الخير الأخروي والدنيوي (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [10].
(وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا)، سبب نزول هذه الآية أنه كان بأهل المدينة فاقة وحاجة، فأقبلت عير من الشام والنبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب يوم الجمعة، فانفتل الناس إليها حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلا في المسجد وسبع نسوة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لو خرجوا كلهم لاضطرم المسجد عليهم ناراً ".
ومعنى (انْفَضُّوا إِلَيْهَا)، أي: تفرقوا خارجين إليها، أو مالوا إلى التجارة (وَتَرَكُوكَ قَائِمًا)، أي: على المنبر، ثم أمر سبحانه رسوله -صلى الله عليه وسلم- بأن يخبرهم أن العمل للآخرة خير من العمل للدنيا فقال: (قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ) من الجزاء وهو الجنة (خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ) اللذين ذهبتم إليهما وتركتم البقاء في المسجد وسماع خطبة النبي -صلى الله عليه وسلم-، (وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [11]، فمنه اطلبوا الرزق، وإليه توسلوا بعمل الطاعة؛ فإن ذلك من أسباب تحصيل الرزق، ومن أعظم ما يجلبه.
وجاء في فضل يوم الجمعة ما أخرجه مسلم وغيره عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خُلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا يوم الجمعة". وورد في فضل يوم الجمعة أحاديثُ كثيرةٌ، وكذلك في فضل صلاة الجمعة وعظيم أجرها، وفي الساعة التي فيها يستجاب الدعاء فيها.
عباد الله: هذه لمحة عن بعض معاني سورة الجمعة، وفضل يوم الجمعة، أسأل الله أن ينفعنا بها، وأن يرزقنا المحافظة على صلاة الجمعة، وأن يستجيب دعاءنا، وأن ينفعنا بهدي كتابه، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه وأشكره، هدانا ليوم الجمعة، واختصَّ به أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله: سورة الجمعة مدنية، تناولت جانب التشريع، وركزت على بيان أحكام صلاة الجمعة التي فرضها الله على المؤمنين، وتناولت بعثة خاتم الرسل محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-، وبينت أنه الرحمة المهداة التي أنقذ الله بها العرب من ظلام الشرك والضلال، وأكرم به الإنسانية، فكانت رسالته بلسماً لعلاج أمراض المجتمع البشري بعد أن كان يتخبط في الظلام.
قال ابن كثير -رحمه الله-: بعث الله -عز وجل- محمداً -صلى الله عليه وسلم- على حين فترة من الرسل، وطموس من السبل، وقد اشتدت الحاجة إليه، فقد كان العرب متمسكين بدين إبراهيم الخليل -عليه السلام-، فبدلوه وغيروه، واستبدلوا بالتوحيد شركاً، وباليقين شكاً، وابتدعوا أشياء لم يأذن بها الله، وكذلك كان أهل الكتاب قد بدلوا كتبهم وحرفوها، فبعث الله -عز وجل- محمدا -صلى الله عليه وسلم- بشرع عظيم شامل كامل، فيه الهداية والبيان لكل ما يحتاج الناس في أمر معاشهم ومعادهم، وجمع له تعالى جميع المحاسن، وأعطاه ما لم يعط أحدا من الأولين والآخرين.
ثم تحدثت السورة الكريمة عن اليهود وانحرافهم عن شريعة الله، حيث كلفوا بالعمل بأحكام التوراة ولكنهم أعرضوا عنها ونبذوها وراء ظهورهم، وضربت مثلا لهم بالحمار الذي يحمل على ظهره الكتب الكبيرة النافعة، ولكنه لا يناله منها إلا العناء والتعب، وذلك نهاية الشقاء والتعاسة.
ثم تناولت السورة الكريمة أحكام صلاة الجمعة، فدعت المؤمنين إلى المسارعة لأداء الصلاة، وحرَّمت عليهم البيع وقت الأذان ووقت النداء لها، وختمت بالتحذير من الانشغال عن الصلاة بالتجارة واللهو، كحال المنافقين الذين إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى متثاقلين.
أسأل الله أن نكون ممن يقيم الصلاة، ويحافظ عليها، ويؤديها في أوقاتها؛ وأن نكون ممن تنفعه صلاته في الدنيا والآخرة، إنه سميع قريب مجيب الدعاء.
وصلُّوا وسلِّموا عباد الله على خاتم رسل الله نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
التعليقات